أسامة عثمان: الاعتقال أنقذني من محاولة اغتيال نجيب محفوظ (3)

مصر والسلفية

أسامة عثمان: الاعتقال أنقذني من محاولة اغتيال نجيب محفوظ (3)


12/04/2018

في الحلقتين السابقتين (1) (2) من حوار السلفي السابق أسامة عثمان لصحيفة "حفريات"، ذكر بدايات اللقاء مع الجماعة، وتصاعد حدة المواجهات مع الدولة. كما روى كيف أدركت الجماعة، في المعتقل، أخطاء الماضي القريب، فراحت تضع إستراتيجية للعمل الجديد، وإصدار بحوث تعالج مسائل التكفير، والامتناع عن تطبيق شرع الله.

وفي الحلقة الثالثة والأخيرة يستكمل عثمان البحث عن حلمه في النجاة من النار، التي ظنّ أنّه آتيها إن انضم لصفوف الجماعة الإسلامية في مصر، وكيف كان يحلم بالاشتراك بالتخطيط لمحاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ، غير أنّ اعتقاله قبل التنفيذ بشهور كان حائلاً دون ذلك!

بدأت رحلة أسامة عثمان مع المعتقل أوائل عام 1993، في الفترة التي بدأ فيها حلم الانضمام للجناح العسكري للجماعة يلوح في الأفق، مرت أعوام وأسامة عضو بلجان الدعوة، غير أنّه بات يحلم بالشهادة في سبيل الله مثل بقية أقرانه، عن رحلة المعتقل يقول أسامة:

كانت نظرية الجماعة الإسلامية في مواجهتها للنظام السياسي أنّها تقوم بتقطيع أوصاله جزءاً جزءاً

"عام 1993 كان قد جاءنا أمير آخر بدلاً من عماد زكي، مؤسس الجماعة الإسلامية في أحياء المطرية والأميرية وعين شمس الغربية، اسمه ثروت، كنت أعتقد، في أول الأمر أنّه اسمه الحقيقي، لكن اكتشفت، بعد فترة، أنّه اسم حركي يستخدمه للتخفي، وأنّ اسمه الحقيقي حجاج.

وفي شهر مارس أو أبريل، على ما أذكر، جاءنا أمر أنّه سوف نقوم بمظاهرة في جامعة القاهرة لا أذكر سببها، لكن تمّ حشدنا كقطيع الخراف، وحدث أن أعتقل أحد المسؤولين عن تنظيم المظاهرة في الليلة السابقة لها، وذهبنا هناك ووجدنا قوات الأمن تتواجد بكثافة، وفجأة وجدتنا محاطين بالقوات الخاصة بزيها الأسود الشهير، وفي أيديهم المدافع الرشاشة، وأمرونا بإظهار البطاقات الشخصية، كي يعرفوا من جاء من مناطق بعيدة ليتم القبض عليه، كنت أحمل مطواة للدفاع عن النفس عند أيّة اشتباكات، بدأت في إخراج بطاقتي الشخصية في الوقت، الذي كان هناك سيارة لنقل الركب تمر أمام الجامعة، ورأيت أحد أصدقائي ينسل من بين المتواجدين مستغلاً الارتباك الواضح على أفراد القوة التي أحاطت بنا، متجهاً إلى السيارة ليركبها، فمشيت من بين الجنود وراءه، وركبت الباص، وكأنّني أحد المواطنين الذاهبين إلى أعمالهم، ونجوت من هذا المأزق.

رجعنا إلى المطرية، وقابلت ثروت، وأمرنا ألّا يبيت أحد من الذين لم يقبض عليه في بيته، وفعلاً ذهبت أنا وأخي إلى بيت جدي في حي النزهة، مكثنا هناك عدة أيام نرتاد المسجد القريب من البيت في كلّ صلاة، وبعد عدة أيام، وأنا نائم في سريري، وجدت من يوقظني من نومي قبل الفجر، كان أحد ضباط أمن الدولة، استيقظت فوجدتني محاطاً بالقوات الخاصة، وضباط أمن الدولة، لتبدأ رحلتي مع الاعتقال".

سقوط الجناح العسكري

الضربات المتلاحقة التي تلقتها الجماعة، دفعتها للعمل بقوة على تهيئة الجناح العسكري لها، حتى يكون جداراً بينها وبين الدولة، غير أنّ الجناح العسكري للجماعة لم يسلم من تلك الضربات، التي أفقدته توازنه سريعاً.

يقول أسامة عثمان عن تلك الفترة: "كانت الجماعة تعلم أنّ النظام يحضّر لتوجيه ضربة قوية لها تنهي وجودها، وأنّها بدأت طريق اللاعودة، فقامت بإرسال مجموعات من شبابها للتدريب في أفغانستان عام 1991، ورجعوا عام 1992 بأوامر باغتيال بعض الشخصيات في الدولة، وبعض رموز الفكر، لكن قبض عليهم قبل أن ينفذوا أيّ شيء، وعندما دخلت المعتقل، عام 1994، علمت أنّ سبب القبض عليهم هو أخو ناجح إبراهيم، القيادي المؤسس للجماعة، علمت هذا الأمر من أحد رفاق المعتقل، على أنّه سرّ لا يجوز تداوله حفاظاً على مشاعر الشيخ، من أن ينتشر بين أفراد الجماعة أنّ أخوه عميل أمن دولة!.

ناجح إبراهيم

ألقي القبض على هذه المجموعة، وقدِّموا إلى المحاكمة العسكرية، وكان ممن قبض عليهم صديق لي من المطرية يكبرني بعامين، ظلّ في المعتقل من 1992 – 2007، ولم أقابله إلّا في ميدان التحرير بعد الثورة، فقد كان مشاركاً فيها من أولها".

تدهور وضع الجناح العسكري، من تلاحق الضربات، ساهم في اندثاره بمرور الوقت، القبض على مجموعة أفغانستان لم يكن السبيل الأول والأخير الذي قضى على الجناح العسكري.

عملية أخرى نفّذها الأمن المصري، من خلال تجنيد أحد أعضاء الجناح العسكري للعمل لصالحه، عن ذلك يقول أسامة: "أثناء عقد قران أحد الإخوة، دخل علينا عضو جديد عريف بالقوات المسلحة، وهو يحمل قنبلة في يديه، قال للأمير المسؤول إنّه يريد أن يحمي من بالمكان، خشية مداهمته من قوات الأمن، نهره الأمير على فعلته، غير أنّه ألحّ كثيراً عليه أن يضمّه للجناح العسكري، وقد كان، وبالفعل اشترك في بعض العمليات، ثمّ بمرور الوقت، تغيرت قناعاته، وارتدّ عن الإيمان بدعوة الجماعة الإسلامية.

خرج أسامة من المعتقل، ليبدأ رحلة البحث من جديد تاركاً الحلم بأن يكون من أنصار الفرقة الناجية

هنا وجد أنّ أكثر الحلول الآمنة بالنسبة إليه، أن يذهب بنفسه لمقرّ أمن الدولة، ويعترف بما كان، عندها طلبوا منه أن يستمر بين ظهراني الجماعة، حتى يبلغهم أولاً بأوّل بما يدور داخل الجناح العسكري، واستطاع أن يرشد الأمن إلى مجموعة عرفان الخولي، التي قبض عليها بالكامل، ثم أرشد الأمن لسبعة آخرين كانوا مختبئين في شقة بالزاوية الحمراء، وتمّت تصفيتهم من جهة قوات الشرطة.

وعندما أجرت الجماعة تحقيقاً في المسألة، وجدوا أنّ هذ الأخ، العريف بالقوات المسلحة، هو العنصر المشترك في كلّ تلك المجموعات التي تم كشف عنها، هنا أصدر القيادي بالجماعة، طلعت ياسين همام، بياناً نشرته الصحف، أشار فيه إلى أنّ هذ الأخ لم يعد عضواً في الجماعة، وأنّه مرشد لجهاز مباحث أمن الدولة، ذلك البيان كان سبباً في إحالة العريف للمحاكمة العسكرية، وصدر ضدّه حكم بالإعدام، لولا تدخّل أمن الدولة بينه والقوات المسلحة، والتعريف بالخدمات التي قدّمها للدولة، ما خفف الحكم إلى السجن خمسة عشر عاماً، لكنّه سجن في النهاية ستة أعوام فقط".

صراع الفرق الناجية

سيطرة الجماعة الإسلامية على مشهد العمل المسلح لم يستمر طويلاً، فقد نازعتها فيه جماعة الجهاد المصرية، بقيادة أيمن الظواهري، مع بدايات عام 1993، عن تلك المرحلة يقول أسامة عثمان: "في هذه الفترة من عام 1993؛ اتخذت جماعة الجهاد قرار النزول إلى ساحة الجهاد الإسلامي! خوفاً من أن تسيطر الجماعة الإسلامية على الساحة، وتأخذ منها الأضواء، فقامت بمحاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء حسن الألفي، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عاطف صدقي، في هذه الفترة قامت الجماعة الإسلامية أيضاً بمحاولة فاشلة لاغتيال وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف، ومحاولات ناجحة كثيرة لقتل ضباط، وعساكر، ومخبري الشرطة.

 وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف

وعن تفسير أسباب اغتيال أشخاص محددين، وهل كان الاغتيال عشوائيّاً أم مخططاً له بعناية، يقول أسامة: "كانت نظرية الجماعة في مواجهتها للنظام أنّها تقوم بتقطيع أوصاله جزءاً جزءاً، فالنظام له ذراع اقتصادي، فكانت عمليات ضرب السياحة، وعمليات تفجير البنوك، لضرب اقتصاد النظام، والنظام له ذراع عسكري، فكانت عمليات قتل الضباط، والعساكر، والمخبرين، والنظام له ذراع سياسي، فكانت محاولة قتل وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف، وكان المستشار السياسي لمبارك الدكتور أسامة الباز مستهدفاً، والنظام له ذراع فكري، فكان اغتيال المرحوم فرج فودة، ومن بعده المحاولة الفاشلة لاغتيال الروائي نجيب محفوظ، في تشرين الأول (أكتوبر) 1994، التي كنت سأشارك فيها، لكنّ الاعتقال نجاني منها".

سياسة تقطيع الأوصال

يستكمل أسامة حديثه عن سياسة تقطيع أوصال النظام، قائلاً: "كانت هذه نظرية الجماعة الإسلامية في مواجهتها للنظام "سياسة تقطيع الأوصال"، حتى يصبح مثخناً بالجراح سهل ضرب الرأس، والقضاء التام عليه، واستبداله بآخر إسلامي، هذه النظرية لم تمنع، مع ذلك، من محاولة اغتيال مبارك عدة مرات، وكانت تعدّ ضربة موجعة للنظام بقتل رئيسه، فإن لم تؤدّ إلى إزالة النظام، فحتماً ستضعفه، وستكون خطوة على طريق إسقاط النظام العلماني الكافر".

في النصف الثاني من عام 1993، زادت حدة مطاردات أفراد الجماعة، وأصبح أسامة يبيت خارج بيته خوفاً من القبض عليه، فأحياناً يبيت في مسجد، وأحياناً عند أحد الأصدقاء، وأحياناً أخرى في أحد البيوت تحت الإنشاء وغير المسكونة، ينام على الأرض فتكون له فرشاً وغطاءً، وأحياناً لا يجد مكاناً فيهيم على وجهه طول الليل حتى يطلع الصباح، فيرجع إلى بيته، وينام فيه.

عن تلك الفترة، التي شهدت الاعتقال الثاني، يحكي أسامة عثمان: "في أحد الليالي، في تلك الفترة، كنت مستغرقاً في نومي، فجاءت أمي توقظني، وهي ترتعد من الخوف، "فقلت لها: مالك؟ قالت: الحق اهرب، البوليس جاء للقبض عليكما"، فنظرت من الشباك، فوجدت الضابط ينظر إلى شقتنا، ويتأهب للصعود، فقلت لأمي أيقظي أخي، وأنا سوف أسبقه بالهروب، فتحت باب الشقة، وصعدت إلى الدور الثاني، ووقفت على شباك المنور، مستعداً للقفز على البيت الذي يجاورنا، وعندما وجدتهم بدؤوا يكسرون جنزير باب البيت، الذي كنا نضعه تحسباً لهذه الظروف، قفزت على سطح البيت المجاور لنا، ومن سطح بيتهم لسطح البيت المجاور لهم.

وهكذا حتى وصلت إلى البيت الموجود على أول حارتنا، فاختبأت على سطحه لحين ذهاب قوات الشرطة، ثم خرجت من ذلك البيت، وجريت داخل أحد الحارات الضيقة، في عزبة تجاورنا اسمها (عزبة الصعايدة)، واشتدت الضغوط الأمنية على الجماعة بصورة رهيبة، وأصبح هناك بعض الأشخاص المطلوبين، أحياءً أو أمواتاً، لخطورتهم، وكان منهم الشيخ ثروت، ما حدا بالجماعة لتحويله من الجناح الدعوي إلى الجناح العسكري، وانضمّ وبعض أفراد الجماعة من منطقة المطرية للجناح العسكري، كنا نعرف ذلك التحول عندما يقوم الشخص، الذي تم اختياره للجناح العسكري بحلق لحيته، وترك الحفاظ على الهدي الظاهر "الزي الإسلامي"، وكذلك أصبحت المطرية مرتعاً لأفراد الجناح العسكري من الصعيد، فوجدوا عندنا ملاذاً للاختباء من ملاحقات الأمن".

اغتيال نجيب محفوظ

اعتقل أسامة للمرة الثانية، في نهايات العام 1994، لفترة امتدت حتى عام 1998، ورغم أنّ الاعتقال في ظاهره شرّ، إلّا أنّه كان خيراً لعضو الجماعة الإسلامية، أسامة عثمان، فقد أنقذه المعتقل من أن يكون ضمن المجموعة التي نفذت محاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ.

عن تلك العملية يقول أسامة: "ملاحقات الأمن كانت قد اشتدت، ولم يعد أحدنا يبيت في منزله، نختبئ في منازل غير معروفة للأمن، داخل مناطق المطرية وعين شمس، في تلك الفترة طلب أحد الإخوة معاونتي في إخفاء عضو الجماعة "باسم خليل" عن أعين الأمن، علمت أنّ باسم كان قد سبق أن فرّ إلى ليبيا، وهناك تحركت مشاعره ناحية الجهاد من جديد بعد سماعه لخطبة صوتية للدكتور أيمن الظواهري، وشعر باسم خليل أنه فرّ هارباً، ولم يقدم النفيس والغالي في سبيل الدعوة، فقرّر العودة من جديد ليكون ترساً في معول الجهاد، ساعدت باسم في الاختباء، كان يختبئ عندي بضعة أيام، ويختبئ أخرى عند بعض الإخوة غيري، وفي يوم ما طلب مني وسيلة للتواصل مع قيادات الجماعة الإسلامية، فهو يحمل بين يديه مخططاً لتنفيذ عملية جهادية، وافقت على الفور شريطة أن يشركني معه في العملية، فقد آن وقت الانتقال من العمل الدعوي إلى العمل المسلح، أنا أيضاً أودّ لو قدمت نفسي في سبيل الله، غير أنّه، وقبل التنفيذ ببضعة أشهر، تم اعتقالي، وفي السجن عرفت بخبر محاولة اغتيال نجيب محفوظ التي نفّذها باسم خليل، وآخرون من أعضاء الجماعة بحي المطرية وعين شمس".

أيمن الظواهري

مبادرة وقف العنف

في المعتقل، تبدّلت قناعات أسامة عثمان، الاقتراب عن كثب من قيادات الجماعة الإسلامية في المعتقل، وفرد مساحات من الحوار والنقاش كشفت صورة جند الله الحقيقية أمامه، فبدأ في غزل رحلة الترك، بداية من عام 1996، يقول أسامة: "تركت الجماعة الإسلامية تنظيمياً في نهايات التسعينيات، غير أنّني أبقيت على يقيني في أنّ الجماعة الإسلامية هي الجماعة المختارة، وأنّ أزمتها الحالية في الأفراد القائمين على التنظيم، وأنّهم أقّل من أن يكونوا في تلك المسؤولية الكبيرة، وهي إدارة الجماعة الإسلامية، لكن عام 2001، مع عودة الحديث عن مبادرة وقف العنف ومراجعات الجماعة الإسلامية، ظهر لي كيف كنّا مجرّد خراف تحركنا القيادات، يقولون يجب أن نقتل من أجل تطبيق شرع الله فنسمع ونطيع، ثم عندما يقولون أخطأنا فى استخدام القتل وسيلة، وعلينا أن نسمع ونطيع أيضاً".

خرج أسامة من المعتقل عام 2002، ليبدأ رحلة البحث من جديد، والتي انتهت بحصوله على حق اللّجوء في دولة هولندا عام 2013، تاركاً خلفه أعواماً من البحث، والحلم، في أنّه سيكون يوماً واحداً من جند الله، أنصار الفرقة الناجية من النار.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية