اختيار خلف لمحمود عزت يشق الصف الإخواني.. ما القصة؟

اختيار خلف لمحمود عزت يشق الصف الإخواني.. ما القصة؟


07/09/2020

لا يزال تنظيم الإخوان المسلمين يعاني من تبعات الضربة الأمنية المصرية بتوقيف محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام، فقد هيمنت حالة من التخبط والفوضى الإدارية على الجماعة، ولم تتمكن من تسمية القائم بأعمال المرشد خلفاً لعزت، مما أسهم بانتشار إشاعة بتعيين إبراهيم منير نائب المرشد، قائماً بالأعمال، أدت هذه الإشاعة إلى حالة من السخط والتذمر بين صفوف شباب الجماعة والقيادات الوسطى، وصلت حد التهديد بالانشقاق حسب تقرير للمرصد المصري، التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

 

هيمنت حالة من التخبط  والفوضى على الجماعة ولم تتمكن من تسمية القائم بأعمال المرشد خلفاً لعزت

فمنذ اللحظة الأولى للقبض على محمود عزت، وسؤال مَن سيخلفه يدور في أروقة الجماعة، ويؤرق كثيراً من عناصر الإخوان، وسط تخوفات من تولي شخصيات بعينها، فوفق اللائحة الداخلية للجماعة، وحسب المادتين 4 و5 اللتين تنصّان على "إنه في حالة غياب المرشد العام خارج الجمهورية أو تعذر قيامه بمهامه لمرض أو لعذر طارئ يقوم مقامه نائبه الأول في جميع اختصاصاته، ثم يليه الأقدم فالأقدم من النواب، ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد" ورغم الوضوح إلا أنه لم يتم حسم من سيخلف محمود عزت في إدارة الجماعة مما زادها فوضى وتخبطاً وتعرضاً للإشاعات؟

لا يزال التنظيم يعاني من تبعات الضربة الأمنية المصرية بتوقيف محمود عزت

تاريخياً، لازم انتقال السلطة داخل الجماعة الكثير من الصعاب والمشاكل، لكن ما تواجهه الجماعة اليوم أكثر بكثير مما واجهته من قبل، فعقب وفاة حسن البنا، مؤسس الجماعة، والخلاف حول تسمية المرشد الثاني حسن الهضيبي، يمكن وضعه في إطار الصراع بين الأفضل والمفضول، وتغلبت فكرة اختيار المفضول الذي تجتمع عليه الجماعة بدلاً من اختيار الأفضل الذي تفترق عليه الجماعة.

اقرأ أيضاً: محمود عزت.. وزنزانة الإخوان

كما أنّ التنظيم فى سنوات الستينيات وأوائل السبعينيات لم يجد مشكلة فى ترتيبات اختيار المرشد رغم التضييق الأمني وقتذاك، فقد تولى منصب المرشد أحد الإخوان بشكل سري ومؤقت، لحين تسمية عمر التلمساني مرشداً، وبعد وفاته تولى محمد حامد أبو النصر المنصب على غير رغبة من التنظيم الخاص، وبعد وفاته، تمت تسمية مصطفى مشهور مرشداً فيما عرف بـ "بيعة المقابر" لقطع الطريق على أي تيار يرفضه.

 

منير أديب: ثمة صدام لا محالة واقع بين القواعد والقيادات ولا نتحدث عن انشقاق بل تحلل

وبعد وفاة مشهور تم تسمية مأمون الهضيبي مرشداً حسب اللائحة ورؤية مجلس شورى الإخوان، مع تحفظات التنظيم الخاص والتيار القطبي بالجماعة، وبعد وفاته تم تسمية محمد مهدي عاكف باعتباره أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سناً، وفي عهده تغيرت اللائحة وتم تحديد مدة تولي المرشد بست سنوات يمكن تجديدها مرات متعددة، لكن عاكف أول من رفض التجديد واكتفى بمدة واحدة، وقام مجلس شورى الإخوان في العام 2009 بانتخابات مكتب الإرشاد وتم تسمية محمد بديع مرشداً بعد سلسلة من الصراعات والاتهامات بالتزوير والمخالفة للائحة، أثبتها القيادي الإخواني السابق إبراهيم الزعفراني في مذكرة طعن بها على النتائج.

اقرأ أيضاً: لماذا القبض على محمود عزت نجاح كبير؟!

أما اليوم فالإخوان تحتاج إلى تسمية القائم بأعمال المرشد (أو المرشد الفعلي) في ظل تهديدات وجودية، التهديد الأول: الظروف الأمنية: التي تمنعهم من إعلان اسم القائم بأعمال المرشد خوفاً من ملاحقته أمنياً، التهديد الثاني: انشغال الدول الراعية بمشاكلها الداخلية: فتركيا وقطر غير قادرتين على وقف هذه الفوضى الإدارية، التهديد الثالث: تهاوي المشروع الإخواني فكراً وتنظيماً، التهديد الرابع: انقسام الإخوان إلى أكثر من تنظيم: فهناك إخوان الخارج، وإخوان الداخل، وإخوان السجون، والتنظيم التابع لمحمد كمال، والتنظيم الدولي، وكل هذه التكوينات لا تتفق على معيار ثابت في اختيار أعلى سلطة للإخوان.

أما التهديد الخامس، فافتقار الصف الإخواني للشخصيات المميزة التي تصلح للمنصب: فالأربعة المرشحون متهمون بالفساد المالي، فحسب التسريب الصوتي لأمير بسام عضو مجلس شورى الإخوان فقد اتهم محمود حسين، أمين عام التنظيم، وإبراهيم منير نائب المرشد، وآخرون، بسرقة أموال "الجماعة" وتحويلها لحساباتهم الشخصية، وأنهم اشتروا بها شققاً وعقارات بأسمائهم. والتهديد السادس: الإدارة من خارج القاهرة، فللمرة الأولى في تاريخ التنظيم يكون المرشحون لمنصب المرشد العام بالكامل خارج الأراضي المصرية، مما يفتح باب تدويل منصب المرشد وعدم استئثار القاهرة به، وهذا الباب ظل مغلقاً لفترة ربما سيتجدد في الآونة الأخيرة.

اقرأ أيضاً: من يخلف محمود عزت.. الصندوق الأسود للإخوان؟

وحول خلافات الإخوان الداخلية الرافضة لتسمية إبراهيم منير قائم بأعمال المرشد يقول الكاتب والباحث في الجماعات الإرهابية والإرهاب الدولي، منير أديب: "فيما يتعلق بما أشيع أو كتب أن هناك خلافات بين قواعد الإخوان وقيادتهم حول تسمية إبراهيم منير قائماً بأعمال المرشد، يعود بالأساس لافتقار القيادات التاريخة الموجودة حالياً خارج مصر للثقة وللمصداقية لدى القواعد الإخوان"، موضحاً في حديثه لـ"حفريات": بعضهم متهم بأنه السبب الرئيسي فيما آلت اليه أحوال الجماعة من الحبس وتفكك التنظيم منذ العام 2013 وما بعده، كما أنّ هذه القيادات متهمة بالفساد المالي والتنظيمي، فثمة فساد مالي تورطت فيه قيادات عديدة منهم إبراهيم منير، وفساد تنظيمي بمخالفة اللائحة مرات عديدة".

 

فاروق: الإخوان  مقبلون على منعطف تاريخي؛ فالأجواء كلها تدفعهم نحو تصحيح المسار، لكن القيادة تصر على السير بالجماعة إلى المجهول

وأكد أديب أنّ "إبراهيم منير خالف تعهداته المتكررة للإخوان حسب ما يشهد عصام تليمة القيادي الإخواني، وفساد أخلاقي يهمس به بعض الإخوان في تركيا ضد قيادات معتبرة في التنظيم"، لذا يستبعد، تسمية منير قائماً بأعمال المرشد "لما عليه من مآخذ منها ارتباطه بالعمل السياسي وعلاقاته برجال المخابرات البريطانية، والجماعة في حاجة إلى واجهة جديدة تغسل بها ماضيها وحاضرها الموسوم بالإرهاب".

ويستدرك أديب: "في حال صدقت التسريبات، فإنّ هذا يدل على أنّ ثمة خلافات قوية قادمة داخل الصف الإخواني، وأنّ الجماعة تسير نحو التحلل، فإبراهيم منير يمثل الجانب القطبي في التنظيم الذي يرغب في معاقبة كل من تسول له نفسه التمرد على القيادة التاريخية للجماعة، مما يعني أنّ صداماً واقعاً، لا محالة، بين القواعد والقيادات ولا نتحدث عن انشقاق بل تحلل".

وأكد أديب أنّ قطاعاً كبيراً من القيادات الوسيطة ترى أنّ إبراهيم منير لا يستحق درجته التنظيمية الحالية، فضلاً عن أن يكون القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين، "فهو وإن كان أمين التنظيم الدولي فهو ليس من نواب المرشد محمد بديع، وأن تعيينه نائباً للمرشد جاء مخالفاً للائحة، وبقرار من نائب المرشد محمود عزت الذي ليس من صلاحياته كنائب أن يعين نائباً آخر، فضلاً عن طريقة تعيين إبراهيم منير تمت بالتمرير وهي مرفوضة من إخوان تركيا على الأقل".

اقرأ أيضاً: ماذا تبقى للإخوان بعد القبض على القيادي الإخواني محمود عزت؟

من جهته، يقول الكاتب والصحفي والباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، ماهر فرغلي إنّ "تسمية إبراهيم منير قائماً بالأعمال لم تصدر في بيان رسمي من الإخوان، وإن التسريبات التي أطلقها الرافضون له هي إعلان رفض واضح وتأكيد على أنّ اختياره غير موفق"، مبيناً في حديثه لـ"حفريات" أنّ "الرجل عليه جدل كبير، وهو متهم أمام القواعد الإخوانية بفساد مالي واستيلاء على أموال الجماعة، كما أنه على علاقة برجال الحكم في بريطانيا ومعروف عنه غلظته في التعامل مع قيادات الجماعة، ومتهم بتسليم أعضاء من الجماعة للأمن المصري، واعترافه أن جماعة الإخوان تقبل المثلية كحرية شخصية، كل هذه الاتهامات تجعله غير لائق لتولي المنصب".

 

فرغلي: إبراهيم منير هو من يدير الجماعة فعلياً حتى في وجود محمود عزت

وأضاف فرغلي: "كنت أتوقع أن يأتي الإخوان بشخصية تصلح لإدارة المرحلة القادمة مثل محمد البحيري، رغم أنه من التنظيم الدولي ويدير ملف أفريقيا والتمويل في أوروبا، إلا أنه أقرب الشخصيات سمتاً لمنصب القائم بأعمال المرشد، لكن قيادة الإخوان لا تعرف مثل هذه التحذيرات ولا تلك الحركات، فإذا صح وتمت تسمية إبراهيم منير فلن يسع أعضاء الجماعة إلا السمع والطاعة أو تركها، وهذه المغادرة أو التهديد بها لا تقلق التنظيم كثيراً، فأدوات القوة بيد القيادة التاريخية".

 وأكد فرغلي أنّ "إبراهيم منير هو من يدير الجماعة فعلياً حتى في وجود محمود عزت، ومنوط به دور كبير؛ فهو من يتصل بالتنظيم وهو من يحاول حل مشكلات الجماعة وتوفير متطلباتها المالية، ولن يحدث أي تغيير لو أنه أصبح القائم بأعمال المرشد، فالرجل يدير فعلاً، وأي تصريحات بالانشقاق وتكوين تنظيم آخر هي عبث وضجيج لن يغير الواقع شيئاً.

اقرأ أيضاً: هذه أبرز القضايا المتورط فيها القيادي الإخواني محمود عزت

أما الكاتب والباحث في الجماعات الإرهابية، الدكتور عمرو فاروق، فيقول: "تعيش جماعة الإخوان خلال الساعات الراهنة حالة من الصراع الداخلي بسبب الفراغ التنظيمي عقب القبض على محمود عزت، وتعثر تنصيب قائم جديد بأعمال المرشد، مبيناً في حديثه لـ"حفريات" أنّ "محمود عزت كان صمام أمان التنظيم، وليس من المستبعد أنه وضع التراتبية الإدارية اللازمة لتكليف من يخلفه في حال موته أو إلقاء القبض عليه، لهذا ستعاني الجماعة الكثير في ظل طرح إبراهيم منير كبديل له من قبل قيادات التنظيم الدولي المجموعة المتحكمة بالمشهد التنظيمي، فالقواعد الشبابية والتنظيمية ترفض فكرة قصر الترشيحات على محمود حسين الأمين العام للجماعة، وإبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي، لما عليهم من ملاحظات".

وأكد فاروق أنّ "الاستقرار على اختيار إبراهيم منير لن يكون بالأمر السهل، والتأخير يشير إلى حالة الحذر والمراقبة من قبل القيادات الإخوانية التي تخشى من الصراعات والانشقاقات الداخلية من قبل بعض الأجنحة التي سربت رفضها لتعيين إبراهيم منير كبالون اختبار يشعر به القادة أنّ عليهم عدم التمسك بالقيادات المعيبة ولو كانت تاريخية، فضلاً عن توجيه الاتهامات إليها بالفساد المالي والأخلاقي".

اقرأ أيضاً: اعتقال محمود عزت.. الدلالات والتوقيت

ورأى فاروق أنه في كل الأحوال يجب أن يكون هناك من يدير التنظيم المصري على الأقل؛  "وهنا يقفز على السطح اسم ممدوح الحسيني الرجل القريب من التيار القطبي والذي يحظى باحترام بين التنظيمات المسلحة، فالحسيني تتلمذ على يد شكري مصطفى وكان أحد المخططين لخطف الشيخ الذهبي، لكنه لم يشارك في العملية نظراً إلى أنه كان مجنداً، وبوحدته أثناء التنفيذ، وحرصت الجماعة على عدم الزج به، قام مصطفى مشهور المقرب سابقاً لشكري مصطفى في سجون الستينيات، باستقطاب ممدوح الحسيني ووثق به الإخوان وأوكلوا له مهمة قيادة منطقة مصر الجديدة ومدينة نصر والتجمع الخامس الذي كان يختبئ به محمود عزت، إنّ الإخوان  مقبلون على منعطف تاريخي؛ فالأجواء كلها تدفعهم نحو تصحيح المسار، لكن القيادة تصر على السير بالجماعة إلى المجهول".

الصفحة الرئيسية