التيار الإخواني جنوب الصحراء الأفريقية: التديّن الصوفي بالمرصاد

التيار الإخواني جنوب الصحراء الأفريقية: التديّن الصوفي بالمرصاد

التيار الإخواني جنوب الصحراء الأفريقية: التديّن الصوفي بالمرصاد


04/12/2023

ثمة تراكم كمّي ونوعي بخصوص الأعمال التي اشتغلت على الظاهرة الإخوانية في المنطقة العربية، وخاصة في المشرق والمغرب والخليج العربي، بل نعاين ذلك أيضاً حتى في بعض الدول الأوروبية، مقابل تواضع الاشتغال على واقع الظاهرة في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وهذا محور موضوع هذه المادة، من خلال التوقف عند معالم المشروع في ثلاث دول، على الأقل، وهي؛ السنغال وبوركينا فاسو والنيجر.

يجب التذكير بداية أننا نجد عدة جماعات إسلامية في هذه الدول، سواء كانت دعوية أو سياسية أو قتالية، منها؛ التيارات السلفية والجماعات القتالية أو المسامة "الجماعات الجهادية"، ولكننا نتوقف هنا بالتحديد عند المشروع الإخواني.

إخوان السنغال: تراكم ميداني وأداء متعدد المجالات

تمثل "جماعة عباد الرحمن"، النسخة السنغالية من الظاهرة الإخوانية؛ لأن الأمر يهم حركة تتبنى فكر الجماعة الإخوان المسلمين، وتأسّست في 1978 على أيدي مجموعة من الشباب السنغاليين المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين، وساهمت في نشر الثقافة العربية والإسلامية ومظاهر الالتزام الإسلاموي في الشارع السنغالي منذ عقود، مع أنّ السنغال بلد صوفي، ولم تكن حينها فضائيات وشبكة إنترنت ومجموعة من العوامل التي ساعدت في ترويج وانتشار وتغلغل الإسلاموية في المنطقة، إلا أنّ الحضور الإخواني يعود إلى أربعينيات القرن الماضي، عندما شرعت حينها البعثات الطلابية السنغالية للسفر إلى بعض الدول العربية، مثل؛ المغرب والجزائر ومصر والسودان والسعودية.

ومن نتائج هذه البعثات، سنعاين وجود ثلاثة تيارات إسلامية كبرى أولها التيار سالف الذكر، ينهل من مشروع جماعة "الإخوان المسلمين"، والثاني تيار سلفي يعمل تحت اسم جمعية وازنة هي "حركة الفلاح" ويتزعمها عدد من الأساتذة والطلاب الذين تخرجوا في السعودية، والثالث التيار التبليغي ولكنه متواضع الحضور.

اقرأ أيضاً: المشروع الإخواني في موريتانيا: هل هو فقاعة دعائية؟

يُجسد الخطاب الإخواني السنغالي إذن في "جماعة عباد الرحمن"، وبشهادة موسى فال، أحد قيادات الجماعة، وأحد الأسماء المرجعية في الحركة، فإنّ الجماعة "جزء من الحركة الإسلامية العالمية وهذا توجهنا العام ولنا تعاون في الساحة العالمية؛ حيث إننا نعتبر أنفسنا ممثلي الحركة الإسلامية العالمية في السنغال"، وواضح أننا إزاء تصريحات تلخص طريقة قراءة الجماعة لتديّن الشعب السنغالي، مع أنّ حوالي 95 من السنغاليين، هم مسلمون، ما دام الإسلام قد دخل منذ قرون عبر بوابة الطرق الصوفية، وهذا التصريح الصادر عن القيادي المعني، يصب في هذا الاتجاه، حيث يرى أنه "بفضل الله الجماعة استطاعت أن تصبغ المجتمع السنغالي بالصبغة الإسلامية".

الحضور الإخواني في السنغال يعود إلى الأربعينيات عندما شرعت البعثات الطلابية للسفر إلى بعض الدول العربية

تهدف الجماعة إلى إقامة "مجتمع إسلامي حقيقي في السنغال"، وتسعى إلى إحياء القيم الإسلامية بالمجتمع وربطه من جديد بتاريخ الثقافة الإسلامية، كما تعتبر الجماعة نفسها "حركة إسلامية شمولية تركز على الدعوة والتربية وإصلاح الحياة والشأن العام بالبلاد من خلال المنهجية الوسطية"، ويقوم مشروعها على العمل على إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والمساهمة مع الآخرين في إصلاح المجتمع السنغالي، كما تؤكد على علاقتها الفكرية الوثيقة بجماعة "الإخوان المسلمين" واستلهامها للكثير من أنماط العمل الفكري والحركي من هذه الجماعة، وإن كانت غائبة في لقاءات ما يُصطلح عليه بـ"التنظيم الدولي للإخوان المسلمين".

اقرأ أيضاً: الخريطة الإسلاموية في بوركينا فاسو: معركة التسامح مع محيط عاصف

انصبّ اهتمام إخوان السنغال على التربية والتعليم منذ تأسيس المشروع، واتضح ذلك عملياً مع إطلاق عشرات المدارس لتعليم العلوم العربية والإسلامية، كما ركز المشروع في أفقه الدعوي والتربوي على المؤسسات التعليمية العمومية، وقد نجحت الجماعة في تأسيس هيئات طلابية فاعلة بعضها تابع للجماعة كـ"حركة طلاب وتلاميذ جماعة عباد الرحمن" أو "رابطة الطلاب والتلاميذ المسلمين بالسنغال" المقربة فكرياً من المرجعية الإخوانية، على غرار العديد من مراكز "أسلمة المعرفة" في المنطقة العربية.

بخصوص النشاط السياسي للجماعة، فقد مرّ بثلاث مراحل: كانت الأولى منذ نشأة الجماعة العام 1978 إلى التسعينيات، حيث تبني خيار أخذ مسافة من العمل السياسي؛ ثم المرحلة الثانية، ابتداءً من العام 1993، حيث أصبحت الجماعة مؤيدة لبعض الأحزاب التي ترى أنها محسوبة على المرجعية الإسلامية أو القريبة من الإسلام، وقد اصطلحوا على هذه المرحلة "فترة التأييد والتحالف"، وأخيراً، المرحلة المعاصرة مع انخراط الجماعة في أحزاب سياسية؛ لأنه ممنوع دستورياً تأسيس أحزاب على أسُس إسلامية، حيث وجدت الجماعة نفسها أمام خيارين: إما الانضمام إلى أحزاب أخرى محسوبة على العمل الإسلامي، أو تأسيس حزب سياسي، على غرار ما جرى في التجارب العربية، بما خوّل للجماعة الحصول على بعض المقاعد في البلديات.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى الخريطة الإسلاموية في تونس

والملاحظ في التجربة الإخوانية السنغالية، تركيز الجماعة على التعليم، بما يُفسر تأسيس العديد من المدارس النموذجية التي تجمع العلوم الدينية والعلوم المدنية، مع فارق أنّ الجماعة تنطلق من المدرسة الإخوانية إجمالاً في التعامل مع القضايا الدينية.

انصبّ اهتمام إخوان السنغال على التربية والتعليم منذ تأسيس المشروع

وفي سياق تشعّب المشروع الإخواني، وإن بقي متواضعاً مقارنة مع الحضور الصوفي، إلا أنّه يزداد حضوراً مع الاشتغال الميداني في عدة قطاعات مجتمعية، ولذلك نعاين وجود ثلاثة تيارات إسلامية: الإخوانية والسلفية والتبليغية، ويتقدمها "التيار الشمولي الإخواني"، لكنه منقسم ولا تمثله حركة واحدة رغم تعدد الحركات التي تحمل الفكر نفسه وتقوم بنفس الممارسات، حيث موزع على ثلاث جمعيات، تتقدمها "جماعة عباد الرحمن" ومنظمة العمل الإسلامي والحركات الطلابية في الجامعة، وتبقى الجماعة الإخوانية الأم؛ أي "جماعة عباد الرحمن"، أهم حركة إسلامية إخوانية في السنغال.

اقرأ أيضاً: الخريطة الإسلاموية في النيجر: إرهاب يتغذى على الأزمات وقلة الموارد

في ما يتعلق بالأداء التنظيمي للجماعة، وكما نعاين في العديد من التجارب الإخوانية في المنطقة العربية، فإننا نجد عدة لوائح توجيهية وهي الميثاق والتوجهات العامة ودليل التوجهات العامة وهي إسلامية بحتة، وهناك بالإضافة إلى ذلك لوائح قانونية والدستور واللوائح الداخلية ودليل الإجراءات.

إخوان بوركينا فاسو: سقف الجمعيات الخيرية

لا يتجاوز أداء المشروع الإخواني في بوركينا فاسو سقف الجمعيات الخيرية، رغم قلتها وتواضع أدائها، ومرده على الخصوص العمل الميداني التي قامت به طيلة عقود مجموعة من الجمعيات الخليجية، سواء كانت سلفية أو إخوانية، من قبيل النماذج التالية، وهي النماذج نفسها التي نجدها في باقي دول غرب أفريقيا:

ــ جمعية "إحياء التراث الإٍسلامي"، وهي جمعية خيرية نفع عام تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بدولة الكويت، أنشئت على يد مجموعة من رجال الكويت، وتوجد في أكثر من 42 دولة.

اقرأ أيضاً: الخريطة الإخوانية في موريتانيا.. براغماتية المكاسب

ــ "مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله للخدمات الإنسانية"، وهي مؤسسة خيرية قطرية لديها مشاريع متنوعة عديدة داخل قطر وخارجها، توجد في أكثر من 97 دولة على امتداد القارات الخمس.

ــ "جمعية العون المباشر"، وهي منظمة خيرية إنسانية كويتية، تقوم بأعمال تنموية تستهدف بها قارة أفريقيا، وتتخذ من الكويت مقراً لها، ويُعتبر التعليم من أكبر أولويات الجمعية ولهذا فهي تسير 840 مدرسة من رياض الأطفال إلى الجامعات، حيث تسعى الجمعية في التوسع في الجوانب التعليمية إلى أقصى حد، وتحلم بتأسيس جامعة في المجتمعات المهمشة في أفريقيا كل سنة، عبر دعم آلاف الطلبة الفقراء في الجامعات، ضمن مبادرات أخرى.

اقرأ أيضاً: الخريطة الإخوانية في السودان: الهروب إلى مشاريع إسلامية موازية

حتى عقدين تقريباً، كانت بوركينا فاسو تضم مجموعة من المنظمات والجمعيات الإسلامية، من عدة مرجعيات، وخاصة من المرجعية الصوفية والسلفية، من قبيل "الجمعية الإسلامية"، "جمعية أهل السنة المحمدية"، "الجمعية التيجانية"، "جمعية إثبات الوحدة الإسلامية"، "جمعية الطلاب المسلمين في بوركينا"، ولكن جرت تطورات لاحقة، أفضت إلى ظهور منظمات إسلامية أخرى، إما سلفية أو إخوانية، أو تابعة لمؤسسات إسلامية عربية (خليجية على الخصوص)، نذكر منها الجمعيات التي ظهرت منذ عقد تقريباً: "مكتب لجنة مسلمي أفريقيا"، "مكتب الجمعية الإسلامية العالمية للدعوة"، وكان تابعاً للنظام الليبي في حقبة معمر القذافي، "مكتب منظمة الدعوة الإسلامية العالمية" [السودان]، من مرجعية إخوانية، والذي تم حلّه رسمياً في شباط (فبراير) 2021، وانتقل مقره إلى النيجر.

اقرأ أيضاً: هل ينجح التصوف الفردي بديلاً للطرقية؟

كان الحضور الإخواني في بوركينا فاسو مجسداً في الأعمال الخيرية التي تقوم بها بعض الجمعيات الخليجية، وفي مقدمتها من خلال مبادرات "جمعية إحياء التراث الإٍسلامي" [الكويت]، "جمعية العون المباشر" [الكويت]، و"الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية [قطر] و"مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله للخدمات الإنسانية" [قطر]، ولكن، ثمة مستجد مرتبط بهذه السنة بالذات، سيجعل المتابعات نفسها، سواء كانت إعلامية أو بحثية، تتحدث في الأمد القريب، عن الحضور الإخواني في النيجر، والذي كان متواضعاً من قبل.

إخوان النيجر.. في مرحلة البداية

نبدأ بالماضي الإخواني، وإن كان متواضعاً ولكنه كان حاضراً عبر البوابة الأهلية؛ لأنه لم يصل بعد إلى مرتبة العمل السياسي والحزبي، والحديث عن المبادرات الأهلية الخليجية؛ أما المستجد الثاني والحديث زمنياً، والذي يهم الأداء الميداني للمشروع الإخواني في النيجر، على الصعيد القريب والمتوسط، ففي مطلع 2021، أعلنت منظمة "الدعوة الإسلامية" ومقرها السودان، وتعتبر من أبرز أكبر أذرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، أنها ستنقل نشاطها ومقرها إلى النيجر، وفق ما جاء في بيان مؤرخ في 4 شباط (فبراير) 2021، وصدر عن الأمين العام للمنظمة عطا المنان بخيت، تنفيذاً لقرار لجنة "إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بالسودان" التابعة لمجلس السيادة السوداني بحلها ومصادرة أموالها وممتلكاتها ومنقولاتها.

لا يتجاوز أداء المشروع الإخواني في بوركينا فاسو سقف الجمعيات الخيرية رغم قلتها وتواضع أدائها

يتعلق الأمر بمنظمة عالمية إنسانية طوعية غير ربحية ومستقلة، محسوبة على الظاهرة الإخوانية، تشتغل على الخصوص في العمل الخيري والإنساني، حتى إنها تقدم خدمات طوعية من خلال مكاتبها المنتشرة في أكثر من 42 دولة أفريقية، ومرد نقل مقر المنظمة إلى النيجر، مرتبط على الخصوص باستغلال الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتواضعة لهذه الدولة الفقيرة، وليس صدفة أن تعلن حكومة جمهورية النيجر موافقتها على استضافة رئاسة المنظمة، وأن توقع على اتفاقية تأسيس مقر، ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى أبرز ملامح الخريطة الإسلاموية في الصومال

أحد القواسم المشتركة بين المشروع الإخواني بالنيجر والمشروع الجهادي في بوركينا فاسو، أنه إضافة إلى محددات الفقر والهشاشة الاجتماعية، وتواضع أداء المؤسسات الحكومية في مشاريع التنمية المحلية والتشغيل، نعاين عوامل موازية، ساهمت في ارتفاع أسهم الإسلاموية، ومن بين هذه العوامل، نجد تأثير وسائل الإعلام الجديدة مثل التلفزيون والإنترنت والإذاعات، والتي سهلت الوصول إلى المعلومة، ومنها المادة الدينية.

اقرأ أيضاً: الخريطة الإخوانية في السنغال.. من الدعوة إلى السياسة

وإجمالاً، كلما ذكر اسم "الإسلام السياسي" أو الإسلاموية أو الحركات الإسلامية في دول أفريقيا جنوب الصحراء، كانت الإحالة أكثر للحركات الإسلامية القتالية أو "الجماعات الجهادية"؛ لأنها تهمين على المتابعات البحثية والإعلامية، مقابل تواضع الاشتغال على واقع الحركات الإسلامية الإخوانية، بحكم تواضع وزنها التنظيمي رغم حضورها السائد منذ عقود في المنطقة، ولكن تأثير التديّن الصوفي على شعوب هذه الدول، والقلاقل التي تسببت فيها "الجماعات الجهادية" ضمن عوامل أخرى، ساهمت في تكريس تواضع الأداء الإخواني في هذه المنطقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية