الاستيطان العامودي: بنايات عملاقة بخدمات فريدة لجذب الإسرائيليين

الاستيطان العامودي: بنايات عملاقة بخدمات فريدة لجذب الإسرائيليين


17/11/2021

في إطار سياسة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية والاستعمارية المتواصلة لاقتحام المشهد الفلسطيني من جديد، بات

 الفلسطيني يلاحظ على مساحات واسعة من الضفة الغربية آليات ضخمة تعمل في داخل عدة مستوطنات صهيونية لبناء منازل جديدة وعامودية على غرار المنازل القديمة الأفقية التي تميزت بنمط معماري موحد، بحيث تتمتع هذه البنايات العملاقة بخدمات فريدة ومميزات جديدة، لفرض هيمنتها على حياة الفلسطينيين وجذب المزيد من المستوطنين.

اقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي يتوسع في الاستيطان.. والعالم مغمض العينين

وكانت مستوطنة "عوفرا" والتي تأسست خلال العام 1975، والمقامة على مساحة 550 دونماً من أراض قريتي سلواد وعين يبرود الفلسطينيتين، قد دأبت على الترويج لمجموعة من البنايات العامودية الجديدة التي أقامتها، حيث تتميز بعدة مزايا لجذب المستوطنين إليها، مقابل أسعار تبدأ من مليون و300 ألف شيكل، وتصل إلى مليون و800 ألف شيكل إسرائيلي (زهاء 579 ألف دولار أمريكي)، ويستهدف المشروع العائلات المنتمية إلى التيار القومي الديني، التي "سئمت من الاغتراب في المدن الكبيرة".

ويُعد هذا المشروع أول مشروع بنايات مرتفعة في مستوطنة عوفرا، ويتكون من 6 عمارات، تحتوي على 90 شقة سكنية، مما يعني إمكانية زيادة حوالي 500 مستوطن جديد على الأقل في المستوطنة، و90 عائلة جديدة إضافة إلى 700 عائلة موجودة سابقاً.

ولم يقتصر هذا المشهد على مستوطنة "عوفرا"، حيث عمدت "مستوطنة بيت ايل" والتي تأسست خلال العام 1977، والمطلة على بلدتي البيرة ورام الله، ويعيش بداخلها ما يقارب 5 آلاف و600 مستوطن إسرائيلي، بتشييد عدد من الأبنية العامودية الجديدة بالمستوطنة، والتي وصلت إلى مراحلها الأخيرة، ويقوم على المشروع شركة "كيدما "وهي شركة عقارية "مختصة في بناء وإدارة المشاريع والمجمعات السكنية (الاستيطانية) في جميع أنحاء إسرائيل.

 

اقرأ أيضاً: الاستيطان الرعوي: تجنيد إسرائيليين للعمل كرعاة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين

وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في 9 أيلول (سبتمبر) الماضي، باستمرار الاستيطان في الضفة الغربية، كما كان الحال في عهد سلفه بنيامين نتنياهو، وجاء ذلك خلال لقائه مع رؤساء مجالس المستوطنات بالضفة الغربية.

وذكر موقع "والا" الإسرائيلي، إن بينيت تلقى خلال اللقاء مطالب للمستوطنين بخصوص خطط البناء في المستوطنات، ورد عليها بأنه سيتم فحصها بشكل شخصي.

وبحسب إحصائية صادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، كشفت أنّ ثلث الأمريكيين الذين هاجروا إلى إسرائيل في العام الماضي، كانوا أكثر ميلاً للانتقال إلى مستوطنات الضفة الغربية، مقارنة بالمهاجرين من دول أخرى.

الاستيطان العامودي يتسع بشكل كبير في داخل الضفة الغربية، وباتت التجمعات والبؤر الاستيطانية الصغيرة تتحول إلى مدن كبيرة، وهو واقع يفرضه الاحتلال على أجزاء كبيرة من الضفة والقدس

وتشير بيانات حركة "السلام الآن" الحقوقية الإسرائيلية، إلى وجود نحو 661 ألف مستوطن إسرائيلي و132 مستوطنة كبيرة و124 بؤرة استيطانية عشوائية (غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية) بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.

وبناء على معطيات وزارة الداخلية الإسرائيلية فإنّ 32% من المستوطنين ينتمون إلى التيار الديني المتزمت، و34% إلى التيارات العلمانية، و34% إلى التيارات الدينية الوطنية والتيارات الدينية الوطنية المتزمتة دينياً، وفيما بتعلق بتوزيع المستوطنات فإن 16% منها للعلمانيين، و26% للمتدينين الوطنيين، و25% للمتدينين المتزمتين، و33% مختلطة.

 

اقرأ أيضاً: الزحف البطيء.. كيف بدأ المشروع الصهيوني الاستيطاني في العهد العثماني؟

وكانت مجموعة من أعضاء الكونغرس، قد تقدموا في 3 آب (أغسطس) الماضي، بمذكرة لوزارة الخزينة الأميركية لإغلاق منظمات مولت الاستيطان بمئات ملايين الدولارات. 

ووقع على المذكرة سبعة من أعضاء الكونغرس يطالبون فيها الوزارة بالمراجعة القانونية، لوضع مؤسسات غير ربحية معفاة من الضرائب مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقوم على جمع التبرعات لبناء مستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مطالبين بإغلاق هذه المؤسسات والمنظمات الأميركية، ومحاكمة القائمين عليها بتهم خرق القانون الأميركي.

سياسة إسرائيلية مشتركة

ويرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور ناجي شراب في تصريح لـ "حفريات أنّ "الاستيطان الإسرائيلي بمختلف أنواعه هي سياسة مشتركة بين مختلف الحكومات الصهيونية، حيث يتفق اليمين واليسار الصهيوني على تصعيد الاستيطان في داخل الضفة الغربية المحتلة"، موضحاً أنه "بعد مصادقة الكنيست الصهيوني على ميزانية عام 2022، أصبحت الحكومة الحالية اليمينية أكثر قوة، وباتت مطمئنة أكثر من ذي قبل بأنها سوف تستمر لفترة زمنية أكبر، وهي بالتالي تريد أن تمضي في سياسة الاستيطان، وتحديداً من قبل بينت وشاكيد اللذين يمثلان التيار اليميني القوى".

يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور ناجي شراب أنّ الاستيطان الإسرائيلي بمختلف أنواعه هي سياسة مشتركة بين مختلف الحكومات الصهيونية

ولفت إلى أنه "على الرغم من الاستيطان وتداعياته على الأرض الفلسطينية فلا يمكن الحديث على أنّ هناك دولة باتت للمستوطنين بالضفة الغربية، في حين يحول هذا الاستيطان دون قيام الدولة الفلسطينية بأي حال من الأحوال، بعد اجهاض الاحتلال الإسرائيلي لهذه الفكرة في ظل استمراره بسياسته المتمثلة بزيادة الاستيطان والمستوطنات بشكل متسارع، حتى أصبحت المستوطنات في الضفة والقدس تضم ما يقارب من مليون مستوطن صهيوني".

 

اقرأ أيضاً: هذه أبرز محطات الاستيطان قبل "الدولة اليهودية"

وتابع شراب أنّ "الاستيطان يتسع وينتشر بشكل أكبر في المنطقة المصنفة (ج)، وفي المستقبل القريب قد يمتد إلى منطقة غور الأردن"، مبيناً أنّ "الاستيطان يتفق مع الأيديولوجية الصهيونية التي تقوم على فكرة الأرض، باعتبار أنّ أراضي الضفة الغربية هي أراض "يهودا والسامرة" حسب المصطلح الصهيوني، وهذا دليل قاطع يتفق مع تصريحات بينت المتكررة في مناسبات متعددة بأنه لا إمكانية لقيام أي دولة فلسطينية".

حكم فلسطيني ذاتي

شراب أكد أنّ الخيار المتبقي أمام الضفة الغربية هو "الحكم الذاتي مع تمتعها بصلاحيات أقل من دولة، وبعض المميزات الاجتماعية والاقتصادية بشكل أكثر من ذي قبل، وبالتالي فإنه بدون أن تكون هناك رؤية إستراتيجية وطنية فلسطينية قوية على الأرض لتغيير الواقع الذي يقوم الاحتلال بفرضه، فإنّ إسرائيل ستمعن في ارتكاب المزيد من السياسات العنصرية بحق الفلسطينيين، ومن بينها زيادة وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي، لإقامة العديد من البؤر الاستيطانية الجديدة".

الأكاديمي الفلسطيني أسعد العويوي لـ"حفريات": السياسة الإسرائيلية على الأرض إحلالية استيطانية بحتة، ولا توجد لها أي مثيل في العالم، بحيث أصبح الصراع على الأرض هو جوهر الصراع

وتمثل الضفة الغربية القلب الاستراتيجي لدولة الاحتلال وللدولة الفلسطينية، كما يوضح شراب، ولا يمكن لإسرائيل بشكل قاطع أن تقيم دولة في القلب الإستراتيجي لها، وهي تدرك ماذا تعنى الدولة، "ولذلك فإنّ الحكومة الصهيونية اليمينية تؤمن بفكرة الوطن البديل، وهو ما قد يفسر الضغوط المفروضة على المملكة الأردنية الهاشمية للقبول بهذه الفكرة بصورة أو بأخرى".

 

اقرأ أيضاً: بتير .. جنة فلسطينية يسعى الاستيطان الإسرائيلي لجعلها جحيماً

وبين الكاتب والمحلل السياسي أنّ "إسرائيل مطمئنة حالياً في ظل عدم تعرضها لأي ضغوط دولية أو عربية وحتى فلسطينية، وهي بدت تتعامل مع الحالة الفلسطينية على أساس أنّ غزة والضفة منطقتان منفصلتان عن بعضهما البعض".

مدن استيطانية كبيرة

بدوره، يقول أستاذ القضية الفلسطينية الدكتور أسعد العويوي إنّ "الاستيطان العامودي يتسع بشكل كبير في داخل الضفة الغربية، وباتت التجمعات والبؤر الاستيطانية الصغيرة تتحول إلى مدن كبيرة، وهو واقع يفرضه الاحتلال على أجزاء كبيرة من الضفة والقدس بالقوة الغاشمة، لعزل المناطق والأحياء الفلسطينية عن بعضها البعض، حتى أصبحت المستوطنات والطرق الالتفافية تفقد المواطن الفلسطيني الشعور بالأمن".

يقول أستاذ القضية الفلسطينية الدكتور أسعد العويوي: إنّ الاستيطان العامودي يتسع بشكل كبير في داخل الضفة الغربية

ويضيف العويوي لـ "حفريات" أنّ الاستيطان سياسة إستراتيجية "لمنع قيام أي كيان فلسطيني على أي جزء من أراض فلسطين التاريخية، وبالتالي تتضاعف وتيرته في المناطق المصنفة (ج)، والتي تشكل مساحتها 61% وفق اتفاقية أوسلو والتي قامت بتقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق (أ، ب،ج)، للسيطرة والاستيلاء على غالبية مساحة الضفة، والانطلاق من خلال للسيطرة على مناطق أخرى تقع في المنطقة (أ) كما جرى مؤخراً في بلدتي بيت لحم وبيت ساحور من خلال هدم عدد من البيوت، في سياسة ممنهجة للتهجير القسري لسكانها الفلسطينيين".

ضوء أخضر أمريكي

وتابع أنّ سلطات الاحتلال تعمل كل ما بوسعها على الأرض لإقامة مستوطنات وشق طرق التفافية وغيرها من سياسات التهويد المتنوعة لمنع إقامة الدولة الفلسطينية، والتي من المستحيل اقامتها في ظل تسارع عمليات الاستيطان، وبناء المزيد من البؤر والوحدات الاستيطانية، مبيناً أنّ "إسرائيل لن تقوم على الاطلاق بتفكيك هذه المستوطنات واخلاء ما يقارب من مليون مستوطن طوعاً".

 

اقرأ أيضاً: إسرائيل تحوّل أقدم مطار فلسطيني إلى أضخم حيّ استيطاني

العويوي أوضح أنّ "الاستيطان العامودي والأفقي ماض من قبل إسرائيل سواء كانت صامتاً أو علنياً، مع عدم وجود أي قوة دولية تقوم بالضغط على الاحتلال لوقف الاستيطان، وفي ظل الضوء الأخضر الأمريكي الذي يعمد على دعم الاحتلال بكل امكانياتها العسكرية والمادية، وكذلك الموقف العربي الباهت، والذي يعطى ذلك الكيان الفرصة الكاملة لارتكاب المزيد من التهويد والاستيطان في الضفة الغربية والقدس أيضاً".

وأكد الأكاديمي الفلسطيني أنّ السياسة الإسرائيلية على الأرض "إحلالية استيطانية بحتة، ولا توجد لها أي مثيل في العالم، بحيث أصبح الصراع على الأرض هو جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، منذ إطلاق الحركة الصهيونية، وما حدث بعدها من إقامة مستوطنات، وزيادة أعداد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية