إعادة تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية... 3 محفّزات و3 معرقلات

إعادة تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية... 3 محفّزات و3 معرقلات


23/01/2021

جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الأيام الأخيرة قبل نهاية العام 2020م، بشأن إمكانية استئناف العلاقات بين بلاده وإسرائيل، لتطرح تساؤلات عدة حول التوقيت والأهداف والفرص لهذه البادرة.

يرغب أردوغان بتقديم بادرة حسن نية للإدارة الأمريكية، انطلاقاً من الاعتقاد أنّ تل أبيب هي الطريق إلى واشنطن

وكانت تركيا وإسرائيل قد تبادلتا طرد السفراء في أيار (مايو) 2018م، على خلفية استشهاد العشرات من الفلسطينيين على الحدود مع قطاع غزة، أثناء إحياء الذكرى الـ70 للنكبة. وقبل ذلك، كانت العلاقات بينهما قد دخلت مرحلة من التوترات المستمرة خلال الأعوام الأخيرة، وبالتحديد منذ حادثة أسطول الحرّية عام 2010م، إلا أنه، وبالرغم من ذلك، ظلّت العلاقات الاقتصادية والاستخبارية مزدهرة، ولم تتأثر بالتوترات السياسية.

وسيلة للتقرب إلى إدارة بايدن

عُرف عن الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنّ لديه خصومة مع أردوغان، إذ كان قد هدّد أردوغان بأنّه سيجعله يدفع ثمناً باهظاً نتيجة سياساته ومواقفه، وطالب بدعم المعارضة التركية، كما جاء في تصريحه لصحيفة "نيويورك تايمز" في كانون الأول (ديسمبر) 2019م.

بايدن وأردوغان صورة من لقاء جمعهما في أنقرة عام 2016م عندما كان الأخير نائباً لأوباما

ويعود موقف بايدن هذا إلى ما لديه من حساسية تجاه قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي بات أردوغان متهماً، على نطاق واسع، بانتهاكها، وبأنه يقود البلاد نحو حكم دكتاتوري. إزاء ذلك، يرغب أردوغان بتقديم بادرة حسن نية للإدارة الأمريكية الجديدة، وذلك انطلاقاً من الاعتقاد بأنّ تل أبيب هي الطريق الأقرب إلى واشنطن، وبأنّ إسرائيل هي دائماً الأكثر تأثيراً على الرئيس الأمريكي والكونغرس.

العزلة التي تعيشها تركيا

تزداد حدة التوترات والخلافات والصراعات التي تنخرط فيها تركيا، ويزداد عددها، وبالتحديد على مستوى جوارها الإقليمي، فمن الخلافات المستمرة مع العراق وسوريا، وتجددها على خلفية عملياتها الأخيرة في البلدين، إلى تصاعد العداء مع أرمينيا بسبب الدعم العسكري التركي لأذربيجان في حربها الأخيرة معها، إلى الخلافات المتجددة والمتصاعدة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وخاصة مع تصاعد الخلاف حول ترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة وأحقيّة استثمار اكتشافات الغاز فيها، وتصاعد الخلاف بهذا الخصوص بالتحديد مع كل من اليونان وقبرص، وما تبع ذلك من تنديد أوروبي بما أقدمت عليه شركات طاقة تركية من الشروع بالتنقيب واستخراج الغاز قبالة السواحل القبرصية، وصلت حدّ التهديد والشروع بفرض وإقرار العقوبات على تركيا، ووصولاً حتى الخلاف المتصاعد مع دول أوروبية مثل فرنسا إثر التدخل التركي العسكري في غرب ليبيا. يضاف إلى كلّ ذلك العقوبات التي يتجه الكونغرس الأمريكي لفرضها على تركيا بعد إتمام الأخيرة صفقة شراء منظومات صواريخ )400S-) الروسية، وقد قام الكونغرس بالفعل، نهاية العام 2020م، بفرض عقوبات استهدفت الصناعات الدفاعية التركية.

اتجه الكونغرس لفرض العقوبات على تركيا بعد شرائها منظومات صواريخ )400S-) الروسية

كلّ هذه الخلافات وضعت تركيا في حالة شبه عزلة، ودفعت أردوغان للدعوة إلى إعادة فتح القنوات مع إسرائيل مجدداً لتطبيع العلاقات، وخاصة في ظلّ الحرص على عدم تشكّل حلف وتوافق عسكري في منطقة شرق المتوسط بين كل من قبرص واليونان ومصر وفرنسا، تنضم إليه إسرائيل، في حال لم تتحسن العلاقات معها واستمرت حالة التوتر والخلاف بينها وبين تركيا بالتصاعد.

الغاز في المتوسط

ويبرز من بين أهم المحفّزات لتعزيز العلاقات السياسية مجدداً بين البلدين السعي المشترك لكل منهما للتعاون فيما يخصّ بحث عقد اتفاقيات لنقل الغاز من إسرائيل إلى تركيا، سواء بغرض بيعه لتركيا، أو بحيث تكون تركيا منطقة عبور لأنابيب الغاز المراد تصديره باتجاه أوروبا.

من بين أهمّ المحفّزات لتعزيز العلاقات: السعي المشترك لكل منهما لنقل الغاز من إسرائيل إلى تركيا

وتخشى تركيا من تعاون إسرائيل مع قبرص واليونان لإقامة خط أنابيب غاز بحري ينطلق إلى أوروبا متجاوزاً الأراضي التركية، ممّا يشكّل ضربة قاصمة للرؤية الاستراتيجية التركية التي تطمح لأن تكون تركيا مركزاً  للطاقة بين الشرق والغرب. بدلاً من ذلك، تأمل تركيا أن يتم مدّ خط الغاز باتجاه أراضيها، ومن ثمّ باتجاه الاتحاد الأوروبي.

وعلى الصعيد ذاته، يدور الحديث حول مصلحة أخرى مشتركة بين البلدين، تتعلق بالنزاعات حول ترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط؛ إذ كشفت صحيفة "إسرائيل هيوم"، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عن تقدّم تركيا بمقترح إلى إسرائيل لترسيم الحدود البحرية بينهما، وهو من تخطيط  الأدميرال التركي السابق جهاد ياجي، وهو الذي كان المخطط أيضاً لاتفاق ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية. ويشمل ذلك تقاسم حقول متنازع عليها بين إسرائيل وقبرص، وبحيث يكون التقسيم للحقول كما هو موضح في هذه الخريطة:

المخطط التركي المقترح لتقاسم حقول الغاز البحرية مع إسرائيل

العلاقات مع حركة حماس

أمّا العائق الأول أمام تطبيع وتطوير العلاقات السياسية بين البلدين، فيتمثل في علاقات تركيا مع حركة حماس؛ إذ تشترط حكومة بنيامين نتنياهو أن تخفّض تركيا من مستوى تعاونها ودعمها لحركة حماس، وذلك وفقاً لما صرّح به وزير إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه، في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط"، عقب تصريح أردوغان الأخير بشأن إمكانية التقارب مع إسرائيل.

تشترط حكومة بنيامين نتنياهو أن تخفّض تركيا من مستوى تعاونها ودعمها لحركة حماس

وتزعم إسرائيل أنّ تركيا تفسح المجال لأعضاء حماس المتواجدين فيها لتمويل وتدبير أعمال مسلحة تستهدف إسرائيل. وفي آب (أغسطس) 2020م اتهمت إسرائيل تركيا بمنح جوازات سفر لنحو 10 من أعضاء حركة حماس، وصفتهم بأنهم مصنفون "إرهابيين"، ووصفت ذلك بأنه "خطوة غير وديّة للغاية".

من جهتها، فإنّ تركيا تعتبر علاقتها بالحركة ورقة تزيد من نفوذها في الساحة الفلسطينية، وعلى مستوى المنطقة، ما يعني أنه لن يكون من السهل قبول التضحية بها.

ملف القدس

كذلك يبرز من بين المعرقلات أمام تطوير العلاقات الحرص والتطلع التركي المتزايد للاضطلاع بدور في الإشراف والإدارة للحرم القدسي الشريف في القدس، وتحرص إسرائيل على أن تتخلى تركيا عن هذا المطمع.

أردوغان مستقبلاً خالد مشعل وإسماعيل هنيّة في أنقرة عام 2013م

وضمن هذا المسعى التركي، ترصد إسرائيل بحذر تنامي نشاط المنظمات التركية في القدس، إضافة إلى التشجيع التركي الرسمي للسياحة إلى الأقصى، مع أعداد سياح أتراك باتت تقدّر بنحو 50 ألفاً كلّ عام. وفي ظلّ التشجيع والتسهيلات التي تقدمها الحكومة التركية وشركات السياحة التركية، فإنه ومع زيادة هذه الأعداد يمكن أن تطالب تركيا تبعاً لذلك بتولي مسؤولية إدارية في الحرم القدسي، ما قد يشكّل تحدياً للحكومة الإسرائيلية.

قيود القاعدة الشعبية

يعتبر أردوغان، وحزبه العدالة والتنمية، من الممارسين النفعيين للسياسة، ولكن مع الاحتفاظ بإطار وخلفية خطابية تستند للقيم الدينية، وهو ما يشكّل الأساس في بناء القاعدة الانتخابية للرئيس وللحزب والأساس للتواصل معها ونيل ثقتها. وكذلك، يشكّل هذا الإطار الخطابي عاملاً في تشكيل رأي عام إيجابي تجاه تركيا وأردوغان خارج تركيا، وخصوصاً في العالمين العربي والإسلامي، وهو ما يُكسِب تركيا نوعاً من القوة وأدوات التأثير الناعمة. ويتضمن هذا الإطار الحرص على تقديم تركيا باعتبارها صاحبة زعامة إسلامية، وبأنها تدافع عن المسلمين في كلّ مكان، وفي مقدمتهم أهل فلسطين، وفيما يخصّ تطوير العلاقات السياسية مع الجانب الإسرائيلي فإنّ هذه الإطار يشكّل عاملاً مقيداً ومعرقلاً لفرص تطوير تقارب حميمي ودافئ.

يحرص أردوغان على تقديم تركيا باعتبارها صاحبة زعامة إسلامية، وبأنها تدافع عن المسلمين

ويبقى الثابت في المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي أنّ تركيا دولة مهمّة، ولها ثقلها ووزنها على مستوى المنطقة، وبالتالي فإنها تحرص على تجنب الدخول معها في حالة صراع وعداء دائمة وكاملة، والحفاظ على علاقات جيدة ومستقرة معها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية