التعاون الدفاعي بين تركيا والولايات المتحدة... هل يعود إلى سابق عهده؟

التعاون الدفاعي بين تركيا والولايات المتحدة... هل يعود إلى سابق عهده؟


23/11/2021

جاء لقاء بايدن وأردوغان على هامش اجتماع قمة الـ20 في روما، في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ليفتح باب التساؤلات حول إمكانية أن يكون بدايةً لتحريك مياه العلاقات التركية الأمريكية وإعادة الدفء إليها، وتحديداً على المستوى العسكري والدفاعي، وذلك في ظل تزايد التساؤلات عن مصير أزمة صفقة الـ "S-400" مع الإصرار التركي على المضيّ بها؛ وما تبعه من إنهاء للمشاركة التركية في برنامج مقاتلات "F-35"، وفرض عقوبات أمريكية على تركيا.

صفقة الـ (S-400) وتبعاتها

طوال (3) عقود حاولت تركيا شراء منظومة الصواريخ الدفاعية الأمريكية "الباتريوت"، إلا أنّ المفاوضات ظلّت متعثرة، وذلك بسبب الإصرار التركي على امتلاك التكنولوجيا الحساسة المستخدمة في هذه الأنظمة، مع المطالبة بالمشاركة في تصنيعها، وهو ما استمرّ الجانب الأمريكي برفضه، مع الاكتفاء بنشر بطاريات "الباتريوت" في تركيا، كلما اشتدّت حالات التوتر في المنطقة، كما حصل عندما نشرتها عام 2013 إثر اشتداد القتال في جارتها سوريا.

كانت تركيا شريكاً في برنامج تطوير وصناعة المقاتلة الشبحيّة "F-35" منذ إطلاقه من قبل شركة "لوكهيد مارتن"

ونتيجة للتمنّع الأمريكي، اتجهت تركيا للبحث عن خيارات بديلة لامتلاك نظام دفاع صاروخي خاص بها. وفي سياق تراجع العلاقات مع أمريكا، بعد الدعم الأمريكي المعلن للمقاتلين الأكراد في سوريا، بدءاً من العام 2015، والدور الأمريكي المشتبه به - بحسب تركيا - في محاولة الانقلاب بتركيا عام 2016، قرّر الأتراك الاتجاه نحو خيار شراء منظومة "S-400" من روسيا، وبالفعل جرى إتمام الصفقة في العام 2017.

إثر توقيع تركيا صفقة شراء منظومة الـ "S-400" الروسية في العام 2017، ومن ثمّ البدء باستلامها في العام 2019، جاء القرار الأمريكي باستبعاد تركيا من برنامج الـ " F-35"

وكانت تركيا شريكاً في برنامج تطوير وصناعة المقاتلة الشبحيّة "F-35"، منذ إطلاقه من قبل شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية في العام 2006، وكان المفترض أن تحصل على (100) طائرة منها، إلا أنه إثر توقيع تركيا صفقة شراء منظومة الـ "S-400" الروسية في العام 2017، ومن ثمّ البدء باستلامها في العام 2019، جاء القرار الأمريكي باستبعاد تركيا من برنامج الـ "F-35". ومن منظور الخبراء العسكريين الأمريكيين، فإنّ أنظمة الرادار الروسية في حال نشرها بإحدى الدول التي تستخدم طائرات "F-35"، فإنّ ذلك كفيل باختراق تقنيات التخفي للطائرة، ومن ثمّ تقويض فاعليتها القتالية وقدرتها على التخفي.

اقرأ أيضاً: سياسات أردوغان الخارجية في ظل التحولات الكبرى

ولم تتوقف التداعيات عند ذلك، ففي 16 كانون الأول (ديسمبر) 2020، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات على تركيا تحت "قانون مكافحة أعداء أمريكا" (CAATSA)، وجاء في بيان الخارجية الأمريكية: "تفرض الولايات المتحدة اليوم عقوبات على إدارة الصناعات الدفاعية في الجمهورية التركية لمشاركتها في صفقة مهمّة مع شركة "روس أوبورون إكسبورت"، وهي الكيان الرئيسي لتصدير الأسلحة في روسيا، من خلال شراء نظام صواريخ أرض-جو "S-400"، وشملت العقوبات حظر تراخيص وتصاريح صادرات السلاح الأمريكية لتركيا.

أردوغان وبوتين خلال الرحلة في المعرض الجوي الروسي عام 2019

من جهتها، اتجهت تركيا نحو المطالبة بتعويضات عن إقصائها من البرنامج الأمريكي، نظراً لدفعها خلاله مبلغ (1.4) مليار دولار. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2021، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنّ "تركيا سوف تحصل على (1.4) مليار دولار التي دفعتها في برنامج مقاتلات "F-35" بطريقة أو بأخرى"، وأكد: "لن نتنازل عن حقوق تركيا".

يبرز القلق الأمريكي والغربي من أنّ تركيا قد تشعر بأنه ليس لديها خيار آخر ليكون بديلاً عن مزيد من التوجّه للسلاح الروسي

وفي مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2021 أجرى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار اتصالاً مع نظيره الأمريكي لويد جيمس أوستين، بحثا فيه قضايا التعاون الأمني والدفاعي الثنائي. وأشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أنّ الاتصال "تناول فرص زيادة وتعزيز العلاقات الدفاعية بين واشنطن وأنقرة الطويلة الأمد، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية، ومن بينها مكافحة الإرهاب". تلا ذلك في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 إعلان وزارة الدفاع التركية انعقاد اجتماع في أنقرة مع وفد من وزارة الدفاع الأمريكية لحلّ النزاع مع الولايات المتحدة بشأن صفقة الـ "F-35"، والاتفاق على مواصلة المفاوضات، وتأسيس (3) مجموعات عمل، بهدف تقليل الهوّة في المواقف المتباينة. وصرّح المتحدث باسم البنتاغون أنطون سيميلروث بأنّ: "الاجتماع يوضح التزام حكومة الولايات المتحدة باختتام مشاركة تركيا المتقدمة في برنامج "F35" باحترام".

تلميح وتحذير

إلّا أنّ حلّ مشكلة طائرات "F-35"، بما في ذلك إعادة المبلغ الذي ساهمت به تركيا في برنامج تطويرها أو جزء منه، لن يحلّ مشكلة الطائرات المقاتلة لدى تركيا، إذ كان من المفترض أن تشكّل الـ100طائرة "F-35" العمود الفقري لقواتها الجوية في المرحلة القادمة.

جانب من أسطول طائرات "F-16" التركي

وهنا يبرز القلق الأمريكي والغربي من أنّ تركيا قد تشعر بأنه ليس لديها خيار آخر ليكون بديلاً عن مزيد من التوجه للسلاح الروسي، وهو ما ظهر فعلاً خلال رحلة أردوغان عام 2019 إلى معرض جوي روسي، حين سأل أردوغان بوتين عن شراء مقاتلات "سوخوي" من طراز "Su-57". وهو ما تطوّر إلى تصريح أردوغان في نهاية أيلول (سبتمبر) 2021، بعد محادثات في منتجع سوتشي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بأنّ "تركيا تبحث اتخاذ مزيد من الخطوات المشتركة فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية مع روسيا، في مجالات مثل محركات الطائرات والطائرات المقاتلة والغواصات".

اقرأ أيضاً: تحليل يوضح الطريقة الوحيدة لإنهاء الأزمة الاقتصادية التركية... ما علاقة أردوغان؟

ومباشرةّ بعد هذا التصريح، ردّت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكي بقولها: "ندعو تركيا على كل المستويات وعند كل الفرص إلى عدم إبقاء منظومات "S-400"، والامتناع عن شراء أيّ معدات عسكرية روسية إضافية"، وأضافت: "نؤكد ذلك بوضوح لتركيا، ونؤكد لها ما هي التبعات التي ستواجهها في حال التقدّم في هذا الاتجاه".

وبعد ذلك بنحو أسبوع، ذكرت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة أنّ تركيا قدّمت طلباً إلى الولايات المتحدة الأمريكية لشراء (40) طائرة "F-16" مقاتلة، التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن" أيضاً، إضافة إلى معدّات لتطوير مقاتلات أخرى لديها من الطائرة نفسها.

اقرأ أيضاً: هل صار ماكرون وفرنسا عقدة أردوغان؟

وفي 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، كشف رجب طيب أردوغان عن أنّ الولايات المتحدة اقترحت بيع طائرات "F-16" المقاتلة، وذلك مقابل ما قدّمته من استثمار في برنامج "F-16" قبل إقصائها منه. وبعد هذا التصريح بيومين، بدأت تصدر تقارير أمريكية تتطرّق إلى نقاشات مع تركيا لمدّها بطائرات "F-16"، وتحديث القديمة منها.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس، خلال توقيع اتفاق توسيع التعاون الدفاعي

وتمتلك تركيا نحو (280) طائرة "F-16" تمثل العمود الفقري للقوات الجوية التركية منذ بدء الحصول عليها في ثمانينيات القرن الـ20. وسوف يتعين على الجيش التركي التخلّص من معظم هذه الطائرات في غضون الأعوام الـ10المقبلة في حال عدم تحديثها وتطويرها. وتتضمن الصفقة المطروحة حالياً شراء (40) طائرة "F-16" و(80) مجموعة قطع لتحديث الطائرات، والقيمة المتوقعة للاتفاقية هي (6) مليارات دولار. وفي حال تمّت، فإنّ هذه الصفقة سوف تساعد في إصلاح العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، وتضمن منع اقتراب تركيا أكثر من روسيا.

اقرأ أيضاً: هل يخلق أردوغان أزمة تحرف الأنظار عن انهيار الليرة؟

لكن تبقى إشكالية الموافقة الأمريكية على الصفقة بسبب المعارضة المتوقعة في الكونغرس، وذلك في ظلّ عقبة قانون "كاتسا" (CAATSA)، والعقوبات المفروضة على تركيا منذ أواخر العام 2020. ففي جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في تموز (يوليو) 2021، قالت فيكتوريا نولاند نائبة وزير الخارجية الأمريكي: إنّ "الرئيس بايدن ملتزم بالإبقاء على العقوبات المفروضة على تركيا، إذا استمرّت في امتلاكها صواريخ "S-400" الروسية".

قاعدة إنجرليك... وتساؤلات عن الدور المستقبلي

وعلى صعيد علاقات التعاون الدفاعي الثنائي أيضاً، يبرز التساؤل كذلك عن دور وموقع قاعدة أنجرليك التركية مستقبلاً في الحسابات العسكرية الأمريكية على مستوى المنطقة. فمن جهة تزداد التهديدات التركية بإغلاق القاعدة أمام التواجد الأمريكي - كما حصل عند اعتراف بايدن بإبادة الأرمن - وهو ما يعني بأنها باتت بمثابة ورقة ضغط سياسية بيد المسؤولين الأتراك في مواجهة الولايات المتحدة، يتمّ التلويح بها كلما لاح في الأفق خلاف. ومن جهة أخرى فإنّ الولايات المتحدة لديها بدائل ممكنة متاحة ومرشّحة لاستبدال القاعدة والاستغناء عنها فيما يتعلق بالمهامّ العسكرية على مستوى منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وهو ما برز تحديداً بعد الاتفاق العسكري الأخير بين الولايات المتحدة واليونان، الموقّع بواشنطن في 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، الذي يتيح للقوات الأمريكية التدرّب والعمل بقدرة موسعة في (4) قواعد إضافية باليونان، إذ إنّ من القواعد اليونانية ما يقع في مواقع قريبة من الحدود التركية.

في حال تمّت صفقة الـ "f-16"، فسوف تساعد في إصلاح العلاقات التركية المتوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، وتضمن منع اقتراب تركيا أكثر من روسيا

وكانت القاعدة التركية، وعلى مدار (7) عقود قد أدّت دوراً مهمّاً في الحروب الأمريكية بالمنطقة، وآخرها الحرب على الإرهاب في كل من سوريا والعراق. إلّا أنّ الأنباء أخذت تتصاعد مؤخراً بشأن إمكانية نقل الولايات المتحدة وغيرها من دول حلف الناتو لعتادها العسكري من القاعدة التركية إلى اليونان، بما في ذلك الصواريخ الاستراتيجية المخزّنة فيها، وهو ما يأتي خصوصاً في ظل المخاوف من إمكانية تحوّل تلك القاعدة إلى مركز للتعاون العسكري التركي - الروسي.

لقد امتدت علاقة التحالف التركية مع الولايات المتحدة وحلف الناتو قرابة (7) عقود دون عثرات مهمّة، إلّا أنّ التطلع التركي المتزايد - خلال العقدين الأخيرين - لممارسة دور القوة الإقليمية المستقلة عن الارتباط بعلاقات التحالف الجامدة، دفع إلى المزيد من الخلافات مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، وهو ما جاءت إحدى انعكاساته عبر التوجه التركي للسلاح الروسي، وبالتحديد مع صفقة نوعية وفارقة مثل صفقة شراء منظومة الـ "S-400"؛ وهو ما استتبعه فرض عقوبات من قبل الجانب الأمريكي، إلّا أنّ التخوّف من ذهاب تركيا إلى مزيد من التوجّه نحو السلاح الروسي، قد يدفع الأمريكيين لتقييد مثل هذه العقوبات، وتعزيز مستوى التعاون مع تركيا من جديد.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية