الإخوان المسلمون يفخّخون الاجتماع الإسلامي بالأزمات

الإخوان المسلمون يفخّخون الاجتماع الإسلامي بالأزمات


17/05/2020

لقد أنشأت جماعات الإخوان المسلمين والإسلام السياسي بعامة حالة معقدة في المشهد الديني والسياسي، وظهرت للمرة الأولى (ربما) في التاريخ العربي والإسلامي مجموعة جديدة من الظواهر والحالات، والتي تحتاج إلى مراجعة وجهود رسمية ومجتمعية كبيرة ومعقدة لأجل تفكيكها وإعادتها إلى سيرتها الأولى، ولم تعد الظاهرة الدينية بعامة والسياسية بخاصة تقتصر على التنظيم القانوني والسياسي لعمل الجماعات والأحزاب، ولكنها أصبحت متصلة بقضايا وصراعات داخلية وإقليمية وعالمية، وتؤثر جوهريا في تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع

ومن هذه الظواهر والحالات:
1- "الإسلام السياسي" بمعنى نشوء جماعات سياسية وفكرية تؤمن بالإسلام منهجاً لإدارة وتنظيم الدولة والأسواق وتتقدم إلى الناخبين على هذا الأساس أو تواجه السلطات السياسية القائمة وتنازعها الحكم والشرعية، وظهرت كتب ودراسات جامعية عن الأنظمة الإسلامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
2-  اللبس أو الدمج بين الإسلام والجماعة، فتقدم جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي نفسها باعتبارها الإسلام، أو أنّها تقدم التمثيل الصحيح للإسلام. وبذلك يتحول الخلاف السياسي إلى خلاف ديني، أو صراع بين الإسلام وخصومه.
3- ظهور مفاهيم ومصطلحات اكتسبت حالة من الصفة الدينية ثم زادت صلابة وتماسكا بتأصيلها من المصادر والدراسات الدينية، مثل الولاء والبراء، والدولة الإسلامية، والجاهلية المعاصرة في الحكم والمجتمعات، والمفاصلة مع الجاهلية التي يمثلها كل من ليس من الجماعة، والاستعلاء على أهلها والتميز عنهم، الأمر الذي أنشأ حالة من الأمة أو الطائفة المستقلة عن الأمة العامة الرئيسية، وصار لهذه الجماعات هويتها الخاصة وعلاقاتها الداخلية وأحكامها وتصوراتها المستقلة عن عموم الأمة الإسلامية.

تجربة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي لا تحتاج فقط إلى تصويب قانوني؛ بل إلى مراجعة إستراتيجية

4- ظهور الجماعات القتالية القائمة على المزج بين التراث الإخواني والسلفي لتنشئ حالة جديدة من المواجهة مع الدول والمجتمعات والعالم أيضا والتي بدأت منذ التسعينات تنشئ جماعات مغلقة مقاتلة وتسيطر احيانا على أراض ومناطق وبخاصة في الدول الهشة التي تغيب عنها سيادة الدولة.
5- تطور الحالة الإسلامية إلى صراع ديني إسلامي بين السنة والشيعة، كما هو الحال في العراق واليمن وسوريا ولبنان.
6- تطور الحالة إلى صراعات داخلية وحروب أهلية وتحالفات اجتماعية وسياسية جديدة ومعقدة، مثل التحالف بين البشتون وطالبان في أفغانستان وباكستان، والتحالف بين السنة والقاعدة في العراق. والتحالف بين العرب والطوارق مع القاعدة في مالي.
لقد أنشأت هذه التفاعلات والتطورات حالة جديدة تستدعي إعادة تنظيم الشأن الديني وتنظيم العلاقة بين الدولة والدين وتنظيم العمل السياسي والاجتماعي والدعوي على النحو الذي يحمي الأفراد والمجتمعات من التطرف والتوظيف السياسي والسلطوي للدين، ويكرّس مصدرية الأمة في السلطة والولاية من غير وصاية أو استبداد أو احتكار، ويحمي الدين من الدولة والجماعات السياسية، ويؤكد سيادة الدولة والقانون ورابطة المواطنة وأولويتها وهيمنتها على كل ما سواها من روابط.

جماعات الإسلام السياسي تقدم نفسها باعتبارها الإسلام، أو أنّها التمثيل الصحيح للإسلام، وبذلك يتحول الخلاف السياسي إلى ديني، أو صراع بين الإسلام وخصومه

هل تنجح محاولات بعض الدول والأنظمة السياسية في تأهيل ودمج الجماعات الدينية السياسية في العمل العام بأدوات وأفكار قانونية؟ تبدو الإجابة بنعم مغرية؛ إذ تميل الأفكار الناشئة اليوم إلى الاستيعاب والمشاركة، لكنه نجاح لن يكون حتمياً أو تلقائياً؛ فهناك ثلاثة شروط على الأقل لنجاح الحركات والبرامج الاجتماعية متصلة بالبيئة المحيطة بعملها، وفي ذلك فإنها تؤثر تأثيراً حاسماً في مستقبلها ومسارها؛ وجود فعلي وحقيقي لمجتمعات تملك الحد الكافي من والموارد والإدراك لأولوياتها واحتياجاتها والقدرة على المشاركة والولاية على هذه الاحتياجات والأولويات، وذلك يؤدي بداهة إلى الشرط الثاني وهو وجود نخب وقيادات وطبقات تدرك وجودها وتراثها وتربط مصالحها بتنظيم المجتمعات لنفسها، وبطبيعة الحال فإنّ ذلك يقتضي أن تربط الحركات الاجتماعية وحلفائها من النخب والطبقات والمصالح وقواعدها الاجتماعية أهدافها ونضالها بوجود هذه البيئة الملائمة وتحسين أدائها، وهذا ما لم تتمكن الحركات الاجتماعية ومنها الجماعات الدينية حتى اليوم تحقيقه أو حتى إدراكه والاقتناع بأولويته وضرورته للعمل والإصلاح.
وهنا يمكن الملاحظة كيف ولماذا تلجأ الحركات والأحزاب إلى الأفكار الماورائية سواء الدينية أو القومية  أو الإثنية أو الجهوية أو القرابية، ففي استدعاء دوافع التحرير والثواب والعصبية والتعصب والاستعلاء ورفض الآخر يمكن بناء قواعد اجتماعية وتنظيمية للعمل والمشاركة؛ لأنه في غياب المجتمعات والمدن والأسواق المستقلة لا تعود للطبقات والنخب المعول عليها القدرة ولا المصلحة في التحالف مع المجتمعات وتفضل بدلاً من ذلك أن تتحالف في مصالحها الأساسية وأعمالها وعلاقاتها الاجتماعية مع المصالح المهيمنة على الموارد والقرار، وقد تضيف إلى ذلك مواقف تضامنية او معارضة مع  مواقف وقضايا خارجية مثل الاحتلال أو تدعو إلى سياسات غير مؤثرة أو جوهرية في علاقات الموارد والنفوذ والإنتاج مثل؛ تطبيق الشريعة أو التزامات أخلاقية وسلوكية.. 
وهكذا يمكن التقدير ببساطة إن كانت الجماعات الدينية المشاركة في العمل السياسي بأدواته ومدخلاته القانونية والمتاحة؛ أم أنها سوف تكرر المشهد القائم اليوم، فإذا اتجهنا نحو تعزيز استقلال المدن والمجتمعات ووعيها لوجودها، وساههمت في إنشاء مصالح وطبقات وقواعد اجتماعية ليست مرتبطة فقط عاطفياً بهذا المشروع ولكن مصالحها وتقدمها أيضا مرتبط به، أو ببساطة أكثر تنجح حركة اجتماعية أي حركة اجتماعية عندما تقدر على اجتذاب وتجميع الذين يسعون ويتطلعون إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية التي تعكس نفسها في تنافس عادل على الفرص والموارد، ومدارس حكومية ناجحة وقادرة على استيعاب جميع التلاميذ، وعيادات ومستشفيات حكومية فاعلة وكفؤة وكافية لاستيعاب جميع المواطنين، ورعاية اجتماعية كافية لتغطية جميع المرضى والمعوقين وكبار السن..
تجربة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي لا تحتاج فقط إلى تصويب قانوني ولكنها تحتاج إلى مراجعة إستراتيجية، وإذا  واصلت جماعات الإسلام السياسي استدعاء الدوافع الدينية حتى مع صوابها وكررت أفكاراً ووسائل في العمل والتجمع منفصلة عن أولويات المجتمعات واحتياجاتها أو غير مندمجة في السياق السياسي والاجتماعي فلن يتغير شيء حتى لو نجحت هذه الجماعات في استقطاب أعداد كبيرة من الأعضاء والمؤيدين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية