أكذوبة العداء التركي لإسرائيل: أردوغان المفتون بتل أبيب سراً وعلانية

أكذوبة العداء التركي لإسرائيل: أردوغان المفتون بتل أبيب سراً وعلانية


06/09/2020

لو قبلنا فرَضاً بمسمى "التطبيع المجاني"، لن نجد سوى تركيا ليعبر عنها هذا القول؛ فهي أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بإسرائيل، وتقيم معها علاقات دبلوماسية قوية، بعد مرور عام واحد على حرب 1948، والتي حاولت فيها جيوش عدّة دول عربية إعادة الحق الفلسطيني لأهله.

جريمة تركيا وريثة الدولة العثمانية لا تُغتفر؛ فالاعتراف بإسرائيل مجاناً، بدون كلمة واحدة عن الحق الفلسطيني، الذي ضيعه أجدادهم العثمانيون، هي وصمة عار في تاريخ الأتراك.

الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد لـ"حفريات": تركيا حريصة على توطيد علاقاتها بإسرائيل، لأنّها تراها ورقة ضاغطة لمناورة واشنطن وتريد الاستفادة من التقدم الإسرائيلي لتطوير صناعاتها العسكرية

ولم تكتف حكومات تركيا المتعاقبة بذلك؛ بل لم تتخذ موقفاً من إسرائيل في عدوانها على الدول العربية، منذ عام 1948 حتى اليوم، مروراً بحرب 1956، و1967، و1973، وحرب لبنان 1882، ولم تتحرك حتى جاء حادثة السفينة مرمرة في 2010، لا لشيء، سوى بسبب سقوط قتلى أتراك، وإهانة مكانة أردوغان أمام الجماهير المسلمة، التي دأب على التلاعب بمشاعرها.

ورغم قطع العلاقات السياسية مع إسرائيل عقب الحادثة، إلا أنّ التبادل التجاري بين البلدين لم يتوقف، وحقق رقماً قياسياً عام 2014، بلغ 5.359 مليار دولار، بينما كان أردوغان يملأ العالم ضجيجاً بعقاب إسرائيل، فمتى يتوقف عن المتاجرة بدماء ومعاناة الفلسطينيين، وهل الطريق للقدس يمر عبر شمال العراق، وشمال سوريا، وغرب ليبيا، وجنوب الصومال؟ هل يمر عبر قتل وتعطيش الشمال السوري؟ هل يمر عبر دعم الإرهاب في سيناء وسوريا والعراق وليبيا؟

أردوغان يرحب بالسفيرة الإسرائيلية في أنقرة، عام 2016

أردوغان: هلّا قرأت ماضي بلدك؟

لا يحقّ للعرب لوم دولة تركيا الحديثة على اختيار إسرائيل دون العرب، تفضيلاً للرضا الأمريكي على الالتزام بالتضامن مع إخوة الجغرافيا والدين والتاريخ، وهو قرار يُكمل الرؤية التركية للعرب إبان الدولة العثمانية؛ فلم يهتم العثمانيون بالعرب، بل عاملوهم كأمم مغلوبة، ولم يخرجوا من أرض العرب قبل زرع بذرة الاستيطان اليهودي، التي نمت وترعرعت في عهد الانتداب البريطاني، والذي حاول تحجيم الهجرة اليهودية لإسرائيل في وقت ما، لكنّ بعد ماذا؟ فبفضل التسهيل العثماني لتوطين اليهود، منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر، أصبح لليهود موطئ قدم قوي.

اقرأ أيضاً: إسرائيل وتركيا مصالح مشتركة.. التعاون الأمني والعسكري

وتعالياً عن الخوض في جدل حول الدور العثماني في تسهيل الوجود اليهودي في فلسطين، نترك الأمر للقارئ بالرجوع إلى رسالة ماجستير، للطالبة ربا جمال الزهار، بعنوان "تطور الاقتصاد الصهيوني في فلسطين 1882 - 1948"، والتي حازت بها على الدرجة العلمية، من الجامعة الإسلامية بغزة، عام 2011، أي أثناء حكم حركة حماس للقطاع، وهي الحركة الموالية لأردوغان.

وجاء في الرسالة؛ أنّ الدولة العثمانية سمحت لليهود المهاجرين بامتلاك الأراضي في فلسطين، فانهال رأس المال اليهودي ليستحوذ على الأراضي من الفلاحين المعدمين، الذين أجبرتهم قروض البنك الزراعي العثماني، بفائدة 6% على بيع أراضيهم لكبار المرابين، وعن طريق هؤلاء ومنهم أجانب، تسربت الأرض لليهود.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت تركيا سوقاً كبرى للصناعات العسكريّة الإسرائيلية؟

ووفق الدراسة؛ تم إنشاء أول مدرسة زراعية يهودية في فلسطين عام 1870، وأول مستوطنة عام 1878، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وهي مستوطنة "بتاح تكفا"، على أراضي قرية ملبس، قرب يافا، وظلّ النشاط اليهودي مستمراً بتواطؤ عثماني، حتى الانتداب البريطاني.

مساعدات تركية لإسرائيل

جمهورية تركيا: قرن من الخذلان لفلسطين

يعلم أردوغان في قرارة نفسه أنّ ماضي بلاده مشين بحق الفلسطينيين، لكنّه في ذات الوقت يحتاج للمتاجرة بهذه القضية، والمتاجرة بماضيه العثماني أيضاً، لذلك يلجأ لتشويه التاريخ، فأشرف على إنتاج دراما عن السلطان عبد الحميد الثاني، تظهره على أنّه ضحية مؤامرة يهودية - غربية لأنّه رفض بيع أرض فلسطين، بينما الحقيقة كما جاءت في الكتاب السابق عكس ذلك.

اعترفت جمهورية تركيا بإسرائيل عام 1949، بينما كان العرب يلملمون جراحهم من حرب 1948، وحول سبب اختيار تركيا التحالف مع إسرائيل ضدّ العرب، يقول الباحث المصري في الشؤون التركية، كرم سعيد: "هناك دوافع وراء هذا الاعتراف، أولها سياسة حزب الشعب الجمهوري الحاكم وقتها، وهي التماهي مع الغرب، والقطيعة مع الشرق، بجانب أنّ حجم العلاقات الاقتصادية التركية مع أمريكا وأوروبا كان كبيراً، فرأت تركيا أنّ التطبيع مع إسرائيل يخدم هذه العلاقات، ومنذ ذلك ظلت العلاقات التركية الإسرائيلية تتنامى بشكل كبير".

اقرأ أيضاً: تركيا وإسرائيل وإيران.. العلاقة ليست معقدة إنّها خدعة

ووفق كتاب "العلاقات التركية اليهودية وأثرها على البلاد العربية منذ قيام دعوة يهود الدونمة إلى نهاية القرن العشرين" للمؤلفة هدى درويش، نجد الآتي: منذ عام 1950 - 1980 استحوذ اليهود على نسبة 80% من قطاع النسيج في تركيا. وهذا مثال واحد فقط على حجم التعاون الاقتصادي.

أما عن عام 1967 الذي شهد حرب 5 حزيران (يونيو)، واحتلال إسرائيل لكامل التراب الفلسطيني، وهضبة الجولان، وسيناء، فشهد الآتي: قبيل الحرب وقعت تركيا اتفاقية تجارية مع إسرائيل، وشاركت الشركات الإسرائيلية في معرض إزمير الدولي. وتنامى التبادل التجاري بينهما، وشهد عام 1969 توقيع اتفاقية تجارية بين الطرفين، ألغت طريقة المقايضة، وأحلّت التعامل النقدي الحر.

اقرأ أيضاً: لماذا يُبقي أردوغان اتفاقيات بلاده العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل سرّية؟

وفي عام 1973، الذي شهد الحرب العربية الإسرائيلية، 6 تشرين الأول (أكتوبر)، وجدت تركيا أنّ مقاطعة الدول العربية المنتجة للنفط، عادت عليها بمكاسب كبيرة، وزادت من ثرواتها، فقررت التقرب للعرب، لحاجتها لاستثماراتهم، فأيدت قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية، طمعاً في الاستثمار العربي، ليس إلا.

وتقول الكاتبة هدى درويش: "من الجدير بالذكر أنّ تركيا خلال السبعينيات كانت في حاجة إلى الدولارات النفطية، فاتجهت إلى البلاد العربية في اقتصادياتها في ذلك الوقت، إلا أنّه بعد تصاعد المشاكل بين تركيا وسوريا في الثمانينات قامت تركيا بإعادة تقاربها مع إسرائيل، وفي التسعينيات لم تعد تركيا بحاجة إلى القوة الاقتصادية العربية، نتيجة ازدياد مشاكلها مع سوريا والعراق حول مشاكل المياه بينهم؛ الأمر الذي أدى بتركيا إلى تكثيف علاقاتها الاقتصادية بإسرائيل".

فضلاً عن ذلك؛ شاركت شركة "تاحال" الإسرائيلية في مشروع "الجاب" التركي، عام 1991، الذي يقوم على حجز مياه نهري دجلة والفرات عن سوريا والعراق، للاستفادة من المياه في مشروعات زراعية تركية، وساهمت شركات إسرائيلية فيه.

ووفق الكتاب السابق؛ تعاونت تركيا مع إسرائيل في التحايل على قرار المقاطعة الاقتصادية العربية؛ عبر إعادة تصدير السلع الإسرائيلية من تركيا إلى الدول العربية، بعد تغيير العلامة التجارية وبلد المنشأ.

اقرأ أيضاً: تقرير: التدخل التركي في سوريا يخدم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية

ولم تكن تركيا في موقف التأييد الأعمى لإسرائيل دائماً، ففي سنوات معدودة قطعت علاقاتها معها ليس تأييداً للعرب، بل خوفاً على مصالحها معهم، وسرعان ما كانت تفيق من اللحظة الحماسية لتعود لأحضان إسرائيل، مثلما سحبت سفيرها من إسرائيل، عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، لتعود عام 1958 بتحالف سري مع إسرائيل وإثيوبيا، ضد مصر، وذلك في عهد حكومة عدنان مندريس، المحسوب على الإسلاميين في تركيا.

وحين ارتكبت إسرائيل مجازرها بحق الفلسطينيين عقب دخول بيروت عام 1982، سلمت إسرائيل وثائق فلسطينية سرية إلى تركيا؛ حول تدريبات الماركسيين الأتراك في معسكرات منظمة التحرير، وعادت العلاقات القوية بينهما في العام التالي، وظلت العلاقات قوية حتى مجئ أردوغان إلى الحكم، كرئيس للوزراء عام 2003.

أردوغان مع شيمون بيريز خلال زيارة للقدس عام 2005

علاقات قوية بإسرائيل وتلاعب بقضية فلسطين

يقول الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد: " عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، في عام 2003، كانت العلاقات مع إسرائيل موجودة، لكنّه نظر إليها بشكل مختلف، لحاجته إلى توظيف القضية الفلسطينية في دعم حضور تركيا في الشارع العربي والإسلامي".

ويضيف سعيد لـ "حفريات": " سعى أردوغان لإحاطة علاقته بإسرائيل بالسرية، لكنّ العلاقات بينهما توطدت بشكل غير مسبوق، لدرجة لا يمكن حفظ سريتها؛ فهناك تبادل تجاري تخطى 4.5 مليار دولار، وتعاون عسكري صناعي وتدريبي وثيق، حتى في عام 2017 حين اعترفت أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم نقل السفارة إلى القدس العام التالي، لم يزد ردّ أردوغان عن الشجب اللفظي".

وكان أردوغان حصل على وسام الشجاعة اليهودي، من المجلس اليهودي الأمريكي، عام 2004، تقديراً لعلاقاته الطيبة مع إسرائيل، وذلك بعد عام واحد على توليه السلطة، مما يدعو للتفكير في علاقة أردوغان السرية قبل ذلك مع المنظمات اليهودية.

حين ارتكبت إسرائيل مجازرها بحق الفلسطينيين عقب دخول بيروت عام 1982، سلمت إسرائيل وثائق فلسطينية سرية إلى تركيا؛ حول تدريبات الماركسيين الأتراك في معسكرات منظمة التحرير

وحتى في حادثة السفينة مرمرة، عام 2010، والتي تسببت في قطع تركيا علاقاتها بإسرائيل حتى عام 2016، لم تنقطع العلاقات التجارية بينهما. ووفق تقرير منشور على موقع "وزارة الشؤون الخارجية التركية" عن التبادل التجاري التركي- الإسرائيلي، نجد الآتي: في سنوات القطيعة السياسية: حقق التبادل التجاري 4.448 في 2011، أي العام التالي لحادث مرمرة، ومبلغ 4.040 في 2012، 5.068 في 2013، 5.359 في 2014، و4.370 في 2015، (الأرقام السابقة بالمليار دولار). بمعنى أنّ عام 2014 شهد أكبر نسبة للتبادل التجاري بينهما حتى الآن.

اقرأ أيضاً: أردوغان والغاز الإسرائيلي.. ليس الآن وقت فلسطين!

بالإضافة إلى ذلك؛ هناك تعاون صناعي عسكري وثيق، وتوريد منتجات تركية تستخدم في بناء المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية، بل قامت تركيا- أردوغان بتصدير تجهيزات عسكرية لجنود الجيش الإسرائيلي.

وفي عام 2016، وجد أردوغان أنّه حقق مبتغاه من ابتزاز مشاعر العرب باسم فلسطين، فاستأنف العلاقات كاملةً مع إسرائيل، متنازلاً عن مطالبه التي طالما ابتز مشاعر العرب بها، وقبل بمبلغ 20 مليون دولار تعويضات للضحايا، وإيقاف نشاط حماس في تركيا، وطرد القيادي فيها صالح العاروري، وحصل على وعد إسرائيلي بفك الحصار عن غزة، وهو وعد لم يتحقق، بل كان أردوغان يعلم أنّه لن يتحقق، لكن استغله هو الآخر في ابتزاز مشاعر العرب والمسلمين.

ويشرح الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد، طبيعة علاقة تركيا بإسرائيل قائلاً: "تركيا حريصة على توطيد علاقاتها بإسرائيل، لأنّها تراها ورقة ضاغطة بيدها تناور بها واشنطن، وتتدرع بها ضدّ أي عقوبات أمريكية، وفي الوقت ذاته هي مفتونة بالتقدم العسكري الإسرائيلي، وتريد الاستفادة منه في تطوير صناعاتها العسكرية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية