أردوغان يحاول ترميم شعبيته عبرالتحرش العسكري باليونان

أردوغان يحاول ترميم شعبيته عبرالتحرش العسكري باليونان


31/08/2020

أطلقت تركيا، السبت الماضي، مناورات عسكرية جديدة في شرق المتوسط، في تحدٍّ واضح لتهديدات الاتحاد الأوروبي، الذي حذّر من عقوبات ستفرض على تركيا بسبب انتهاكها للمياه الإقليمية اليونانية، في حال لم تتوقف.  

لكن يبدو أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يكترث بالعقوبات على بلاده، مستمراً في نهج معادٍ لليونان، يرجع تاريخه لعقود عديدة.

 كلفة الحرب

تستمرّ أنقرة في انتهاكاتها بحقّ الجارة أثينا، منذ أكثر من قرنين، في حروب بدأت مع استقلال اليونان عن الدولة العثمانية، في منتصف القرن التاسع عشر، لكن يبدو أنّ تركيا ما تزال تعتقد أنّها تحكم المتوسط بموجب الخلافة التي تستدعيها من آن لآخر.

اقرأ أيضاً: هل قرعت تركيا طبول الحرب؟ وماذا سيكون موقف اليونان؟

ويرى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، يوسف بدر؛ أنّ تركيا لا تستطيع تحمّل كلفة الحرب، فمن سيحارب لا يتحدث عن الحرب؛ تركيا مثقلة بالأزمات ولا تستطيع إشعال الرأي العام في الداخل وتعبئة أنصار النظام الحاكم، إلا عبر دعاية الحرب، وليست بالحرب التي قد تقضي على الاقتصاد التركي ومن ثم سقوط النظام الحاكم.

ويتابع بدر، في تصريح لـ "حفريات": "إعلامياً في إطار التعبئة الجماهيرية؛ الأزمة مع اليونان، تشبه أهداف أردوغان من تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، خاصّة أنّ هناك تاريخ من العداء بين البلدَين والكراهية تجاه اليونان تحتلّ مساحة واضحة في أدبيات الإسلاميين المناصرين لنظام أردوغان؛ لذلك يكسب أردوغان من هذا العداء تعبئة أنصاره حوله، وكأنّ المسألة تتعلق بالإسلام والعداء تجاه الأتراك المسلمين، وعملياً في إطار المصالح الاقتصادية والأمنية؛ فتركيا بعد ترسيم الحدود بين مصر واليونان، اكتشفت أنّها باتت حبيسة وراء جزيرة قبرص، ولا يحقّق لها التنقيب عن ثروات منطقة شرق المتوسط؛ لذلك تستخدم تركيا سياسة التحرش عبر المناورات العسكرية وعمليات التنقيب عن الغاز والتهديد المستمر بالحرب، حتى لا تهنأ اليونان بالاستقرار وتسلّم للمطالب التركية التي تريد أن تحصل على مسافة حدودية أكبر في منطقة بحر إيجه بين تركيا واليونان، وبذلك يحقّ لتركيا الدخول إلى منطقة شرق المتوسط، وأيضاً تريد تركيا من هذا التهديد والتحرّش الوصول إلى التفاوض على الجزر اليونانية المجاورة لتركيا، والخلاف علي الحدود في هذه المنطقة".

أعلنت تركيا إجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، قبالة الساحل الشمالي لقبرص الأسبوع المقبل؛ حيث تخطّط اليونان أيضاً لمناورات بحرية مع فرنسا وقبرص وإيطاليا، ويبدو منها أنّ تركيا تحاول افتعال خلافات جديدة مع اليونان.

الحشد الإعلامي

تحاول تركيا حشد الإعلام والرأي العام لقضيتها غير العادلة، وتجلّى ذلك حين هدّد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بشنّ حرب على اليونان، وقال: "لا يمكن لليونان توسيع حدود مياهها الإقليمية إلى 12 ميلاً في بحر إيجة، وهذا سبب للحرب"، بذلك تقول تركيا إنّ اليونان هي التي تعتدي على حدودنا، وتريد أن تجبر اليونان على التنازل عن بعض الجزر الحدودية، وبذلك تتقلص حدود اليونان البحرية لصالح تركيا.

ويرى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، يوسف بدر؛ أنّ تركيا لا تستطيع تحمّل كلفة الحرب، فمن سيحارب لا يتحدث عن الحرب وتركيا مثقلة بالأزمات

وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد دعا إلى حوار إيجابي مع تركيا، لكن بشروط مسبقة. ويرى بدر؛ أنّ المناورات على الحدود اليونانية هي رسالة عداء ورفض للضغوط الأوروبية، خاصة أنّ الموقف الفرنسي ليس وحده الغاضب من أنقرة، بل المجموعة الأوروبية التي بدأت تتجه إلى فرض عقوبات أكبر على تركيا التي تعربد وتثير الفوضى، وتغرق الأوروبيين باللاجئين، فالأمر بدا فيه أنّ أنقرة لديها إستراتيجية بعيدة المدى تعتمد على إغراق المنطقة وأوروبا بالأزمات التي تؤدي إلى إنهاكها وتآكل اقتصادها وأسواقها؛ بما يؤدي إلى الانهيار لصالح التمدّد والهيمنة التركية.

ومع اقتراب انتهاء اتفاقية لوزان التاريخية والإستراتيجية، التي تبنيها تركيا على هذا الأمر، هناك تحركات أوروبية وأمريكية تهدف إلى تحجيم الأهداف التركية، لذلك تعدّ اليونان البديل المنافس لتركيا بالنسبة إلى العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، التي تخطّط لإنشاء قواعد عسكرية في المنطقة الحدودية، بين تركيا واليونان، في بحر إيجة، بما يضمن تحجيم السلوك التركي.

اقرأ أيضاً: مناورات عسكرية في تركيا واليونان تؤذن بالتصعيد... ما علاقة ألمانيا؟

رغم دور الوسيط، الذي لطالما حاول الاتحاد الأوروبي لعبه بين اليونان وتركيا، إلّا أنّ الانقسام بين دول الاتحاد تتباين مواقفها بشكل واضح، ففرنسا التي تعلن دعمها الواضح لأثينا، تحاول اجتذاب برلين الداعمة لأثينا، لكنّها لا تحمل اللهجة الحاسمة كما فرنسا، وتدين انتهاكات تركيا.

على حافة الهاوية

تحاول أنقرة تحسين وضعها التفاوضي المحتمل برعاية أوروبية من خلال انتهاجها سياسة حافة الهاوية والاستمرار في العناد والتعنت وإطلاق التصريحات التهديدية، ليس هذا فحسب، بل القيام بتحركات مستفزة للطرف اليوناني من خلال الإصرار على التنقيب في المياه الاقتصادية اليونانية.

الصحفي هشام النجار لـ "حفريات": تتعدى الأزمة التي وضع فيها أردوغان بلاده، من اقتصادية سياسية إلى وجودية وتاريخية، أقحم فيها تركيا برعونته وتهوّره ومزاجه الحادّ المتغطرس

 وبحسب الباحث في الشؤون العربية الإسلامية، والكاتب الصحفي بجريدة "الأهرام" المصرية، هشام النجار، فما لا شكّ فيه أنّ تركيا لا ترغب في الحرب مع اليونان، فهذا آخر شيء تتمناه، لكن لا خيارات أمام أردوغان، وليس أمامه سوى هذا التكتيك القائم على إدارة صراعات خارجية بحسّ قومي إسلاموي في ساحات عديدة، وهو المخرج الوحيد له كي يبرّر هيمنته واستمراره في السلطة، رغم مشكلاته الداخلية، ورغم الأزمة متعددة المستويات، اقتصادياً وسياسياً وحضارياً.

ويتابع النجار حديثه لـ "حفريات": "تتعدى الأزمة التي وضع فيها أردوغان بلاده، من اقتصادية سياسية إلى وجودية وتاريخية، أقحم فيها تركيا برعونته وتهوّره ومزاجه الحادّ المتغطرس، وأحلامه التي تنمّ عن هوس مرضي بمركز الإمبراطور والسلطان؛ لذلك يهرب لتلك السيناريوهات الخارجية ليجبر الأتراك على الرضوخ لإرادته والارتهان لمشروعه الوهمي، الذي تتضاءل أمامه، وفق ما يسوقه إعلامه، احتياجات الناس اليومية ومتطلبات التنمية والحريات وقيم الديمقراطية وتداول السلطة، إذاً؛ لا خيارات بديلة أمامه سوى التصعيد في مسارات  الخارج، وفي الوقت نفسه، يخشى أن يؤدي التصعيد لمواجهة حقيقية تصدم تركيا بالجدار الأوروبي، وتؤدي لتبعات لا تحمد عقباها، تهدّد مستقبله السياسي بالنظر إلى أنّ الذهاب بعيداً في تصعيد التوتر في العلاقات مع أووربا قد يطيح بشكل أسرع بأردوغان، سواء في حال إجباره على التراجع وتلقينه هزيمة مذلة، أو في حال فرض عقوبات تعمّق من أزمة الاقتصاد التركي".

كلّ هذا يعني أنّ أردوغان في مأزق مركّب، ومشهد في غاية التعقيد؛ لأنّ خياراته المحدودة جميعها محفوفة بالشيء الذي يخشاه ويرعبه وهو فقدان سلطته؛ لذلك يرى النجّار، أنه يُصعد لتحسين موقفه لكنّ سياسة حافة الهاوية دائماً سلاح ذو حدّين، فقد يحدث خطأ أو تصرف استفزازي يفضي إلى اندلاع مواجهة ويشعل صراعاً مسلحاً في أيّ وقت.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية