أول سائقة تاكسي في غزة تروي لـ"حفريات" أفراح التجربة وأحزانها

أول سائقة تاكسي في غزة تروي لـ"حفريات" أفراح التجربة وأحزانها


26/11/2020

على عكس  عادات غزة؛ تتولى السيدة، نائلة أبو جبة، مهمّة توصيل السيدات إلى الأماكن التي يرغبن في الذهاب إليها، بسيارتها الخاصة، وأثناء عملها تتعرّض للمضايقات والأحاديث الجانبية، فيما تمتدّ تلك الانتقادات لتلاحقها أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

أن تكون سيدة من غزة "شوفير تاكسي"، وتعمل على إيصال السيدات إلى الأماكن التي يردنها، فهي تجربة فريدة من نوعها، وتفتح الأفق لكافة النساء

تشقّ أبو جبة طريقها غير آبهة بكلّ ما تتعرض له، ولا تلقي بالاً للتعليقات، وتستمرّ في إكمال مشوارها وتحقيق حلمها، بأنّها أول امرأة التي تدير "مكتب تاكسي" في غزة، التي تعدّ مدينة محافظة على نحو متزايد؛ فقد خرجت عن النمطية، وسارت عكس العادات، والتقاليد التي تتحكم بحياة سكان غزة.

"تاكسيات المختارة": هو المشروع الذي أسسته أبو جبة،  ويعدّ أول "مكتب تاكسي" مخصص للنساء في قطاع غزة، إذ إنّها تديره وتقود السيارة بنفسها، وكافة زبائنها من النساء ، في خطوة للحفاظ على الخصوصية، وكسر الصورة النمطية عن كافة المهن التي تمارسها الإناث في غزة.

أثناء عملها تتعرّض للمضايقات والأحاديث الجانبية

وتعمل السائقة البالغة من العمر (39 عاماً)، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، لتتمكن من توفير احتياجات أسرتها المكوّنة من خمسة أفراد، خاصة بعد انفصالها عن زوجها، وهي واحدة من بين كثيرات لهنّ تجربة فريدة داخل المجتمع الفلسطينيّ، وأثبتن أنّ الإرادة القوية  تهزم التحديات، وتحقّق الطموح.

وكامرأة تدير "مكتب تاكسي"؛ فإنّ نائلة تتيح للنساء في غزة الخروج، وقضاء كافة احتياجاتهن بحرّية، فهي لم تكترث إلى نظرة المجتمع، وعدم تقبل الكثيرين لمهنتها، التي اختارتها عن تصميم، كما أنّها لم تستسلم لظروف الحياة.

اقرأ أيضاً: محللون فلسطينيون يكشفون لـ"حفريات" دوافع عودة التنسيق الأمني مع إسرائيل

بدأت نائلة عملها من مدينة غزة، نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وأطلقت اسم "المختارة" على مشروعها الصغير؛ لأنّ هذا اللّقب لازمها منذ سنوات، لأنّها كانت تساهم في التوسّط لإنهاء الخلافات داخل عائلتها، وصار النساء يقصدونها،  لحسن وطيب معاملتها.

واستطاعت المختارة الحصول على رخصة قيادة بفترة وجيزة، وأصبحت متمكّنة، وتعرّفت إلى كافة الأماكن والطرق في القطاع، لتستطيع الوصول إلى زبائنها بكلّ سهولة.

البداية

وتقول نائلة، لـ "حفريات": "كنت أبحث عن فرصة عمل مناسبة، وفي يوم من الأيام، وأثناء تواجدي داخل أحد صالونات التجميل، كان يدور الحديث بين اثنتين من الزبائن، عن رغبتهما بوجود "مكتب تاكسي" خاص بالنساء، نظراً لانزعاجهنّ من نظرات بعض السائقين، فروادتني فكرة إنشاء "مكتب تاكسي"، ويكون زبائنه فقط من النساء".

اقرأ أيضاً: شبّان متطوّعون يطلقون مشروع "ساحات" للحفاظ على تاريخ الخليل

تضيف: "شرعت بتنفيذ الفكرة مباشرة دون تردّد، وخصّصت غرفة من منزلي لتكون عبارة عن مقرّ لمكتب التاكسيات، واشتريت سيارة، وبدأت بالترويج للمشروع من خلال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وأنستغرام، وواتساب، حتى انتشرت الفكرة بشكل سريع بين السيدات.

تتابع: "أعمل على توصيل السيدات فقط، ولا يجوز توصيل أيّ رجل، فهذه هي سياسة المكتب، وكنت أعلم أنّ تلك المهنة غريبة في  غزة، إلّا أنّني تجاوزت كافة العقبات، وحققت نجاحاً كبيراً، واستطعت إيصال رسالة للجميع بأنّ المرأة لها حقّ العمل بأيّة مهنة كانت، وأنّها قادرة على تحدّي الصعاب، ولا تقلّ عزيمة وقوة عن الرجال.

الشغل مش عيب

وبحسب نائلة؛ فإنّ رغبة المرأة بالعمل في أيّة مهنة تجدها مناسبة لها كفيل بتذليل العقبات والصعوبات، وأنّها تؤمن بمقولة "الشغل مش عيب"، وبأنّ المرأة يجب أن تعمل في المجال التي تراه مناسباً، وأن تكون سيدة نفسها وتواجه من يقف في وجهها.

أطلقت اسم "المختارة" على مشروعها الصغير

وتلفت إلى أنّه، بعد نجاح فكرة مشروعها الصغير، الذي أنشأته باجتهاد شخصي، وانتشار الفكرة بين السيّدات، تلقّت اتصالات من عدة سيدات وصديقات لها، لديهن سيارات خاصة بهن، يرغبن بالعمل معها في مكتب التاكسيات الخاص بها، مشيرة إلى أنّها تأكدت بعد تلك الخطوة من نجاح مشروعها ومدى تقبّل الناس لوجود "مكتب تاكسي" مخصّص للنساء.

وتؤكّد أنّ "مكتب تاكسي" المختارة لا يتنافى مع عادات وتقاليد المجتمع المحافظ، أو المعتقدات الدينية، وأنّها لا تختلط بالرجال على الإطلاق، خاصّة أنّ كافة زبائنها من النساء، معربة عن سعادتها بإتاحة وسيلة نقل مناسبة للسيدات في غزة، تراعي خصوصياتهنّ، خاصة في أوقات المناسبات والأفراح.

صعوبات وانتقادات

وتنوّه إلى أنّها تعرّضت للتنمر من قبل المجتمع، سواء أثناء ممارستها عملها، أو من خلال التعليقات السلبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مبينة أنّ ذلك لم يثنها عن مواصلة عملها، وتوسيع مشروعها.

نجاح حامد من الزبائن الدائمين لدى تاكسيات المختارة، أبدت إعجابها الشديد بالفكرة، وتتمنى أن يتمّ تعميمها، ويكون هناك عدة سيدات يعملن بهذا المجال، للحفاظ على خصوصيات النساء.

نائلة أبو جبة لـ"حفريات": تعرّضت للتنمر من قبل المجتمع، سواء أثناء ممارستي عملي، أو من خلال التعليقات السلبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي

تقول حامد لـ "حفريات": "في كثير من الأحيان نكون في حاجة إلى الخصوصية أثناء التنقل بالسيارة، خاصة في المناسبات والأفراح، ولأنّ كافة السائقين من الرجال، نفقد تلك الخصوصية، ونضطر  في بعض الأحيان إلى ارتداء النقاب، وعدم التّحدث بأيّ أمور شخصية داخل السيارة.

فكرة جريئة

وتعتبر حامد أنّ "تأسيس "مكتب تاكسي" خاص للنساء في غزة تعدّ فكرة جريئة من المختارة نائلة، وفيها مراعاة للخصوصية، كما أنّ الركوب معها أكثر أماناً من الرجل، خاصة في الأوقات المسائية. ونتمنى أن تعمل المرأة الفلسطينية في كافة المجالات التي يعدّها الذكور حكراً عليهم، ويرفضون منافسة النساء لهم فيها، بذريعة أنّها مهن غير مناسبة لهنّ".

قانون المرور الفلسطيني لا يمنع قيادة المرأة للمركبات التجارية

أما نور أحمد، فتصف صاحبة "مكتب تاكسي" المختارة بالمرأة الكادحة والمثابرة، التي تسعى للعيش بكرامة، في ظلّ الظروف القاسية التي يعاني منها قطاع غزة منذ أعوام، وارتفاع معدلات البطالة في صفوف النساء.

اقرأ أيضاً: "أولادي رح يموتوا من الجوع": صرخة لاجئة فلسطينية في وجه "الأونروا"

وتقول في حديثها لـ "حفريات": "أن تكون سيدة من غزة "شوفير تاكسي"، وتعمل على إيصال السيدات إلى الأماكن التي يردنها، فهذه تجربة فريدة من نوعها، وتفتح الأفق لكافة النساء اللواتي يرغبن بتأسيس مشاريع خاصة بهنّ، ليعتمدن على أنفسهن؛ إذ إنّ الراحة النفسية في التعامل مع السيدات أكثر مما تكون مع الرجال".

معارضون للتجربة

ورغم أنّ قانون المرور الفلسطيني لا يمنع قيادة المرأة للمركبات التجارية، إضافة إلى تأييد نساء كثيرات لفكرة وجود "مكتب تاكسي" خاصّ بهنّ، إلّا أنّ هناك بعض المعارضين للفكرة، الذين شكّكوا بقدرة نائلة على النجاح بتلك التجربة الجديدة.

وبحسب إحصائية صادرة عن اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن قطاع غزة؛ فإنّ معدل البطالة بين النساء في غزة ارتفع بشكل ملحوظ، وزاد بنسبة 16٪ خلال العامين الماضيين، ليقترب اليوم من 90٪".

وبيّنت اللجنة أنّ الفلسطينيات يشكّلن حوالي نصف المجتمع، بنسبة وصلت إلى 49٪.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تعرض التلفزيونات العربية الأعمال الدرامية الفلسطينية؟

وأفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)؛ بأنّ نسبة البطالة في قطاع غزة، وصلت، مع بداية 2020، إلى 52٪.

ونتيجة الأوضاع المأساوية التي يعاني منها سكان قطاع غزة خلال السنوات الماضية، ووصول نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى نحو 70٪، لجأت عدّة سيدات إلى العمل في مهن مختلفة، وتأسيس مشاريع صغيرة كسرن من خلالها القوالب المجتمعية المعتادة عن طبيعة الأعمال الخاصة بالنساء، واقتصارها على الرجال فقط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية