أرمينيا وأذربيجان، بوابة جديدة للغزو العسكري التركي

أرمينيا وأذربيجان، بوابة جديدة للغزو العسكري التركي


19/07/2020

جعلت تركيا التي لها طموحات جيواستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى، من أذربيجان الثرية بالمحروقات والتي يتحدث شعبها لغة متفرعة من التركية، حليفها الأساسي في المنطقة، وهي صداقة يعززها العداء المشترك لأرمينيا. وتدعم أنقرة باكو في رغبتها في استعادة ناغورني-قره باغ.

أما أرمينيا، فتكن ضغينة تجاه تركيا بسبب إبادة الإمبراطورية العثمانية نحو مليون ونصف مليون أرميني خلال الحرب العالمية الأولى. لكنّ تركيا ترفض هذا الوصف لما حدث وتتحدث عن مجازر متبادلة.

في الأثناء، تبقى روسيا أكبر قوة إقليمية، وهي تقيم مع أرمينيا علاقات أوثق من علاقاتها مع أذربيجان، لكنها تبيع الأسلحة للطرفين.

انضمت يريفان إلى أحلاف سياسية واقتصادية وعسكرية تهيمن عليها موسكو، أبرزها منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

وتحتاج أرمينيا إلى الشقيقة الروسية الكبرى أكثر من عدوها الأكثر ثراء، والذي ضاعف إنفاقه العسكري.

وأعلنت روسيا استعدادها الجمعة للوساطة بين أرمينيا وأذربيجان، لإنهاء المواجهات الحدودية المتواصلة منذ عدة أيام والتي تمثل أسوأ أحداث عنف بين الدولتين الواقعتين في القوقاز منذ 2016.

وعبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقائه مجلس الأمن القومي عن "قلقه العميق من التصعيد الحالي".

لكنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إنه لن يتردد في "الوقوف ضدّ أي هجوم" على أذربيجان وإن أرمينيا "في موقف صعب لا يمكنها التعامل معه" في الصراع، في تصريحات تمّ تفسيرها على أنها إشارة لباكو لطلب التدخل العسكري التركي المباشر على غرار ما قامت به حكومة الوفاق الليبية.

وقال إسماعيل دمير مدير هيئة الصناعات الدفاعية التركية أمس "صناعتنا الدفاعية، بكل خبراتها وتقنياتها وقدراتها، من طائراتنا المسيرة إلى ذخائرنا وصواريخنا وأنظمتنا الحربية الإلكترونية، تحت تصرف أذربيجان دائما!".

وتملك أرمينيا شتاتا واسعا ومؤثرا يتكون من أحفاد اللاجئين نتيجة القمع العثماني، وتستغله في الترويج لنفسها، وهو ما نجحت فيه خلال الأعوام الأخيرة عبر اعتراف القوى الكبرى في العالم بمذابح الأرمن التي قامت بها الدولة العثمانية، وتخصيص تلك الدول يوم 24 إبريل من كل عام لإحياء تلك الذكرى.

من بين الشخصيات المشهورة المتحدرة من أصل أرميني توجد نجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان والمغني الراحل شارل أزنافور والمغنية والممثلة شير وبطل العالم في كرة القدم مع منتخب فرنسا يوري دجوركاييف، وغيرهم.

وقد صار بعض هؤلاء سفراء غير رسميين ليريفان، على غرار كيم كارداشيان في ما يخص الإبادة، شارل أزنافور الذي جمع تمويلات لمساعدة أرمينيا عقب الزلزال المدمر الذي ضربها عام 1988.

بالمقابل، استضافت العاصمة الأذرية باكو، العام الماضي، اجتماعاً لمؤتمر وكالات الاستخبارات في مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية، حيث أقيم الاجتماع بضيافة رئيس جهاز أمن الدولة الأذري، علي ناغييف، وشارك فيه رئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان.

وتعتمد 6 دول، التركية ولهجاتها لغة رسمية لها، هي أذربيجان وجمهورية شمال قبرص التركية وتركمانستان وأوزبكستان وقرغيزيا وكازاخستان.

ومن المُلفت تزايد الحديث في وسائل الإعلام الروسية والتركية على حدّ سواء عن دول الاتحاد السوفييتي السابق الناطقة بالتركية، مما قد يُشكّل خلافاً في النفوذ لا يُستهان به بين موسكو وأنقرة في المستقبل القريب.

وتوقفت موسكو مؤخراً عند خطورة تصريح وزير العلاقات التركية مع جمهوريات رابطة الدول المستقلة الناطقة بالتركية، بأن "الجمهورية التركية، خليفة الإمبراطورية العثمانية العظيمة، وعليها أن تنشئ تحالفًا مع أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان وتركمانستان، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة حادة مع روسيا".

ويرى كبير الباحثين في أكاديمية العلوم الروسية والأستاذ المساعد في الأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية الروسية، فلاديمير أفاتكوف، أنّ "أنقرة، تريد أن تصبح سيدة العالم التركي. فأكثر القوميين الأتراك تطرفاً واثقون من أن جميع الأتراك يجب أن يتوحدوا تحت راية تركيا ويعيشوا وفقا للقواعد التركية. المنطقة رقم واحد، هي الدول التركية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي؛ والمنطقة رقم 2 حيث الشعوب التركية في مختلف دول ما بعد الاتحاد السوفيتي.. في الأولى، تركيا نشطة للغاية، وفي الثانية، تتوسع بشكل كبير من خلال العلم والتعليم. كل هذا جزء من أيديولوجية تركيا لنشر نفوذها".

ضغينة راسخة

وكما هي الحال بين أنقرة ويريفان، تسود منذ عقود ضغينة راسخة بين أرمينيا وأذربيجان، الدولتان السوفياتيتان السابقتان الواقعتان في القوقاز، على خلفية نزاع حول الأراضي.

توجد منطقة ناغورني-قره باغ في محور العلاقات المتوترة بين يريفان وباكو. وقد ألحقت السلطات السوفياتية هذا الجيب الذي تسكنه أغلبية أرمينية بأذربيجان عام 1921، لكنه أعلن استقلاله عام 1991 بدعم من أرمينيا.

تلى ذلك حرب أدت إلى مقتل 30 ألف شخص ونزوح مئات الآلاف. ورغم توقيع اتفاق وقف لإطلاق النار عام 1994 وقيام وساطة روسية أميركي فرنسية تحت اسم "مجموعة مينسك"، لا تزال الاشتباكات المسلحة متواترة.

وجرت آخر المعارك الجديرة بالذكر في إبريل 2016، وقد أدت إلى مقتل 110 أشخاص.

وشهدت أرمينيا التي صارت مسيحية منذ القرن الرابع، تاريخا مضطربا بعد استقلالها عام 1991. عرفت هذه الدولة الفقيرة وغير الساحلية عدة ثورات وعمليات قمع دموية، وعمليات اقتراع مطعون فيها، على خلفية نزوع عدة زعماء لممارسات زبائنية وسلطوية.

أوصلت ثورة سلمية في ربيع 2018 رئيس الحكومة الحالي نيكول باشينيان إلى السلطة. أجرى هذا الأخير إصلاحات، لقيت ترحيبا واسعا، لإحلال الديموقراطية واجتثاث الفساد.

في المقابل، تمثل أذربيجان بلداً شيعياً على ضفاف بحر قزوين، تحكمها عائلة واحدة منذ 1993. أدار الضابط السابق في المخابرات السوفياتية حيدر علييف البلد بقبضة من حديد حتى أكتوبر 2003، حين أورث السلطة إلى ابنه إلهام قبل بضعة أسابيع من وفاته.

وعلى غرار والده، لم يسمح إلهام علييف ببروز أي معارضة، وعيّن في 2017 زوجته مهريبان نائبة للرئيس.

وتسعى أذربيجان إلى تحسين صورتها في العالم، خاصة في الغرب، لإزالة سمعتها كبلد سلطوي تسوده المحسوبية، وتستخدم في ذلك مواردها النفطية.

استثمرت باكو في عقود الرعاية، خاصة في كرة القدم ولا سيما في بطولة أمم أوروبا 2020 التي أجّلت بسبب فيروس كورونا المستجد. ستستقبل باكو مباريات من هذه البطولة، كما صارت تنظم منذ 2016 جائزة كبرى للفورمولا 1.

يسعى البلد أيضا إلى فرض نفسه في أوروبا كبديل للمحروقات الروسية.

عن "أحوال تركية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية