التصويت العقابي يطيح إخوان المغرب في الانتخابات التشريعية

التصويت العقابي يطيح إخوان المغرب في الانتخابات التشريعية


09/09/2021

صدقت توقعات المراقبين المغاربة بهزيمة مدوية لحزب العدالة والتنمية الإخواني، بدرجة لم يتخيلها أحد، بعد أن تراجعت حصيلة الحزب البرلمانية من 125 مقعداً في الاستحقاق الانتخابي السابق، إلى 12 مقعداً فقط في الانتخابات التي جرت أمس، وهي نتيجة لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعها للحزب.

وتصدر حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة عبد العزيز أخنوش النتائج الانتخابية بحصوله على 97 مقعداً، وحل حزب الأصالة والمعاصرة في المرتبة الثانية بـ 82 مقعداً، ثم حزب الاستقلال بواقع 78 مقعداً، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 50,35 % وفق ما أعلن وزير الداخلية، وتعتبر النسبة الأكبر منذ تعديل الدستور في 2011.

نهاية إخوان المغرب

"لنمنحهم فرصة"؛ كانت هذه العبارة المفتاح الذهبي الذي فتح باب الدعم الشعبي أمام أحزاب الإخوان المسلمين منذ عام 2011، كونها لم تكن جُربت في السلطة بعد، في ظلّ استياء شعبي واسع لعقود من الأحزاب السياسية التي تصدّرت مشهد السلطة في معظم البلاد العربية، التي تعرضت لتصويت عقابي واسع، حين تغيّرت معادلة الحياة السياسية نسبياً في عدد من الدول العربية.

اقرأ أيضاً: إسلاميو المغرب... الارتطام بقعر سياسي عميق

وتقدّم تجربة المغرب السياسية أنموذجاً فريداً في المنطقة لاختبار تجربة الحكم لحزب الإخوان المسلمين، العدالة والتنمية، بعد أن تصدّر الحزب انتخابات عامَي 2011 و2016، وشكل الحكومة لمدة 10 أعوام، وأدار الشأن العام. وبنى الإخوان شعبيتهم على ثنائية الدين ونقد الآخر، مع تقديم وعود كبرى بإصلاح ما أفسده الآخرون من قبلهم، لكن بعد 10 أعوام لم يدرك الإخوان أنّهم صاروا الآخر والسلطة بالنسبة إلى الشعب، وبات المفتاح الذهبي الذي أوصلهم للحكم مرتين غير صالح للاستخدام، بعد أن خيبوا آمال الذين دعموهم سابقاً.

الأمين العام لحزب البيجيدي، سعد الدين العثماني، في جولة انتخابية

وكان قطار الانتخابات في المغرب قد انطلق في حزيران (يونيو) الماضي، بداية بمحطة انتخابات المأجورين (العمال)، ثم تبعتها انتخابات الغرف المهنية، في السادس من شهر آب (أغسطس) الماضي.

وبحسب دستور 2011 المعدّل في المغرب؛ يُكلّف الملك الأمين العام للحزب المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية بتشكيل الحكومة، والتي كانت من نصيب حزب العدالة والتنمية الإخواني (البيجيدي) منذ عام 2011، الذي شهد إجراء أول انتخابات عامّة بعد تعديل الدستور.

وتراجعت حصيلة حزب البيجيدي في الانتخابات النقابية والمهنية، عن نتائج الدورتين السابقتين، وهو ما عدّه مراقبون مؤشراً على تراجع شعبية الحزب بشكل نسبي، وجاءت أزمة التزكيات الداخلية للمرشحين في الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية داخل الحزب، والتي استقال إثرها العشرات من القيادات والأعضاء، لتكشف استفحال الأزمة الداخلية، والتي تسبّبت في تراجع عدد مرشحي الحزب للانتخابات عن الدورتين السابقتين، وجميعها مؤشرات تكشف تضاؤل فرص الحزب في صدارة الانتخابات.

المحلل السياسي عمر الشرقاوي، لـ "حفريات": حزب العدالة والتنمية استسلم بالفعل لمصير الهزيمة الحتمية، لكنّه يريد أن يُلبس نكسته رداء المظلومية والضحية

ومقابل ذلك تشهد الأحزاب السياسية المغربية نهضة ملحوظة، ظهرت من خلال الدفع بوجوه شبابية للترشح على القوائم الانتخابية، وزيادة عدد المرشحين بشكل كبير، خصوصاً لحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، ما خلق بدائل أمام الناخبين الغاضبين من إدارة البيجيدي للشأن العام.

ويقول المحلل السياسي، وأستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية، عمر الشرقاوي؛ حزب العدالة والتنمية استسلم بالفعل حتى قبل الوصول ليوم الاقتراع لمصير الهزيمة الحتمية، لكنّه يريد أن يُلبس نكسته رداء المظلومية والضحية، ويغلفها بسرديات المؤامرات والدسائس والمكائد التي تحاك في الخفاء ضدّه من كلّ حدب وصوب؛ لذلك حينما فقد حزب المصباح (شعار الحزب) أكثر من 8000 مرشّح مقارنة مع الاستحقاقات السابقة، فهو لم يكلف نفسه عناء معالجة الأسباب الداخلية التي جعلت مناضليه يفرون طواعية بجلدهم السياسي إلى أحزاب أخرى، أو التواري إلى الخلف، بل فضّل رمي المسؤولية على رجال السلطة والأحزاب المنافسة والمشوشين.

المحلل السياسي المغربي عمر الشرقاوي

وأردف الشرقاوي، في حديثه لـ "حفريات"؛ يعلم الحزب الحاكم قبل غيره أنّ العطب داخلي، وصراعه الحقيقي ليس مع المقدمين والقياد والقاسم الانتخابي والعتبة وعزيز أخنوش (رئيس حزب الأحرار)، بل مع امتداد رقعة الكولسة والديمقراطية الوهمية ومنطق الزبونية، التي تحاول قيادة الحزب شرعنتها بأساليب أخلاقوية كي يبقى التنظيم تحت هيمنتها لأطول فترة ممكنة.

التصويت العقابي

وشهدت الأعوام العشرة الماضية التي قاد فيها الإخوان البلاد قرارات اقتصادية قاسية، دفع المواطن المغربي ثمنها في مجالات التعليم والتقاعد والأجور والطاقة، إلى جانب استشراء الفساد بين المسؤولين المحسوبين على الحزب الإخواني الحاكم، في الوقت الذي كان شعار مكافحة الفساد على رأس أولوياته في الدعاية الانتخابية.

ويرصد الفاعل السياسي اليساري، حميد باجو، القرارات التي أغضبت المغاربة من حكم الإخوان، ويقول؛ حزب العدالة والتنمية وصل الى الحكومة عام 2011  في سياق موجة الربيع العربي، وحراك 20 فبراير في المغرب، الذي وقف ضده هذا الحزب حتى يكسب ثقة الملك، وبالرغم من أنّه حاز على على أغلبية مريحة من الأصوات، مما جعله يترأس الحكومة، إلا أنّ أبرز ما يؤخذ عليه كان الافتقاد إلى الخبرة في التسيير، وضعف الكفاءات الإدارية، ما جعل كلّ القطاعات والمدن التي كان يشرف عليها تعرف فوضى ورداءة في التسيير.

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب فاز حزب "الأحرار" وخسر "العدالة والتنمية" في انتخابات المغرب

وأضاف باجو، لـ "حفريات"؛ خسر البيجيدي لأنه لم يملك برنامجاً اقتصادياً أو مشروعاً مجتمعياً واضحاً، باستثناء بعض الشعارات العامة عن التخليق والهوية الإسلامية للبلاد، ما جعل المراكز المقررة فعلياً في سياسة الدولة يستمرون في فعل ما كانوا يقومون به نفسه، وكأنّ شيئاً لم يتغيّر في المشهد الحزبي، بل استُخدم الحزب لسذاجته وجشعه في تمرير أقصى القرارات النيوليبرالية والمضرة بالفئات الشعبية والوسطى، والتي لم تجرؤ حكومة سابقة على تمريرها.

ومن هذه القرارات؛ رفع الدعم عن سلع ضرورية، مثل السكر والدقيق والمحروقات، ورفع سنّ التقاعد، وإلغاء التعيين في الوظائف التعليمية واستبدالها بتعاقدات محددة، والتطبيع وتقنين الكيف، وغيرها من القرارات التي همّشت الطبقة الوسطى، وزدات الأعباء الحياتية على المواطنين.

ويرى باجو؛ أنّ حزب الإخوان الذي حصد الأصوات بسبب التصويت العقابي ضدّ الأحزاب السياسية سابقاً، فقد كل مقاعده للسبب نفسه.

حزب الأحرار يتصدر

وشنّت قيادات من حزب البيجدي هجوماً لاذعاً على الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، عبد العزيز أخنوش، واتّهم الأمين العام السابق للبيجيدي ورئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، أخنوش بتوظيف المال السياسي لشراء الأصوات، فضلاً عن اتهامات بالفساد المالي والسياسي.

الناشط السياسي اليساري، حميد باجو

 وفسّر المتابعون المغاربة هذا الهجوم الشديد على أخنوش، الذي كان شريكاً للبيجدي في الحكومتين السابقتين، بالخوف من تصدّر حزب الأحرار للانتخابات البرلمانية، وتشكيل أخنوش للحكومة.

وفي الوقت الذي انشغل فيه الإخوان بالهجوم على حزب الأحرار، انشغل الأخير بتقديم برنامج انتخابي، والدفع بوجوه شابة في لوائحه الانتخابية، التي غطّت كامل التراب الوطني، وفي تصريحات سابقة توقع الفاعل السياسي اليساري، حميد باجو؛ أن تتراجع حصة البيجيدي من المقاعد في الاستحقاق الحالي، وسيذهب فارق هذه المقاعد إلى حزب الأحرار والأصالة والمعاصرة، ورجّح أن يتصدّر الأحرار النتائج، ويشكّل زعيمه أخنوش الحكومة القادمة.

الناشط السياسي حميد باجو لـ "حفريات": حزب الإخوان الذي حصد الأصوات بسبب التصويت العقابي ضدّ الأحزاب السياسية سابقاً، فقدها اليوم للسبب نفسه

ومن جانبه، قال المحلل السياسي، عمر الشرقاوي: كلّ ما يفعله ويقوله قادة حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة، من رمي وزارة الداخلية باتهامات الضغط على مرشحيه، واتهام حليفه الحالي التجمع الوطني للأحرار بشراء المرشحين وشيطنة أخنوش، لا يعدو أن يكون مجرد رقصة الديك المذبوح التي تمهد للهزيمة الانتخابية، وعودة الحزب الحاكم إلى حجمه الانتخابي الطبيعي، بعد أن استفاد لمدة عشرة أعوام من وضع انتخابي فرضه سياق إقليمي ووطني.

وشهد الاستحقاق الانتخابي المغربي زيادة كبيرة في نسبة الناخبين والمرشحين والدعم الحكومي للانتخابات، بزيادة كبيرة وصلت إلى 20 % عن الاستحقاقات السابقة، كما زادت نسبة النساء المترشحات للانتخابات في الانتخابات الجماعية بنسبة 30%، وارتفع عدد مرشحي كلّ الأحزاب السياسية الكبرى باستثناء حزب العدالة والتنمية.

رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عبد العزيز أخنوش، في مؤتمر انتخابي

وشهد هذا الاستحقاق تطبيق القاسم الانتخابي الجديد، والذي على أساسه سيتم حساب عدد الأصوات المطلوبة لنيل مقعد برلماني بناء على عدد الناخبين المسجلين في القوائم، بدلاً من عدد الأصوات الصحيحة، كما هو معمول به في جميع النظم الانتخابية.

وكان القاسم الانتخابي قد أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية المغربية، ورفض حزب العدالة والتنمية الإخواني تمريره، تذرعاً بأنّ الهدف منه الانتقاص من حصة الحزب البرلمانية، ومع تفجر الخلافات الداخلية في الحزب، وصعود الأحزاب المنافسة، لم يعد القاسم الانتخابي يشكّل مأزقاً لحزب الإخوان، بل ربما بات يمثّل مأزقاً للأحزاب الكبرى المنافسة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية