احتمالات المواجهة وأفق الصراع بين قيس سعيد والاتحاد التونسي للشغل

احتمالات المواجهة وأفق الصراع بين قيس سعيد والاتحاد التونسي للشغل

احتمالات المواجهة وأفق الصراع بين قيس سعيد والاتحاد التونسي للشغل


08/03/2023

في تونس؛ تبدو سيناريوهات المواجهة بين الاتحاد التونسي للشغل ومؤسسة الرئاسة مفتوحة نحو سياقات متعددة ومتباينة، بحسب تطور الأحداث خلال الأفق المنظور، وترتهن بمدى قدرة الحكومة على تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بمعيشة المواطن التونسي، الأمر الذي يحول بين المنظمة الشغيلة واستثمار ثقل الأوضاع الاقتصادية في تمرير خطاب سياسي متصاعد ضدّ الرئيس ومنظومة حكمه.

وفي المقابل، يبدو نجاح الحكومة في تجاوز عقبة الأوضاع المعيشية الصعبة ممراً آمناً يسمح للرئيس قيس سعيّد باستثمار انتظام مجلس نواب الشعب في تثبيت أركان الدولة، ويقصي كافة خيالات النهضة وحركاتها الرديفة نحو سعيها للسلطة والقبض على مفردات الدولة، والقفز بعيداً عن أحكام القضاء التي من شأنها أن ترفع الغطاء عن القضايا التي تورطت فيها قيادات النهضة خلال العقد الماضي.

مواجهة غير محتملة

في سياق ذلك، يعتقد  القيادي في التيار الشعبي محسن النابتي أنّ مسار التصعيد بين رئاسة الجمهورية والاتحاد التونسي للشغل لن يتحرك نحو أطر المواجهة التي يتصورها البعض، وقد يتمناها البعض الآخر، على اعتبار أنّ الظروف التي حتمت المواجهة سابقاً خلال السبعينيات لا تتوافر معطياتها هذه المرّة.  

ويستطرد المتحدث الرسمي باسم حركة التيار الشعبي، في تصريحاته لـ"حفريات"، قائلاً: إنّ تصريحات الأمين العام للمنظمة الشغيلة صباح السبت 4 آذار (مارس) الجاري، وإن غلب عليها الطابع السياسي بشكل كبير، بدلاً من التوجهات النقابية، لكنّ الاتحاد، وهياكله النقابية، سيكون حريصاً على المرور بعيداً عن احتمالات المواجهة المباشرة مع الدولة، وذلك لعدة نقاط: أبرزها كون الرئيس قيس سعيّد ما يزال يتمتع برصيد شعبي لدى المواطنين، بفضل الثقة التي تعززت مع كل خطوة صوب المحاسبة، وتفعيل الإجراءات القانونية ضدّ كل من تورط ضدّ سلامة الوطن ومعيشة المواطنين، فضلاً عن رغبة التونسيين في الكشف عن كافة الوقائع والأحداث المبهمة، وهو الأمر الذي يتصور النابتي أنّه سيحدث في أقرب الآجال.

محسن النابتي: مسار التصعيد بين رئاسة الجمهورية والاتحاد التونسي للشغل لن يتحرك نحو أطر المواجهة التي يتصورها البعض

ثانياً: يدرك الاتحاد أنّه يستمدّ مصدر قوته ومسار حركته عبر الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد، وتدنّي المقدرة الشرائية للمواطنين، وبالتالي ينبغي التفكير من داخل ذهنية الرئيس، كونه يراهن على انفراجة في الأمور المالية والمعيشية، ممّا يبعد احتمالات المواجهة بين الاتحاد والرئيس لدرجة الاستحالة.

يتابع النابتي تصريحاته بقوله: إنّ حركة النهضة تعمل على إرباك المشهد السياسي في البلاد، من خلال السعي نحو الدخول على مسار التشنج بين الرئيس والاتحاد، غير أنّ الأخير يفطن تماماً لذلك الهدف، ولن يسمح للنهضة باستغلال الاتحاد وتاريخه النضالي لصالح أهداف الحركة ضدّ واقع ومستقبل البلاد.

عبد الجليل بوقره: سيبتعد الاتحاد عن النهضة تحت ضغط العديد من النقابات القاعدية ذات التوجه اليساري والقومي العربي

تأسيساً لذلك، يتصور النابتي أنّ الأمر لن يتجاوز ما حدث صباح السبت 4 آذار (مارس)؛ فلا الرئيس سيذهب إلى مواجهة مجانية، ولا الاتحاد سيتحرك نحو مواجهة الوكالة، ولذلك يمكن القول إنّ ثمّة مبالغة في معالجة الأحداث التي تمر بالبلاد. مضيفاً: "نحن في التيار الشعبي نرى أنّ الأمور جدّ عادية، وليست بالخطورة التي يتصورها البعض، والأيام القليلة القادمة، مع انعقاد البرلمان، وتركيز المحكمة الدستورية، والمجالس البلدية، التي ستنتهي مدتها خلال شهر أيار (مايو) القادم، فضلاً عن تفعيل القانون ضد ملفات الفساد، ومحاسبة كل من أجرم في حق الشعب التونسي، ستضع كلها حداً لهذه السيولة، ممّا يحقق الاستقرار، خاصّة مع نجاح خطوات الرئيس في تأمين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".

تصعيد سياسي

على مدى يومين متتالين، السبت والأحد 4 و5 آذار (مارس) الجاري، نظّم الاتحاد التونسي للشغل، وجبهة الخلاص، وقفة احتجاجية في العاصمة التونسية، رفعت فيها شعارات ضدّ الرئيس سعيّد، وحرص الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي على استخدام مقولات سياسية تشتبك مع الشأن العام، وابتعد بقدر ملحوظ عن الخطاب النقابي الذي لطالما حرص الاتحاد على التمسك به.

بينما طالبت جبهة الخلاص، التي ظهرت بأعداد محدودة، بالإفراج عن الموقوفين على ذمة قضايا تمسّ أمن الدولة، وفقاً لتصريحات زعيم الجبهة أحمد نجيب الشابي.  

من جهته، يذهب رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إلى التأكيد على أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل  لطالما لعب دوراً مهمّاً في الدفاع عن حقوق الشغالين واستحقاقاتهم، بعيداً عن المناكفات السياسية، وكان له دور في العشرية الأخيرة؛ لتعديل موازين القوى الاجتماعية والسياسية في ظل ضعف الدولة، وما حدث على مرّ الحكومات السابقة خلال العقد الماضي، بيد أنّ اليوم، ومع ما تمرّ به البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية تعيق عمل الحكومة في تنفيذ الاتفاقيات، فضلاً عن الأزمة السياسية، جرّاء ما تقوم به المعارضة، خاصّة حركة النهضة، ومكونات الإسلام السياسي في البلاد، يجب الانتباه إلى أنّ ما يجري بين الطرفين لا يمكن أن يصبح قيمة مضافة تخدم الطرفين، سواء الاتحاد العام التونسي للشغل، أو رئاسة الجمهورية، وخاصّة أنّ الأول اختار مسار التصعيد من خلال الاحتجاجات في صباح يوم السبت 4 آذار (مارس)؛ حيث شهد خطاب الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي بعض "الهنات"، خاصّة ما جاء في تلك التصريحات، وهو يعبّر عن مساندته ودعمه لمن أجرموا في حق البلاد والتونسيين، من خلال تورطهم في الفساد والإرهاب والتآمر على أمن الدولة.

سرحان الناصري: ما يدور من مقاربات نحو تكوين جبهة معارضة ضدّ الرئيس أمر صعب للغاية

يتابع سرحان الناصري حديثه لـ"حفريات"، حول احتمالات التوافق بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة النهضة، ويستبعد التوافق فيما بينهما، رغم وجود بعض القيادات الإخوانية في تحركات السبت، ومساندة حركة النهضة لتلك التظاهرة؛ بهدف ركوب الحدث، والسعي صوب استغلاله وتوظيفه بغية التقرب من الاتحاد.

أمّا بخصوص ما يدور من مقاربات نحو تكوين جبهة معارضة ضدّ الرئيس، فذلك في تقدير الناصري أمر صعب للغاية؛ وذلك يعود إلى ضعف المعارضين وفقدانهم ثقة الشعب، وتورطهم فيما وصلت إليه البلاد اليوم من أوضاع مزرية.

إنّ الفترة القادمة، ومع تركيز مجلس نواب الشعب، ستمرّ تونس إلى مرحلة بناء الدولة القوية التي لا يمكن العبث بها وبمؤسساتها، وذلك من خلال تكريس مبدأ علوية القانون.

ولا ينبغي التقليل من أفق المواجهة، الذي يضغط بشدة فيما بين المنظمة الشغيلة ومؤسسة الرئاسة، والذي يقدّر البعض احتمالات حدوثها في المدى المنظور، على خلفية أزمة المالية العمومية، وتقلص فرص الدعم الخارجي من المؤسسات المالية الدولية؛ الأمر الذي يجعل العلاقة بين المؤسستين على المحك، وينذر بخطر كبير.

استنزاف يصبّ في مصلحة النهضة

من جهته، يرى الأكاديمي التونسي الدكتور عبد الجليل بوقره أنّ الوضع في تونس يزداد تعقيداً وضبابية؛ بفعل أزمة المالية العمومية الحادة، في ظل غياب أيّ دعم جدي من الخارج، سواء من المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي، أو من الدول الصديقة، أو حتى الدول الشقيقة.

ويرى بوقره أنّ ما زاد حدة الأزمة اجتماعياً هو تمسك حركة النهضة بالعودة إلى الحكم، وسعيها نحو منع محاسبة من تورطوا في وقائع محددة خلال فترة حكمهم، وذلك بدعم من المتواطئين معهم في الداخل، بحماية خارجية مكشوفة. مقابل هذا الوضع المزعج، فتح رئيس الدولة التونسية جبهة جديدة مع اتحاد الشغل، وهو أمر محفوف بالعديد من المخاطر؛ ذلك أنّ دعم الرأي العام التونسي للرئيس قيس سعيّد، في مواجهته للإخوان وحلفائهم قد تقلص عندما أصبحت المواجهة مع اتحاد الشغل، الذي لا يمكن اختزاله في بعض القياديين الفاسدين، بل هو تاريخ نضالي في خدمة الشغالين وضعاف الحال، وفي خدمة الوطن، وهو أيضاً أكثر من نصف مليون منخرط؛ لذا من الحكمة التريث في التعامل مع الملف النقابي، وينبغي التدرج في المعالجة.

سرحان الناصري: مع تركيز مجلس نواب الشعب، ستمر تونس إلى مرحلة بناء الدولة القوية، التي لا يمكن العبث بها وبمؤسساتها، وذلك من خلال تكريس مبدأ علوية القانون

 

أمّا المعارضة؛ فهي في العموم فاقدة لكلّ مصداقية، ولا مستقبل لها، باستثناء الحزب الدستوري الحر، بحسب بوقره الذي قال: إنّ الحزب لم يتورط في أيّ نوع من أنواع التعامل مع الإخوان، أو مع شبكات الفساد.

ولفت الأكاديمي التونسي إلى استحالة أن يحصل اندماج الاتحاد وحركة النهضة؛ لأنّ الاتحاد "يضم العديد من النقابات المعارضة لها، والنهضة لا تؤمن بالنقابات العمالية، حيث تتشكل قاعدتها الاجتماعية من التجار المهربين"، مضيفاً: "لن يكون ثمّة توافق بينهما، وسيبتعد الاتحاد عن النهضة تحت ضغط العديد من النقابات القاعدية ذات التوجه اليساري والقومي العربي". وتابع: "نحو ذلك لا يمكنني استبعاد احتدام نسق المواجهة، بين المنظمة الشغيلة ورئاسة الجمهورية، فهي في تقديري غير مستبعدة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية