إلى أي مدى يهدّد التواجد التركي في ليبيا الأمن المصري؟

مصر وتركيا

إلى أي مدى يهدّد التواجد التركي في ليبيا الأمن المصري؟


07/01/2020

أعلنت وزارة الخارجية المصرية، أول من أمس، في بيان لها، أنّ القاهرة ستستضيف الأربعاء "اجتماعاً تنسيقياً وزارياً يضم وزراء خارجية كلّ من فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، وذلك لبحث مُجمل التطورات المتسارعة على المشهد الليبي مؤخراً".

اقرأ أيضاً: المعارضة التركية تعلن موقفها من إرسال قوات إلى ليبيا
وأضاف البيان، وفق ما أوردت "دويتشه فيله"، أنّ الاجتماع سيناقش "سبل دفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة تتناول كافة أوجه الأزمة الليبية، والتصدي إلى كل ما من شأنه عرقلة تلك الجهود".
وتأتي هذه الخطوة غداة إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنّ جنوداً من الجيش التركي بدأوا بالفعل التوجّه إلى ليبيا بشكل تدريجي، بعد موافقة البرلمان التركي الخميس 3 كانون الثاني (يناير) الجاري، على إرسال قوات لدعم حكومة الوفاق. وقوبل هذا التدخل التركي بالرفض والإدانة من جامعة الدول العربية والدول العربية باستثناء قطر.

ترجمان: الحديث عن مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا إثر تدخلها في ليبيا أمر مبالغ فيه

ودعت التطورات الأخيرة مصر للتأهّب، حيث اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأعضاء مجلس الأمن القومي المصري، لبحث التطورات المتصلة بالأزمة الليبية، ومناقشة التهديدات الناشئة عن التدخل العسكري الخارجي في ليبيا؛ وتمّ تحديد مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة للتصدي لأيّ تهديد للأمن القومي المصري.

أما موقف مجلس النواب المصري فقد أعلنه وكيل المجلس د.سليمان وهدان، في بيان له، نظراً لأنّ المجلس في إجازته البرلمانية؛ ويفيد البيان الذي نشر عبر الصحف المصرية؛ بأنّ قرار البرلمان التركي والرئيس رجب طيب أردوغان بالتدخّل العسكري في ليبيا، ستكون له عواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط، وسيساهم في تفاقم الصراع في البلاد، مشيراً إلى أنّ "جلب أردوغان الجماعات المسلّحة والإرهابية إلى ليبيا خطر كبير على الدول العربية في شمال أفريقيا، ويؤثر بشكل كبير على الأمن القومي المصري، وهو أمر لن تسمح به القيادة السياسية المصرية".
وطالب وهدان المجتمع الدولي، ممثلاً بالأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، بتحمل مسؤوليته، والتصدي لهذه الانتهاكات التي تهدّد الأمن والسلم الدوليين، محذراً من أنّ أردوغان يعمل على نشر الفوضى الخلاقة وممارسة البلطجة على الدول العربية، بمشاركة جماعة الإخوان.

اقرأ أيضاً: ما مخاطر التدخل العسكري التركي في ليبيا على الأمن القومي المصري؟

فإلى أيّ مدى يهدّد التواجد التركي في ليبيا الأمن المصري؟ ولماذا شعرت القاهرة بالقلق إزاء التحركات التركية؟ وما دور الإخوان المسلمين في مصر إزاء الموقف المصري والتدخل التركي؟

أردوغان يمارس سياسة شراء العداء

يقول الباحث والخبير الإستراتيجي التونسي، باسل ترجمان: "تركيا في عهد أردوغان أصبحت دولة معزولة، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تعادي كلّ محيطها الجغرافي، سوريا والعراق وإيران وبلغاريا وروسيا وقبرص واليونان، واليوم أردوغان ينقل العداء إلى الدائرة الثانية بدول ليست على تماس جغرافي معه، مثل؛ مصر وإيطاليا وفرنسا، وهذا نتيجة لقراراته غير المدروسة بالتدخل في ليبيا".

البشبيشي: وجود جماعات إرهابية مدعومة من تركيا في ليبيا يعدّ تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري

ويضيف ترجمان، في حديثه لـ "حفريات": الحديث عن أنّ التدخل التركي العسكري في ليبيا سيقود إلى مواجهة عسكرية مع مصر أمر مبالغ فيه، وأقرب إلى الدعاية الإعلامية التركية التي تستهدف إثارة الرأي العام المصري، لدفع المصريين للتفاوض معهم بشأن اتفاقيات الغاز في المتوسط، فمن الصعوبة بمكان أن تتمكن تركيا من إرسال قوات عسكرية بعتادها إلى ليبيا، فإمكانيات تركيا العسكرية أقلّ من أن تقوم بذلك، لعدم وجود غطاء جوي لهذه القوات، ويجب ألا ننسى أنّ تركيا لم تخض حرباً حقيقية منذ الحرب العالمية الأولى، التي هزمت فيها، وأفضل فترة وصلت فيها قوة الجيش التركي في فترة الحرب الباردة، وأنّ كلّ القوة العسكرية التركية تستمدّها من كونها قاعدة للناتو، غير أنّ الوضع تغيّر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فلم يعد الحلف في حاجة ماسّة للقاعدة العسكرية بتركيا، ومن ثم انخفضت أهمية تركيا عسكرياً".
وتابع ترجمان: أردوغان يمارس سياسة شراء العداء في تكرار خطير لسياسة نفذها الزعيم النازي هتلر، وأدّت إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين، وهذا أمر لا يمكن أن يُسمح به مجدداً في العالم.

الإخوان في مصر طابور خامس

من جهته، صرّح القيادي الإخواني السابق، طارق البشبيشي، لـ "حفريات"، أنّ التدخل التركي في ليبيا عسكرياً "تصرّف غير مسؤول من الحكومة التركية، ويزيد الموقف تأزيماً، وعلى المجتمع الدولي وقف أردوغان عن إشعال المنطقة بحروب من أجل تحقيق وهم الإمبراطورية العثمانية".

اقرأ أيضاً: طاعون الفساد العثماني.. مصر نموذجاً
وأضاف البشبيشي: "وجود جماعات إرهابية مدعومة من تركيا في الأراضي الليبية، يعدّ تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، ولا ننسى أنّ في الداخل المصري قطاعاً كبيراً من الإخوان المسلمين، الذين لا يؤمنون بالوطنية المصرية ولا يرحّبون بأيّ انتصار للدولة المصرية على أيّ صعيد، ولديهم انتماء خاص لأردوغان، وهم طابور خامس، يفتّ في عضد المجتمع المصري، ويقومون بنشر الشائعات وبترويج مواقف متخاذلة وصرف الجماهير عن الالتفاف حول الجيش، صحيح لم يتمكنوا من نشر أكاذيبهم، بعد أن التفّ الشعب المصري حول قيادته وحول قواته المسلحة، إلا أنّ وجودهم بالإضافة إلى الحضور التركي والجماعات الإرهابية الفارّة من العراق وسوريا، قد يمثل خطراً تجب مواجهته، لهذا على الدولة المصرية أن تتخذ الإجراءات المناسبة لمواجهة هذه التهديدات أو تلك المخاطر".

اقرأ أيضاً: هذا هو اتفاق أردوغان مع المرتزقة في ليبيا
وأردف القيادي الإخواني السابق: "تحرك الدبلوماسية يكشف حرص مصر على التسوية السياسية للأزمة الليبية، وفي الوقت نفسه؛ لا تستبعد الخيار العسكري فمفهوم الأمن القومي هو قدرة الدولة على تحقيق أمنها؛ حيث لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتفادي الحرب، والقدرة على حماية تلك المصالح إذا ما اضطرت عن طريق الحرب".

حرب الحسابات الخاطئة

وفي سياق متصل؛ قال كامل عبدالله، الباحث المتخصص في الشأن الليبي، بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية "فيما يتعلق بالشأن الليبي، هي حرب الحسابات الخاطئة، فهناك أطراف محلية كانت تخطط لهذه الحرب بحسابات خاصة، والبعض كانت تقديراته خاطئة، مشكلة ليبيا أنّها بلد من دون مؤسسات، ومختلَف عليه داخلياً، ومتصارَع عليه إقليمياً، ولا يوجد اتفاق دولي لإيجاد حلّ عملي على أرض الواقع".

عبدالله: استمرار الحرب الداخلية في ليبيا والتدخل التركي سيجعل الحلّ بأيدي قوى دولية

وأضاف عبدالله: "استمرار الحرب الداخلية في ليبيا والتدخل التركي سيجعل الحلّ بأيدي قوى دولية؛ فالتدخل التركي تمّ التغاضي عنه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، نكاية في الوجود الروسي في ليبيا، والقوى العربية أضاعت فرصة لهندسة الوضع في ليبيا؛ لذا تحاول تركيا الاستفادة من الخلافات الليبية والتعقيدات المحلية والإقليمية، ودفع مصر للحوار مع الجانب التركي، لتعزيز موقعها داخل البحر المتوسط".
وحول الحديث عن التدخل المصري في معركة ضدّ القوات التركية، قال عبدالله: "إنّه أمر مستبعد في الوقت الحالي، فمصر تسعى دائماً للتهدئة، وما تزال الفرصة قائمة، ومصر حتى الآن تسعى لإقرار التسوية السياسية لا المواجهة العسكرية في ليبيا"، لافتاً إلى أنّ "الاتصالات المكثفة وآليات التواصل في الوقت الحالي مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة بالملف الليبي، تؤكد رغبةً في تكوين تحالف دولي إقليمي، لكنّ الأعباء المثقلة على عاتق الدولة المصرية بخصوص الوضع الليبي، تحتم عليها الاستعداد لأيّ تطور في الوضع المأزوم في ليبيا، مع الوضع في الاعتبار أنّ القوات التركية لو تواجدت في ليبيا فستتواجد في غرب ليبيا، مما يعني أنّ التهديد الأمني والعسكري أقل خطورة مما يروج له البعض".


يذكر أنّ الخارجية المصرية أعلنت على صفحتها الرسمية بالفيس بوك، أنّ "وزير الخارجية المصري قد أجرى اتصالات دولية متواصلة حول الوضع في ليبيا"، في إطار التواصل المكثف لوزير الخارجية سامح شكري، مع نظرائه والمسؤولين الدوليين حول الوضع في ليبيا، فقد أجرى اتصالات مع كلٍّ من سكرتير عام الأمم المتحدة ومستشار الأمن القومي الألماني والممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي؛ وقد تمّ التأكيد خلال هذه الاتصالات على رفض التصعيد في ليبيا من قِبَل تركيا، وضرورة تفعيل كلّ الآليات الممكنة للحيلولة دون حدوث أي تدخُّل في ليبيا بما يخالف القانون الدولي، فضلاً عن أهمية العمل للحفاظ على فرص التوصّل إلى حلّ سياسي، من خلال عملية برلين، التي تمّ التأكيد على دعمها الكامل خلال تلك الاتصالات".
كما دعت مصر إلى اجتماع طارئ لوزراء خارجية كل من فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، من القرر عقده غداً، لبحث تطورات الأوضاع في ليبيا.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية