إطاحة "مرسي" تشلّ قدرات التنظيم الدولي للإخوان (4-4)

الإخوان المسلمون

إطاحة "مرسي" تشلّ قدرات التنظيم الدولي للإخوان (4-4)


29/05/2019

تناولت الحلقة الثالثة من تحولات التنظيم الدولي للإخوان، مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك؛ حيث قام التنظيم الدولي بدور مهم في إقناع الغرب بأنّهم بديل صالح لتولّي الحكم في مصر، وهو ما أشار إليه محضر اجتماع التنظيم الدولي في إسطنبول عام 2008.
هنا حلقة رابعة وأخيرة من سيرة التنظيم الدولي للإخوان.

قيادات الإخوان اتفقت على تكثيف اتصالاتها بالغرب، والإدارة الأمريكية، للضغط على المؤسسة العسكرية المصرية للإفراج عن قيادات الجماعة

حتى منتصف العام 2013، كان تنظيم الإخوان المصري مهيمناً على تنظيمهم العالمي، إلى الحد الذي بات طبيعياً أن تخرج جميع توصيات اجتماعات التنظيم الدولي ببند مشترك ألا وهو "ضرورة تطبيق النموذج المصري في الدعوة والتربية على كافة فروع الإخوان في الدول المجتمعة".
ففي اجتماع التنظيم الدولي في إسطنبول العام 2008، اشتكى مسؤول أحد فروع الجماعة من التضييقات الأمنية التي يتعرضون لها، خاصة فيما يتعلق بالعمل في قطاع التعليم والدفاع المحرّم على الإخوان دخولهما، فضلاً عما أسماه محضر الاجتماع "تعاون مع مصر في المجال الأمني" وهو ما يعبر عن شعور الجماعة بالخطر من ذلك التعاون.

اقرأ أيضاً: هكذا ساهم التنظيم الدولي في إسقاط نظام مبارك (3-4)
وثمة شكوى أخرى كانت تتعلق بأعضاء الجماعة من حيث انشغال عدد كبير من "الإخوة" بعملهم اليومي وإعطاء وقت قليل للدعوة ذلك بسبب "الثورة الاقتصادية وارتفاع أسعار البترول والمشاريع الاقتصادية الهائلة"، مما يشغلهم عن تكليفات الجماعة بالدعوة لها وبناء تنظيمها.
ورأى المجتمعون في قطر "مجالاً مفتوحاً للعمل من كل الاتجاهات" إذ إنّ مجالات العمل هذه تشمل الأندية الرياضية والمساجد والجمعيات الخيرية، ويتم تفعليها عبر لجان فنية مركزية تغطي سائر أوجه النشاط، حيث توجد لجان التربية والخطة والسياسة والإعلام والاقتصادية والأشبال والطلبة والنساء والأنشطة العامة ولجنة السلامة.
أتت ثورة الـ30 من يونيو في مصر، فقلبت موازين القوى داخل التنظيم الدولي

اجتماعات الخلافة
قبيل إطاحة الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، بــ3 أشهر، كان التنظيم الدولي قد عقد اجتماعاً في شهر آذار (مارس) 2013، قدمت خلاله رؤى ليس لانتشال الجماعة من النفق الذي أدخلت نفسها فيه، بل لكيفية إقامة الخلافة الإسلامية لكن في ثوب جديد، يرضى به العالم، فإذا بها تفاجأ بانهيار حلمها، وتحوله لأنقاض.

اقرأ أيضاً: هل حاول التنظيم الدولي للإخوان قتل اللواء فؤاد علّام في ألمانيا؟ (2-4)
أتت ثورة الـ30 من يونيو في مصر، فقلبت موازين القوى داخل التنظيم الدولي، بعد أن نصبت شبه محاكمة للجماعة المصرية، حول مسؤوليتها في انهيار تجربتها في الحكم، وما أدته إليه من تبعات على التنظيم العالمي، وفروع الجماعة، وخاصة في تونس واليمن وليبيا.
شنّ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية في تونس، هجوماً على الجماعة المصرية، معتبراً أنّها أخطأت في تعاطيها مع الأوضاع الداخلية، وهو ما عزز في اتجاه ابتعاده وجماعته عن مشهد الحكم في الدولة التونسية، حتى لا تلقى مصير الجماعة في مصر.

 

محاولة الإنقاذ
سارع التنظيم الدولي لعقد اجتماع جديد في تركيا بعد أقل من شهر على إطاحة مرسي، شارك فيه أعضاء مكتب الإرشاد العالمي؛ حيث أطلقوا عليه اسماً رمزياً هو "الإدارة العالمية"، وممثلو الجهاز السياسي العالمي الذي أطلق عليه اسم رمزي هو "المنظور"، وممثلو جهاز التخطيط الذي يعمل تحت غطاء "المركز الدولي للدراسات والتدريب" ومقره لبنان، فضلاً عن ممثلين لجميع أفرع التنظيم في الدول العربية وأوروبا.

اقرأ أيضاً: هكذا سيطر إخوان مصر على التنظيم العالمي للجماعة (1-4)
ونشرت جريدة "الوطن" المصرية الدراسة الرئيسية التي تمت مناقشتها في الاجتماعات، وهي من إعداد "المركز الدولي للدراسات" حملت عنوان "الانقلاب العسكري على الشرعية في مصر.. تقدير موقف إستراتيجي على المستوى الداخلي والخارجي".
تبدأ الدراسة في شرح وتحليل المشهد السياسي الراهن في مصر والمخاطر المحتملة الناتجة عن إطاحة حكم الجماعة، والمتمثلة في "تضخم مشاعر الاضطهاد والظلم لدى قاعدة الجماعة وقواعدها، وإعادة إنتاج ظاهرة العودة إلى العمل السري، والعنف من خلال محاولات فردية لبعض أفراد الجماعة للانتقام".

اقرأ أيضاً: تعز تعاني تغوّل الإخوان في غياب أجهزة الشرعية
بناء على ذلك، ترى الدراسة، أنّ الحالة السابقة "تضع الجماعة أمام إشكالية معقدة، وهي مدى القدرة على السيطرة على ردود أفعال التيار المؤيد والمتمسك بشرعية الدكتور مرسي، خاصة على المستوى الأمني ومدى عدم تقبل نسبة كبيرة من شباب الإخوان بهذه النهاية أو انجرارهم إلى الفكر المتطرف، وربما العمل المسلح، خاصة أنّ الجماعة ليست وحدها في ميدان رابعة العدوية، بل معها جماعات وتوجهات سلفية، وسيؤدي ذلك إلى ردات فعل متوقعة".

 

استشراف أم صناعة؟
لم يمض على هذا الاجتماع عدة شهور، حتى ظهرت التنظيمات والخلايا المسلحة، التي قامت بعمليات تفجير واغتيالات، وكانت نتاجاً خليطاً من العناصر الإخوانية والسلفية الجهادية، التي ملأت ميداني "رابعة والنهضة"، إلا أنّ الدراسة تظهر إدراك الجماعة مبكراً نتائج ما تسببت به في جمع التيارات الإسلامية على كافة تنويعاتها في ميدان واحد، تحت راية ما أطلقت عليه "الدفاع عن الشرعية".

اقرأ أيضاً: صحيفة ألمانية: "الإخوان" تهديد لأسس المجتمع الموجودة منذ 100 عام
ومع أنّ الجماعة كانت تدرك أنّ ذلك له آثار جيدة بالنسبة لها، إلا أنّها كان تدرك أيضاً تبعات ذلك على صفاء تنظيمها، وهو ما يظهر في النقطة الثانية من الدراسة التي لفتت إلى أنّ "اندماج بعض أنصار الجماعة مع التيارات السلفية قد يؤثر سلباً في المستقبل على جماهير الجماعة، فضلاً عن حدوث تفاعلات تنظيمية حادة داخل الجماعة، ربما تصل إلى انشقاقات وتصدعات وانتقال مجموعات فيها من الحالة الأربكانية إلى الحالة الأردوغانية، بأن يخرج بعض شباب الجماعة الأكثر انفتاحاً على التيارات السياسية الأخرى على قيادة الجماعة، ويرى أنها تسببت في صدام مع الجيش والقوى السياسية الأخرى، وأن يقوم هذا الشباب بمراجعات صارمة للمرحلة السابقة من وجهة نظره، ويعيد هيكلة علاقته بالأوساط السياسية وربما الانشقاق والخروج عن الجماعة، والتحالف مع التيارات الإسلامية الأخرى، وتشكيل حزب سياسي ذي نزعة إسلامية على غرار التجربة التركية".
الجماعة ككل فضلت الصدام مع مؤسسات الدولة المصرية

مخاطر محتملة
ربما يعبر هذا الاتجاه عن تيار داخل الجماعة، لكنّ الثابت أنّ الجماعة ككل فضلت الصدام مع مؤسسات الدولة المصرية، مدعومة في ذلك من التنظيم الدولي، الذي أدرك متأخراً ارتدادت هذا الصدام على فروع الجماعة في الدول الأخرى، وهو ما أشارت إليه الدراسة في موضع آخر، في استشراف مدهش للأحداث قبل وقوعها.

اقرأ أيضاً: هل ساهم الإخوان المسلمون في نهب الأموال الليبية؟ كيف؟
ففي محور "المخاطر المحتملة على الجماعة خارج مصر" ترى الدراسة أنّ تلك المخاطر تتمثل في الآتي: أن يعزز ما جرى مع الجماعة في مصر من انقلاب عسكري موقف التيار المتشدد المعارض لها من أحزاب وتيارات وحكام في باقي الأقطار، حيث يتعاظم الخوف من تكرار النموذج في أقطار آخرى، كما أنّ الهزات الارتدادية لــ"الانقلاب" في مصر لن تقف عند حدودها ولكن التأثير السلبي سيمتد إجمالاً إلى جميع دول العالم الإسلامي، وسيجعل كل فروع الإخوان في العالم تتأثر سلباً بما يحدث مع الجماعة الأم، فضلاً عن "التأثير سلباً على العديد من مشروعات الخطة العامة".
سيناريو تشافيز
وضعت الدراسة "السيناريوهات المتاحة للتعامل مع الانقلاب العسكري 1- سيناريو الراية البيضاء 2- سيناريو تشافيز 3- سيناريو طرح الثقة 4- سيناريو العسكرة. أولاً: سيناريو الراية البيضاء "الرفض التام" القبول بالأمر الواقع والتسليم الكامل بلا قيد أو شرط واستقرار الأوضاع للانقلاب العسكري وبدء خريطة الطريق المعلنة التي ستؤدي إلى استمرار تحكم الجيش في مفاصل الدولة مع وجود رئيس صوري وقبول هذه الترتيبات دولياً وإقليمياً بسهولة. تساؤلات: هل تشارك الجماعة في العملية السياسية والانتخابية مستقبلاً أم لا؟ كيف نقنع أفراد الجماعة والمجتمع بجدوى هذه المشاركة مرة أخرى بعد تجربة الانقلاب العسكري على الشرعية؟ ثانياً: سيناريو الصمود والدفاع عن الشرعية بالنفس الطويل "تشافيز" (المرجح) في عام 2002 خلع الجيش في فنزويلا الزعيم هوجو تشافيز فنزلت الجماهير للشارع تطالب بعودته حتى أجلسوه على كرسي الحكم مرة أخرى خلال 48 ساعة.

الفروع الغاضبة
نقلت صحيفة "المصري اليوم"، عن مصادر لم تذكرها بالاسم، قولها إنّ قيادات التنظيم الدولي توجهوا إلى إسطنبول تحت غطاء حضور مؤتمر شعبي عالمي، يعقده حزب السعادة التركي لنصرة الديمقراطية، للتغطية على الهدف الأساسي من الزيارة، وهو بحث وضع التنظيم الدولي في ضوء التطورات، وإن الاجتماع استمر لأكثر من 4 ساعات في أحد الفنادق التابعة لأحد القيادات الإخوانية بإسطنبول.

شنّ الغنوشي، زعيم تنظيم الإخوان في تونس، هجوماً على الجماعة المصرية، معتبراً أنّها أخطأت في تعاطيها مع الأوضاع الداخلية

أضاف المصدر أنّ راشد الغنوشي، وجه لوماً وعتاباً شديدين للحضور من القيادات على مواقفها المتعنتة، تجاه عدم استجابتها لمشورته، في الاجتماع الأول، المنعقد في لندن، بضرورة تقديم تنازلات من قبل "الإخوان في مصر"، قائلاً: "نحن نجني ما زرعه إخوان مصر في كل البلاد العربية".
وأوضح المصدر أنّ القيادات اتفقت على تكثيف اتصالاتها بالغرب، والإدارة الأمريكية، لدفعها نحو الضغط على المؤسسة العسكرية للإفراج عن قيادات الجماعة، والسماح بعودة التنظيم، واتفقوا على استخدام لغة التخويف والترهيب مع الإدارة الأمريكية، وأنّ استمرار الوضع في مصر على ما هو عليه، سيؤدي إلى حرب أهلية وإهدار المصالح الأمريكية التي حافظت عليها الجماعة.
(ديانت) وهي رئاسة الشؤون الدينية التركية المسؤولة عن توظيف الأئمة الأتراك بأوروبا

المنقذ التركي
نشرت جريدة "البوابة" المصرية عدداً من الأوراق، قالت إنها تمخضت عن اجتماع للتنظيم الدولي العام 2018، ورد فيها خطة لتنازل الإخوان عن بنوك وشركات ومشاريع تابعة للجماعة في أوروبا لتركيا، بعد أن دارت الشكوك حول دورها بدعم الإرهاب، وبعد المساءلة التي تعرضت لها من قبل بعض الدول الأوروبية وكشفها لعمليات تمويلها غير المشروعة.

اقرأ أيضاً: هل تعود جماعة الإخوان من جديد للمشهد العام؟
هدف هذا الاتفاق إلى عدم فقدان التنظيم لتوازنه الاستثماري، ولذا أصبحت هذه الشركات بعد البيع بصفة رسمية تابعة لتركيا وتحت إشراف شركات من المحاماة والحقوقيين حول عملية الانتقال من أسماء قيادات التنظيم إلى هيئة الاستثمارات الدولية التركية، وهي هيئة مرتبطة بحزب العدالة والتنمية.
اتفق الحضور على أن تقوم تركيا بعمل محاضرات وندوات في مجموعة من الدول الأوروبية، مستخدمة جميع الوسائل الجاذبة للجاليات المسلمة في أوروبا لصفوف الإخوان عن طريق منظمة (دينب) التي لها نفوذ كبير في ألمانيا وفرنسا.
كما سيقوم التنظيم الدولي للإخوان بالتنسيق مع (ديانت) وهي رئاسة الشؤون الدينية التركية، المسؤولة عن توظيف الأئمة الأتراك بأوروبا، لاتخاذ دور أكبر ودعم الحكومة التركية لتوجهات أئمتها المكلفين، بعد وقوف بعض الدول في مواجهتهم مثل النمسا التي دربت بعضهم وألمانيا.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية