الاستقرار السياسي في لبنان شرط للخروج من النفق الاقتصادي المظلم

الاستقرار السياسي في لبنان شرط للخروج من النفق الاقتصادي المظلم


22/05/2022

تبدو مسألة الاستقرار السياسي في لبنان شرطاً لا غنى عنه للخروج من دائرة التردّي الاقتصادي، وسائر الأزمات التي تضرب البلاد. والاستقرار في لبنان يبدأ أوّلاً بترتيب شبكة العلاقات الدبلوماسية، وفق أولويات ومصالح البلاد، بغضّ النظر عن أيّ علاقات اضطرارية، أو تجاذبات إقليمية ذات طبيعة إيديولوجية.

يبدأ الاستقرار من دائرة دول الجوار بفتح صفحة جديدة معها، وعلى رأس هذه الدول تأتي دول الخليج العربي، وينبغي التفاهم مع الولايات المتحدة، والخروج من معركة تصفية الحساب بين واشنطن وحزب الله، التي أكدتها تصريحات أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكية، التي جعل فيها التخلص من حزب الله شرطاً لعدم تعرّض لبنان للمجاعة.

يعاني لبنان من مشكلة أخرى كبيرة، تتمثل في إعادة إنتاج المنظومة السياسية، وفق متوالية رتيبة ودائمة، فالنظام السياسي يصر على إعادة إنتاج نفسه، بزعم الالتزام ببنود اتفاق الطائف، الذي لم يعد ملائماً للتحولات التي يشهدها لبنان والعالم، بحيث إنّ اعتباره عقداً اجتماعياً أبدياً يُعدّ من قبيل التشويش السياسي، وعدم القدرة على قراءة الواقع قراءة تفضي إلى حلول حقيقية لأزمات مزمنة.

بات اتفاق الطائف مبرراً للفئوية والطائفية وممارسة الفساد بشتى أشكاله، ويحفظ للنخبة القديمة حصتها بشكل غير مستحق من المناصب، وهو ما قوّض قدرة اللبنانيين على ممارسة تداول السلطة

بات اتفاق الطائف مبرراً للفئوية والطائفية وممارسة الفساد بشتى أشكاله، ويحفظ للنخبة القديمة حصتها بشكل غير مستحق من المناصب، وهو ما قوّض قدرة اللبنانيين على ممارسة تداول السلطة، والانطلاق نحو تدشين جمهورية جديدة تواجه تحديات الراهن.

على أيّ حال، تظلّ الأولوية للملف الاقتصادي بكلّ ما يطرحه من صعوبات، وبكلّ ما يكتنفه من إشكاليات كارثية، وللأسف لم تشهد الانتخابات الأخيرة طرح أيّ برامج حقيقية لمعالجة التردي غير المسبوق للوضع المصرفي، ولم تضع الأحزاب المتنافسة أيّ تصورات أو خطط لمواجهة الحالة الاقتصادية المنهارة، وكأنّ الجميع قرر أن يغمض عينيه عن أهم أزمة يواجهها اللبنانيون، وقد ظهر نوع من التجاهل لحقيقة دامغة، وهي أنّ الملف الاقتصادي يرتبط بشكل مباشر بالملف السياسي، وأنّ الحالة اللبنانية المعقدة يلزمها بالضرورة إدراك مدى التلازم بين الملفين، وأنّ معالجة الأزمات التي تضرب البلاد، وأبرزها الأزمة المالية، أمر لا يمكن بأيّ حال أن ينفصل عن الانسداد السياسي القائم؛ لأنّها ثنائية متلازمة، وعليه ينبغي تحقيق الاستقرار السياسي أوّلاً، ومن ثم الحديث عن إصلاح الوضع الاقتصادي.

كان على الأحزاب والتيارات المتنافسة في الانتخابات اللبنانية الماضية أن تطرح عدة برامج طويلة المدى حول أزمات لبنان المزمنة، وتقديم أشكال متنوعة من الحلول والخطوات لكيفية معالجة هذا الوضع الملتبس، والتعاطي مع معطياته وأسبابه الحقيقية بشيء من الواقعية والتجرّد، لكنّ ذلك لم يحدث، وبتنا أمام الأزمات نفسها، والعقلية القديمة نفسها التي تسببت في حصولها.

يتطلب تحقيق أيّ تقدّم في الملف الاقتصادي تنقية الأجواء فيما يتعلّق بالعلاقات السياسية مع شركاء الجوار، وعلى رأسهم السعودية، وفيما يبدو، فإنّ هناك وساطة فرنسية في هذا المحور الإستراتيجي

ويتطلب تحقيق أيّ تقدّم في الملف الاقتصادي تنقية الأجواء فيما يتعلّق بالعلاقات السياسية مع شركاء الجوار، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وفيما يبدو، فإنّ هناك وساطة فرنسية في هذا المحور الإستراتيجي، ولا بدّ من طرح الحلول، وتقديم جملة من البدائل السياسية، فلم يعد الوضع يحتمل الانتظار، وينبغي مراعاة المتغيرات الجيوسياسية، وكذلك التحولات الثقافية، ليس في لبنان فحسب، وإنّما في المنطقة ودول العالم، حيث تشهد أوروبا مثلاً صعوداً ملفتاً للشعبوية، وهناك اتجاه قوي نحو اليمين، سواء الديني أو السياسي، وعليه ينبغي وضع كلّ هذه الأُطر في الاعتبار من أجل تحقيق نقلة نوعية في علاقة لبنان بجيرانه وبدول العالم.

ولا يمكن فصل ما يحدث في أوكرانيا عن جملة التحوّلات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن تجاهل تأثير تلك الحرب، في المدى المنظور والبعيد، على لبنان، خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وعلى الجميع إدراك ذلك جيداً، قبل أن تضربنا التداعيات، في وقت لا يكون فيه لبنان على استعداد لتحمّلها.

*صحافية لبنانية متخصصة في الدراسات الاستشرافية والعلاقات الدولية، رئيسة موقع أجيال القرن الـ 21

مواضيع ذات صلة:

هل الحل اللبناني بانتخابات مجلس النواب؟

الأزمة السياسية في لبنان وارتباطها بالصراع الدائر في أوكرانيا

هل سينجح الوقود الإيراني في تحريك الماكينة اللبنانية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية