البرلمان الأوروبي يصدر تقريراً عن الخريطة الإخوانية في أوروبا الغربية

البرلمان الأوروبي يصدر تقريراً عن الخريطة الإخوانية في أوروبا الغربية


06/12/2021

"شبكات الإخوان المسلمين في أوروبا"، هو عنوان أحدث تقرير رسمي صادر عن البرلمان الأوروبي ومقره ستراسبورغ، ومؤرخ في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وصدر عن مجموعة "الهوية والديمقراطية: ولاية 2019 ــ 2024"، التابعة للمؤسسة.

جاء التقرير المركز في 64 صفحة، مع غلاف دال يتضمن صورة لشعار الجماعة بالأخضر، وهو اللون نفسه الذي طغى على ألوان جميع العناوين الرئيسية والعناوين الفرعية للتقرير، كأنه أمر مقصود من أجل إثارة انتباه المتلقي، والموزع على اتجاهين اثنين:

ــ الاتجاه الأول يهم دوائر صناعة القرار في القارة الأوروبية، وخاصة في الدول العشرة التي اشتغل عليها التقرير، أما الاتجاه الثاني، فيتعلق بالرأي العام والمتتبعين، من إعلاميين وباحثين ومراكز بحثية ومنظمات أهلية وغيرها.

غلاف دال يتضمن صورة لشعار الجماعة بالأخضر

ما يلفت الانتباه هنا، بالرغم من بعض الملاحظات على التقرير، أنها سابقة من نوعها بأن تنشر مجموعة برلمانية تابعة للبرلمان الأوروبي تقريراً مباشراً وصريحاً حول المشروع الإخواني في القارة؛ لأن السائد سابقاً، مع عدة تقارير، كان يهم نشر تقارير ذات صلة بقضايا الهجرة، الجاليات المسلمة، الإدماج، العنصرية، أو التطرف الديني، ومنه ظاهرة "التطرف العنيف"، بينما كان تعامل المؤسسة نفسها وباقي المؤسسات البرلمانية الأوروبية مع الحركات والمنظمات الإخوانية، يندرج في سياق تصنيفها ضمن خانة منظمات العمل الأهلي، وبالتالي كانت بعيدة عن إثارة اهتمام وانتباه دوائر صناع القرار في المؤسسات التشريعية الأوروبية ومعها المؤسسات التشريعية الخاصة بدول أوروبية، كما جرى منذ سنة في الحالة الفرنسية، عندما صدر تقرير رسمي عن مجلس الشيوخ الفرنسي، حول "الخريطة الإسلاموية في فرنسا" (صدر التقرير عن لجنة التحقيق بمجلس الشيوخ الفرنسي، وجاء في 244 صفحة، وتميز بمشاركة 20 عضواً في مجلس الشيوخ، وأشرف عليه حكيم القروي، الذي عيّنه الرئيس الفرنسي منذ سنوات، من أجل التفكير في تنظيم وهيكلة المؤسسات الإسلامية في فرنسا).

 

ما يلفت الانتباه أنها سابقة من نوعها بأن تنشر مجموعة برلمانية تابعة للبرلمان الأوروبي تقريراً مباشراً وصريحاً حول المشروع الإخواني في القارة

ينهل التقرير من مرجعية يمينية صريحة، كما يتضح ذلك من خلال عدة مؤشرات، منها أن محررة مقدمة التقرير البرلمانية الأوروبية فرجيني جورون، وهي نائبة برلمانية عن "مجموعة الهوية والديمقراطية"، وعضوة في حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي، وهو الحزب الذي تقوده مارين لوبين، أحد رموز اليمين السياسي الفرنسي والأوروبي؛ أما المؤشر الثاني، فمرتبط بطبيعة المراجع التي اعتمدها التقرير، وعددها اثنا عشر مرجعاً بالضبط، وإذا تركنا جانباً المراجع المحسوبة على "المرجعية الإسلامية"، من قبيل كتاب "الحلال والحرام" ليوسف القرضاوي (1998، النسخة الفرنسية)، كتاب "الإخوان المسلمين من الجذور إلى اليوم لعمرو الشوبكي (2009، بالفرنسية)، كتاب "لماذا توقفت أن أكون إسلامياً" لفريد عبد الكريم (2015، بالفرنسية)، أو كتاب "لماذا انفصلت عن الإخوان المسلمين" لمحمد لويزي (2016، بالفرنسية)، أو كتاب "التقية" لمحمد السيفاوي (2019، بالفرنسية)، فإن أغلب المراجع الصادرة عن المرجعية الثقافية الفرنسية محسوبة على المرجعية اليمينية، من قبيل كتاب "المساجد المتشددة" لخواكيم فليكاس (2016، بالفرنسية)، أو كتاب "مشروع واستراتيجية الغزو والاختراق عند الإخوان المسلمين"، وهو عمل مشترك لألكسندر ديال فال وإيمانويل رازافي (2019، بالفرنسية)، وهذه إحدى المؤاخذات على التقرير، لأنه كان ممكناً الاستعانة بمضامين أعمال أخرى موازية، لا علاقة لها بالمرجعية اليمينية، وتشتغل على الظاهرة الإخوانية في أوروبا، من قبيل أعمال أوليفيه روا أو حواس سنيقر أو جوسلين سيزاري أو سمير أمغار أو محمد علي العدراوي ضمن أسماء أخرى، وليس صدفة أن بعض هذه الأسماء، كانت حاضرة في ملف مجلة "الدبلوماسي" الفرنسية (العدد 64، تشرين الأول/ أكتوبرـ تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وعنوانه "جيواستراتيجية الإسلام"، على هامش الخوض في ظاهرة الإسلاموية: الدعوية والسياسية والجهادية.

وجاء الاستثناء في لائحة المراجع مع إصدارين: الأول عبارة عن إصدار بحثي مرجعي في الاشتغال على الموضوع، لمؤلفه لورينزو فيدينو، بعنوان "الإخوان المسلمون الجدد في الغرب" (صدر سنة 2010 بالإنجليزية، وصدرت ترجمته إلى العربية في سنة 2020)، والثاني عبارة عن تحقيق صحفي أنجزه جورج مالبرونو وكريستيان شينو، تحت عنوان "أوراق قطر" (2019، بالفرنسية).

اقرأ أيضاً: الخروج من الجحيم.. منشقة عن الإخوان تروي سنوات "العبودية" بالجماعة

توزعت محاور الكتاب على مقدمة، وستة فصول وخاتمة تضمنت مجموعة خلاصات، وجاءت عناوين الفصول كالتالي: العقيدة، مشروع التمكين، البنية الأوروبية، البنيات الوطنية، التمويلات، الشهادات، وأخيراً خاتمة من صفحتين، تتضمن عدة نقاط نقدية موجهة ضد الهواجس الإخوانية في الساحة الأوروبية، من قبيل تأسيس مجتمعات مضادة عبر بوابة مساجد ومنظمات أهلية ومدارس ومراكز ثقافية، مع وقفات نقدية ضد بعض المنتخبين الذين يرفضون التصدي لهذا الاختراق أو الذين تورطوا في علاقات صداقة وتحالفات مع المشروع، لاعتبارات سياسية أو مالية، من قبيل تبعات شراء أندية رياضية، إضافة إلى توجيه انتقادات إلى بعض الحكومات الأوروبية.

اقرأ أيضاً: صراعات الأجنحة تعمق انقسامات "الإخوان" المصريين

أشارت مقدمة التقرير التي حررتها النائبة اليمينية فرجيني جورون، إلى أن الأمر يتعلق بـ"دراسة موجهة إلى المسؤولين السياسيين، تتضمن وقائع وشهادات ووثائق وأسماء وأرقاماً، من أجل أخذ فكرة عن طبيعة مشروع يتحقق أمام أعيننا، عنوانه أسلمة أوروبا". (ص 5)، أما مضامين التقرير، فقد أشرف عليها الكاتب الفرنسي كونستانتان بيكرامينوس، وهو باحث متخصص في الشأن التركي.

افتتح التقرير بثلاث شهادات لكل من محمد مهدي عاكف (حول هدف الإخوان المسلمين: "تأسيس دول إسلامية عالمية")، ويوسف القرضاوي (يتحدث فيها عن غزو أوروبا دون اللجوء إلى السيف، وإنما عبر الدعوة والأفكار) ومخلوف مميش (قيادي إخواني فرنسا، ويتحدث عن دور العمل السري في أداء إخوان فرنسا).

اقرأ أيضاً: منظمات الإخوان تكثف نشاطها في أمريكا.. ما سر التوقيت؟

بخصوص الشهادات التي تضمنها التقرير، فقد همّت على الخصوص أعضاء سابقين في المشروع، وخصّت بالتحديد الثنائي محمد لويزي وفريد عبد الكريم، وجاءت موزعة على أربعة صفحات، وكلاهما قضى خمس عشرة سنة مع المشروع قبل الانفصال عنه، وتكمن أهمية هذه الشهادات في أنها صادرة عن "أبناء الداخل" في مرحلة سابقة، وبالتالي، لديهم رؤية تنظيمية لا نجدها إجمالاً عند أغلب الباحثين والإعلاميين الذين يشتغلون على الظاهرة من الخارج.

 

حظيت كل دولة في التقرير بوقفة عند أهم الرموز الإسلامية المصنفة في دائرة الإخوان أو المقربة من المشروع، مع استعراض أهم المؤسسات التعليمية والثقافية التي تدور في فلك الجماعة

 

أما الدول التي توقف عندها التقرير، من خلال عرض معالم الحضور الإخواني في الجمعيات والمنظمات، فهي عشرة بالضبط، ويتعلق الأمر بفرنسا وسويسرا وألمانيا والنمسا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وإيرلندا وإيطاليا وإسبانيا. وهكذا حظيت كل دولة في التقرير بوقفة عند أهم الرموز الإسلامية المصنفة في دائرة الإخوان أو المقربة من المشروع، مع استعراض أهم المؤسسات التعليمية والثقافية التي تدور في فلك الجماعة، مع تباين في طبيعة الأداء والحضور، فمثلاً، في الساحة الفرنسية والإسبانية والإيطالية والبلجيكية، كانت الغلبة في الحضور الإخواني لقيادات وأعضاء من دول المغرب العربي، وخاصة من تونس والمغرب، بينما الغلبة في الحضور الإسلامي الحركي بألمانيا، تعود لرموز تركية، بحكم وجود أكبر نسبة من الجالية التركية في دول أوروبا الغربية.

بخصوص محور التمويل، وجاء دون تفصيل ولكن من خلال إشارات (ص 54)، فقد خصّ التقرير كلاً من قطر عبر مؤسسة "قطر الخيرية" وتركيا عبر بوابة حركة "ميلي غورس" التركية، التي تعتبر البوابة الإسلامية التركية في أوروبا الغربية، أو النسخة التركية للظاهرة الإسلاموية في القارة.

اقرأ أيضاً: "محاضن التربية" عند "الإخوان المسلمين"

من الملاحظات على مضامين التقرير، أنه توقف عند مفهوم "التقية"، على هامش الخوض في الأداء الإخواني في كل من بلجيكا وهولندا (42-45)، وهذا موضوع كان غائباً في أغلب الدراسات والمتابعات الإعلامية التي كانت تتطرق لموضوع الحركات الإسلامية، الإخوانية بالتحديد، في الساحة الأوروبية، ونادرة هي الإصدارات البحثية الأوروبية التي تطرقت إلى الموضوع، لذلك نقرأ في مراجع التقرير إحالة على كتاب يحمل عنوان "التقية".

اقرأ أيضاً: علماء الإخوان ينحازون إلى منير... هل ينصاع حسين وموالوه؟

حضرت العديد من المفاهيم المتداولة في أدبيات الإخوان وحتى بعض الأدبيات السلفية في مضامين التقرير، من قبيل ثنائية "دار الإسلام" و"دار الحرب"، "التمكين"، بعض أعمال حسن البنا كما جاءت في مجموع الرسائل، مع تشديد على أنّ هدف الحركات الإسلامية شكل عام لا يخرج عن "أسلمة الدولة والمجتمع" (ص 16)، وكانت هناك وقفة عابرة مع بعض المفاهيم المتداولة بالحركات الإسلامية الجهادية، من قبيل "جهاد الدفع"، "جهاد الطلب"، الجزية"، لكن دون التفصيل أكثر في الظاهرة، والأمر نفسه مع الوقفات الخاصة بالتيار السلفي، لأن التقرير كان مخصصاً لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا.

من بين المؤاخذات على التقرير أيضاً، الخلط بين مرجعية بعض الأسماء الإسلامية في الساحة الفرنسية مقارنة مع مرجعية أتباع الخطاب الإخواني، فإذا كان متوقعاً إدراج أسماء من قبيل هاني رمضان وعبد الله بن منصور وأحمد جاب الله ونبيل الناصري وأسماء أخرى في المشهد الإخواني، فالأمر مختلف مع أسماء أخرى، من قبيل إدراج إسم غالب بن الشيخ، الذي لا علاقة له قط بالمشروع، بل إنه أحد معارضيه، ويشغل منصب رئيس مؤسسة "إسلام فرنسا"، ويراهن كثيراً على العمل الثقافي والفكري ولقاء النخبة الفكرية والبحثية الفرنسية في معرض الاشتغال على موضوع تجديد الخطاب الديني، حتى إنه كان من مؤيدي خطاب الرئيس الفرنسي المؤرخ في 20 تشرين الثاني (أكتوبر) 2020 حول "الانفصالية الإسلاموية"، لأنه اعتبر حينها أنه "لأول مرة يقرن فيها مسؤول فرنسي الاستراتيجية الأمنية لمواجهة التطرف الديني باستراتيجية تربوية وثقافية".

اقرأ أيضاً: "الإخوان" قرب النهاية

كما اعتمد التقرير كذلك على مجموعة متابعات إعلامية في معرض تناول الظاهرة الإخوانية على الصعيد الأوروبي، من قبيل التوقف عند بعض تفاصيل قضية طارق رمضان التي أفضت إلى متابعة قضائية، بينما غابت عن التقرير مجموعة إصدارات بحثية تطرقت بتفصيل أكثر للظاهرة، سواء تعلق الأمر بإصدارات تهم الأقلام الفرنسية التي تخصصت أكثر في الموضوع، بصرف النظر عن التباين في مضامين تلك الإصدارات، أو أقلام أوروبية أخرى، وخاصة الأقلام الألمانية والبريطانية والإسبانية.

وإجمالاً، وبعد تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي حول "الإسلاموية الفرنسية" الصادر في صيف 2020، نعاين سابقة جديدة حول الظاهرة نفسها، في شقها الإخواني، أي صدور تقرير حول الملف عن مؤسسة البرلمان الأوروبي، وهذه إصدارات لم نكن نعاينها من قبل، حيث كانت أغلب الإصدارات البحثية والمتابعات الإعلامية، موازاة مع بعض التقارير الصادرة عن المؤسسات التشريعية، تتطرق أكثر لظاهرة "التطرف العنيف" أو للتيار السلفي، أو تتحدث بشكل عام عن الإسلاموية الأوروبية، بينما الأمر مختلف هنا مع تقارير مخصصة للمشروع الإخواني.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية