اتفاقية إسطنبول... عندما تكون أولوية أردوغان إرضاء المتشددين على حساب معاناة التركيات

اتفاقية إسطنبول... عندما تكون أولوية أردوغان إرضاء المتشددين على حساب معاناة التركيات


01/07/2021

انسحبت تركيا رسمياً اليوم من اتفاقية دولية لمنع العنف ضد المرأة، بعد أن رفضت "المحكمة الإدارية العليا" في تركيا طلب تعليق الانسحاب من "اتفاقية إسطنبول" لوقف العنف ضد المرأة. 

ونقلت وكالة الأناضول أول من أمس أنّ قرار الرفض تم اتخاذه بأغلبية 3 أصوات مقابل صوتين اثنين.

وأكد الأعضاء الـ3 الذين وقعوا على قرار عدم التعليق أنه "لا تردد في سلطة الرئيس". 

العفو الدولية: لقد أعادت تركيا عقارب الساعة إلى الوراء 10 أعوام فيما يتعلق بحقوق المرأة

ويستعد الآلاف للاحتجاج في جميع أنحاء تركيا، بعد أن رُفض الطعن القضائي لوقف الانسحاب هذا الأسبوع، وفق ما نقلت صحيفة جمهورييت.

وقالت رئيسة اتحاد الجمعيات النسائية التركية جنان جولو أمس في تصريح صحفي نقلته العربية: "سنواصل كفاحنا... تركيا تضر نفسها بهذا القرار". 

وأضافت أنّ النساء والفئات الضعيفة الأخرى منذ آذار (مارس) أكثر تردداً في طلب المساعدة وأقل احتمالاً لتلقيها، إذ أدى فيروس كورونا إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية ممّا تسبب في زيادة كبيرة في العنف.

وأثار انسحاب أنقرة إدانة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويقول منتقدون إنه يجعل تركيا أكثر ابتعاداً عن التكتل الذي تقدمت بطلب الانضمام إليه في عام 1987.

وبعثت مفوضة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان دونغا مياتوفيتش هذا الشهر برسالة إلى وزيري الداخلية والعدل في تركيا تعبّر فيها عن القلق إزاء تصاعد أحاديث بعض المسؤولين عن الخوف من المثليين.

المحكمة الإدارية العليا في تركيا ترفض طلب تعليق الانسحاب من "اتفاقية إسطنبول" لوقف العنف ضد المرأة

وقالت: "تعزز جميع الإجراءات التي نصت عليها اتفاقية إسطنبول الأسس والروابط الأسرية من خلال منع ومكافحة السبب الرئيسي لتدمير الأسر، ألا وهو العنف".

في الإطار ذاته، قال المتحدث باسم الأمين العام لمجلس أوروبا دانيال هولتغين في حوار مع DW: "قمنا دوماً بشرح أنّ هذا الاتفاق له مهمة واحدة فقط وهي الحد من العنف ضد المرأة والعنف الأسري، الاتفاق ليس له أجندة أخرى". 

اقرأ أيضاً: المرأة التركية في مهب ريح سلطة العدالة والتنمية

وأضاف هولتغن: "القول إنّ ذلك الاتفاق، على سبيل المثال، يروج لزواج المثليين، كما روجت تركيا، ببساطة ليس صحيحاً. كلمة النوع أو الجنس يبدو أنها تثير الغضب وتؤدي لتكهنات جامحة، الاتفاق لا يروج لأي شيء أخر".

المعارضة التركية: قرار الرئيس أردوغان بالانسحاب من اتفاقية إسطنبول باطل، ويُعدّ خرقاً واضحاً للدستور

ويقول هولتغن: إنّ نصّ الاتفاق الذي وقعت تركيا عليه منذ حوالي 10 أعوام ماضية، ما زال كما هو دون تغيير، ويتساءل هولتغن عن الدوافع خلف قرار الانسحاب، ويقول: "الاتفاق لم يتغير، ولكن ما تغير هي التوجهات والتيارات السياسية في الدول، هذا ما حدث."

وفي السياق، حذّرت منظمة العفو الدولية اليوم من أنّ العنف ضد المرأة آخذ في التصاعد في تركيا، في الوقت الذي تخرج فيه البلاد رسمياً من اتفاقية إسطنبول، وهي معاهدة لحقوق الإنسان لمنع العنف الأسري ومكافحته.

مظاهرة نسائية في إسطنبول ضد قرار انسحاب تركيا من معاهدة لمكافحة العنف ضد المرأة

وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنيس كالامار، في تصريح نشرته وكالة رويترز: "لقد أعادت تركيا عقارب الساعة إلى الوراء 10 أعوام فيما يتعلق بحقوق المرأة".

وأوضحت أنّ انسحاب تركيا من الاتفاقية يبعث بـ"رسالة متهورة وخطيرة"، لأنّ الجناة يمكن أن يتجنبوا العقاب.

ومنذ آذار (مارس) الماضي غدا قرار الرئيس التركي أردوغان، بالانسحاب من اتفاقية إسطنبول لوقف العنف ضد المرأة، الحديث الشاغل للشارع التركي، كونه جاء بشكل مفاجئ ومسّ قضية تُعتبر حساسة، وتثير غضب ومخاوف شريحة كبيرة من النساء.

يستعد الآلاف للاحتجاج في جميع أنحاء تركيا، بعد أن رُفض الطعن القضائي لوقف الانسحاب هذا الأسبوع

القرار الذي نُشر في الجريدة الرسمية انقسمت ردود الفعل بشأنه، وبينما أيدته شريحة من المواطنين، وبشكل أساسي من "المحافظين" وأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم، فقد رفضته أخرى، واعتبرته انتهاكاً لحقوق المرأة في البلاد.

ويرى مراقبون أتراك أنّ قرار الانسحاب من الاتفاقية يُعتبر خطوة من جانب أردوغان لتلبية مطالب قاعدته الدينية في البلاد.

واعتبرت "الرئاسة التركية" في بيان سابق لها أنّ قرار الانسحاب من الاتفاقية "لا يعني بأي شكل من الأشكال تهاون الدولة التركية في حماية المرأة".

اقرأ أيضاً: ما هو قانون النظام العام والقوانين التي تحد من حرية المرأة في السودان؟

وأضافت أنّ الاتفاقية كانت تهدف في البداية إلى التشجيع على تعزيز حقوق المرأة، لكن تم التلاعب بها من قبل شريحة تحاول تطبيع المثلية الجنسية".

وندد نشطاء مدافعون عن حقوق المرأة ومحامون وسياسيون معارضون بالمرسوم الذي صدر عن أردوغان، مصرّين على أنه لا يمكن للرئيس إخراج تركيا، بشكل قانوني، من اتفاقية دولية كان قد صادق عليها البرلمان.

يرى مراقبون أتراك أنّ قرار الانسحاب من الاتفاقية يُعتبر خطوة من جانب أردوغان لتلبية مطالب قاعدته الدينية في البلاد

ووفقاً لجمعية "سنوقف قتل الإناث'' التركية، فقد قتلت 300 امرأة على الأقل عام 2020، على يد شركائهن في معظم الحالات، كما عثر على 171 جثة لنساء توفين في ظروف مريبة، وفق ما أوردت بي بي سي.

وصدرت عدة رسائل متضاربة من قبل جمعية المرأة والديمقراطية، التي تشغل فيها ابنة الرئيس أردوغان منصب نائبة الرئيس، وقد أشادت بالاتفاقية باعتبارها "مبادرة مهمة ضد العنف المنزلي"، لكنها عادت وقالت إنّ قرار إلغائها جاء نتيجة "التوتر المجتمعي" الذي تسببت به.

جولو: النساء والفئات الضعيفة الأخرى منذ آذار (مارس) أكثر تردداً في طلب المساعدة وأقل احتمالاً لتلقيها

وقد أشاد الرئيس أردوغان بالاتفاقية في فترة سابقة، واستخدمها دليلاً على أنّ تركيا رائدة في مجال المساواة بين الجنسين.

وكانت وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية دريا يانيك قد وصفت الاتفاقية بأنها القانون الأساسي في منع جميع أنواع العنف".

وقد بدا أردوغان في الآونة الأخيرة أكثر هشاشة من الناحية السياسية؛ إذ رضخ لمطالب المتشددين، سواء داخل حزبه المحافظ أو في حزب السعادة الإسلامي المعارض، وذلك بهدف الحصول على دعمهم.

اقرأ أيضاً: المرأة الإيرانية.. حقوق مهدورة بين سلطوية الشاهات وقمع الملالي

بالمقابل، شنت المعارضة التركية حملة ضد قرار أردوغان، فقد تقدّم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، بطلب إلى مجلس الدولة ضد مرسوم الرئيس التركي القاضي بانسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول الخاصة بالمرأة.

وقال نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، في تصريح صحفي في شهر نيسان (أبريل) الماضي: "نأمل أن يعطي مجلس الدولة الأولوية لطلبنا، وأن يتخذ قراراً لصالح المرأة وتركيا".

وأشار أوزيل إلى أنّ تركيا انسحبت من اتفاقية إسطنبول في 20 آذار (مارس) بمرسوم رئاسي، على الرغم من الموافقة عليها بموافقة جميع الأحزاب في البرلمان قبل عقد من الزمن، وفق ما نشرت صحيفة زمان التركية.

هولتغين: القول إنّ اتفاق إسطنبول يروج لزواج المثليين، كما روّجت تركيا، ببساطة ليس صحيحاً

وأوضح أوزيل أنّ استئناف حزب الشعب الجمهوري له 3 أسباب قانونية: "أولاً، نعتقد أنّ هذا المرسوم الرئاسي باطل، وباطل إجرائياً، ونريد من مجلس الدولة أن يسجله، ثانياً، نحن نثبت أنّ هذا المرسوم يُعد خرقاً واضحاً للدستور، ونريد من مجلس الدولة أن يبطله".

وتابع: "المطلب الثالث لحزب الشعب الجمهوري من مجلس الدولة هو وقف تنفيذ هذا المرسوم، لأنّ حذفه من الاتفاقية جعل مكافحة العنف ضد المرأة أكثر تعقيداً"، وذكر أنّ "حزب العدالة والتنمية يحاول سحب تركيا من الاتفاقية، رغم مقتل 88 امرأة في الأشهر الـ3 الأولى فقط من هذا العام".

وتصاعدت في الأعوام الأخيرة معدلات الجريمة في تركيا، وأثارت الانتباه زيادة الجرائم ضد النساء، وأخرى ذات الطابع الاجتماعي مثل الخطف، والاغتصاب، والتحرش، والنصب.

وتعتبر جرائم العنف ضد النساء في البلاد من القضايا الحساسة، وقال موقع منظمة "جرائم ضد المرأة": إنّ 1964 امرأة قتلت في تركيا منذ العام 2010.

عدة رسائل متضاربة من قبل أردوغان ونظامه والمؤسسات المقربة منه، في البداية أشادوا بالاتفاقية، وبعد قرار الانسحاب أعلنوا موقفهم المعارض لها

وكانت تركيا قد وقّعت على هذه الاتفاقية في عام 2011، وتعهدت بموجبها بمنع العنف المنزلي والتصدي له قضائياً، والحد منه وتعزيز المساواة.

وتواجه "اتفاقية إسطنبول" العنف بكل أشكاله، كالزواج القسري والعنف الجنسي والإجهاض والتعقيم القسري، إضافة إلى تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والاغتصاب والعنف النفسي والإساءة بكل أشكالها والعنف الجسدي.

ووقعت على الاتفاقية 45 دولة، من بينها دول المجلس الأوروبي، بينما امتنعت عن التوقيع كل من روسيا وأذربيجان، وصدقت الدول الموقعة عليها باستثناء 13 دولة.

وتوفر الاتفاقية الحماية، ليس فقط للنساء من مواطني الدول الأطراف في الاتفاقية، ولكن أيضا لطالبات اللجوء والمهاجرات، بغض النظر عن وضعهن القانوني، وتستند إلى التمييز والعنف "على أساس الجنس".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية