الإخوان المسلمون في لبنان ونتائج الانتخابات.. هل ترث الجماعة الإسلامية تركة تيار المستقبل؟

الإخوان المسلمون في لبنان ونتائج الانتخابات.. هل ترث الجماعة الإسلامية تركة تيار المستقبل؟


24/05/2022

في 22 شباط (فبراير) الماضي، كونت الجماعة الإسلامية اللبنانية، الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين، تحالفاً انتخابياً ضمّ القوى والهيئات الإسلاميّة، وذلك بالتنسيق مع دار الفتوى، من أجل الهيمنة على مقاعد السنّة، بعد أن أعلن تيار المستقبل انسحابه من الانتخابات.

المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في البقاع، علي أبو ياسين، أعلن خلال فعاليات ملتقى الإصلاح والتنمية، أنّ "الجماعة والقوى والهيئات الإسلامية، حسموا الخيار بمشاركتهم صفاً واحداً في الانتخابات النيابية". كما أكد أنّ "الترشيح سيكون مستنداً إلى مشروعٍ متكامل بشقين: تنموي وإصلاحي، كما يتضمن المشروع  ضرورة التكامل الوطني". وأعلن أنّه "لا خوف على أهل السنّة في لبنان، بل هناك خوف على لبنان". واستطرد: "مخططات تهميش هذا المكون الأساسي؛ ستؤدي حتماً الى إضعاف البلد، وفقدان سيادته وقوته ومناعته، وعدم إمكانية نهوضه مجدداً". وأكد أبو ياسين، على الدور الريادي لأهل السنّة في حماية البلد، والحفاظ على أمنه ووحدته وثروته".

تحالفات غامضة وتحركات مرتبكة

عشية الانتخابات اللبنانية، أعلنت الجماعة الإسلامية عن خوضها الانتخابات بـ 10 مرشحين في مختلف المناطق، وهم: يحيى البريدي، عن البقاع الشمالي، وليد السروجي عن زحلة، علي أبو ياسين، عن البقاع الغربي راشيا، بسام حمود، عن صيدا، محمد شعبان، عن الشوف عالية، محمد عمار الشمعة (من برجا) عن الشوف عالية، عماد الحوت، عن بيروت، محمود السيد، عن الضنية، محمد هوشر، عن عكار، عزام الأيوبي، عن طرابلس.
الجماعة الإسلامية والمتحالفون معها، فشلوا في اختراق التحالفات الراسخة داخل لبنان، ما دفعها لاحقاً إلى سحب ترشيح وليد السروجي، واستبدلته بالشيخ وليد اللويس، الذي حشدت خلفه الأوساط العلمائية، وعلى رأسها الشيخ عدنان أمامة، ومع مقاطعة قطاع عريض من المكوّن السنّي، استجابة لدعوة سعد الحريري، فشلت الجماعة الإسلامية في الانخراط ضمن أيّ تحالفات قوية، بسبب تراجع شعبيتها بين السنّة، ما دفع فؤاد السنيورة إلى رفض التحالف مع عماد الحوت، مرشح الجماعة في بيروت، الأمر الذي ربما أجبر الأخير على التحالف مع نبيل بدر، المقرب من تيار المستقبل.

المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في البقاع، علي أبو ياسين

الإشكالية الأكبر واجهت الجماعة في طرابلس، حيث فشل أمينها العام، ومرشحها عزام الأيوبي، في الحصول على دعم الهيئات الإسلامية، والذي انضم في نهاية الأمر إلى لائحة التغيير الحقيقي، في دائرة الشمال الثانية، والتي ضمت 3 مرشحين عن الجماعة، وهم: الأمين العام الشيخ عزام الأيوبي، والدكتور محمود السيد، ومحمد الدهيبي، بالإضافة إلى المرشحة فرح حداد، التي تربطها صلة قرابة بأحد قياديي الجماعة.

الجماعة الإسلامية توقعت الحصول على نحو 7 آلاف صوت تفضيلي، بينها 5 آلاف في طرابلس وحدها، وربما دفعها ذلك إلى حشد هذا القدر من المرشحين في طرابلس، للحصول على أكبر قدر ممكن من مقاعد المكوّن السنّي.

على الرغم من ذلك فشل الإخوان في طرابلس، في توحيد صفوفهم خلف الأمين العام، حيث أدى الصراع بين عزام الأيوبي، والقيادي الإخواني التاريخي، غسان حبلص، إلى خروج فريق من أنصار الأخير من الجماعة، وتكوين جبهة سنّية قوية معارضة للأمين العام للجماعة، وقد استنزف هذا الصراع قدراتها وطاقتها الانتخابية، وشق صفوف الكتلة الإخوانية في طرابلس بشكل حاد.

 

الجماعة الإسلامية والمتحالفون معها فشلوا في اختراق التحالفات الراسخة داخل لبنان ما دفعها لاحقاً إلى سحب ترشيح وليد السروجي واستبدلته بالشيخ وليد اللويس

 

كما ألقت الانقسامات بظلالها على الجماعة الإسلامية في المنية، بسبب الانتخابات البلدية الأخيرة، كما اضطرت الجماعة إلى سحب مرشحها في عكار، محمد هوشر، رغم تمتعه بشعبية نسبية، وذلك "نظراً للظروف التي مرت بها عملية تشكيل اللوائح، والتي لم تساعد على تشكيل لائحة، أو التحالف مع آخرين، لذلك تعلن الجماعة عدم الاستمرار في عملية ترشيح الاخ محمد هوشر، واتخاذ القرار المناسب لاحقاً؛ بشأن عملية التصويت".

حضور باهت للإخوان وأزمة على صعيد الحلفاء

وحده نجح رئيس المكتب السّياسي للجماعة الإسلامية، عماد الحوت، في الحصول على مقعد نيابي، ومُني الأمين العام عزام الأيوبي، بهزيمة كبيرة في معقل الجماعة بطرابلس، الأمر الذي يعكس مزاج المكون السنّي في لبنان، وابتعاده إلى حد كبير عن نهج الجماعة وأجندتها السياسية.

من جهته، حاول الأيوبي امتصاص الهزيمة، ووضع عدة مبررات، مع الاحتفاء بالأصوات التفضيلية، حيث عقد مؤتمراً صحفياً في مدينة طرابلس، في اليوم التالي لإعلان النتائج، والموافق 18 أيّار (مايو) الجاري، بحضور مرشحي الجماعة الإسلامية، زاعماً أنّ "الجماعة ستعتمد في المرحلة المقبلة، واجهة أكثر مرونة في العمل السياسي، عبر كتلة الإصلاح والتنمية". وأكّد على أنّ "الجماعة ستكون أكثر انفتاحاً على الشرائح التي تشبهها، ويمكن أن تعمل معها". كما أشار إلى أنّ الأرقام التي حقّقها مرشحو الإصلاح والتنمية في مختلف مناطق لبنان، هي الفوز الحقيقي، قائلاً بشكل دعائي: "هذا الإنجاز يساوي عدد المقاعد التي تحقّقت، لكن اليوم حجم التأييد الواسع والمميّز؛ يجسّد هذه الخطوة المهمة، والتي تؤشّر إلى مسار جديد، ومرحلة جديدة، ستكون هي الحاكم والمسيّر لمشهدنا القادم".

 الأمين العام للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي

الأيوبي لم يفته انتقاد ما أسماه المال الانتخابي، زاعماً أنّ "السلطة المتجذّرة في الدولة، استخدمت كل الأدوات من مال ومن سلطة ومن غير ذلك".

من ناحية أخرى، واجهت الجماعة الإسلامية حرجاً سياسياً بالغاً، ذلك أنّ المرشح على المقعد العلوي، فراس السلوم، الذي حظي بدعم الجماعة الإسلامية في طرابلس، نظمّ احتفالات صاخبة فور نجاحه، أظهر فيها تأييده للرئيس السوري بشار الأسد، ما دفع الجماعة الإسلامية إلى التنصل منه، ومطالبته بالاستقالة، وقالت في بيان رسمي "نحن براء من فراس السلوم، قد نتفهّم أن يحتفل في منطقته، لكن أن يظهر الاعتزاز بانتمائه إلى الذين فجّروا مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، وقتّلوا أهلنا في سوريا، وما زالوا يقتّلون؛ فهذا ما لا نتفهّمه، نعلن براءتنا منه، ونطالبه بالاستقالة، فهو لا يمثّل المدينة، ولا أهلها".

تحركات مبالغ فيها لنائب الإخوان

الدكتور سامح إسماعيل، الباحث في العلوم السياسية، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها إنّ نائب الجماعة الإسلامية، ورئيس مكتبها السياسي، عماد الحوت، بالغ منذ اللحظة الأولى لإعلان نجاحه في التحرك على كافة الأصعدة، في محاولة منه ليرث مكانة تيار المستقبل، ويتزعم نواب المكوّن السنّي، ففي البداية، قال في تصريحات لإذاعة الفجر، إنّ رئيس البرلمان نبيه بري، سوف يدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس جديد للبرلمان، وحاول أن يتحدث بلسان الشعب اللبناني، الذي يرغب في التغيير، رافعاً جملة من الشعارات الشعبوية الرنانة، دون أن يضع أيّ برنامج سياسي لتنفيذها.

 

سامح إسماعيل: عماد الحوت بعد إعلان النتائج بيومين، زار مفتي الجمهورية اللبنانية، حيث أراد أن تكون الزيارة الأولى بعد الانتخابات لدار الفتوى، في دلالة رمزية إلى أنّ الجماعة باتت لسان حال السنّة في لبنان

 

ويتابع الباحث أنّ عماد الحوت حذّر أيضاً من دخول لبنان ما أسماه الفراغ السياسي، في ظل التناحر والنزاعات، داعياً القوى السياسية إلى الهدوء، بعيداً عن منطق المحاصصة، وهو هنا يغازل الجميع، بحثاً عن تسويات بينية، ربما يجد بواسطتها مكانة سياسية جديدة له ولجماعته.

سامح إسماعيل: عماد الحوت، بالغ منذ اللحظة الأولى لإعلان نجاحه في التحرك على كافة الأصعدة، في محاولة منه ليرث مكانة تيار المستقبل

وكشف إسماعيل، أنّ عماد الحوت بعد إعلان النتائج بيومين، زار مفتي الجمهورية اللبنانية، الدكتور عبد اللطيف دريان، في تحرك مقصود منه، حيث أراد أن تكون الزيارة الأولى بعد الانتخابات لدار الفتوى، في دلالة رمزية إلى أنّ الجماعة باتت لسان حال السنّة في لبنان، وصوتهم المدوّي، كمرجعية تتساوى ومرجعية دار الإفتاء.

الحوت حاول كذلك استشراف تحركات التشكيلة النيابية الجديدة، قائلاً: "لا يمتلك أيّ فريق الأكثرية الدائمة، ما يعني أنّه ليس بقدرة أي فريق أن يفرض خياراته في المجلس النيابي". ولفت إلى أنّ "الجماعة ترشّحت على قاعدة رفض أداء القوى المتشاركة في السلطة، ومحاربة الفساد والهدر وسوء الإدارة، وهي ستستمر عقب الانتخابات، في تنفيذ ما ترشحت على أساسه من طروحات".

وعبّر الحوت عن خوفه من لجوء بعض القوى للتعطيل؛ لتحصل على ما تطمح إليه، على مستوى تشكيل الحكومة، لكنه ربما يعبر هنا عن رغبته في اللحاق بأيّ تحالف، يحصل من خلاله على حقيبة وزارية، قائلاً إنّ وعي الشعب سوف يكون "ورقة ضغط كبيرة على هذه القوى، وسيحول دون تمكينها من ممارسة التعطيل، بنفس المستوى الذي كانت تمارسه في المرحلة الماضية".

مواضيع ذات صلة:

ما الذي كشفته الانتخابات اللبنانية بخصوص سلاح حزب الله؟

لبنان والاستحقاق الانتخابي.. هل حان الوقت لعقد اجتماعي جديد؟

حماية الأثرياء وإفقار الفقراء: وصفة لبنانية لحلّ الأزمة المالية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية