التوظيف الأمريكي لمقتل خاشقجي والاتفاق النووي مع طهران.. ما العلاقة؟

التوظيف الأمريكي لمقتل خاشقجي والاتفاق النووي مع طهران.. ما العلاقة؟


13/03/2021

طرح تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية، حول مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، نهاية شهر شباط (فبراير) الماضي، كثيراً من السيناريوهات؛ بشأن واقع ومستقبل العلاقات الأمريكية السعودية، في ظل إدارة بايدن، بيد أنّ واقع الحال إقليمياً ودولياً، يشي بأنّ المصالح المشتركة والمتشعبة فيما بين الرياض وواشنطن، عميقة إلى الدرجة التي لا ينبغي رؤيتها وهي تقع في بؤرة الأزمة، سيما وأنّ هذه المصالح تنطلق من التعاون السياسي، وصولاً إلى التعاون الأمني والاستخباراتي، مروراً بالتعاون الاقتصادي؛ حيث تتصدر الرياض قائمة شركاء واشنطن التجاريين في الشرق الأوسط، بحجم تبادل تجاري وصل إلى 48 مليار دولار في العام 2019، فيما قدرت الاستثمارات السعودية في السوق الأمريكية، بما يتراوح بين 500 و700 مليار دولار، كما تعد المملكة أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط.

الضغوط الأمريكية ومحاولات الابتزاز

في السادس والعشرين من شهر شباط (فبراير) السابق، أجرى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مكالمة هاتفية مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، في إطار سعيه لوضع أسس جديدة للعلاقات، مع الحليف الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وقال البيت الأبيض، إنّ بايدن، أكّد على الأهمية التي توليها واشنطن لحقوق الإنسان الدولية، وأنّه أجرى المكالمة بعد قراءة تقرير أمريكي، حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في حين أنّ السلطات السعودية ألقت باللوم في مقتله، على "عملية مارقة، نفذها فريق من العملاء"، وفي شهر أيلول (سبتمبر) السابق حكمت محكمة سعودية، على خمسة أفراد بالسجن 20 عاماً، بعد أن حُكم عليهم في البداية بالإعدام.

في إطار ذلك، تناولت تقارير عديدة، العلاقات السعودية الأمريكية، وتطوراتها على خلفية التقرير الأمريكي، بيد أنّ واقع الحال يؤكّد أنّ العلاقة التي تربط واشنطن بالرياض، ينبغي النظر إليها من جهة كونها علاقة استراتيجية، تقوم على ركائز اقتصادية وأمنية وسياسية، في إطار المصالح المشتركة، وتدرك واشنطن تماماً ضرورة ضبط منسوب مصالحها، مع مصالح حلفائها، وحتمية التحكم في تداعيات أيّ تقرير يقوم على سردية إدانة وتوجيه اتهامات، لا على دلائل واضحة، ووقائع محددة.

اقرأ أيضاً: خاشقجي.. أيقونة الابتزاز

من جانبها، قالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان لها، إنّ "حكومة المملكة، ترفض رفضاً قاطعاً ما ورد في التقرير من استنتاجات مسيئة وغير صحيحة، عن قيادة المملكة، ولا يمكن قبولها بأيّ حال من الأحوال، كما أنّ التقرير تضمن جملة من المعلومات والاستنتاجات الأخرى، غير الصحيحة".

وأضافت الخارجية السعودية، أنّها "تؤكد على ما سبق أن صدر بهذا الشأن، من الجهات المختصة في المملكة، من أنّ هذه جريمة نكراء، شكلت انتهاكاً صارخاً لقوانين المملكة وقيمها، ارتكبتها مجموعة تجاوزت كافة الأنظمة، وخالفت صلاحيات الأجهزة، التي كانوا يعملون فيها، وقد تم اتخاذ جميع الإجراءات القضائية اللازمة، للتحقيق معهم وتقديمهم للعدالة، حيث صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية، رحبت بها أسرة خاشقجي".

اقرأ أيضاً: تقرير خاشقجي وفشل استهداف السعودية

واعتبرت الخارجية السعودية أنّه "من المؤسف حقاً، أن يصدر مثل هذا التقرير، وما تضمنه من استنتاجات خاطئة وغير مبررة، في وقت أدانت فيه المملكة هذه الجريمة البشعة، واتخذت قيادتها الخطوات اللازمة، لضمان عدم تكرار مثل هذه الحادثة المؤسفة مستقبلاً". ولفتت إلى أنّ "المملكة ترفض أي أمر من شأنه المساس بقيادتها وسيادتها واستقلال قضائها"، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية.

كما أكّدت الخارجية السعودية أنّ "الشراكة بين المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، هي شراكة قوية ومتينة، ارتكزت خلال الثمانية عقود الماضية، على أسس راسخة، قوامها الاحترام المتبادل، وتعمل المؤسسات في البلدين على تعزيزها، في مختلف المجالات، وتكثيف التنسيق والتعاون بينهما؛ لتحقيق أمن واستقرار المنطقة والعالم"، وقالت أيضاً: "نأمل أن تستمر هذه الأسس الراسخة، التي شكلت إطاراً قوياً لشراكة البلدين الاستراتيجية".

سالم اليامي، المستشار السابق بوزارة الخارجية السعودية

في إطار ذلك، يرى سالم اليامي، المستشار السابق بوزارة الخارجية السعودية، أنّ العلاقات السعودية الأمريكية علاقات قديمة وتاريخية، ويعول الجانب السعودي في علاقاته مع واشنطن، على عناصر حيوية ومهمة في العلاقات، يتصدرها التحالف الاستراتيجي التاريخي بين البلدين، والمصالح المشتركة التي تحققها تلك العلاقات المتوازنة، والجانب السعودي التزم على الدوام بأبعاد هذه العلاقات، ويبذل جهوداً متواصلة لاستمرارها، وتقدم نفسها المملكة لأمريكا وللعالم، بدرجة متقدمة من المصداقية السياسية، وإظهار روح التعاون، وتنمية جوانب تطوير العلاقات والصداقة بين الجانبين، بيد أنّ الجانب الأمريكي تتغير فيه بعض المعطيات أحياناً، مثل ما هو حاصل منذ مطلع هذا العام 2021، ومجيء الإدارة الأمريكية الجديدة، التي يتلون فيها الطيف السياسي بأكثر من لون، وتتقاسم قرارات الإدارة فيه أكثر من جهة، بطريقة جعلت الحلفاء التقليديون لواشنطن، يقفون في حيرة مما يحدث مع هذه الإدارة، التي تخلط حتى الآن على الأقل بين الحلفاء، التقليديين، وبين الأعداء البينيين لأمريكا وللغرب عموماً.

الكيل بمكيالين وتقويض العلاقات الاستراتيجية

يضيف الباحث السعودي في العلاقات الدولية، سالم اليامي، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ إدارة بايدن، حاولت كإدارات سابقة استخدام بعض الملفات التقليدية، في السياسة الخارجية الأمريكية، مثل تلك المتعلقة زوراً وبهتاناً بما يسمونه بحقوق الإنسان، وفي الحالة السعودية حاولت جهات ما في هذه الإدارة، استخدام ملف مقتل الصحفي السعودي المرحوم جمال خاشقجي، كنوع من الضغط والابتزاز للمملكة، مقابل مواقف سياسية، وحتى لجني مصالح مادية، والغريب في هذا الشأن، أنّ الموضوع في المملكة تم تجاوزه حسب النظام والقانون، والقضاء العربي السعودي، حدد المسؤولين، وأنزل العقوبات التي يستحقها كل منهم، بحسب مشاركته في تلك العملية، والأغرب من ذلك أنّ هذه الإدارة برئاسة السيد بايدن، ومعه الطيف السياسي المتعدد، تغض بصرها عن كثير من الممارسات اللا إنسانية، بل وحتى الإرهابية لجماعات الإسلام السياسي، ولعل آخر المشاهد الغريبة في خطوات هذه الإدارة، هي إزالة ما يسمى بميليشيا أنصار الله الحوثية من قائمة الإرهاب الدولية، التي تصدرها بشكل دوري وزارة الخارجية الأمريكية.

 

سالم اليامي: الإدارة الأمريكية الجديدة، يتلون فيها الطيف السياسي بأكثر من لون، وتتقاسم قرارات الإدارة فيه أكثر من جهة، بطريقة جعلت الحلفاء التقليديون لواشنطن، يقفون في حيرة

 

 ويرى اليامي، أنّ ملف الضغوطات الأمريكية على المملكة، واستغلال حادثة أصبحت من الماضي، يعيدنا إلى أسلوب أمريكي، لم يعد يجد مكاناً بين علاقات متوازنة، وحقيقية بين الدول، وأهم من ذلك يعكس صورة غير واضحة للإدارة الأمريكية، لما هي مقدمه عليه في منطقة الشرق الأوسط.

توم حرب، مدير التحالف الأمريكي شرق أوسطي للديمقراطية

من جهته، يذهب توم حرب، مدير التحالف الأمريكي شرق أوسطي للديمقراطية، إلى أنّ سياسة جو بايدن، الخارجية تجاه الشرق الأوسط، هي امتداد لإدارة باراك أوباما، وهو ما يبدو واضحاً في الرغبة نحو العودة إلى الاتفاق النووي، وهنا مرتكز بالغ الحساسية؛ إذ تتحرك واشنطن لممارسة سياسة الضغط القصوى على المملكة، لتخفيف مطالب الأخيرة وبقية دول الخليج، تجاه طهران، وما يتصل بذلك في الساحة اليمينة، وميلشيا الحوثي، ومن خلال ذلك تستطيع فهم دوافع الضغط، الذي تمارسه إدارة بايدن على الرياض، علاوة على تحرك بعض الأطراف في الداخل الأمريكي، نحو التلويح بورقة الإسلام السياسي، من باب الحرية وحقوق الإنسان.

 

توم حرب: بعث قضية جمال خاشقجي من الماضي، وتوظيفها كورقة ضغط سياسية على السعودية، سيرتبط بمدى زمني محدود

 

كما ينبغي أن نلتفت إلى أنّ واشنطن تعمل بشكل مستمر، على إقامة حواجز واقعية، تحول فيما بين الدول العربية، ودول الخليج، تحديداً، من توطيد علاقاتها الاقتصادية مع بكين، خاصّة في ظل ضعف إدارة الرئيس الأمريكي في التعامل مع الملف الصيني؛ إذ إنّها لا تتمكن من التعامل مع مثل هذه الأمور؛ لأنّ تلك الإدارة لا تملك الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى، علاوة على أهمية أن تدرك واشنطن، أنّها تتعامل مع حلفاء استراتيجيين في الشرق الأوسط، خاصّة الخليج العربي والسعودية تحديداً، وعليها أن تعي أهمية الحفاظ على حلفائها، وألا تفقد رصيدها، الذي خسرت منه كثيراً، خلال فترة الرئيس باراك أوباما.

اقرأ أيضاً: تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل خاشقجي... حقائق تشكك بمصداقيته

وفي ختام تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، يؤكّد توم حرب، أنّ بعث قضية جمال خاشقجي من الماضي، وتوظيفها كورقة ضغط سياسية على السعودية، سيرتبط بمدى زمني محدود، في إطار رؤية الديمقراطيين لتوجهاتها تجاه الشرق الأوسط، ووضع محددات العلاقة مع طهران، في أولويات سياساتها الخارجية.

التوازنات السياسية وهامش المناورة

ثمة واقع ينبغي التعامل معه، من خلال عناصره الحقيقية، وهو أنّ توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط عموماً، وتجاه السعودية تحديداً تمر بمنعطف انتخابي، يتماهى مع الخلاف الجذري في الداخل الأمريكي، بين توجهات الحزب الجمهوري، والحزب الديمقراطي الحاكم، وبدت ملامحه الأولى منذ الحملة الانتخابية لجو بايدن، والتي أعلن من خلالها الكشف عن تقرير استخباراتي، حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتأسيساً على ذلك، يتحرك بايدن، من خلال أطر سياسية، جميعها تفضي إلى هدم كل ما قامت عليه الإدارة السابقة، من قرارات وتوجهات في السياسة الخارجية.

في هذا السياق يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ السياسة الخارجية الأمريكية - كأغلب الدول الكبرى - تتميز بالثبات في مساراتها الأساسية والعامة، وربما يعتريها الاختلاف في بعض التطبيقات التكتيكية، من إدارة لأخري، وتظهر من خلال بعض التفاصيل، وهو الأمر الذي تجلى في استدعاء حادث مقتل الصحفي جمال خاشقجي، خاصّة في ظل كافة الإجراءات التي اتخذتها الرياض، ضد بعض الشخصيات التي ثبت تورطها، بعد تحقيقات أجهزة الأمن السعودية .

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي

ويلفت السفير جمال بيومي، إلى أنّ واشنطن تتحرك في إطار توظيف هذا الحادث؛ لتحقيق جملة من الأهداف ترضي الداخل الأمريكي، وكذا على مستوى سياستها الخارجية، عبر ظهور الإدارة الأمريكية، كإدارة تختلف بالكلية عن سابقتها الجمهورية، وتوجهات الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب.

جمال بيومي: إدارة جو بايدن، كما استدعت القضية، ومنحتها كافة بواعث التوتر والقلق في العلاقات، فإنّها أيضاً ستخرج تلك الأزمة من نفقها، وتضعها في المسارات الآمنة

 ويرى بيومي، أنّ إدارة جو بايدن، كما استدعت القضية، ومنحتها كافة بواعث التوتر والقلق في العلاقات، فإنّها أيضاً ستخرج تلك الأزمة من نفقها، وتضعها في المسارات الآمنة؛ لكونها تدرك جيداً الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين الرياض وواشنطن، وحجم المصالح المشتركة، التي تجمع فيما بينهما منذ عقود طويلة مضت.

ويختتم مساعد وزير الخارجية الأسبق، جمال بيومي، تصريحاته بقوله إنّه "طالما حذر من مغبة رعاية بعض القوى الدولية في أوروبا والولايات المتحدة، لقوى الإسلام السياسي، وكيف أنّ ذلك يمثل خطراً داهماً على الأمن الإقليمي والدولي، سيما وأنّ تلك القوى تتخذ من العنف سبيلاً لكافة تحركاتها، وأنّ العواصم الغربية شهدت عديد الحوادث، التي تؤكد ذلك".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية