الاتّفاق النّووي... مَن يحرّك قطعة الشّطرنج الأخيرة؟!

الاتّفاق النّووي... مَن يحرّك قطعة الشّطرنج الأخيرة؟!


25/04/2022

يوسف بدر

مر أكثر من شهر على توقف المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 في فيينا، وبينما تتبادل واشنطن وطهران الكرة لمعرفة من يسدد الهدف أولاً، ويعلن العودة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015، يبدو أن الجانبين قد اتفقا على كل القضايا ومستعدان للتوقيع على النص النهائي؛ لكن ما زالت هناك مشكلة واحدة تتعلق برفع اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة العقوبات الأميركية.

ومع ذلك، لا يبدو الطريق مسدوداً أمام التوصل إلى اتفاق؛ وإلا ما كان وزير الخارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، يتبادل مع نظيره الأميركي عبارتهما الشهيرة: "يمكن التوصل إلى اتفاق قريباً". وهذا يدل إلى أن كلا البلدين مهتمان بإحياء هذا الاتفاق لضرورة استراتيجية لديهما. لكنهما يريدان فعلها بالطريقة التي يشعران بها أنهما قد حققا الفوز أحدهما على الآخر من إبرام هذا الاتفاق. 

واشنطن في حيرة قاتلة

 بالنسبة إلى واشنطن، أن ترفع إدارة بايدن اسم الحرس الثوري من قائمة العقوبات الأميركية، فهي بذلك تستجيب لكل المطالب الإيرانية، بخاصة أن العقوبات على الحرس الثوري لا ترتبط بالملف النووي، الأمر الذي يضع الإدارة الأميركية في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية. فهي تواجه معضلة الجمهوريين وجانباً من الديموقراطيين الرافضين لهذا الاتفاق مع إيران، إلى جانب استياء حلفاء واشنطن الإقليميين، بخاصة أن الحرس الثوري وذراعه الخارجية "فيلق القدس"، العنوان العريض الذي دفع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للخروج من الاتفاق النووي عام 2018، بعدما كان رفع العقوبات وعودة الأموال الإيرانية المجمدة سبباً في ارتفاع مستوى تهديدات إيران الإقليمية. 

الأمر  نفسه يتكرر الآن؛ فالسعودية والإمارات تتعرضان لهجمات متكررة من جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من طهران. إلى جانب إسرائيل القلقة من قرار بايدن، والتي تضغط على إدارته من أجل الخروج باتفاق يضمن أن يبدد مخاوفها من إيران.

ويبدو أن الإدارة الأميركية وقعت في حيرة قاتلة؛ فالانحياز إلى جانب إيران يرفضه جانب من الديموقراطيين لأنه يهدد مستقبلهم في انتخابات التجديد النصفي للنواب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وأيضاً، ومع ظهور الأزمة  الأوكرانية التي عقّدت الموقف؛ فالاتفاق مع إيران من دون مراعاة قلق حلفاء واشنطن، يهدد قوة أميركا في المنطقة، ويقرّب دول الخليج أكثر من معسكر الخصوم، روسيا والصين.

ولكن أيضاً، فشلت العقوبات في منع تقدم إيران النووي، وعدم وجود اتفاق معها يعني أن الوضع في حالة سائبة، وهو ما يهدّد بتطوير إيران برنامجها النووي، وبدايةً لسباق تسليح نووي في المنطقة. إلى جانب أن إدارة بايدن تراهن على هذا الاتفاق في الحد من التوترات الإقليمية. 

وتفيد تسريبات أيضاً أن إدارة بايدن مشغولة بإيجاد حل لمعضلة الحرس الثوري، في مقابل أن تحصل على تعهد من الجانب الإيراني بعدم متابعة قضية الانتقام لمقتل قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني. ودار الكلام عن عرض واشنطن رفع العقوبات عن الحرس الثوري مع إبقاء العقوبات على فيلق القدس. وهو ما رفضته طهران، اذ أكد وزير الخارجية الإيراني، خشيةً من سخط المحافظين والحرس الثوري، أن ملف العقوبات على الحرس ومقتل سليماني، خط أحمر في المفاوضات مع واشنطن.

ثغرة الحرس الثّوري 

بالنسبة إلى طهران، فإن الأمر يتعلق بقضايا اقتصادية؛ إذ تصر على رفع اسم الحرس الثوري من القائمة السوداء للإرهاب، لأنه منخرط في أنشطة اقتصادية؛ وإذا لم تتم إزالته من هذه القائمة، فالمكاسب الاقتصادية من الاتفاق النووي ستكون مرهونة بالعقوبات عليه، إذ سيخشى المستثمرون التعامل مع إيران بينما أعضاء الحرس ومؤسساته نشطة في الشركات والقطاعات الاقتصادية داخل إيران. 

ولذلك تصر طهران على موقفها، وترفض الجلوس مباشرة مع واشنطن حتى الآن، وهي الصورة التي ستدعم الديموقراطيين وبايدن في الداخل الأميركي؛ لتمارس نوعاً من الضغط عليها، بما يمنحها اتفاقاً يكون بمثابة الفوز على واشنطن. وتأتي الأزمة الأوكرانية لتعزز من إصرار طهران على مطالبها، ظناً منها أن إدارة بايدن يمكن أن تقدّم المزيد من التنازلات في ظل انشغالها بالصراع مع روسيا. 

وضع قابل للانهيار 

في المقابل، تضغط الولايات المتحدة الأميركية باستمرار العقوبات على إيران؛ بما يدفع الأخيرة إلى تسديد الكرة في اتجاه التوصل إلى اتفاق أخير، بخاصة أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الداخل، وفي ظل تبعات جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية على الاقتصاد، يمثل ورقة ضغط على الحكومة الإيرانية؛ فالتضخم في ارتفاع وسعر الدولار يتجاوز 28 ألف تومان، والحكومة عاجزة عن تحرير سعر الصرف، خشيةً من الغلاء وغليان الشارع، الذي لم يعد يتحمل تبعات هذه العقوبات. 

حتى أن واشنطن رفضت أن تحصل طهران على أموالها المجمدة لدى كوريا الجنوبية، للحفاظ على حالة الضغط هذه، التي تهدد النظام داخل إيران.

كذلك، هناك أسباب تجعل طهران لا تتخلى عن مفاوضاتها النووية، منها أن تنفيذ وثيقة الشراكة الاستراتيجية مع الصين مرتبط بالتوصل إلى هذا الاتفاق من أجل رفع العقوبات. وكذلك الاستفادة من السوق الأوراسي لا يمكن تحقيقه في ظل استمرار هذه العقوبات. 

كما أن حكومة إبراهيم رئيسي المحافظة في إيران لم تستطع جني أي ثمار من دبلوماسية الأولوية للاقتصاد ودول الجوار التي أعلنتها منذ مجيئها، وباتت مهددة بالفشل؛ لأن كل شيء بات مرهوناً بالاتفاق النووي، الذي أثبت أن له تأثيراً واضحاً في اقتصاد السوق ومعيشة الناس ومستقبل علاقات إيران الخارجية.

طموحات في سوق الطّاقة

لدى إيران طموحات للاستفادة من سوق الطاقة في دعم علاقاتها وتجارتها الخارجية. وقد شجعتها الأزمة الأوكرانية على لعب دور فاعل في مسرح الطاقة العالمي، إذ تخطط لإنفاق 90 مليار دولار لتصل إلى طاقة إنتاجية تبلغ 5 ملايين برميل نفط في اليوم خلال العقد المقبل، بما يضعها في مصاف المنتجين الكبار في منطقة الخليج. 

لكن إيران تواجه معضلتين، أولاهما بنيتها التحتية المتهالكة التي لا تساعدها مثلاً، على منافسة جارتها قطر في حقلها المشترك معها "بارس الجنوبي". وثانيهتما مصالح روسيا التي لن تسمح بأن تحتل إيران مكانتها في الأسواق الأوروبية. والحل بالنسبة إلى إيران يكمن في الاتفاق النووي الذي سيوفر لها الأموال والاستثمارات ويسمح لها بالحصول على المعدات الحديثة لتطوير حقول النفط والغاز، من ثم القدرة على تطوير الاستفادة من ثرواتها.

المحصّلة

لم تصل المحادثات النووية بين واشنطن وطهران إلى طريق مسدود، ولكنها دخلت مرحلة الارتهان للأزمة الأوكرانية، ومرحلة الضغط المتبادل، من أجل أن يبادر أحد الطرفين إلى الاستسلام والتوقيع على الاتفاق النووي أولاً.

بوقوع الأزمة الأوكرانية في ظل التحولات الجارية في توازنات العالم؛ فقد وقعت إدارة بايدن في حيرة، بين كسب إيران أم كسب الحلفاء.

رغم التصريحات التي يخرج بها المسؤولون في إيران بأنهم استطاعوا تخطي العقوبات الأميركية، وأن إيران تبيع نفطها من دون الحاجة للعودة إلى الاتفاق النووي؛ غير أن هذه الفسحة في تجارتها من النفط غير بعيدة من مراقبة واشنطن. وما زال الاقتصاد والسوق والشارع في إيران تقف بعيون معلقة على خبر التوصل الى اتفاق بين طهران وواشنطن في فيينا. وما زالت حكومة رئيسي التي أعلنت الاقتصاد المقاوم، عاجزة على تحقيق أي إنجاز حقيقي في الاقتصاد من دون رفع العقوبات الأميركية.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية