الثورات العربية بعين المؤرخ الأمريكي خوان كول

الثورات العربية بعين المؤرخ الأمريكي خوان كول


02/04/2018

رغم الحروب والدمار الذي لحق بالدول العربية التي شهدت ثورات، إلّا أّن جون "خوان" ريكاردو كول (ألبوكيركي-الولايات المتحدة- 1952) أستاذ التاريخ في جامعة ميتشيجان، والمدون الشهير حول ملفات معاصرة في الشرق الأوسط، لا يزال متفائلاً حيال الثورات العربية. وقد حلّل في كتابه "العربي الجديد" الدور الذي لعبته الحركات الشبابية في كلٍّ من: تونس ومصر وليبيا، لإسقاط الأنظمة الشمولية. ويؤكّد "الشباب هم مفتاح التغيير السياسي والاجتماعي السريع في الدول العربية التي تمرّ بأزمات منذ 2011"، رغم اعترافه بأنّ "الشباب الذين انخرطوا في الثورات ارتكبوا خطأً تمثل في الإيمان، بدرجة أكبر من اللازم، في فكرهم حيال الأوضاع، دون أن يكونوا قادرين على الفوز في انتخابات".

جرى دائماً ربط الإرهاب بالأحياء الأكثر فقراً، لكنّ نصف الجهاديين في تونس يحملون درجات علمية عليا

اكتسب كول شهرته إبّان الغزو الأمريكي للعراق، عام 2003: فعبر مدونته "إنفورمد كومنت" دأب على تكذيب رواية إدارة بوش ووسائل الإعلام الأمريكية الكبرى حول مكاسب العملية الأمريكية، وبعدها بأعوام، عام 2011، أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" مقتطفات من اتهامات مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، خلال إدارة بوش، الذي طالب في مناسبتين بالتحقيق وجمع معلومات سرية عن كول من أجل إسقاط المصداقية عنه.

وهنا حوار أجري مع كول:

بعد ثلاثة أعوام من صدور كتابك "العرب الجدد"، ألا تعتقد أنّك كنت مخطئاً بالتفاؤل الزائد تجاه الثورة؟

يدهشني أنّك قرأت الكتاب، يقولون لي دائماً "سيد كول، لا نمتلك وقتاً، نحن الصحفيين، لقراءة الكتب"، هل أنا مغرق في التفاؤل بينما باء الربيع العربي بالفشل؟ من المبكر للغاية قول ذلك، أعتقد أنّ هذا يحدث؛ لأنّ الشبكات الاجتماعية جعلت كلّ شيء يسير بصورة أسرع، كانت دورة المعلومات تستغرق 24 ساعة من قبل، الآن دورة المعلومات تستغرق ساعة واحدة، يحدث فيها كلّ شيء، ينسى المؤرخون أحياناً، لكنّ الثورات الأمريكية بدأت عام 1776، وانتهت الحرب عام 1784، وصيغ الدستور الجديد عام 1789. احتاج النظام السياسي وقتاً كي يتغير بعد اندلاع الثورة، حدث الشيء عينه في فرنسا، وثورة 1789، التي كان لها مراحل عدة: نابليون وعودة آل بوربون. إنّ خمسة أو ستة، أو حتى سبعة، أعوام ليست بالوقت الطويل، فتغيير النظام السياسي عملية طويلة.

غلاف كتاب "العرب الجدد"

هل كان الشباب الذين واجهوا أنظمتهم عام 2011 من الإسلاميين؟

المجموعات التي درستها لم تكن مطلعة، إلى حدٍّ بعيد، على القرآن الكريم، ربما كانوا مؤمنين، لكنّ الحركة لم تكن ذات خلفية دينية، ينتمي أغلبهم لعائلات يسارية، ليس بالضرورة شيوعية، كانوا، على سبيل المثال، من محبي ناصر (الرئيس المصري الأسبق)، ليس لديهم حزب سياسي ينخرطون في صفوفه؛ لأنّ الحكومة دمرت كلّ الأحزاب، لكنّ الاحتجاجات استمرت مطالبة بالخبز للفقراء والكرامة، كانت الغالبية العظمى ممّن شاركوا في الثورة، بين 2011 و2013، تذهب إلى المساجد، لكنّهم لم يكونوا يدافعون عن إسلام سياسي.

نظام التعليم بمصر ليس جيداً للغاية في العموم، وكثير من الجامعات تعتمد على التلقين

لم يتجاوز حجم التعاطف مع الإخوان المسلمين نسبة الـ 25% من هؤلاء الشباب في مصر، أعتقد أنّ الأحزاب السياسية تحظى بقدر أكبر من الشعبية بين الأجيال الأكبر، مقارنة بالأجيال الشابة.

الشباب التونسي كان الأكثر اهتماماً بالدين عن غيرهم، لم يكن الحراك الذي اندلع في 2011 ذا دوافع دينية حصراً؛ بل كان متطلعاً نحو الكرامة.

هل رحل هؤلاء الشباب المطالبين بالكرامة في المغرب العربي بسبب انعدام الفرص؟

لا، هذا مستحيل. هناك الملايين، ربما اضطر هؤلاء، الأكثر تأثيراً عبر الإنترنت للرحيل، لكنّ أغلب من كانوا في التحرير، أو الباردو، ما يزالون في بلادهم، يشعرون بالقلق إزاء مستقبلهم، لا أتحدث عن القيادات؛ فقد كان هذا الحراك أقوى بكثير عموماً من القيادات، ففي التحرير مثلاً؛ دأبوا على القول إنّه ليس ثمة قادة.

لم يكن الحراك الذي اندلع بتونس في 2011 ذا دوافع دينية حصراً؛ بل كان متطلعاً نحو الكرامة

تبلورت كثير من مطالب حركة (الغاضبين) في إسبانيا إلى حزب سياسي هو (بوديموس)- أو (نستطيع)- هل شهد الربيع العربي ظاهرة مشابهة؟

لا، مشكلة الشرق الأوسط تتمثل في غياب فكرة الأحزاب، لم تُبنَ الحياة السياسية على أساس الأحزاب، ولا يوجد شيء مثل (بوديموس) في الشرق الأوسط، لا من قريب ولا من بعيد، حتى في تونس، تأسس الحزب الحاكم عام 2014، لكن يحدونا الأمل في أن تكتسب هذه الأحزاب، في تونس على وجه الخصوص، مزيداً من القوة، لكن ليس ثمة حزب يحوز أغلبية في البرلمانات، وبوسعه إشعال حماس الشباب، لا وجود في الشرق الأوسط لحزب تمخّض عن حركة على غرار (الغاضبين)، مثل حزب (بوديموس)، بحيث يمثّل جيل 2011، بل على العكس؛ هناك في تونس ازدياد لعدد رجال الأعمال المشتبه في صلاتهم بالنظام القديم داخل دائرة النفوذ بحزبي (النهضة) و(نداء تونس)، الخلاصة؛ إنّ السياسة الحزبية غير معهودة في الشرق الأوسط.

هل من الممكن أن يفوز حزب (النهضة) مجدداً في تونس؟

نعم، من المحتمل أن يعود (النهضة) لسدة الحكم، أحد الأدلة هو تلك الفجوة بين الشباب والجيل الذي هو في عمري، الذين يبلغون بين 60 و70 عاماً، ويؤمنون بأفكار سياسية مختلفة، (النهضة) هو حزب من القرن الـ 20، لا صلة له بحياة من هم بعمر 20 عاماً، يتمثل انخراط هؤلاء الشباب في رفض نظام بن علي وحزب (النهضة)، رفض مبارك ومرسي. يجيدون قول لا. ونظراً إلى أنّ عمرهم 25 عاماً؛ فهم لا يمتلكون رؤية سياسية أو كيفية تشكيل حكومة، لن يكونوا على وفاق مع الحكومة بالطبع، ربّما يتغير الوضع بعد 10 أعوام، لكن في الوقت الحالي من غير المنتظر أن ينظم أناس عمرهم 25 عاماً أنفسهم في حزب سياسي.

 ليس هناك فرص عمل كافية للشباب العربي. هل وضع التعليم سيئ لهذا الحد؟

تكشف الإحصاءات أنّ هناك في بعض الدول العربية، مثل؛ مصر، وظائف لا تتطلب كفاءة، نظام التعليم ليس جيداً للغاية في العموم، وكثير من الجامعات تعتمد على التلقين، وليس التفكير النقدي، فلا يستطيع الأساتذة الاهتمام بكلّ طالب، بينما تشكو الشركات من عدم قدرتها على تأهيل الشباب في المغرب العربي؛ لأنّهم ليسوا مؤهلين بما يكفي.

يخرج كثيرون من حملة الدرجات العلمية، لكن ليس بالشكل الصحيح، هناك مشكلة أخرى هي الفساد وغياب الاستثمار؛ فالشرق الأوسط هو أحد المناطق الأقل من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة: وهذا مؤشر مهمّ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول القوة الاقتصادية، هناك أسباب كثيرة وراء ذلك، لكن إحداها هو طلب الرشوات من أجل العمل، ووفق وثائق سرّبها موقع (ويكيليكس) عن الإدارة الأمريكية، فإنّ شركات أمريكية عديدة عدلت عن مشروعاتها في المنطقة بسبب السياسة المنهجية بطلب الرشاوي، يضرّ هذا الفساد الهائل بالاستثمار وخلق فرص عمل، مصر دولة ناشئة للغاية، وتقديم فرص عمل لجميع الخريجين الذين يدخلون سوق العمل أمر معقد للغاية.

جرى دائماً ربط الإرهاب بالأحياء الأكثر فقراً، لكنّ نصف الجهاديين في تونس يحملون درجات علمية عليا.

مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، لا تزال تعيش في الفقر

هناك علاقة نسبية وثيقة بين الإرهاب والمستوى التعليمي والمادي للطبقات المتوسطة؛ يعتقد الناس أنّ الفقر يولّد الإرهاب، هذا الأمر لا ينطبق في أغلب الحالات: فالفقر المدقع ينتج عنه اليأس والانعزال في السواد الأعظم من الحالات، هو شخص يشعر بأنّ الإرهاب يعيق تسلق السلّم الاجتماعي، وكان الالتزام الديني إبّان حقبة بن علي، يعني الذهاب إلى السجن، خاصّة في المناطق التي قد يوجد بها تطلعات لأن يقدم النظام التونسي شيئاً ما، يصعب فهم اتجاه أشخاص متعلمين نحو تحليل أسباب فشل بلادهم، هذا لا ينفي كذلك أنّ الكثير من الشباب في تونس الذين انضموا لتنظيم داعش، نشؤوا في المناطق الأكثر فقراً من البلاد: القرى الصغيرة في الغرب؛ حيث لا يوجد أيّ أمل على المستوى الاقتصادي.

مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، لا تزال تعيش في الفقر.

لم تشهد سيدي بوزيد أي تحسن في أحوالها منذ الثورة، جرت فيها تظاهرات عنيفة ضدّ أولى حكومات (النهضة)، وكذلك ضدّ (نداء تونس)، وإذا استرجعنا مهاجمة الناس في سيدي بوزيد لمقار (النهضة)، فهذا لم يكن فكراً متطرفاً؛ بل سخطاً تجاه أوضاعهم وغضباً من الأصوليين، أعتقد أنّ البعض انخرط في صفوف داعش ليس لأنّهم تحولوا لأصوليين فقط، لكن لتحدي المؤسسات، والإحباط الكبير الذي شعروا به، أودّ أن أسلّط الضوء على أنّ عدد الجهاديين في تونس كبير، لكنّ ثلاثة آلاف تونسي يمثلون أقلية في البلاد، وهناك في الدول الأكثر غنى عدد ضخم من جماعات النازيين الجدد، الغالبية العظمى من التونسيين لا يروق لهم شيء مثل داعش، وفي حال حدث ذلك، فإنّه يكون راجعاً لليأس.

مصر دولة ناشئة وتقديم فرص عمل لجميع الخريجين الذين يدخلون سوق العمل أمر معقد للغاية

هل يفعلون ذلك بدافع المغامرة؟

الأمر يشبه لعبة فيديو، يسعون وراء المغامرات، تجتذبهم جماعات مدمّرة للغاية، أحد الأخطاء الفادحة للمحللين في الغرب؛ هو الاعتقاد بأنّ داعش يمتلك شعبية في الشرق الأوسط، تشير كافة استطلاعات الرأي إلى أنّ 95% من الناس يشعرون بالقلق الشديد، خاصة الشباب الذين يرون أنّ (داعش) يمثّل أخطر تهديد على الأمن. وإذا كان 0.01% يشعرون أنّهم يريدون الانضمام للتنظيم، فإنّ هذا يعني بالتأكيد أنّ الأغلبية الكاسحة ترفضه، وتبحث عن حكومة تحميهم.

لم تسر الأمور على ما يرام بينك وبين إدارة جورج دبليو بوش؟

لم يرق عملي على الإطلاق لإدارة بوش، لا. قررت غزو العراق، لم يكن كثير من الأمريكيين يعرفون شيئاً عن العراق في تلك الحقبة، 2002-2003، كان عدد متحدثي العربية قليلاً جداً، كنت من أوائل المدوّنين الذين اتخذوا موقف المعارضة، اعتمدت إدارة بوش على الدعاية كثيراً، قائلين إنّ صدام حسين كان يمثّل تهديداً كبيراً بأسلحته للدمار الشامل، وأنّه كان من الضروري تصدير الديمقراطية، وأنّ العراقيين سيرحبون بوجود الجنود الأمريكيين.

قالوا في بداية الاحتلال: إنّ كلّ شيء يسير بشكل رائع، تلقفت الصحافة الأمريكية هذه الرسالة دون أدنى تعديل، تعلمت العربية وكتبت عن تاريخ العراق، تواجدت في هذه المنطقة لوقت طويل، العرب وطنيون للغاية، وكانوا يريدون التخلص من قوة استعمارية مثل الأمريكية.

الأصولية تتبع تكتيكاً دائماً بمهاجمة كلّ الحركات، في محيطها والدول المجاورة، دفع حركة ما باتجاه التطرف يكون سياسة خاطئة دوماً

هل كان العراقيون يودّون أن يجري احتلالهم؟ من الحماقة التفكير على هذا النحو، كان يتعين عليهم فقط قراءة الصحف المحلية بعد سقوط صدام، ومتابعة شاشات التلفاز، وفي واشنطن كانوا قد اكتفوا مني، طلب أحدهم في البيت الأبيض إلى وكالة الاستخبارات التحقيق بشأني، بينما كان فعل ذلك بحقّ مواطنين أمريكيين غير قانوني، كانت محاولة للعثور على شيء يقوّض مصداقيتي، انتبه كثيرون إلى أنّ الغزو كان كارثة، وأنّه جرى بثّ أفكار مغلوطة.

هل هناك تشابه بين الإدارة الحالية وإدارة جورج دبليو بوش؟

أعتقد أنهما تتبعان الخطّ نفسه تقريباً، قالوا إننا الصحفيين أسوأ أناس، طلب ترامب إلى كومي سجن الصحفيين الذين ينشرون تسريبات المعلومات السرية، هذا الموقف من إدارة بوش يتكرر مع ترامب، بداعي أنّ الصحفيين يقومون بأمور غير قانونية، وهو ما يتنافى مع قرار المحكمة العليا، لكنّ الحكومة ستحاول في بعض الحالات استخدام صلاحياتها لقمع الصحافة الناقدة.

ما رأيك في جيمس ماتيس (وزير الدفاع) وهربرت ماكماستر (مستشار الأمن القومي)؟

لست على درجة عالية من الوفاق، لا مع ماتيس ولا مع ماكماستر (الذي أقيل قبل أيام من جانب ترامب)، لكنّهما ليسا أحمقين أو جاهلين، يتمتّعان بخبرة عريضة في المنطقة، لا يرتكبان الأخطاء مثل ترامب، يمكنهما تحليل الوضع واتخاذ قرار عقلاني، لا أعرف ماكماستر جيداً، لكنّ ماتيس، للأسف، مناوئ جداً لإيران، لدرجة أنّه يفترض ضلوع إيران في تكوين تنظيم داعش الجهادي، لجلب الفوضى إلى المنطقة، هذه نظرية مجنونة جداً، ومن المقلق للغاية أن يقول ماتيس ذلك، لكن بغض النظر عن كل ذلك فهو رجل خبير.

يدور الحديث كثيراً عن أصولية الإسلام؛ ما هي الحركة الأكثر تطرفاً؟

التطرف خطأ، هناك كثير من الحركات، ودائماً توجد سياسة خاطئة، السياسة التزام، الأصولية تتبع تكتيكاً دائماً بمهاجمة كلّ الحركات، في محيطها والدول المجاورة، دفع حركة ما باتجاه التطرف يكون سياسة خاطئة دوماً، أنا مؤرخ، والمؤرخون لا يؤمنون باستدامة الأفكار، يمكن تفسير كلّ دين بصورة مختلفة جذرياً في كلّ حقبة، لا يسعنا القول إنّ الإسلام هو شيء محدَّد، الإسلام هو ما يفعله المسلمون، وهذا ليس متبايناً عمّا يحدث مع أديان أخرى.

يعتقد الجميع أنّ البوذية دين سلام وتأمل، قبل أن يوصي القادة العسكريون البوذيون في اليابان، بشنّ هجمات أدّت إلى نشوب حرب في المحيط الهادئ، هناك إرهابيون في العالم الإسلامي، لكنّ العنف الديني كان مهماً خلال القرن العشرين، مثلما حدث في كرواتيا، ومذابح اليمين الكاثوليكي، ...إلخ، كمؤرخ لا أرى هذا النوع من الأسئلة، فكل دين يتضمن نقطة تؤدي للتنافر.

مقابلة أجراها الصحفي خابيير كاليرو مع الأستاذ الجامعي خوان كول لصالح صحيفة "آ بي ثي" الإسبانية

//0x87h




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية