"التجمع السوري لطرد الأتراك".. كيف غير "احتلال الشمال" أولويات الأكراد؟

"التجمع السوري لطرد الأتراك".. كيف غير "احتلال الشمال" أولويات الأكراد؟


08/07/2020

دشّن ناشطون أكراد، عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، منصة جديدة لكشف جرائم الاحتلال التركي للشمال السوري، خصوصاً منطقة عفرين، تحت اسم "التجمّع السوري لطرد الأتراك".

وعلى خلاف المنصات الأخرى التي تعمل على فضح انتهاكات الميليشيات المسلحة المدعومة والخاضعة للإشراف المباشر من تركيا، فإنّ لتلك المنصة خصوصية نابعة من الاسم والانتشار.

 "التجمع السوري لطرد الأتراك" يُنحي جانباً قضية العرق إلى الانتماء الأكبر حيث سوريا، في إعادة لتجسيد المعاني المصاحبة للاحتلال التقليدي القديم

يتابع المنصّة أكثر من 200 ألف شخص، والنافذة التويترية هي جزء من مشروع إعلامي متكامل يضمّ موقعاً إخبارياً ومنصّات أخرى عبر مواقع التواصل.

وربّما يعود حجم المتابعة اللافتة، مقارنة بمنصّات كردية أخرى بالعربية، إلى الاسم: "التجمّع السوري لطرد الأتراك"، والذي يُنحّي جانباً قضية العرق إلى الانتماء الأكبر حيث سوريا، في إعادة لتجسيد المعاني المصاحبة للاحتلال التقليدي القديم، والذي بمجرّد أن يحلّ، يتجاوز أبناء الدولة المطالب الفئوية والقبلية والعرقية لصالح هدف أكبر، وهو مواجهة المحتل.

والشعور بأنّ الحضور التركي في الشمال السوري احتلال، ليس تعبيراً مجازياً، وإنما هو جوهر ما يعانيه الأكراد والسوريون عموماً، في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي بالوكالة، عبر الميليشيات، حيث يتعرّض الأهالي لفرض إتاوات، وتهجير من منازلهم، وتنكيل، واعتقال، في إعادة لكلّ الأفعال التي صاحبت فعل الاحتلال على مدار عقود.

اقرأ أيضاً: الطربوش العثماني في ليبيا

وبتلك المنصّة، يدحض الأكراد مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن توجّهاتهم الانفصالية، سواء في بلده تركيا، التي يواجه فيها الأكراد معاملة ليست بأقل ممّا يلاقيه أكراد سوريا، أو في الشمال السوري، حيث برّر تدخله العسكري فيها قبل عامين، عبر عملية "غصن الزيتون".

وبثت الصفحة أول هاشتاغ لها ليدعم كلّ ما سبق، حيث صيغ باللكنة السورية، وليس الكردية، "#أردوغان_حل_عنا"، وكذلك لوغو الصفحة حيث رسم كاريكاتيري لسوري يركل تركيّاً. 

المنصة تدحض مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن توجهات الأكراد الانفصالية

وكان الأكراد يسعون إلى فرض إدارة ذاتية لمناطقهم في الشمال، بعد تفاهمات مع النظام السوري، بحيث يصبح الحكم في منطقتهم فيدرالياً وليس انفصالياً.

وظلت الولايات المتحدة تدعم الأكرد وتنظيم "قسد" لمواجهة داعش والجماعات المسلحة في سوريا، والتي تدعمها تركيا، غير أنّه بمجرّد أن توصلت واشنطن وأنقرة لتفاهمات، تخلّت الأولى عن الأكراد، ليواجهوا منفردين القمع التركي.

وفيما تملك تركيا آلة إعلامية ضخمة لتزييف انتهاكاتها، فإنّ الأكراد يواجهون الاحتلال التركي منفردين، بجهود ذاتية للأهالي والنشطاء ممّن يخوضون مقاومة تذكّر بالمقاومة التاريخية للمحتلين.

التهجير

يكشف "التجمّع السوري لطرد الأتراك" عن تزايد حالات خطف "فتيات قاصرات" في عفرين من قبل مسلّحي الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، ثمّ إكراههن على الزواج  بتوجيهات مباشرة من الاستخبارات التركية، وذلك لإجبارهن على التهجير القسري لترك منازلهن وممتلكاتهن، ليحلّ محلهن مستوطنو وعوائل مسلّحي المحتل التركي.   

ويخضع الشمال السوري، خصوصاً عفرين، على نحو ممنهج، لعمليات "تغيير ديموغرافي، عبر توطين التركمان والمسلحين محلّ النازحين الأكراد، ومنع استخدام اللغة الكردية في المدارس والمصالح الحكومية، وتغيير أسماء الشوارع من كردية إلى تركية.

وبلغ عدد المهجّرين قسراً من أكراد عفرين، حتى كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، نحو 250 ألف شخص، بحسب مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، من بينهم قرابة 70 ألف طفل و٤٥ ألف امرأة.

اقرأ أيضاً: بين الموت والقهر.. تركيا وميليشياتها تواصل تعذيب السوريين

ويضمّ المهجّرون من عفرين أكثر من ٥ آلاف لاجئ إلى خارج سوريا، ونحو ١٤٥ ألف نازح داخلي، من بينهم ٦٠ ألف نازح يشكّلون ١٢٥٠٠عائلة في مخيّمات منطقة الشهباء (برخدان، وسردم، وعفرين، والشهباء) شمال حلب.

في غضون ذلك، حذّر التجمّع السوري لطرد الأتراك من المخطط التركي برعاية مخابراتية، لتحويل محافظة إدلب لبؤرة إرهابية، بذريعة مواجهة الأكراد، ودعم نفوذها في سوريا والتغلغل من خلالها إلى العمق السوري، وتهديد أمن المحافظات الأخرى القريبة منها مثل؛ حلب واللاذقية وحمص وحماة.

وفي السياق ذاته، لفت المجلس الوطني الكردي في سوريا إلى مخطط تركيا الذي بدأت في تنفيذه بتوطين النازحين من مناطق إدلب التي تشهد معارك دامية منذ أسابيع، في قرى عفرين الكردية.

ووصف المجلس الكردي، بحسب موقع الأهالي ريبورت، المخطط بالاستكمال لعملية التغيير الديموغرافي التي تقوم بها المجموعات المسلحة، ضدّ الوجود الكردي التاريخي هناك، وهي التي تمنع أهالي المنطقة الأصليين من العودة إلى ديارهم.

إلى ذلك، نقل موقع التجمّع السوري مقاطع مصوّرة لانتهاكات الميليشيات المسلحة الموالية لتركيا للأكراد في عفرين، إحداها لشاب كردي يتلقى ركلات وضرباً متتالياً من عدد من عناصر الميليشيات.

اقرأ أيضاً: كيف استخدمت تركيا المريدية والإخوان في اختراق المجتمعات الكردية؟

ونقل التجمّع عن المرصد السوري لحقوق الإنسان استمرار الانتهاكات في حقّ أكراد عفرين، ممّن يعيشون أوضاعاً "مأساوية"، نتيجة الممارسات التركية، لافتاً إلى منح الحكومة التركية الضوء الأخضر للفصائل الموالية لها، للاستيلاء على منازل الأكراد ومحالهم التجارية، وبيع أملاكهم بأسعار رمزية، لإجبارهم على الهجرة من منطقة الشمال السوري.

كما رصد المرصد إطلاق الفصائل المسلحة الموالية لتركيا قذائف وصواريخ استهدفت قريتي حربل وشيخ عيسى، وهي مناطق انتشار القوات الكردية شمال حلب، في إطار مخطط تركيا لتغيير ديموغرافية الشمال.

الحراك الخارجي

ويُعنى التجمّع السوري بنقل الحراك الخارجي المناهض للانتهاكات التركية، ما يمثل مزيداً من الضغوطات على تركيا، التي بات مشروعها التوسعي "سيّئ السمعة" جماهيرياً حول العالم.

وقد نظّم عدد من النشطاء الأكرد أمس مسيرة حاشدة في العاصمة اليونانية أثينا، لإدانة هجمات تركيا على الأكراد في سوريا.

تملك تركيا آلة إعلامية ضخمة لتزييف انتهاكاتها، فالأكراد يواجهون الاحتلال التركي منفردين، بجهود ذاتية للأهالي والنشطاء

وتجوّلت المسيرة في شوارع أثينا الرئيسية مردّدة: أردوغان حل عنّا، في وجود الشرطة، بحسب موقع التجمّع السوري لطرد الأتراك.

وسبقت مسيرة أثينا تظاهرة أخرى في ألمانيا.

وفيما يغوص الرئيس التركي في مضمار حلم "عودة الاحتلال العثماني" إلى منطقة الشرق الأوسط، يتناسى أنّ ثمّة سبلاً جديدة للمواجهة، ويتجاهل دور مثل تلك المنصّات والنشطاء في كشف الوجه القبيح لتحرّكاته، وهي وسائل لم تكن متاحة خلال الحقب الاستعمارية التاريخية، ورغم ذلك، رحل المحتلون وبقيت الشعوب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية