الديمقراطية الهشة: مفكر سياسي يحلل شخصية الشباب العرب في إسرائيل

الديمقراطية الهشة: مفكر سياسي يحلل شخصية الشباب العرب في إسرائيل


كاتب ومترجم جزائري
16/06/2021

ترجمة: مدني قصري

سامي كوهين؛ مفكر سياسي، مدير أبحاث فخري في "CERI" (مركز البحوث الدولية للعلوم السياسية)، ومحاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وهو متخصّص في قضايا السياسة الخارجية والدولية المتعلقة بإسرائيل على وجه الخصوص. له عشرة كتب والعديد من المقالات المنشورة في المجلات المتخصصة، ومواضيع بحثه الحالية هي: "سلطة الدولة والجهات الفاعلة الجديدة"، "الديمقراطية ومحاربة الإرهاب"، "السلطة والجيش والمجتمع في إسرائيل"، "أخلاقيات الحرب والنضال ضدّ الإرهاب: إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية"، و"مقاولو السلام في إسرائيل: علم اجتماع وتاريخ"، ومن أشهر مؤلفاته: "إسرائيل، ديمقراطية هشة" (دارفايار، 2021) و"إسرائيل وحمائمها" (دار غاليمار، 2016).

نَشَر مؤخراً كتاب "إسرائيل، ديمقراطية هشة" عن دار نشر فايار، في آذار (مارس) 2021.

في هذا الحوار يجيب سامي كوهين عن أسئلة "Clés du Moyen-Orient" (مفاتيح الشرق الأوسط) حول العنف الذي شهدته الأسابيع الأخيرة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

بالتوازي مع العنف في القدس والصراع بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية الحاكمة في غزة، اندلع العنفُ في إسرائيل بين عرب إسرائيل (يُطلق عليهم أيضاً فلسطينيو إسرائيل) والشرطة من جهة، وبعض عرب إسرائيل ويهود إسرائيل من ناحية أخرى؛ هل كانت هذه ظاهرة منعزلة بين مجموعات معيّنة، شجّعها سياقُ الحرب، أم إنّها علامة على وجود شرخ أعمق بين عرب إسرائيل ويهود إسرائيل؟

لست متأكداً من أنّ لدينا بيانات كافية لتوضيح الأمور بدقة، فيما يتعلق بالعنف بين بعض العرب الإسرائيليين والشرطة، فهل هم عناصر متطرّفة، أم يمثلون الشباب العربي الإسرائيلي؟ لا يبدو أنّ هذه ظاهرة مقتصرة على بعض المتطرفين فقط؛ لأنّ هذا الشباب يمرّ بحالة امتعاض شديد، بسبب ظروفه المعيشية ومكانته في المجتمع الإسرائيلي، يعدّ عدمُ الاستقرار بين عرب إسرائيل أمراً بالغ الأهمية والخطورة: معدّل البطالة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً متفجّر، وهو أعلى بكثير مما هو عليه في المجتمع اليهودي.

تضاف إلى هذا الشعور بالتهميش حركةُ تضامن مع الفلسطينيين في القدس الشرقية، والتي بدأت قبل فترة طويلة من أعمال العنف التي جرت في الأسابيع الأخيرة، هذه نقطة مهمّة؛ لأنّ هذا يُظهر أنّ هذا الشعور بالتضامن مترسخ في المجتمع العربي في إسرائيل أكثر ممّا نتصور ونعتقد.

اقرأ أيضاً: "الغزل الحرام" بين "الإخوان" وإسرائيل وإيران

تأتي هذه الموجة من التضامن مع الفلسطينيين في القدس الشرقية، بشكل رئيسي حول إخلاء العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح، ربما بطرق متناقضة، في وقت بدا فيه العرب الإسرائيليون والفلسطينيون الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية، وكأنّ لديهم، أكثر من أيّ وقت مضى، مخاوف وانشغالات مختلفة؛ رأينا ذلك مع حزب القائمة العربية الموحدة (Ra’am (1 الذي كان يفكر في الانضمام إلى ائتلاف حكومي برئاسة بنيامين نتنياهو الشهر الماضي.

درَس عربُ إسرائيل في جامعات إسرائيلية، وتناقشوا مع اليهود الإسرائيليين، لكنّهم الآن يشعرون بأنّهم مهمَّشون؛ إنّهم يعيشون في دولة ديمقراطية تعدّهم مواطنين من الدرجة الثانية

بالطبع، لكن هذه ظواهر لا تتعارض فيما بينها؛ هناك، في المجتمع العربي بشكل عام، رغبة في أن يدافع الممثلون السياسيون بشكل أفضل عن ظروفهم المعيشية في المحليات، من خلال معالجة القضايا الاقتصادية والصحية والتعليمية والأمنية؛ هذه حقيقة.

ومع ذلك، فعندما تندلع أزمة في القدس، فإنها تجدّد التوترات، سواء تعلّق الأمر بحرم المسجد أو بالمسألة الحساسة للغاية المتمثلة في محاولات المنظمات الصهيونية الدينية الاستحواذ على منازل الفلسطينيين، إنّها محاولات تُعِيدنا على الفور إلى ذكرى النكبة: ذكرى طرد عام 1948. في أذهان العرب الإسرائيليين، يبدو الأمرُ كما لو أنّ طرداً آخر على وشك الحدوث. في منتصف نيسان (أبريل)، في يافا، حاولت منظمةٌ دينية صهيونية فتْح مدرسة يشيفا (2) في أحد الأحياء العربية، واندلع تمرّد، واعتُدِي على الحاخام على رأس المدرسة الدينية، هذه ليست حالة تمرّد منعزلة، هذا يدلّ على أن بعض المواضيع حساسة للغاية، وأنّها توقظ على الفور شعوراً بالثورة.

كما وقَعت عملياتُ عقابٍ وتعذيب بين عناصر الطائفتين، قال قائد الشرطة لِبنيامين نتنياهو إنّ زعيم حزب اليمين المتطرف "القوة اليهودية"، إيتامار بن غفير، يؤجِّج العنفَ بين أنصاره، وقد دخل زعيم حزب التفوق اليهودي هذا، مؤخراً، البرلمانَ الإسرائيلي بِدعمٍ من نتنياهو؛ هل هو بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو عنصرٌ مسيطَرٌ عليه يتيح جذبَ اليمين المتطرف لليكود، أم إنّه إلكترونٌ حرّ؟

لطالما كان إيتامار بن غفير إلكتروناً لا يمكن السيطرة عليه، لكنّ الفارق الكبير اليوم هو أنّ بنيامين نتنياهو منحَه بعضَ الشرف، مما سمح له بأن يصبح عضواً كاملاً في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، هذه الشرعية تعزّز بن غفير وأتباعَه، وتشجّع على العنف ضد العرب، إنّهم يسمحون لأنفسهم بالذهاب إلى أبعد مما فعلوا من قبل، من الواضح أنّ أتباع هذا اليمين المتطرّف استغلوا أعمال الشغب في المدن المختلطة، حتى يُعبِّروا عن كراهيتهم للعرب.

إيتامار بن غفير رجل كاهاني، أي مؤيد وتابع للحاخام المتطرف، مئير كهانا، الذي مُنِع حزبُه كاخ من البرلمان الإسرائيلي في الثمانينيات؛ كيف يمكننا أن نفسّر أن هذا اليمين المتطرف قد عاد الآن إلى الكنيست؟

حتى وإن مُنِعت المنظمة من الترشح للانتخابات، عام 1988، وحتى بعد اغتيال مئير كهانا، عام 1990، فقد استمرّ أنصار الحركة في النشاط على الأرض، لقد استمرت الأيديولوجية وقاومتْ.

حاول أتباعه، الذين يصل عددُهم إلى عشرات الآلاف من الناس، إبقاءَ الشعلة حيّة، من خلال إنشاء حزب جديد، عوتسما يهوديت "Otzma Yehudit" "العظمة اليهودية"، في الانتخابات التشريعية الأخيرة، في آذار (مارس) 2021، أعاد بنيامين نتنياهو إضفاءَ الشرعية على هذا الحزب الكاهاني المعادي للعرب؛ إذ أراد جلب أصوات هذا اليمين المتطرف، للتأكد من عدم خسارتهم، ومساعدته في تشكيل ائتلاف حاكم.

لذلك ما تزال أيديولوجية مئير كهانا حاضرة، لكنّ بن غفير أكثر حذراً: فهو يحاول تلطيف خطابه قليلاً حتى لا يكون استفزازياً، مثل خطاب مئير كهانا، وحتى لا يعرّض نفسَه للحظر، لكنّ الأيديولوجية معروفة جيداً: إنّها قومية متطرفة وعنصرية متطرفة.

في المقابل، لا ينبغي أن نفكّر في أنّ هذه حركة منفصلة تماماً، يجسّد هذا الحزب أيديولوجيةً إسرائيلية معيّنة على يمين رقعة الشطرنج السياسي. في الانتخابات الأخيرة، انضمت عوتسما يهوديت (Otzma Yehudit) إلى الحزب الديني الصهيوني (أقصى اليمين) لـِ بتسلئيل سموتريتش. في الأساس، لا يوجد فرق جوهري بين الحركتين؛ إحداهما، عوتسما يهوديت، أكثر استفزازاً من الأخرى، لكنّ كليهما يمينيّان متطرفان، وكلبهما عنصريان ومعاديان للمِثليّين. أقوال بتسلئيل سموتريتش، طوال حياته السياسية، جدّ غزيرة وصارخة، وهذا لا يخص الحزب الصهيوني الديني فقط، على سبيل المثال؛ فكرة نقلِ عرب إسرائيل إلى الضفة الغربية هي أيضاً على جدول أعمال حزب إسرائيل بيتينو، حزب أفيغدور ليبرمان، أعلن وزير الدفاع السابق صراحة أنّه يجب على عرب إسرائيل الانتقال إلى الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، إضافة إلى ذلك، فيما يتعلق بضمّ الأراضي الفلسطينية، هناك أطراف أخرى على خط إيتمار بن غفير نفسه: الحزب الديني الصهيوني لبتسالئيل سموتريتش بالطبع، لكن أيضاً تشكيل يمينا "Yamina"، بزعامة نفتالي بينيت، تدافع أيضاً عن "الضم''؛ بل أقول إنّ قِسماً كبيراً من الليكود يريد الضمّ.

في إسرائيل نشهد تمرّداً لجيلِ أصبح ينتمي جزئياً إلى "إسرائيل"، والذي بذل الكثيرَ من الجهود للاندماج، لكنّه حصل في المقابل على قوانين إقصاء أقرّتها حكومة نتنياهو 2009

من الناحية الأيديولوجية، يشارك إيتامار بن غفير بقية اليمين هذه الفكرة الأساسية: هذا البلد يخصّ اليهود الإسرائيليين فقط، يمكن للفلسطينيين في نهاية المطاف البقاء في الأراضي الفلسطينية، لكنْ لن يكون لهم الحقّ في التصويت في حالة إجراء انتخابات، الأمر واضح كلّ الوضوح.

الاختلافات تتعلق بشكل أساسي بشكلِ وطريقة التعبير؛ إيتامار بن غفير أكثر استفزازية من بقيّة السياسيين اليمينيين، يعرف كيف يجذب الإعلام بِعبارات مروّعة، كما أنّ على وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة في هذا الأمر، لأننا نراه يتنقل من منصّة إلى أخرى على القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، إنّه حاضر أكثر بكثير من بعض النواب الذين تُعدّ أحزابُهم أكثر أهمية في الكنيست؛ بسبب هذه التغطية الإعلامية، يتوهّم الرأيُ العام كثيراً حول هذه الشخصية التعديّة والاستفزازية ألا وهو إيتمار بن غفير، وحول التهديد الذي يمثله هذا الحزب، الذي لا يمثل، مع ذلك، سوى القليل من حيث النظام الانتخابي (من ولاية واحدة إلى ولايتين).

اندلعت اشتباكات بشكل رئيس في مدن إسرائيلية مختلطة، والقليل منها نسبياً في القدس (التي تحتل إسرائيل الجزء الشرقي منه منذ عام 1967 وضمّته عام 1980) حيث السكان مختلطون مع ذلك: 300.000 يهودي إسرائيلي في القدس الغربية، و200.000 فلسطيني الحاصلون على إقامة، و200.000 مستوطن إسرائيلي في القدس الشرقية. إذاً السياق مختلف جداً في المدينة المقدسة وفي المدن المختلطة؟

السياق مختلف جداً؛ في المدن المختلطة، المتظاهرون مواطنون إسرائيليون منذ عام 1948، يُعبِّرون عن سخطهم من عدم تحسّن أوضاعهم. في القدس الشرقية، يختلف وضع الفلسطينيين تماماً، لأنّ هؤلاء السكان كانوا تحت السيطرة الأردنية حتى عام 1967، ولديهم الآن وضعُ "مقيم"، ولا يحملون الجنسية الإسرائيلية.

في إسرائيل نشهد تمرّداً لجيلِ أصبح ينتمي جزئياً إلى "إسرائيل"، والذي بذل الكثيرَ من الجهود للاندماج، لكنّه حصل في المقابل على قوانين إقصاء أقرّتها حكومة نتنياهو عام 2009؛ فهذا جيلٌ عاش بشكل رئيس خلال فترة نتنياهو وعانى من قوانين لجان القبول، ومن النكبة، والأهم من ذلك من قانون الدولة القومية للشعب اليهودي الذي يقول لهم بوضوح: أنتم مواطنون إسرائيليون، لكن هذه الدولة ليست لكم. على الرغم من أنّ أجدادهم، وهُمْ أنفسهم، نشؤوا في هذا البلد.

اقرأ أيضاً: كيف سينعكس تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة على المنطقة؟

من ناحية أخرى، تمّ ضمُّ القدس الشرقية؛ فهي بموجب القانون الإسرائيلي تحت السيادة الإسرائيلية، لكنّ فلسطينيّي القدس لا توجد لديهم العلاقة نفسها مع دولة إسرائيل؛ لقد درَس عربُ إسرائيل في جامعات إسرائيلية، وتناقشوا مع اليهود الإسرائيليين، لكنّهم الآن يشعرون بأنّهم مهمَّشون؛ إنّهم يعيشون في دولة ديمقراطية تعدّهم مواطنين من الدرجة الثانية. على العكس من ذلك، يرى الفلسطينيون في القدس الشرقية أنهم يعيشون تحت الاحتلال، ولا يشكلون جزءاً من دولة إسرائيل على الإطلاق.

لقد وَجَّهت الطبقةُ السياسية الإسرائيلية، كلّها تقريباً، نداءات إلى الهدوء؛ فماذا كانت تأثيراتها؟

بشكل عام، لم تُعبِّر الأحزابُ العربية كثيراً عن نفسها، لم تَدْعُ لجنةُ متابعةِ الأحزاب العربية إلى إضرابٍ عام نُظِّم في 18 (أيار (مايو، حتى ذلك الحين، كانت هذه الأحزاب السياسية منزعجة من وجود العنف، لكنّها لم تجرؤ على التعبير ضدّه أيضاً.

ومع ذلك، فإننا نلاحظ حالة خاصة مع القائمة العربية الموحدة Ra'am (1)؛ لأنّ هذا التشكيل لديه إستراتيجية اندماج أكبر في الحياة السياسية، إنّه يدرك أنّ الناخب العادي في المجتمع العربي يريد أن يهتم السياسيون بأوضاعه؛ لهذا السبب فكّر السياسي منصور عباس في الانضمام إلى نتنياهو، لإرضاء ناخبيه؛ فهو من خلال اقتراحه إعادة بناء معابد اليهود (الكُنس) التي أحرِقت خلال أعمال الشغب، يُظهر إشارةً جديدة على التقارب؛ هذا جزء من إستراتيجيتهٍ للاندماج بشكل أفضل في اللعبة السياسية الإسرائيلية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lesclesdumoyenorient.com


هوامش:

(1) القائمة العربية الموحّدة: ائتلاف سياسي يشمل أحزاباً سياسية عربية من عرب الـ 48، تم تأسيسها عام 1996 بعد قرار الحركة الإسلامية في إسرائيل خوضَ الانتخابات البرلمانية للكنيست.

(2) مثيبة أو يشيفا (تعني جلوس، وتلفظ بالعبرية: يِشيڤاه أو باليديشية: يشيڤِه): مدرسة يهودية دينية يتم فيها تعليم مصادر الهالاخاه (الشريعة اليهودية).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية