التغلغل الإيراني في غرب أفريقيا: "أرض الفرص الذهبية" للحرس الثوري

التغلغل الإيراني في غرب أفريقيا: "أرض الفرص الذهبية" للحرس الثوري


06/04/2022

تطوق إيران منطقة غرب أفريقيا بسياساتها وأهدافها المختلفة، إذ عمد النظام إلى الاستعانة بأدواته الناعمة، الدبلوماسية والثقافية والتعليمية، وحتى التنموية، بغية التوسع في عدد من دول القارة للاستفادة من مواردها الطبيعية، وإيجاد أسواق بديلة للصادرات الإيرانية، لا سيما بعد العزلة التي تعرض لها الملالي إثر أزمة الاتفاق النووي، والحصار الاقتصادي.

التشيع وسيلة لصعود إيران بأفريقيا 

كما أنّ تمدد النفوذ الإيراني في هذه المنطقة التي تسجل ارتفاعاً في نسبة المسلمين (161 مليون مسلم تقريباً من أصل 257 مليون نسمة)، يثير شهية الحرس الثوري تجاه أنشطة عديدة، منها فرض التشيع السياسي في نسخته الخمينية، واختراق المجموعات الصوفية المنتشرة هناك والمتقاربة أيديولوجياً مع طهران، ثم الإشراف على عمليات التجنيد بين أبناء المنطقة بإغراءات مختلفة، فضلاً عن اعتبار المنطقة ساحة بديلة ومحتملة أحياناً لضرب مصالح الغرب والولايات المتحدة وحتى الخليج.

وبينما تعد أقاليم القارة الأفريقية من المرتكزات الإستراتيجية في العقل الأيديولوجي الإيراني، منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، وذلك ضمن مبدأ "تصدير الثورة"، إلا أنّ المتغيرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة وتحالفاتها، خلال العقد الأخير، فرضت زيادة في وتيرة النشاط السياسي والميداني داخل أفريقيا، ومحاولة التغلغل فيها.

كشف المعلومات الاستخبارية عن نية إيران ضرب المصالح الأمريكية في عدد من المناطق منها أفريقيا، حسبما قال قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفن تاونسند

واللافت أنّ جامعة المصطفى العالمية التي تم إنشاؤها عام 2007، بينما يقع المقر الرئيسي لها بأفريقيا في نيجيريا، تعادل ميزانيتها ثلاث جامعات إيرانية (طهران وصنعتي وشهيد بهشتي)، وقد تضاعفت مخصصاتها المالية عام 2020 لتصل إلى 260 مليار تومان (58) مليون دولار. كما أنّ الجامعة التي يوجد مقر رئيسي لها في إيران بمدينة قم، تملك عدة فروع تغطي نحو 30 دولة أفريقية، بالإضافة لمائة مدرسة وحوزة علمية.

ما الذي تبحث عنه طهران في غرب أفريقيا؟

مطلع الشهر الحالي، قام المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية سعيد خطيب زاده، بجولة في عدد من بلدان أفريقيا، منها غانا وسيراليون، وقد وصف الجولة الدبلوماسية بأنّها "مثمرة" و"ملهمة"، إذ إنّها "أرض الفرص الذهبية".

وتابع خطيب زاده: "نحن فخورون بوجود الهلال الأحمر الإيراني منذ عقود ومشاريع تنموية في هذه الدول. في بداية رحلتي إلى أفريقيا، زرت السنغال، بوابة غرب أفريقيا. خلال هذه الرحلة، التقيت بكبار المسؤولين وقادة المجتمع المدني في جزيرة غور، والتي تذكر بالفظائع التي لا توصف في حقبة العبودية الغربية".

اقرأ أيضاً: حول تمدّد الإرهابيين في غرب أفريقيا

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "تحتل القارة الأفريقية مكانة مرموقة في السياسة الخارجية المتوازنة للجمهورية الإسلامية الإيرانية".

وأثناء لقاء خطيب زاده بوزير الثقافة والاتصال السنغالي عبد الله ديوب، أشار الجانبان إلى القواسم الدينية والثقافية المشتركة بين البلدين، فيما أكد كل منهما على أهمية تعزيز وتعميق العلاقات والتعاون الثقافي، وعرج الأول على الذكرى الخمسين لتدشين العلاقات الرسمية بين البلدين، فاقترح إقامة أسبوع ثقافي، وتبادل الوفود الثقافية والفنية والإعلامية بين البلدين.

الدكتور محمود حمدي أبو القاسم  لـ"حفريات": يعمل الرئيس الإيراني على إعادة إحياء الروح الثورية، وتنصيب وجوه شابة مؤمنة بولاية الفقيه، للحفاظ على الخطوط الأساسية للسياسة الخارجية الإيرانية

وفي أعقاب مقتل الجنرال في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، مطلع عام 2020، بغارة أمريكية، ترددت معلومات استخبارية عن وجود تكتيك إيراني للانتقام والثأر من العملية التي نفذتها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في ذورة التصعيد الخشن مع طهران، والتي استهدفت قائد فيلق القدس، في بغداد، ومعه رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. وأفادت المعلومات عن نية إيران ضرب المصالح الأمريكية في عدد من المناطق من بينها أفريقيا، حسبما قال قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفن تاونسند.

وأكد الجنرال الأمريكي على وجود معلومات استخبارية مفادها أنّ إيران "تبحث عن فرص للرد على أمريكا أينما كانت".

الحرس الثوري.. المال والسلاح في أرض الذهب

وأثناء حديثه أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، بعد أسابيع من مقتل سليماني، قال تاونسند: "لم نتخذ أيّ إجراءات مُحددة بعد"، لأنّهم "ليس لديهم صورة جيدة بما يكفي لاتخاذ إجراءات، لكننا نراقب ذلك". وتابع: "نعتقد أنّ واحدة من تلك الأماكن هي بالتأكيد أفريقيا".

وألمح الجنرال الأمريكي إلى أنّ قوات الأمن الأفريقية تتفاوت في قدراتها وإمكانياتها وكفاءتها، حسب المكان الذي نتحدث عنه في أفريقيا، وتابع: "لذلك البعض جيد بشكل استثنائي، والبعض الآخر ليس جيداً. ونعمل مع الشركاء على أن يكونوا في مستوى، على الأقل، يمكنهم من التعامل مع التهديدات الأمنية الخاصة بهم".

اقرأ أيضاً: كيف تحاول تركيا تعزيز وجودها في غرب أفريقيا؟

وفي حديثه لـ"حفريات"، يوضح الدكتور محمود حمدي أبو القاسم، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، ومدير تحرير مجلة دراسات إيرانية، أنّه في حكومة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عاد الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية في إطار سياسة "التحرك بعيداً عن الغرب"؛ وهي سياسة تتفق والتوجهات التي تتبناها هذه الحكومة، والتي تستند على معالجة مشكلات إيران بمعزل عن الاتفاق النووي.

عاد الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية في إطار سياسة "التحرك بعيداً عن الغرب"

ويردف: "وضمن هذه السياسة تأتي سياسة الجوار وسياسة التوجه شرقاً وسياسة التحالف مع الدول المعادية للهيمنة الأمريكية، وجميعها تصب في سياسة مقاومة الضغوط الأمريكية. وتتفق هذه التوجهات مع برنامج حكومة رئيسي التي تعتبر سلطة معبرة عن الوجه الثوري الراديكالي للجمهورية الإيرانية الإسلامية، والتي لديها برنامج يعرف باسم "الخطوة الثانية للثورة"، والذي أعلن عنه المرشد الإيراني، علي خامنئي، خلال السنوات الاخيرة، ويقصد به إعادة إحياء الروح الثورية، وتنصيب وجوه شابة مؤمنة بولاية الفقيه في المؤسسات الإيرانية، للحفاظ على الخطوط الأساسية للسياسة الخارجية الإيرانية، وفي مقدمتها الاحتفاظ بعلاقة خاصة مع الولايات المتحدة".

الإرهاب كمبدأ لتحقيق أهداف الخمينية

وتقع دول أفريقيا جنوب الصحراء ضمن أهداف إيران التوسعية، وكذا خططها لمد النفوذ في الدوائر الإقليمية القريبة، باعتبار أنّها ساحة مواجهة مع القوى الإقليمية المتنافسة، وأهمها دول الخليج، وفق أبو القاسم، كما تشترك دول القارة بالأساس مع إيران في ظروف تجعل بينهما التقارب ممكناً، سواء على مستوى المكانة الدولية، والأوضاع الاقتصادية، وخضوعها لاستغلال الدول الكبرى. وقد نجحت إيران من خلال هذه الأداة في أن تحقق بعض التواجد في نيجيريا والسنغال وأن تؤسس لها موضع قدم.

اقرأ أيضاً: نداءات تحذيرية من غرب أفريقيا

واستخدمت إيران قوتها الصلبة من خلال الحرس الثورى الذي يستغل البيئة السياسية والأمنية لهذه المناطق من أجل تنفيذ أجندته في اختراق هذه المجتمعات ولإثارة الاضطرابات بها؛ فيساعد الجماعات الانفصالية بالسلاح، ويسهل له ذلك القيام بـ"أعماله القذرة" من غسيل اموال ونقل سلاح عبر القارة وتأمين وصول المواد الخام الضروروية لبرنامجه النووي، حسبما يوضح الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، كما تستخدم إيران الجاليات اللبنانية التي وطدت وجودها في هذه لمنطقة والتي لديها اتصالات مع حزب الله لمساعدة الحزب وإيران في عمليات واسعة النطاق للتبادلات المالية بعيداً عن العقوبات وعن الرقابة الدولية.

يتفق والرأي ذاته، الكاتب المتخصص في الشأن الإيراني، نزار جاف، والذي يشير إلى أنّه منذ الأيام الأولى لتأسيس جهاز الحرس الثوري الإيراني، والذي کانت مهمته الأساسية حماية النظام الديني، اتجهت الأنظار للحرس كأداة حيوية للتوغل السياسي والعسكري الميداني، وكذا تعزيز نفوذ طهران الخارجي، لا سيما بعد أن تراجع مستوى الاهتمام بالجيش الإيراني کثيراً إلى الحد الذي يمكن القول بأنه صار مهملاً قياساً إلى ذلك الاهتمام الاستثنائي الذي کان يوليه له النظام الملکي السابق، وقد کان الجيش الإيراني سابع جيش في العالم.

اقرأ أيضاً: كيف تبدو خريطة مشهد الحركات "الجهادية" في غرب أفريقيا؟

لم يبق دور الحرس الثوري منحصراً في المحافظة على النظام، بحسب جاف في حديثه لـ"حفريات، بل إنّه قد تجاوز ذلك خصوصاً بعد أن تم توکيل له مهمة تفعيل مبدأ "تصدير الثورة"، وبالتالي قام الحرس بتوثيق علاقاته مع  تنظيمات متطرفة تعتمد على "الإرهاب کوسيلة لتحقيق أهدافه الإستراتيجية".

ووفق رسالة بعث بها مهدي هاشمي الذي کان مسؤولاً لحرکات التحرر في الحرس الثوري الإيراني، إلى آية الله منتظري نائب الخميني، وقتذاك، فإنّ "العلاقة مع هذه الجماعة "يقصد الجهاد الاسلامي"، بدأت في أحد اللقاءات التي کانت لنا مع الإمام "أي الخميني"، حيث قال في جمع من مجالس قيادة الحرس الثوري: بخصوص تصدير الثورة يجب أن تتحوطوا من ذلك کثيراً کيلا تتأثر سمعة الجمهورية الاسلامية، لكن في أية زاوية من العالم إذا ما رأيتم في أي بلد طاغوتاً من الممکن إسقاطه فافعلوا ذلك".

 ويستطرد هاشمي: "بعد إيراد فتوى الخميني العمل على إسقاط أي طاغوت في أي مكان من العالم، فقبل قتل السادات، ارتبطنا بهؤلاء الإخوة وکنا على إطلاع وعلم بقرارهم "أي قرار إغتيال السادات"، وأرسلنا لهم مبالغ من المال لکننا تعجبنا من امتناع هؤلاء الأعزاء عندما قاموا بإرجاع الأموال وطلبوا منا فقط أن يدعو لهم حضرة الإمام (الخميني) بالموفقية".

هذه کانت "البداية التي استمرت حتى وصلت إلى حد تأسيس أذرع تابعة للحرس الثوري الإيراني، ومن ثم، تقوم بنشاطات بالوکالة في عدد من المناطق، والتي وصلت إلى حد القيام بانقلابات، کما حصل في اليمن، واغتيال للرئيس السابق علي عبدالله صالح". يقول جاف.

اقرأ أيضاً: الإرهاب غرب أفريقيا.. كيف يمكن مواجهته؟

ويتابع: "نشاطات الحرس الثوري التي تمتد في عدد من بلدان الشرق الأوسط، وقد تحولت إلى أوراق ضغط في قبضة النظام، سواء مع دول الإقليم، أو الغرب والولايات المتحدة، بدأت تتجه للتوغل في مناطق نفوذ جديدة للمناورة والضغط على دول محورية، ولذلك؛ کان التوجه المحتوم إلى أفريقيا والسعي لتأسيس أذرع للنظام فيها، وهذا التوجه کان في البداية عبر أنشطة فكرية ذات مضامين طائفية، منها تشييع الجاليات المسلمة، وهنا يجب أن لا ننسى کيف أنّ الحرس الثوري الذي يمتلك جهازاً استخبارياً قوياً، قد قام بعد نجاحه بتشييع أعداد کبيرة نسبياً بتنظيم دعوات لهم لزيارة المراقد الشيعية في إيران والعراق، حيث کان يتم هناك العمل من أجل تنظيمهم وتجنيدهم، الأمر الذي نجم عنه قيام المغرب والسودان بقطع علاقاتهما مع طهران وکذلك الحذر المصري والجزائري والتونسي من هذه النشاطات ومراقبتها عن کثب".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية