أورنيلا سكر: انفجار مرفأ بيروت مدبر ونفذته إسرائيل لتوجيه هذه الرسالة

أورنيلا سكر: انفجار مرفأ بيروت مدبر ونفذته إسرائيل لتوجيه هذه الرسالة


11/08/2020

أجرى الحوار:  سامح إسماعيل

فجّر الحادث الأخير الذي دمّر مرفأ بيروت، وخلّف مئات القتلى وآلاف الجرحى، إضافة إلى خسائر مادية جسيمة، عدّة تساؤلات حول مستقبل الوضع المأزوم في لبنان، ومدى انتهاء صلاحية النخبة الحاكمة، وكذلك وضع حزب الله الموالي لإيران ضمن المكوّن الطائفي، كقوّة مسلحة باتت تمثل عبئاً إضافياً.

الحكومة اللبنانية تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية تفجير بيروت وليس كلها

"حفريات" التقت الصحافية والإعلامية اللبنانية أورنيلا سكر، مديرة موقع "أجيال قرن الــ21" التي أكدت أنّ الإهمال الإداري في هذا الحادث ارتبط بخيوط متشابكة أخرى، محمِّلة الحكومة اللبنانية وأطرافاً دولية المسؤولية عن الوضع الفوضوي في البلاد، وما آلت إليه في "عصر الحروب بالوكالة".

وأضافت الباحثة المتخصصة في العلاقات الدولية وعلوم الاستشراق، أنّ "حزب الله أصبح خارجاً عن السيطرة، وأنّه يدرك ذلك جيداً ويلعب عليه ويستثمره"، موضحةً أنّ لا أحد يستطيع مواجهته داخلياً لعدّة اعتبارات؛ "فما يجري في لبنان يرتبط بشكل عام بالوضع الإقليمي في الشرق الأوسط، وأيّ مواجهة مع حزب الله لن تحدث إلّا في سياق التسوية والحلّ النهائي في المنطقة".

وهنا نص الحوار:

 بداية، على مستوى التجربة الشخصية، كيف تعاملتِ مع الحادث المروع الذي هزّ بيروت؟ 

أودّ أن أعبّر عن صدمتي وخوفي الشديد لما تعرّضت له في موقع الانفجار، حيث شعرت بهزة عنيفة أثناء عودتي من مقابلة أجريتها في بيروت على الروشة، اصطدمت بهزة قوية جداً، اهتزت لها سيارتي بشكل مروع، في البداية شعرت أنّ هناك تحليقاً لطائرة في مكان ما بأجواء بيروت، ثمّ دوّى انفجار عنيف جداً هزّ الطريق، لم أعرف طبيعة هذا الانفجار، لكني شعرت أنّ شيئاً ما خطيراً قد حدث، ولم تكن المعلومات دقيقة حول الملابسات، في تلك الأوقات لم يكن هناك سوى الخوف.

ما خلف الإهمال الإداري

هل أنتِ مع الرواية الرسمية التي تناقلتها وسائل الإعلام، والتي تربط ما بين الحادث وحصول إهمال إداري؟

ما أستطيع تأكيده أنّ ما حصل ليس مجرد قضاء وقدر نسلم به بكل بساطة، كما يتمّ الترويج له عبر وسائل الإعلام، نعم، الإهمال الإداري ارتبط بخيوط متشابكة أخرى، هناك لامبالاة من الدولة التي كانت أجهزتها على علم ودراية بالشحنة الموجودة داخل المرفأ، لكنّها غضّت الطرف عمّا يجري، وتعاملت بتجاهل وعدم اكتراث، ما حدث يرتبط بكلّ معطيات الراهن اللبناني المؤسف، والصراعات الدولية المحتدمة، الممارسات الحكومية السيئة فتحت ثغرة لتصفية الحسابات.

هل تتحمل الحكومة كلّ المسؤولية؟ أم أنّ أطرافاً أخرى شاركت في صنع الكارثة؟

لنكن منصفين، هي تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، وليس كلها، الخيوط متداخلة بشكل معقد، هناك مواقف حزب الله، والمواقف الدولية من التنظيم، وحسابات المجتمع الدولي، والمحكمة الدولية، والأزمات الاقتصادية المتتالية.

كما يرتبط الأمر بتجاهل النخبة الحاكمة لاستقالة وزير الخارجية، ناصيف حتي، فهذه الحكومة التي يعتبرها البعض أنّها تجسّد حزب الله، أخفقت في كلّ الملفات وتجاهلت هموم الأزمة الاقتصادية، وكلّ ما يجري على المستوى الدبلوماسي وكافة الأصعدة السياسية، والخيوط في النهاية تلتقي عند الخانة نفسها المتعلقة بحزب الله، والسياسات المنتكسة التي يمارسها حسان دياب، هذه الدولة الفاشلة التي لم تقم بصلاحياتها، فتحت الطريق أمام الآخرين لتصفية الحسابات على أرضها، والمحصلة أنّ لبنان أصبح مفتوحاً على مجهول.

الملفات المسكوت عنها

هل يعيد ما حدث تفجير الوضع السياسي المرتبك في لبنان ويفتح كافة الملفات المسكوت عنها؟

ما حدث فجّر بالفعل تناقضات الوضع السياسي المرتبك في لبنان، على المستوى الداخلي؛ هذه الحكومة لم تعد مقبولة، فهي لم تقم بأيّ إصلاحات، ولم تغير أيّ شيء منذ تشكليها إلى يوم استقالتها، والأمر يتعقد ويزداد سوءاً.

حزب الله يوفر مساحة فتنة طائفية في لبنان ويكرّسها في المنطقة من خلال الأذرع الإيرانية

النتيجة أنّ لبنان أصبح مسرحاً دولياً للصراع كما يحدث في ليبيا، فالوضع في لبنان مشابه، على مستوى التدخلات الدولية فيه وتقاطع المصالح، للوضع الليبي، هيروشيما الثانية في لبنان أكدت فشل هذا النظام، على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأخلاقية، نحن بصدد حكومة جرى دفنها، قبل أن يُعلن عن جثتها، هذه الحكومة جاءت بتكليف من جهة معيّنة، أرادت تكريس سياسات بعينها، فأصبح حسان دياب صنماً آخر للفساد وتكريس الطائفية، هي حكومة من لون واحد ليست تكنوقراطية، ولا علاقة لها بمطالب 17 تشرين، ففشلت في كلّ شيء، سعر الصرف أصبح خيالياً، والفساد يستشري، ثمّ نستيقظ على هذا الفصل الكارثي الجديد، هذا لم يعد مقبولاً.

وماذا عن أداء الإعلام وتناوله للكارثة؟

الأداء الإعلامي كان سيئاً وموجّهاً ومرتبكاً، قناة الجزيرة قالت مع حدوث الانفجار إنّه يستهدف الرئيس سعد الحريري، والبعض اتّهم جهات معينة بتفجير المرفأ دون تقديم أي أدلة، وكانت هناك بعض التقارير ذات الصبغة الطائفية، والبعض حاول إشعال الفتنة، وآخرون فضّلوا الصمت.

إسرائيل وحزب الله

برأيك؛ من فعلها؟

قبل حوالي أسبوع، أكّد سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، أنّه سيقدّم دليلاً على أنّ إيران تنقل المواد الخام إلى حزب الله عبر مرفأ بيروت، وقال إنّ المرفأ أصبح ميناءً لحزب الله.

بعد ذلك بيوم، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي: إنّ مطارات دمشق وبيروت وميناء بيروت أصبحت معابر، تستخدمها إيران لنقل الأسلحة إلى حزب الله، وأكّد أنّ مرفأ بيروت يعمل كمركز نقل بحري للأسلحة من إيران إلى حزب الله، قبل تحويلها إلى ليبيا.

ما حدث هو ضربة إسرائيلية لمرفأ بيروت للردّ على حزب الله، كرسالة من بعض الجهات، جرى تمريرها بسهولة عبر الكارثة، باستغلال الانتهاكات والإهمال الإداري.

لو سلّمنا بصحة هذا الطرح، فما هو ردّ الفعل المتوقع من حزب الله؟ وهل يستطيع في ضوء المشهد الإقليمي الملتبس إنجاز ردٍّ حقيقي؟

نحن أمام سيناريوهين رئيسيين: الأوّل شبيه بردّ فعل إيران عند مقتل قاسم سليماني، أي ردّ فعل خجول لحفظ ماء الوجه ليس إلّا. والثاني تجاهل الأمر، والإبقاء على هذه المعلومات قيد الكتمان، واستمرار التطييف واستبعاد تورّط إسرائيل، وعدم إثارة موضوع أنّ استهداف حزب الله كان هو المقصود.

حزب الله قوّة خارجة عن السيطرة اللبنانية والتعاطي معه سيكون دولياً لا لبنانياً

وأعتقد أنّ حزب الله غير قادر على مواجهة شاملة الآن، وأنّه يريد البحث عن مخرج آمن، واعتماد الرواية الرسمية بأنّ ما حدث كان قضاءً وقدراً.

هناك سيناريو ثالث، أقلّ احتمالاً، وهو أن يقوم حزب الله بالتصعيد، ويعلن أنّ ما حدث كان استهدافاً لأمن لبنان القومي، وأنه سيردّ في الوقت المناسب، كخطاب معتاد، أو نجد أنفسنا أمام حرب شاملة تجرّ الدمار على لبنان.

كيف يمكن مواجهة حزب الله بحقيقة أنّه أصبح عبئاً سياسياً على لبنان؟ أو نزع سلاحه على أقلّ تقدير؟

حزب الله في لبنان لا يستطيع أحد مواجهته لعدّة اعتبارات؛ فما يجري في لبنان يرتبط بشكل عام بالوضع الإقليمي في الشرق الأوسط، وأيّ مواجهة مع حزب الله لن تحدث إلّا في سياق التسوية والحلّ النهائي في المنطقة.

هناك خلل كلي في موازين القوى، ولم يستطع أحد حسم أيّ صراع لصالحه بشكل كامل، وما يحدث في ليبيا خير دليل على ذلك، ولا يمكن فصل ما يجري في لبنان عن السياق الإقليمي العام، هناك أزمات كبرى تعانيها كلّ مراكز القوى، إسرائيل تواجه مشكلات اقتصادية وقضايا فساد، وموسم الانتخابات الأمريكية يقترب وسط أزمات اقتصادية، واضطرابات عنصرية، والمتغيرات التي فرضها انتشار فيروس كورونا، من الممكن تقليم أظافر حزب الله وحصاره اقتصادياً، لكنّ المواجهة معه لن تتم، في ظلّ هذا الخلل، فقط تتمّ في حالة التسوية النهائية لكلّ صراعات المنطقة، أمّا الآن، فنحن في مرحلة المحاربين بالوكالة عن الآخرين، وهو يعلم ذلك ويستثمره ويجيد اللعب على تناقضاته.

البحث عن المستفيد

ومن المستفيد برأيك؟ ولماذا يدفع لبنان الثمن؟

حزب الله يوفر مساحة فتنة طائفية في لبنان، ويكرّسها في المنطقة من خلال الأذرع الإيرانية، دعني أنا أطرح سؤالاً: هل ترغب إسرائيل حقاً في التخلّص من حزب الله؟ أم إنّ وجوده مهمّ لها؟

في لبنان هناك مشكلة داخلية ذاتية، تتعلق بالهوية والكيان، هناك أزمة فيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب، ومع الدول العربية، هناك انقسام حقيقي حول الهوية، يكرّس حزب الله وجوده ويعمقه، حزب الله أصبح قوّة خارجة عن السيطرة اللبنانية، والتعاطي مع هذه القوّة سيكون دولياً لا لبنانياً.

الكلّ مستفيد من هذا الواقع ولديه أوراق ضغط، لبنان أصبح ساحة للتنافس الدولي، كلّ الفرقاء هنا الآن، فرنسا وتركيا وإيران وأمريكا وسوريا وإسرائيل، في ظلّ الصراع على البترول وغاز المتوسط، الصراع الاقتصادي/ السياسي المحموم جعل لبنان ساحة حرب حقيقية، وهناك العديد من الملفات التي تغري القوى المتنافسة مع تقاطع الأجندات وتعدّد الاستثمارات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية