اتهامات للسلطات العراقية بتحويل الإعلام إلى دكاكين

اتهامات للسلطات العراقية بتحويل الإعلام إلى دكاكين


22/11/2021

تعدُ شبكةُ الإعلام العراقي، من أكثرِ مؤسسات الدولة العراقية "جدلاً" وخضوعاً للتجاذبات السياسية، إذ شهدت مؤخراً صراعاً علنياً بين رئيسها نبيل جاسم، ومجلس أمنائها، على خلفيةِ ملفاتِ "فسادٍ" تستبطنها دوافعَ سياسية.

وردَ القضاء العراقي، نهاية الشهر الماضي، قرارَ مجلس أمناء الشبكة بإقالةِ رئيسها نبيل جاسم، وتعيين الإعلامي كريم حمادي بدلاً عنهُ لمدةِ ثلاثةِ أشهر، بعد يومٍ واحدٍ من صدور قرار المجلس، الأمر الذي أثارَ تساؤلاتٍ كثيرة حيالَ سرعةِ الرد القضائي، الذي عدهُ خبراء قانونيونَ "مسألةً طبيعية"، كما أنّ هناك الكثير من القضايا الشبيهةِ بها.

اقرأ أيضاً: تركيا تخنق الإعلام: 58 صحفياً يتعرضون للتحقيق في شهر... تفاصيل

ودائماً ما تتعرضُ شبكة الإعلام العراقي؛ لانتقاداتٍ واسعةٍ لجهويةِ خطابها السياسي الذي يمثلُ أحزاب السلطة، وليس الدولة العراقية. فيما يؤكدُ صحفيونَ أنّ انحيازَ الخطاب الرسمي؛ بدأ منذ العهد الأول لحكومة نوري المالكي، واصفينَ رئاسة الشبكة ومجالس أمنائها بـ "الواجهات السياسية والطائفية" لمن أتى بهم إلى تلك المناصب.

الإعلامي نبيل جاسم رئيس شبكة الإعلام العراقي الحالي

والشبكة "هيئة مستقلة" مرتبطة بمجلس النواب العراقي، أسّستْ عام 2003. كانت مدعومةً في بدايةِ تأسيسها من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة. تضم الشبكة، الآن، فضائيتي "العراقية العامة" و"العراقية الإخبارية"، بالإضافة إلى صحيفة "الصباح" و"مجلة الشبكة"، و"إذاعة جمهورية العراق"، و"القناة التركمانية"، و"القناة الرياضية".

 عقود البرامج تفجّر أزمة

وانتشرت في الآونةِ الأخيرة في مختلف وسائل الإعلام، وثيقةَ عقدٍ بين إدارة الشبكة، والشركة المنتجة لبرنامج "ولاية بطيخ". وهو برنامج كوميدي، ونقدي ساخر من الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق. وأثارت الوثيقة ضجةً عامةً إزاء مبلغ التعاقد الذي تجاوزَ المليون دولار (1.5 مليار دينار عراقي)، بين رئيس الشبكة والشركة المنتجة للعمل. وأرادَ مجلس الأمناء من خلال ترويج هذه الوثيقة تأليب الرأي العام، وبيان صحة قرارهِ بإقالةِ نبيل جاسم. 

 


شبكة الإعلام العراقي، هيئة مستقلة مرتبطة بمجلس النواب، لكنّ سلطة نوري المالكي آنذاك خرقت قانون الشبكة، وجعلتها خاضعةً لمكتب رئيس الوزراء ولسياساته

لكنّ علي فاضل، مخرج البرنامج الذي يحظى بشعبيةٍ واسعة في العراق، قال في تصريح "لستُ طرفاً في الموضوع، أنا أعطيتُ برنامجي لشركة توزيع، وهي من تعاقدت مع قناة العراقية التابعة لشبكة الإعلام العراقي، وهذه الشركة تعرضت لإجحاف كبير، لأنّ طريقة نشر العقد المبرم بينهما والشبكة في وسائل الإعلام، مخالف للمهنية والقانون وأخلاقيات العمل".

أعضاء في مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي

و أضاف أنّ "سعر العمل الذي بيعَ للشبكة من قبل الشركة الموزعة؛ سعر طبيعي، لأنهُ سبقَ أن تم بيع البرنامج في مواسمهِ السابقة، لقنواتٍ أخرى بأسعارٍ شبيهة أو مقاربة"، موضحاً أنّ "ظروف انتاج البرنامج مكلفة جداً، وتستحق مبالغ كهذه، والعاملون في المجالين الفني والإعلامي يعرفون ذلك".
صراعات سياسية على إعلام الدولة
دائماً ما تبرزُ على السطح الإعلامي الخلافات السياسية داخل مؤسسة إعلام الدولة الرسمي، نتيجة توزيع مناصبها بين الكتل المتنافسة، إذ يعينُ رئيس الشبكة ( منصب وزير إعلام) من قبل مكتب رئيس الوزراء، بالتوافق "الخفي" مع مجلس الأمناء الذي يُصوِّتُ عليهِ وفقاً للقانون، فيما يتم اختيار مجلس الأمناء المكون من خمسةِ أعضاء (أحدهم بدرجةِ وكيل وزير)، من قبل قوى الائتلاف السياسي المشكل للحكومة.


رئيس تحرير صحيفة "المدى" علي حسين لـ"حفريات": شبكة الإعلام العراقي عاجزة عن تقديم خطاب إعلامي متوازن؛ لأنّ التوجه السياسي العام جعلها دكان من دكاكين السلطة


وبشأنِ ما حصل، يعلقُ فاضل: "كنتُ معترضاً على الشركة لبيعها البرنامج لقناة العراقية، لأنها مؤسّسة فيها الكثير من المشاكل الكبيرة ذات المنحى السياسي"، مبيناً أنّ رفضهُ جاء من خشية "تلك التدخلات التي من الممكن أن تتلاعب بمحتوى البرنامج، لكن رئيس الشبكة الدكتور نبيل جاسم؛ تعهدَ لي باستمرار البرنامج، وبحضور رئيس مجلس الأمناء، لكنّ البرنامج توقفَ عند الحلقة الحادية عشرة".
وأكدَ أنّ "البرنامج اُستخدم كأداةٍ في المشكلةِ السياسيةِ بين رئيس الشبكة ومجلس الأمناء"، لافتاً إلى إمكانية المجلس إيقاف البرنامج وقتها عن "طريق الاستفسار عن مبلغ التعاقد، والاعتراض القانوني إن وجد".

اقرأ أيضاً: عبير النجار: ينبغي إدراج الإعلام في المناهج المدرسية‎

ومن ضمن حملة التراشق بين القائمينَ على إعلام الدولة العراقية، والتي حفلتْ بها منصات التواصل الاجتماعي، مطالبة مجلس الأمناء
لرئيس الشبكة نبيل جاسم، بصرف 14 مليار دينار عراقي، للتعاقد مع شركات أخرى "تابعة لأعضاء في المجلس" وهو ما رفضهُ جاسم لحين وصول الموازنة.

سرعة الاستجابة القضائية للمشتكي

وأثارَتْ سرعةُ الرد القضائي على شكوى رئيس الشبكة نبيل جاسم، بشأن إقالتهِ من قبلِ مجلس الأمناء، خلالَ يومٍ واحدٍ شكوكَ الكثير في إمكانيةِ التعاطي الجانبي بين مكتب رئيس الوزراء الذي يقفُ خلفَ رئيس الشبكة، والجهات القضائية،. إلا أنّ قانونيينَ عراقيينَ أكدوا أنّ سرعةَ الاستجابة القضائية في مسائل كهذه "طبيعية".

اقرأ أيضاً: طالبان تخنق الإعلام في أفغانستان... ما الجديد؟

وأصدرت محكمة القضاء الإداري، في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أمراً ولائياً بإعادةِ نبيل جاسم رئيساً لشبكةِ الإعلام العراقي وإبطال قرار إقالتهِ من قبل مجلس الأمناء.
ويقول الخبير القانوني طارق حرب، لـ"حفريات"، إنّ "الإجراء القضائي الأخير كان صحيحاً، لأنّ المحاكم العراقية متوسعة في ذلك، ولكن بحسبِ ظروف القضية".

اقرأ أيضاً: بين المحكمة والإعلام: كيف انهار الخطاب الإسلاموي الشعبوي؟
وحولَ النفوذ السياسي في بعض قرارات المحاكم العراقية، أكد أنّ "القضاء العراقي كان يتأثر أحياناً، ولكن في الفترة الأخيرة تخلّصَ من أيِّ تأثيرٍ سياسي، والدليل هو أحكامهُ الصادرة بحق الجناةِ المدانينَ بقتلِ الناشطينَ، لاسيما في محافظة البصرة"، واستدرك قائلاً "هناك نفوذ سياسي في القرارات المتعلقة بالإداريات الخاصة بالمناصب الرسمية في الدولة، لأننا نعتمد بقايا النظرية الفرنسية بشأن القضاء الإداري ومحكمتهِ الخاصة بذلك، أي تضع اعتبارات لبعض رموز الدولة". 

مجلس الوزراء يحاصرُ "الأمناء"

وبعد فشل مجلسُ الأمناء في إقالة رئيس الشبكة التابع لمكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، كلفَ مجلس الوزراء الامانة العامة لمجلسه، بإعدادِ مشروعِ قانونِ إلغاءِ مجلسِ الأمناء، في شبكة الاعلام العراقي.

 الخبير القانوني طارق حرب: هناك نفوذ سياسي في القرارات المتعلقة بالإداريات الخاصة بالمناصب الرسمية في الدولة

وذكر بيان لمكتب الكاظمي، إنّ "مجلس الوزراء قررَ تكليف الدائرة القانونية في الأمانة العامة للمجلس، بإعداد مشروع قانون؛ لتعديل قانون شبكة الإعلام العراقي النافذ، وبما يتضمن إلغاء مجلس الأمناء في الشبكة، وإعادة تنظيم بنيتها الإدارية".

وتأتي هيمنة مجلس الوزراء على شبكة الإعلام العراقي، خلافاً للقانون الذي أقرها هيئةً مرتبطةً بمجلس النواب العراقي، إلا أنّ سلطة نوري المالكي في عهدها، خرقتْ القانون، وجعلتْ الشبكة خاضعةً لمكتب رئيس الوزراء، وهذا ما تعاقبتْ عليهِ الحكومات التي تلت حكومة المالكي.

اقرأ أيضاً: تقرير يرصد انتهاكات الحوثيين بحق الإعلاميين

ويهيمنُ على السياسة العامة لخطِ إعلام الدولة الرسمي، كلٌّ من كبير مستشاري رئيس الوزراء، و"ائتلاف دولة القانون" بزعامةِ نوري المالكي، الذي يملكُ ما يسمى بـ"الدولة العميقة" ولهُ أعضاء في مجلس الأمناء، فضلاً عن التيار الصدري المهيمن على رئاسةِ المجلس. ويبلغ عدد موظفي شبكة الإعلام نحو 5000 موظف حكومي، لكنها فشلت في صناعة محتوى إعلامي يخاطب المتلقي العراقي، بطريقةٍ تتناغمُ مع ما يعيشهُ من أوضاع سالبة.

العجز عن صناعةِ خطابٍ متوازن

ولم يقنع أداء شبكة الإعلام العراقي، العاملينَ في الصحافةِ والإعلام المحلي، إذ يعزو صحفيونَ هبوط أداء الشبكة، إلى هيكليتها القائمة على المحاصصة السياسية والطائفية كما في النظام السياسي القائم. لهذا هي تعجزُ عن صناعةِ خطابٍ متوازنٍ على حد تعبيرِ أحدهم.

اقرأ أيضاً: هل من أفقٍ للتربية الإعلامية في مجتمعاتنا؟

وذكر رئيس تحرير صحيفة "المدى" العراقية، علي حسين، أنّ "الصراعات السياسية جعلتْ من هذه المؤسسة جزءاً من الصراع السياسي، وكانت البداية عندما قررَ نوري المالكي السيطرةَ عليها، وإصدار أوامرَ بتعيينِ رئيس الشبكة ومجلس أمنائها"، وأضاف "المثير في الأمر أنّ هذه التعينات لا تلبي حاجة مهنية؛ بدليل أنّ معظم مجالس الأمناء كانتْ مجردَ واجهاتٍ حزبية وطائفية، تخلو من الإعلاميينَ المهنيين".

رئيس تحرير صحيفة "المدى" العراقية، علي حسين: في الآونةِ الاخيرة وجدنا الشبكةَ تخضعُ لهيمنةِ جهاتٍ سياسيةٍ معينة، تريدُ فرضَ رأيها على المشاهد

وأبلغ "حفريات"، أنهُ "في الآونةِ الاخيرة وجدنا الشبكةَ تخضعُ لهيمنةِ جهاتٍ سياسيةٍ معينة، تريدُ فرضَ رأيها على المشاهد، في الوقت الذي يتم فيهِ تهميش قطاعاتٍ أخرى، لأسبابٍ سياسيةٍ وطائفية"، مشيراً إلى أنّ "التوجه العام لشبكة الإعلام، هو تحويلها الى دكان من دكاكين السلطة، لأنها عاجزها عن تقديم خطابٍ اعلاميٍّ متوازن".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية