إيران.. معارك المحافظين الدونكيشوتية

إيران.. معارك المحافظين الدونكيشوتية


09/02/2020

حسن فحص

اذا ما كان الإصلاحيون في إيران بشقيهم، المتشدد المحسوب على الرئيس محمد خاتمي وزعيمي الحركة الخضراء مهدي كروبي ومير حسين موسوي، او المعتدل المحسوب على الرئيس حسن روحاني وحكومته، اذا ما كان هذا التيار عاجزا عن بلورة او تشكيل قوائم ولوائح مرشحيه للانتخابات البرلمانية المرتقبة في المحافظات الايرانية عامة والعاصمة خاصة، فان حقيقة هذا العجز لا يمكن اعتبارها ذاتية بالكامل، فهو يمتلك مروحة واسعة من الشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية والقانونية والادارية ذات خبرات متقدمة تراكمت على مدى العقود الاربعة الماضية نتيجة تعاطيها مع الشأن العام والاداري والتشريعي. بل يمكن التوقف عند الاسباب المرتبطة بعوامل خارجة عنه ومفروضة عليه، عوامل مركبة تشترك فيها كل اطياف ومراكز القرار والسلطة التي يهيمن عليها التيار المحافظ بكل تلويناته المتشددة والمعتدلة والمتجددة (المحافظون الجدد)، السياسية والفكرية والدينية وصولا الى الامنية والعسكرية وليس انتهاءً بالاعلامية، والتي مهدت الطريق ووفرت الغطاء للقرارات التي أصدرتها لجنة دراسة اهلية المرشحين في مجلس صيانة الدستور وسهلت عملية ارتكاب مجزرة سياسية وثقافية بحق ابرز الشخصيات الاصلاحية ان كان من الصف الاول او الثاني او الثالث، واستكملتها لتطال شخصيات محافظة سبق لها ان رفعت صوتها معترضة على آليات ادارة البلاد ولن تتردد في توجيه النقد والاعتراض على بعض مراكز القرار والسلطة التي يتحكم بها التيار المحافظ، وكانت الاطاحة بها من سباق الانتخابات البرلمانية ليس بسبب الشك في انتمائها لهذا التيار والتوجه، بل بسبب ما تشكله من خطر كامن قد يهدد الصورة التي من المفترض انها رسمت في كواليس النظام لنتائج الانتخابات والهندسات التي وضعت لتوزيع المسؤوليات والمواقع بناء على تلك النتائج.

وعلى الرغم مما توفره اجراءات مجلس صيانة الدستور من فرصة امام التيار المحافظ وقوى النظام لخوض معركة انتخابية يفترض ان تكون سهلة ويسيرة بعد نزع ألغام الاصلاحيين والمحافظين المعترضين، الا ان الامور والوقائع لا تبدو على النحو الذي يشتهيه قادة النظام، بل تكشف عن كم ليس بقليل من الخوف بحدوث خروق غير محسوبة ومن خارج الاطار المرسوم، خصوصا وان هذه القيادة لا تحبذ المفاجأة في هذه المرحلة الدقيقة لاختبار قدرتها على السيطرة والامساك بمفاصل القرار، ولما لها من تأثير على مستقبل النظام الذي يواجه تحديات مصيرية على المستويين الداخلي والخارجي، ان كان على مستوى البحث عن خليفة المرشد وما يمكن أن تكون عليه حالة النظام، أو على المستوى الخارجي والصراع مع الولايات المتحدة الامريكية ومصير الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة.

ويبدو ان نتائج جهود النظام في تمهيد الطريق امام التيار المحافظ وتأمين الطريق امامه للسير والتقدم في حقول منزوعة الألغام لم تكن على قدر توقعات قيادته وآمالها، فسهولة المعركة واستسهالها، ساهم في تفجير التنافس المرضي والتناقضات داخل الصف الذي من المفترض ان يكون واحدا وموحدا ومتوحدا حول هدف رئيس واستراتيجي، من اجل توحيد السلطة ومراكز القرار في قبضة الجهة التي يمثلها. وكشف الصراع داخل التيار المحافظ عن حجم التباين والتناقض بين اجنحته ومكوناته الحزبية ورفض كل منها التسليم او التنازل امام الطرف الاخر حفاظا على المصلحة العليا للنظام، وذلك انطلاقا من حدة التنافس وقطع الطريق على الطرف والشريك الاخر من تحقيق تقدم او تفوق قد يكون على حسابه ودوره وحجمه داخل السلطة والنظام. فاللقمة السائغة التي يرونها متوفرة من دون عناء على طبق السلطة التشريعية ولا يفصلهم عن إلتهامها سوى المعبر الإلزامي – الشكلي المتمثل بالانتخابات وصناديق الاقتراع طالما ان طبيعة النظام لم تتغير وطالما انه مازال ملتزما بالاليات الدستورية التي فرضها البعد الجمهوري للسلطة، الا ان ما يباعد بين هذه القوى اكبر من الصناديق، فالنتائج التي ستخرج منها تشكل اساس وخلفية الصراع بين هذه الاجنحة التي تسعى ليكون كل واحد منها المحتكر لتمثيل قاعدة التيار الذي تنتمي له، ما يسمح لها بالتالي بتحديد حجمها ودورها في المشاركة بصنع القرار وقيادة السلطة التشريعية.

ولعل التحدي الابرز الذي يواجه تيار السلطة والنظام المحافظ، والذي قد يعقد عليه النتائج التي ينتظرها من هذه الانتخابات، هو عودة الجناح المؤيد للرئيس الاشكالي السابق محمود احمدي نجاد الى دائرة التأثير وفرض نفسه شريكا لا يمكن تجاوزه داخل التركيبة والآليات الحاكمة لهذا التيار، خاصة بعد فشل كل الجهود التي بذلتها قيادات هذا التيار لمحاصرته وتاليا لإيجاد نوع من التوافق والظهور كقوة متماسكة وموحدة في هذه الانتخابات، بما يوفر عليها عناء التشتت، ويمهد الطريق لضمان رسم خريطة توزيع المواقع بينها بعد نتائج الانتخابات.

ولعل حالة الاطمئنان التي تسود اوساط المحافظين بكل اجنحتهم نتيجة غياب التيار الاصلاحي عن المنافسة الجدية في الانتخابات المرتقبة ساهم في تظهير الخلافات الداخلية بين هذه القوى، وجعل من عملية اجتماعها وتجمعها في اطار قوائم ولوائح موحدة، على الاقل في العاصمة طهران، امرا صعبا نتيجة سيطرة صراعات الاستئثار بينها، خصوصا وان الانقسام بات عموديا بين اتجاهين هما الاكثر نفوذا داخل المحافظين بعد استبعاد واخراج المعتدلين من السابق، وهذين الاتجاهين يمثلان الجناح الاول المؤيد لرئيس بلدية طهران السابق وقائد القوات الجوية الاسبق في حرس الثورة والقائد الاسبق لاجهزة الامن في وزارة الداخلية الاسبق الجنرال محمد باقر قاليباف، والجناح الثاني المؤيد للرئيس السابق احمدي نجاد،وتكشف هذه المعركة عن وصول الخلافات داخل التيار المحافظ الى مستويات متقدمة على خلفية الخوف المتبادل بين الطرفين، اذ يتخوف قاليباف ان ينتج من هذا الصراع تراجع في حظوظ توليه لرئاسة البرلمان كتعويض عن انسحابه من السباق لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الاخيرة لصالح مرشح النظام آنذاك ابراهيم رئيسي نتيجة لما يعرفه من عناد لدى احمدي نجاد الذي دخل في معركة مكشوفة مع قيادات النظام وحتى مع المرشد في الكثير من المواقف على خلفية سعيه لرد الاعتبار وتعويض الاضرار التي لحقت به جراء عزله عن دائرة القرار ووضعه تحت توصيف "التيار الانحرافي" داخل التيار المحافظ نتيجة لهذه المواقف.

يمكن القول ان الصراعات داخل التيار المحافظ على الانتخابات البرلمانية تمثل الجزء الظاهر على السطح من صراعات اخرى قد تكون اكثر تعقيدا وعمقا، تطال هوية النظام ومستقبله ومصيره وسبل التعامل مع الازمات المتفجرة اقتصاديا وماليا، فضلا عن التحديات الامنية والعسكرية ان كان في الداخل او في المحيط الاقليمي.

عن "المدن"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية