استقالة الحريري لن تقنع المتظاهرين اللبنانيين بالتراجع

استقالة الحريري لن تقنع المتظاهرين اللبنانيين بالتراجع


31/10/2019

تسفي برئيل-هآرتس
قرار رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري، الاستقالة من منصبه غير مفاجئ. ففي حزيران أعلن الحريري لمقربيه أنه إذا لم يحصل على دعم للإصلاحات الاقتصادية التي عرضها لإنقاذ الدولة من الأزمة الاقتصادية الشديدة الغارقة فيها، فإنه سيضع المفاتيح على طاولة الرئيس ميشيل عون.
ولكن رغم الانتقاد الشديد لاقتراحاته وغياب تأييد كاف للإصلاحات، قرر في البداية مواصلة منصبه. في الأسبوع الماضي، أوضح أنه إذا تم سفك دماء في شوارع بيروت فهو سيستقيل فوراً. سُفكت الدماء، ولكن الحريري لم يقدم استقالته. أول من أمس، أعلن أنه وصل إلى "طريق مسدود" ولم يبق أمامه أي خيار عدا الذهاب إلى القصر الرئاسي لتقديم استقالته.
ولكن "الطريق المسدود" ليس نتاج التظاهرات التي بدأت قبل أسبوعين. لبنان غارق في دين وطني ضخم يقدر بـ 150 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، أعلنت شركة الكهرباء إفلاسها، ومصادر المياه ملوثة، ونسبة البطالة مرتفعة ووجود أكثر من مليون لاجئ سوري في الدولة يشوش أسسها الاقتصادية ويهز النسيج الاجتماعي – السياسي فيها.
توقف التصدير إلى الدول العربية في أعقاب الحرب في سورية، والأمل في استخراج النفط والغاز من الحقول في البحر المتوسط متوقف بسبب غياب اتفاق على توزيع المجال الجغرافي الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل. إضافة إلى ذلك، المساعدة الاقتصادية، التي وعد بها لبنان من قبل الدول المانحة بمبلغ 16.5 مليار دولار، توضع في الجارور إلى حين استقرار الدولة سياسياً.

الشعب يريد تغيير النظام
يمكننا فقط الاستغراب لماذا تباطأت التظاهرات في لبنان إزاء الأزمة التي ازدادت خطورة خلال ثماني سنوات منذ اندلاع الحرب في سورية. صحيح أنه كانت هناك تظاهرات في لبنان، مرة على خلفية النقص في تزويد الكهرباء ومرة بسبب الفشل في جمع القمامة من شوارع المدن – الذي اعتبر فشلاً سياسياً – ولكن خروج الناس بهذا الحجم شهده لبنان فقط في العام 2005 بعد قتل رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري، والد رئيس الحكومة الحالي. يبدو أن المتظاهرين يستطيعون - معظمهم من الشباب والطلاب والعاطلين عن العمل - تسجيل نجاح بأنهم أجبروا رئيس الحكومة الحكومة على الاستقالة. بهذا حققوا أحد الأهداف الأساسية للاحتجاج دون سفك دماء ودون جر لبنان إلى حرب أهلية في هذه الأثناء.
ولكن المتظاهرين لا يكتفون بالخطوة التي اتخذها الحريري، بل هم يريدون تغيير مبنى النظام وسن قانون انتخابات جديد واجتثاث الفساد العميق واستقرار الاقتصاد. تغيير نظام الحكم، الذي يعني إلغاء المحاصصة الطائفية في مؤسسات الدولة والبرلمان والشركات الحكومية وبالطبع في الحكومة، هو حلم يرافق لبنان منذ التوقيع على اتفاق الطائف في العام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية بعد سنة على ذلك.
أحدث الدستور الجديد بالفعل تغييرات جوهرية قلصت الاحتكار السياسي للطوائف الكبيرة. ولكن عملياً النظام الطائفي ما زال يملي المبنى السياسي، وبالتالي توزيع الميزانيات والموارد. هذا النظام أوجد تحالفات غريبة، مثل التحالف الذي عقده ميشيل عون، رئيس الدولة ورئيس حزب "التيار الوطني الحر" المسيحي الماروني مع "حزب الله" الشيعي. أو دعم جزء من الطائفة الدرزية لـ "حزب الله"، رغم التحالف بين زعيم الطائفة، وليد جنبلاط، وبين الحريري.
هذه التحالفات هي التي عملت على بقاء حكومة لبنان، وهي التي خلقت الانطباع المضلل بأنه يوجد حقاً جسم منتخب ومتفق عليه لإدارة الدولة. عملياً، منذ أيار 2018، عندما انتخب الحريري لولايته الحالية، تتصرف الحكومة مثل حلبة مصارعة فيها الكثير من المشاركين. أيد "حزب الله" تعيين الحريري بالأساس لأنه أدرك أنه هو فقط يمكنه تمثيل لبنان أمام مؤسسات التمويل الدولية ومنح الدولة صورة محترمة.

عبوة ناسفة سياسية
هكذا، وجد أيضاً التناقض الذي بحسبه يعتبر "حزب الله"، الذي هو منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، شريكاً في حكومة تحظى بالدعم الأميركي. إضافة إلى ذلك، "حزب الله" يمكنه تحت قيادة الحريري إملاء سياسة الحكومة بتوجيه من إيران وأن يتمتع بكل المزايا. ومن أجل ترسيخ مكانته السياسية عقد "حزب الله" تحالفاً مع رئيس الحزب المسيحي الماروني، جبران باسيل.
باسيل، الذي يشغل منصب وزير الخارجية في الحكومة اللبنانية، هو أيضاً صهر الرئيس عون. وهو نفسه يسعى إلى أن يكون رئيساً للدولة بعد انتهاء ولاية صهره. وقد تحول إلى عبوة ناسفة سياسية تحبط أي مبادرة حاول الحريري تطبيقها، بالأساس في مجال الاقتصاد. في حزيران ألقى باسيل قنبلتين مدويتين: الأولى، عندما طلب إبعاد العمال الأجانب وإعادة اللاجئين السوريين إلى دولتهم، مثلما يطلب الرئيس السوري بشار الأسد.
القنبلة الثانية هي تصريحه بأنه "يجب إعادة الحقوق السياسية للطائفة المارونية بعد أن داست الطائفة السنية على جثتها". هذه التعبيرات لم تسمع من قبل وزراء منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان. وقد طلب باسيل أيضاً إقالة شخصيات رفيعة في النظام وتعيين رئيس جديد للمخابرات الداخلية وإقالة مدير عام شركة الطيران اللبنانية. باختصار، تحطيم ما سماه "الاحتكار السني" في الدولة.
فرصة جديدة
الدعم الذي يحصل عليه باسيل من "حزب الله" وميشيل عون وضع الحريري في رواق ضيق وهو مكبل، دون قدرة على إقالة وزراء أو تشكيل حكومة كما يريد. استقالته واستقالة الحكومة يمكن أن تفتح الباب أمام فرصة جديدة. ولكنها فرصة نظرية، لأنها تقتضي موافقة القوى السياسية على التنازل عن وظائف الوزراء التي توجد لديها والمصادقة على تشكيل حكومة من التكنوقراطيين غير المرتبطين بعلاقة طائفية أو دينية.
أي أن باسيل ووزراء "حزب الله" لا يمكنهم أن يكونوا أعضاء في هذه الحكومة، مثلما يطلب المتظاهرون ومثلما اقترح الحريري قبل تقديم استقالته. ومن المشكوك فيه أن يعثروا على هؤلاء التكنوقراطيين طاهري اليدين والأبرياء من الانتماء الطائفي الذين يستطيعون تشكيل الحكومة. إمكانية أخرى هي أن يتم تكليف الحريري بالوقوف على رأس حكومة انتقالية ضيقة إلى حين إجراء انتخابات جديدة.
هذه الخطوة يمكن أن يؤيدها "حزب الله"، الذي يريد التنصل من المسؤولية عن الفوضى السياسية في لبنان، ومن أجل ألا يقف وحده أمام المتظاهرين. والسؤال هو: هل الجمهور المتظاهر، الذي شبع من الوعود والإحباطات، سيوافق على الاكتفاء بهذه الخطوات المؤقتة وهو يعلم أن عملية الانتخابات هي قصة طويلة لا تعد بنتيجة مختلفة أو احتمال إعادة الإعمار الاقتصادي؟
في المقابل، لا يوجد لحركات الاحتجاج في هذه الأثناء قيادة سياسية متفق عليها يمكنها أن تتحمل مسؤولية إدارة الدولة. التجربة السياسية في لبنان تعلم أنه في نهاية المواجهات يتم التوصل إلى تسوية غير مرضية لأي طرف، لكنها تسمح للدولة بالبقاء لفترة أخرى حتى الأزمة القادمة. ولكن من الصعب التعويل على تجربة الماضي إزاء قوة الاحتجاج الذي يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى مواجهة عنيفة.

عن "الأيام" الفلسطينية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية