أسرار حوارات القيادي الإخواني أبو شقة مع حسن البنا وأعضاء النظام الخاص‎

أسرار حوارات القيادي الإخواني أبو شقة مع حسن البنا وأعضاء النظام الخاص‎

أسرار حوارات القيادي الإخواني أبو شقة مع حسن البنا وأعضاء النظام الخاص‎


05/10/2023

كتب القيادي الإخواني الراحل عبدالحليم أبو شقة رسالة وذلك في أوائل الثمانينيات، بلغت حوالي 10 ورقات، ينتقد فيها قادة النظام الخاص للجماعة، استعان فيها بصفحات من ظلال القرآن لسيد قطب، ونقل منه مباشرة، مؤكداً أنّ علاقة التابع بالمتبوع سواء في عمل حزبي أو غيره، وفي أي زمان أو مكان، هي البراءة التي لا تغني من العذاب، والغفلة التي تقود إلى إهدار أغلى ما لدى الإنسان وهو حريته، و"هكذا تكون النتيجة واحدة في كل الحالات، طالما كانت هناك هذه التبعية المقيتة للقيادات المريضة القعيدة الكسيحة التي تحتكر الأمر والنهي".

من هو عبدالحليم أبو شقة؟

ولد القيادي المعروف عبد الحليم محمد أحمد أبوشقة في حي الجمالية بالقاهرة في 28 آب (أغسطس) 1924م، وكان يتردد على عدد من الجمعيات مثل؛ الجمعية الشرعية والمدرسة السلفية والمدرسة الصوفية وحزب التحرير الإسلامي والإخوان التي استقر بها، وصحب البنا، وناقشه كثيراً في ضرورة التخلي عن الاشتغال بالسياسة.

عبدالحليم أبو شقة

يقول حسين القاضي في مقال له بصحيفة "الوطن"  المصرية إنّ الرجل حاور البنا كثيراً حول ضرورة اهتمام الإخوان بالتربية، والتقليل من النشاط السياسي الذي ابتلع معظم مجهودات الإخوان، وحذر كثيراً من خطر الانشغال بالعمل السياسي على حساب الفكر والتربية، وجاء في مذكراته المخطوطة: "إنّ البنا بدأ يتجه إلى اعتزال السياسة والتركيز على الجانب التربوي، وقد بدأ يعلن هذا بين بعض قيادات الجماعة، وأنه رفض التعاون مع الوفد لإسقاط حكومة السعديين من منطلق أنّ الجماعة في طريقها لاعتزال السياسة، كما رفض دعوة إبراهيم عبدالهادي، الذي كان يشغل رئيس الديوان الملكي، للقائه لنفس السبب".

كتب القيادي الإخواني الراحل عبدالحليم أبو شقة رسالة أوائل الثمانينيات ينتقد فيها قادة النظام الخاص

أنشأ أبو شقة مع بعض أصدقائه مكتبة سُمّيت "مكتبة لجنة الشباب المسلم"؛ لتقوم بنشر بعض الكتب والرسائل للتوعية بهذا الدور، ورغم أنّ هذه المكتبة كانت مشروعاً خاصّاً ببعض هذه المجموعة الذين موَّلوا المشروع وقاموا على إدارته، فإنّ اسم "لجنة الشباب المسلم" شاع استعماله للدلالة على المجموعة بأكملها ومن انضم إليهم في اتجاهاتهم، وكانوا سبعين فردًا، وأغلقت وصودرت محتوياتها في منتصف الخمسينيات، واعتقل أبو شقة في العام 1953م.

انتقل أبو شقة إلى قطر ومكث بها ما يقرب من اثني عشر عاماً بين مدرس ووكيل ومدير في مدارسها، وإليه وإلى عبد البديع صقر ويوسف القرضاوي يسند التغلغل الإخواني في إمارة قطر.

يقول حسام تمام في "غواية التنظيم" إنّ أبو شقة انشق هو وجمال الدين عطية، ولعل ذلك يرجع إلى اتجاهه السلفي المعارض للنظام الخاص وسيطرته.

ويذكر الشيخ ناصر الدين الألباني في أحد دروسه المسجلة أبو شقة بقوله: رجل كان يحضر دروسي في دمشق بسوريا وهو من كبار الإخوان في مصر، بل لعله من تلامذة حسن البنا وهو المعروف بعبد الحليم أبو شقة، كان أرسل إلي جزءاً من كتابه تحرير المرأة المسلمة في عهد النبوة والرسالة أو كما قال، ورأيت ذكر اسمي في المقدمة فعجبت منه لأنه أثنى عليّ خيرًا، وأنه تلقى اهتمامه بالسّنة من دروسي التي كان يحضرها في دمشق، فيما بعد اتصل بي هاتفياً وقال لي: وصلك الجزء الأول من كتاب كذا؟ قلت له: نعم، من أنت؟ قال أنا فلان، وإذا به لمّا سمعت صوته وشيئاً مما عرّفني بنفسه قلت: هذا أنت؟ قال: نعم. أهلاً وسهلاً، قال: عندي بعد جزآن، وأنا أريد أن ألتقي بك لأخذ رأيك في الكتاب مع أنني قرأت في المقدمة تقرير محمد الغزالي (معاصر) والقرضاوي أيضاً، فقلت: كيف هذا يكون تلميذ الألباني ومع ذلك كتابه يُقرَّر من هذين اللذين لا يلتقيان مع منهج الألباني، لكنني لما تذكرت وعرفت جيدًا قلت لا بد لي من أن أفرغ له نفسي وفعلاً وعدته خيرًا، وقلت أنا مستعد لاستقبالك ولتنزل ضيفاً في داري وكذلك فعل.

هل تخلى البنا عن السياسة؟

حاور أبو شقة "البنا" كثيراً حول ضرورة اهتمام الإخوان بالتربية، والتقليل من النشاط السياسي الذى ابتلع معظم مجهودات الإخوان، وفي عهد البنا حذر كثيراً من خطر الانشغال بالعمل السياسي على حساب الفكر والتربية، وجاء في مذكراته المخطوطة:

"...ويؤكد هذا الاتجاه أنّ البنا قام بزيارة لفتحي رضوان عرض فيها أن يتفرغ مع بعض الدعاة من الإخوان للتربية والتكوين، وأن يقتصر نشاط الجماعة على هذا المجال، وأن يتم توجيه من يريد أن يشتغل بالعمل السياسي إلى الحزب الوطني، ليعمل تحت قيادة الحزب وحسب توجيهاته"، ويراجع في هذا النقل الباحث الدكتور عماد حسين محمد في بحثه: (الإخوان المسلمون من الفكرة إلى المشروع)، الذي نشره بمجلة (المسلم المعاصر)، العدد 139، سبتمبر، 2011م.

الجهل الذي فشا في الجماعة

من بعض ما جاء في رسائل أبو شقة، التي أرسلها لمكتب الإرشاد بمصر: "لقد قُبض العلم وفشا الجهل، وأصبح الجميع يسيرون وراء الآخرين دون دليل أو هدىً من الشرع.. لقد انكشفت أمور كثيرة كنا نظنها من المستورات، واتضحت قضايا كانت لدينا من البديهيات، وعرفنا أمورًا كنا نسكت عنها بالأمر أو التكليف خشية هز الثقة في الكبار.. ومضت السنون وسمعنا أخباراً مفجعة تترامى من أقطار عربية بعيدة أو قريبة..".

ويتابع: "تقابلنا وشرحنا وقمنا بزيارات مرة وثالثة ورابعة ولم يتغير شيء، ولم نر أي اهتمام بأي اقتراح فيه مجال للتعديل.. الناس تقيس أمورها بالفترة القصيرة التي تحيا بها، وتقيس قدراتها بالحيز المكاني المحدود مثال الكويت، وتقيس حركاتها وفق رغبة السيد الكبير، وتقيس آراءها وفق ما يملى عليها.. الناس في حاجة إلى المقاييس الشاملة لانجلاء الحقائق دون زيف، ومراجعة ما استقر في تقديرنا من القيم والأنماط السابقة بالتنظيم ومن التعميمات، ومنها ترك الرأي الصحيح من أجل رأي القائد الخطأ".

يرى أبو شقة أنّ الإخوان يمشون وراء القيادة كالقطيع ورسالته ضرورية ومهمة لإصلاح الجماعة

ويرى أبو شقة في رسالته أنّ "مجموع الإخوان يمشون وراء القيادة مثل القطيع، وإن ورقاته ورسالته ضرورية ومهمة حتى يتم إصلاح الجماعة التي يسيطر عليها حفنة من النظام الخاص العسكراتاري للجماعة".

يتهم أبو شقة قيادة الجماعة في عهد مصطفى مشهور بالجهل وقلة العلم، وأن هناك أخطاءً كانوا يرونها ويسكتون عنها من أجل وحدة الصف، وهذا بتوجيه من القيادة ذاتها التي تخلت وتركت الكثير من البديهيات التي تربّوا عليها.

يقرر أبو شقة في رسالته التالي:

- إن الزيارات إلى مكتب الإرشاد وتوجيه النصح لم تغير شيئاً، بل ولم يأخذوا الاقتراحات على محمل الجد.

-  قادة الجماعة يقيسون إنجازاتهم على الفترة القصيرة التي يقودون بها، دون نظرة شاملة، بل ويقيسون أيضاً على مكان مثل الكويت دون نظرة عامة لكل الأقطار، وأن الجماعة في حاجة إلى المقاييس الشاملة لانجلاء الحقائق دون زيف.

- إن هناك قيماً وأنماطاً خاطئة، منها ترك الرأي الصحيح من أجل رأي القائد الخاطئ.

اتهم قيادة الجماعة بالجهل وقلة العلم والسكوت عن الأخطاء بحجة وحدة الصف

في المواضع الأخرى التي تحدث فيها أبو شقة فسّر الآية الكريمة: (وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعاً)، فقال: وقرر أن ضعفاء الجماعة الذين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد جعلوا أنفسهم تبعاً للمستكبرين، والضعف ليس عذراً بل هو الجريمة، ومن ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء تبعاً للطغاة.. لا أحد سوى أنفسهم الضعيفة.

وختم: إن ورقاته للضعيف والقوي، وللقديم والجديد وللغافل والمستيقظ، وللمسؤول وللفرد.

الصفحة الرئيسية