إدارة بايدن والكيل بمكيالين في حقوق الإنسان.. ماذا تريد أمريكا من السعودية؟

إدارة بايدن والكيل بمكيالين في حقوق الإنسان.. ماذا تريد أمريكا من السعودية؟


11/03/2021

يبدو أنّ إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، تعاني من التخبط في رسم سياساتها مع القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، مما قد يكلفها خسارة حلفاء استراتيجيين في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية؛ حيث اتسمت سياسة الإدارة الحالية بالازدواجية والانقلابية، فقد ظن المتابعون أنّه بإعلان إدارة بايدن أنّ ملف حقوق الإنسان هو الأساس في التعامل مع دول المنطقة، أنّ ثمة سياسة واحدة تجاه جرائم حقوق الإنسان، لكن لوحظ أنها تتعامل فيه بمكيالين، فتتشدد مع المملكة بينما تتساهل فيه مع غيرها، مما يفقدها مصداقيتها كراعية لحقوق الإنسان.

إدارة الرئيس الأمريكي الجديد تعاني من التخبط في رسم سياساتها مع القوى الإقليمية في الشرق الأوسط

كما لوحظ أيضاً أنّها تتعامل بسياسة انقلابية حادة في ملف الإرهاب، فبعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، إدراج جماعة الحوثي التابعة لإيران في اليمن على قائمة الإرهاب، أعلنت إدارة بايدن عن رفعها من القائمة، هذا الانقلاب الحاد في تصنيف الجماعات الإرهابية كان له انعكاسات خطيرة على أمن وسلامة المنطقة، فقد شجع تساهل إدارة بايدن مع الحوثيين تزايد هجماتهم الوحشية على مناطق سيطرة تحالف الشرعية وعلى منشآت سعودية.

وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو

لكن قمة التناقضات كان في موقف إدارة بايدن من الأمير ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فقد استهدفته الإدارة الأمريكية بالدعاية السلبية، والتلويح بمسؤوليته الجنائية عن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، وقامت بالدعاية لتقرير قالت إنها "رفعت السرية عنه"، زعمت مصادر مقربة من الإدارة أنّه يحمل إدانة واضحة للأمير السعودي، ثم جاء التقرير لا يحمل أي دليل مادي ملموس حول المسؤولية الجنائية المزعومة.

اقرأ أيضاً: لماذا تحضُر جريمة خاشقجي وتغيب جرائم الإخوان وإيران عن رادار بايدن؟

بل لعل الأكثر غرابة أنّ التقرير لم يجزم بقتل خاشقجي أو خطفه، وامتلأ بعبارات مثل "من المرجح، من الجائز، من المحتمل...إلخ"، كما لم يشر إلى أي علاقة بين الأمير وبين الفاعلين، والأكثر غرابة أنّ الجريمة سعودية وتمت في أرض سعودية باعتبار السفارة أرضاً سعودية، ولمواطن سعودي بفاعلين سعوديين، وتمت محاكمتهم وفق القواعد والإجراءات القانونية السعودية، وتمت إدانة بعضهم وتبرئة آخرين، بل إنّ أسرة خاشقجي تقبلت الحكم، والأكثر دهشة أنّ ولي العهد رغم نفيه القاطع بإعطاء أي أمر لارتكاب الجريمة، إلا أنّه حمّل نفسه مسؤوليتها معنوياً باعتباره الحاكم الراعي لشؤون السعوديين، فما الداعي لانقلاب إدارة "بايدن" على ولي العهد السعودي؟ بل وعلى سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

شجع تساهل إدارة بايدن مع الحوثيين بتزايد هجماتهم على مناطق سيطرة تحالف الشرعية ومنشآت سعودية

يقول الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ العبري الحديث بجامعة الإسكندرية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية إنّ "انقلاب بايدن على كافة سياسات سلفه، واستعادة كافة السياسات للرئيس الأسبق "باراك أوباما" يجعلنا نقول إننا في الولاية الثالثة له"، مضيفاً في حديثه لـ"حفريات" أنّ "كثيراً من حلول "أوباما" السياسية التي ثبت فشلها وعادت بالسلب على الدولة الأمريكية، والتي يعيدها "بايدن" هي إفلاس سياسي واضح؛ فاستخدام الملف الحقوقي وملف خاشقجي للضغط على المملكة لقبول عودة إيران للاتفاق النووي، لن ينجح بهذه الطريقة".

 التقرير لا يحمل أي دليل مادي ملموس حول المسؤولية الجنائية المزعومة

كما أشار أنور "إلى تفاوت التعامل مع السعودية وإيران، ففي الوقت الذي تتشدد فيه مع المملكة تسارع في وتيرة تدليل إيران، فبعد الإفراج عن أرصدة مالية لإيران في العراق وكوريا الجنوبية، وغض الطرف عن تهريبها للبترول الذي تضاعف خمس مرات في عهد بايدن بالمقارنة بما كانت تصدره في عهد الرئيس الأمريكي السابق، يأتي رفع العقوبات عن جماعة الحوثي ورفعها من قائمة الإرهاب كرشوة لإيران، وهذا التدليل خطر على المنطقة وقد يفجرها من جديد".

اقرأ أيضاً: بايدن والسعودية

كما أكد أنور "أن ملف خاشقجي ملف متهافت لا يحتوي على أي أدلة ثابتة وقاطعة، بل مجرد استنتاجات وتحليلات دون دليل ملموس، إضافة إلى تخبط صيغة التقرير، الذي يرى أنور أنّه مقصود، حتى لا يتم غلق الملف، ويظل ابتزاز إدارة بايدن للمملكة قائماً، تحت مزاعم أنّ الجريمة مازالت تحت التحقق والتبين".

الدكتور أحمد فؤاد أنور أستاذ العبري الحديث بجامعة الإسكندرية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية

كما نوه أنور إلى أنّ "ما تقوم به إدارة بايدن من محاولة لابتزاز المملكة لن ينجح، والسياق التاريخي والاقتصادي مختلف".

اقرأ أيضاً: الاعتداء على السّعودية يبرز تطوّر دفاعاتها... ماذا عن سياسة إدارة بايدن؟

ويفسّر أنور إصرار إدارة بادين الانقلاب على سياسات ترامب بقوله: "من المؤكد أنّ بايدن يسير بممحاة على كثير من قرارات ترامب، فسمح لمواطني بعض الدول بالحصول على تأشيرة الدخول للولايات المتحدة الأمريكية بعدما منعهم ترامب، ووقف تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك، كما يستعد البيت الأبيض للتدخل مرة ثانية في شؤون الدول، بخلاف ما كان يقوم به الرئيس السابق"، موضحاً أنّ الديمقراطيين يقطعون الطريق على عودة ترشح ترامب المحتملة في 2024".

أحمد فؤاد أنور: إرضاء إيران على حساب غيرها سيؤدي إلى تفجير المنطقة

ويتوقع أنور أن "تدفع الولايات المتحدة ثمناً كبيراً بسبب هذه السياسات التي ستغضب الأصدقاء بكل تأكيد، كما أنّه ليس من الحكمة ممارسة مثل هذه الألعاب الخطيرة مع إيران لأنّها ستؤدي إلى تفجير المنطقة، ومن ثم خسارة السعودية كحليف استراتيجي قوي".

تدفع الولايات المتحدة ثمناً كبيراً بسبب هذه السياسات التي ستغضب الأصدقاء بكل تأكيد

ويتفق مع هذا الطرح الدكتور الكاتب والباحث في السياسة الدولية، محمد ربيع الديهي، الذي أكد أنّ "استهداف إدارة بايدن للأمير السعودي الغرض منه تحجيم انفتاح سياسات المملكة على العالم وعلى القوى العالمية، التي بدأت مع الملك سلمان وصعود الأمير محمد بن سلمان على الساحة، فقد نوّعت المملكة علاقاتها بدول لم تكن لها علاقة من قبل مثل روسيا والصين، ولم تعد تكتفي بتحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فالعالم أصبح متعدد الأقطاب، ومن حق أي دولة أن تبحث عما يفيد مصالحها".

اقرأ أيضاً: إدارة بايدن: عين مفتوحة على السعودية وأخرى مغمضة عن جرائم "الإخوان"

وأكد الديهي، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ "الضغط على المملكة يستهدف أيضاً قبولها بالحلول الأمريكية في بعض الملفات التي تتشابك مع السياسة السعودية، مثل ملف اليمن الذي تسعى إدارة بايدن إلى تمكين جماعات الحوثي فيه ترضية لإيران حتى تعود إلى الملف النووي، وهو ما لن تقبله المملكة بدون مشاركتها، وموقف المملكة يتسق مع ما عبّر عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن "الاتفاقات التي تخص دول الشرق الأوسط يجب اشتراك دول المنطقة في مباحثاتها، وألا تنفرد الدول الكبرى بعقد اتفاقات تخصها".

الديهي: تسعى إدارة بايدن لتقييد المملكة وإشغالها بملفات جانبية لتقبل بالحلول الأمريكية

وأضاف الديهي أنّ ثمة عنصراً مهماً في ضغط إدارة بايدن على المملكة "وهو قيام الأمير محمد بن سلمان، كولي عهد للمملكة، بتقديم رؤية جديدة للمملكة العربية السعودية نحو التحديث والتقدم والتنوع الاقتصادي، استعداداً لمرحلة ما بعد النفط، والانفتاح الداخلي والخارجي، وهو ما تضمنته رؤية 2030، إضافة لتطور في الملف الحقوقي عن السابق، مثل قيادة المرأة للسيارة وهو إنجاز كبير جداً في هذا الملف نظراً لسيطرة أفكار متشددة على مؤسسات الدولة في السابق، والملف الحقوقي بهذا التطور المتوقع لن يصبح ورقة ضغط فعالة كما كان في السابق، لهذا تسرع إدارة بايدن في الترويج ضد المملكة في هذا الملف وخصوصاً، ما يخص مقتل الصحفي خاشقجي والمرشح للاستمرار الحديث فيه، هدف إدارة "بايدن" في النهاية هو تقييد المملكة وإشغالها في ملفات جانبية وإبعادها عن ملفات حيوية لتقبل بالحلول الأمريكية".

الدكتور محمد ربيع الديهي الكاتب والباحث في السياسة الدولية

يؤكد الديهي أنّ "العلاقات السعودية الأمريكية علاقات شراكة استراتيجية راسخة لأكثر من ثمانية عقود، تقوم على التعاون والتحالف في كل المجالات، ورغم العواصف والتحديات التي مرت بها كما حدث في عهد إدارة أوباما، ووصلت إلى أدنى درجاتها، إلا أنّها لم تصل حد القطيعة، وهذا مرشح للتكرار في ظل سياسة إدارة بايدن وقد يؤدى إلى حالة من الفتور على مستوى الخطاب السياسي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية