الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران: التزامٌ من أجل فلسطين

الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران: التزامٌ من أجل فلسطين

الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران: التزامٌ من أجل فلسطين


كاتب ومترجم جزائري
07/03/2024

ترجمة: مدني قصري

كان فرانسوا ميتران، وهو صديق دائم لإسرائيل، أول رئيس دولة أجنبي يتحدث، في آذار (مارس) 1982، أمام البرلمان الإسرائيلي، لكنّه تحدّث عن "الدولة الفلسطينية" هناك، ومنذ عام 1974 أيّد بشدّة الرئيس ياسر عرفات، الذي لم يتخلَّ عنه أبداً؛ هل هي مفارقة أم تماسك مسار؟ هذا ما نعرفه في التحليل الآتي.

في 4 آذار (مارس) 1982، وللمرّة الأولى منذ قيام دولة إسرائيل، خاطب رئيسُ دولةٍ غربيّ برلمانها، كان فرانسوا ميتران قد انتخِب قبل أقلّ من عام، وقد سبقته سمعتُه كـ "صديق لإسرائيل"، لكنّه جاء ليتحدّث عن الفلسطينيين، أمام النواب ومناحيم بيغن، نطق الرئيس الفرنسي بكلمات أثارت حفيظة رئيس الوزراء اليميني: "منظمة التحرير الفلسطينية"، و"الدولة الفلسطينية"، كانت كلماتُه بمثابة الشتيمة في ذلك الوقت في إسرائيل، خطابُ ميتران مهّد لفترةٍ سعت فيها فرنسا لفعل كلّ ما في وسعها لدعم القضية الفلسطينية، مع الحفاظ على مصالح إسرائيل.

بعد أربعين عاماً من الانتخابات الأولى لفرنسوا ميتران، في 10 أيار (مايو) 1981، صار حشدُه الدبلوماسي العسكري ينتمي إلى عصر آخر، بل حتى إلى عالم آخر، إذا قارناه بتخلي خلفائه عن مساره الدبلوماسي، بالتأكيد، تم استبعاد باريس في نهاية المطاف من مفاوضات عملية السلام التي احتكرتها الولايات المتحدة، وهي الحَكَم الوحيد الذي يعترف به الطرفان حقاً، لكنّ باريس حاولت لبضع سنوات الحفاظَ على ما رأته مرتبةَ فرنسا في المنطقة، باستخدام إستراتيجية في شكل فنِّ الممكنِ والتسوية.

خطاب تأسيسي

بهذا المعنى، كان الخطاب في البرلمان الإسرائيلي خطاباً تأسيسيّاً، لقد أكّد الرئيس الفرنسيّ؛ أنّ "الحوار يفترض الاعتراف المسبق والمتبادل"، وقد انتظر من منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بإسرائيل، في ذلك الوقت وصفها بـ "ممثلة المقاتلين"، هكذا كسّر ميتران الديناميكية الأوروبية لـ "إعلان البندقية"، المستوحَى والمدعوم من سلفه، فاليري جيسكار دستان. في 13 حزيران (يونيو) 1980، في اجتماع في البندقية، أعلنت أوروبا التسع (1) من المجموعة الاقتصادية الأوروبية، سلف الاتحاد الأوروبي، أنّها مستعدة "للمشاركة في سياق تسوية عالمية ضمن نظامٍ من الضمانات الدولية الملموسة والملزِمة، بما في ذلك على الأرض"، وكان "يجب أن تشارك منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات"، لكن أوروبا التسع رفضت ضمنياً السلام المنفصل بين مصر وإسرائيل، المبرَم في 17  أيلول (سبتمبر) 1978، في كامب ديفيد بالولايات المتحدة، من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، والرئيس المصري أنور السادات، تحت رعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.

هبط الجنود الفرنسيون في لبنان لإنقاذ ياسر عرفات جسدياً من أيدي الإسرائيليين، وفي 30 آب (أغسطس) 1982؛ قاموا بإجلاء زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، بحراً، من بيروت

أمام البرلمان الإسرائيلي صادق ميتران على كامب ديفيد، من خلال التأكيد على تفضيل "سلام يتمً شيئاً فشيئاً على سلام لم يتم على الإطلاق".

من دون فرنسا، يولَد القرار الأوروبي ميتاً، ولإفساحُ المجال لخطواتٍ صغيرة، قدّم فرانسوا ميتران العديد من التعهدات للإسرائيليين: فهو لم يلمّح إلى القدس الشرقية، التي ضمّتها إسرائيل، عام 1967، بمساحة تمتدّ حتى رام الله في شمال المدينة، وحتى بيت لحم في الجنوب تقريباً، ولا لأيّ ضمٍّ آخر في العام السابق، وهو ضمّ مرتفعات الجولان المأخوذة من سوريا، كما أوضح أنّه ليس من اختصاصه أن يقرّر الحدود الجغرافية لدولةٍ فلسطينية محتملة، نحن نعلم الآن أنّ طريقة الخطوات الصغيرة، بعد أربعين عاماً، قد انتهت بالفشل، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى الرفض الإسرائيلي لإقامة دولة فلسطينية.

مناحيم بيغن

هل كانت الديناميكية الأقل مرونة التي حدّدتها أوروبا التسع في البندقية قابلة للتطبيق؟ نظراً إلى غياب سياسة خارجية أوروبية حقيقية، كما هو واضح اليوم، فإنّ هذه الديناميكية قد لا يُعوَّل عليها، يقول المؤرخ جان بيير فيليو، مؤلف العمل المرجعي "ميتران وفلسطين" Mitterrand et la Palestine (طبعات فايارد 2005): "كانت البندقية قبل كل شيء ديناميكية خطابية". وكان الإسرائيليون ينظرون إلى فاليري جيسكار ديستان على أنّه استمرار لـ "سياسة فرنسا العربية" التي وضعها الجنرال ديغول.

وريث التحالف مع حزب العمل

في ذلك العام (1982) دخل فرانسوا ميتران المشهدَ بكثير من الأمل؛ حيث بدت العديدُ من التطورات في متناوله؛ "الحركة الصهيونية في ذلك الوقت لم تكن تتحدّث عن دولتين، ولا حتى عن الفلسطينيين، بل تحدّثت عن "لاجئين عرب"، كما تقول ليلى شهيد، صاحبة الصوت العظيم للدبلوماسية الفلسطينية، والتي كانت مندوبة عامة لفلسطين في فرنسا، منذ عام 1993 حتى عام 2005، ثم سفيرة فلسطين في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2015. لقد رأى ميتران أبعد ممّا رآه الإسرائيليون في ذلك الوقت، ولكن بعيونهم. في هذا الشأن كتب جان بيير فيليو: "لقد التزم من أجل فلسطين من منطلق الصداقة لإسرائيل"، لقد قال للإسرائيليين بشكل أساسي: "لن يكون لكم مستقبل في هذا الجزء من العالم إذا لم تعترفوا بحقوق الفلسطينيين، الذين هم جيران مباشرون، وفي أن تكون لهم دولة أيضاً"، تضيف ليلى شهيد.

 ويضيف فيليو في كتابه: "بالنسبة لفرانسوا ميتران، أصبح حقّ إسرائيل في وجودٍ آمنٍ ومعترف به لا ينفصل تدريجياً عن حقّ الشعب الفلسطيني في حياة كريمة في دولة".

تأمّل عرفات في غرفة الراحل ميتران، التي كانت مضاءة فقط بشمعة صغيرة، بدا ميتران نائماً، وصلّى عرفات بانفعال شديد، لقد كان مؤمناً، وأراد أن يقوم بهذه البادرة

وصل ميتران إلى إسرائيل حاملاً تاريخاً مشتركاً غنياً مع هذا البلد الشاب؛ فهو وريث تحالف إستراتيجي بين فرنسا وإسرائيل، مدفوعاً بالقسم الفرنسي لأممية العمال (SFIO)، سلف الحزب الاشتراكي (PS)، وعضو في الاشتراكية الدولية إلى جانب حزب العمل الإسرائيلي، مؤسس الدولة، التحالف الذي أدّى إلى حملة السويس عام 1956.

اقرأ أيضاً: للمرة الثالثة.. واشنطن تعرقل قرار وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين

باسم هذا التحالف، دعّمت الحكومات ذات الميول العمالية "SFIO" التي كان ميتران وزيراً فيها قبل وصول ديغول إلى السلطة، الدولةَ العبرية بفعالية: مبيعات طائرات مقاتلة، والمشاركة في مغامرة السويس، وقبل كلّ شيء المساعدة الحاسمة في إنشاء سلاح نووي إسرائيلي، بالنسبة للدول العربية، كانت فرنسا، أوّلاً وقبل كلّ شيء، قوة استعمارية. دخل ميتران الصراع في الشرق الأوسط بسمعة الرجل الذي أعلن بصفة وزير الداخلية، أنّ "الجزائر هي فرنسا"، والذي أرسل، وهو وزير العدل إلى المقصلة، أكثرَ من خمسين من مقاتلي الاستقلال الجزائريين.

الأممية الاشتراكية، إطار الاتصالات

فإذا لم يكن للرئيس آنذاك أيّة أُلْفَةٍ مع العرب، فإنّ نوعاً من السحر الغامض الذي ورثه عن تربيةٍ كاثوليكية وكتابية، جعله يرى إسرائيل على أنّها تواصلٌ لتاريخ الشعب اليهودي بأكمله، في برلمان القدس، حيّا "ممثلي شعبٍ نبيل وفخور ... في أرضه وبيته"، وأثناء إقامته، استشهد بكمٍّ هائلٍ من المراجع الكتابية (نسبة للكتاب المقدس)، لكن العربّ، الفلسطينيون على وجه الخصوص، لم يدخلوا في هذا الخيال، ومع ذلك، كما كتب جان بيير فيليو، فعندما تمّ انتخابه، "كان فرانسوا ميتران يتمتع بالفعل بتجربة فلسطينية أقوى بكثير من تجربة السياسيين الفرنسيين الآخرين"؛ فقد زار غزة عام 1972، والخليل عام 1976،  وبصفته السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، التقى برؤساء بلديات فلسطينيين في تلك البلدات وبشخصيات أخرى، وتم استقبالهم في باريس عام 1980، بعد الانتخابات الرئاسية، وقبيل زيارة الدولة إلى إسرائيل، استقبل رئيسَيْ بلديتَي الخليل وحلحول في قصر الإليزيه. وفي أعقاب تلك الزيارة قامت إسرائيل بطردهما.

الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر

بالإضافة إلى ذلك، كان ميتران قد التقى في السرّ بالفعل، للمرة الأولى، ياسر عرفات، عام 1974، خلال رحلة إلى القاهرة. في تلك الفترة، كانت العلاقات مع حزب العمل الإسرائيلي، بالطبع، في وضع جيد، وكانت هذه الصداقة بالضبط هي التي سمحت لميتران الدفاع عن قضية الفلسطينيين، كما قالت ليلى شهيد، في الأممية الاشتراكية، كانت هناك أيضاً أطراف عربية؛ "لقد لعبت الأممية الاشتراكية دوراً مُهِماً للغاية في التقارب، كان هناك أشخاص كانوا أكثر من مؤيدين للفلسطينيين بكثير، من فرانسوا ميتران، مثل برونو كريسكي؛ المستشار النمساوي، أو أولوف بالم؛ رئيس الوزراء السويدي، وكان هناك أشخاص أكثر دعماً للإسرائيليين. تقول ليلى شهيد، لقد لعب ميتران بالفعل دوراً تعليمياً للغاية، كان ذلك إطاراً مثالياً لتنظيم لقاءات إسرائيلية فلسطينية، قبل فترة طويلة من الاعتراف المتبادل، لقد شاركنا في تلك اللقاءات، نحن وكلّ الأطراف العربية اليسارية والأحزاب الإسرائيلية وحزب العمل الإسرائيلي ، أوميريتز Meretz، كانت لي محادثات متعمقة مع بيير موروا، ليس فقط عندما كان رئيس الوزراء، ولكن من قبل، عندما كان رئيس بلدية لِيلْ. لقد سمح له هذا بفهم ياسر عرفات والفلسطينيين، وما عانوه، وما كانوا يريدون القيام به، وإن كانوا معادين للسامية، أو معادين للصهيونية، وإن كانوا قوميّين، أو أناساً حديثين، أو متخلفين".

اقرأ أيضاً: هذا ما قاله وزير الخارجية الأمريكي بعد عرقلة قرار مجلس الأمن بخصوص فلسطين

وأضيف إلى هذه التجربة السياسية، بالنسبة إلى فرانسوا ميتران، الاقتناع بأنّ فرنسا يجب أن تستمر في لعب دور خاص في المنطقة؛ فهي لم تطرح نفسَها "لا كمُحكِّم ولا كوسيط"، لكنها تمثل جزءاً من "عدد قليل من البلدان التي تم تصنيفها منذ فترة طويلة، بحكم موقعها، وثقلها التاريخي، وصداقاتها، ومصالحها، كدولٍ محاورة تقليدية لشعوب الشرق الأوسط".

الفيلق الأجنبي الفرنسي عند الإنقاذ

اتبع الرئيس الفرنسي هذا التقاليد الطويل من الدبلوماسية التي تدعمها الوسائل العسكرية، في ذلك العام، 1982، ساند اتفاقيات كامب ديفيد، من خلال إرسال فيلق جوي فرنسي إلى القوة المتعددة الجنسيات، المسؤولة عن مراقبة إعادة سيناء من قبل إسرائيل إلى مصر، وبعد خمسة أشهر من بيانه إلى الكنيست، هبط الجنود الفرنسيون مرة أخرى في المنطقة، لإنقاذ ياسر عرفات جسدياً من أيدي الإسرائيليين، وفي 30 آب (أغسطس) 1982؛ قام الفيلق الأجنبي بإجلاء زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، بحراً، من بيروت المحاصرة من قبل جيش إسرائيل، كما أنّ الولايات المتحدة والحكومة اللبنانية كانتا أيضاً ضمن الحلقة، لكنّ الدبلوماسيين الفرنسيين قاتلوا من أجل أن يتمكن الزعيم الفلسطيني من أن يغادر في كرامة على متن السفن اليونانية، مع 10 آلاف من المقاتلين المسلحين، وكان الإجلاء محمياً من قبل الجيش الفرنسي، الوحيد الذي يثق فيه عرفات حقاً، ورافق عرفات السفيرُ بول مارك هنري. وتابع الإليزيه العملية مباشرة، و"صيف عام 1982  أنفق ميتران نصف وقته، أنا لا أبالغ، في إدارة أزمة بيروت. وقال جان بيير فيليو: إننا لم نرَ من قبلُ قط مثلَ هذا الاستثمار في القضية الفلسطينية".

الرئيس المصري الأسبق أنور السادات

بعد ذلك، أصبحت العلاقات بين فرنسا وإسرائيل متوتّرة للغاية، وقبل ذلك بقليل، واحتجاجاً على الغارات الإسرائيلية المدمرّة على العاصمة اللبنانية، حذّر ميتران من أنه لن يقبل بـ "أورادور 1 في بيروت"  (Oradour1)(2)، وأمام الاحتجاجات الإسرائيلية، وضع الإليزيه تل أبيب أمام "واقع الحقائق".

عام 1983، حدث إنقاذ آخر، وهذه المرة لمدينة طرابلس اللبنانية، المحاصرة من قبل القوات السورية والفصائل الفلسطينية المعارضة لعرفات؛ "باتخاذ هذين القرارين، أتاح لمنظمة التحرير الفلسطينية البقاء على قيد الحياة، وقالت ليلى شهيد: "بفضله أصبح الاستمرار ممكناً حتى اتفاقات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية".

ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية "عفا عليه الزمن"

ما انفكّ ميتران يواصل تقديم المساعدة السياسية للزعيم الفلسطيني، بعد أن سعى بكلّ ثقله حتى يستقبَل ياسر عرفات في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، كان فرانسوا ميتران هو أوّل رئيس في المعسكر الغربي يرحّب به رسمياً عام 1989، بمراسم استقبال رئيس دولة: كانت الإقامة في فندق "Crillon" الفاخر في باريس، ترافقه دراجات نارية وحفل عشاء، وافتتاح متحف اللوفر في منتصف الليل للزعيم الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: حقائق تكشف زيف مواقف النظام التركي من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين

زيارةٌ تميّزت بكلمة مشهورة. أمام كاميرات "TF1"، أخرج ياسر عرفات "أرنباً من كوفيته" كما يقول المثل الفرنسي، هذا المصطلح كان قد اقترِح عليه من قبل الرئاسة الفرنسية في ذلك الصباح: ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية عفا عليه الزمن"، هكذا قال عرفات بالفرنسية، في باريس، دفن الزعيم الفلسطيني النصّ التأسيسي للمنظمة، الذي يوصي "بالقضاء على الوجود الصهيوني والإمبريالي"، وبالتالي تدمير إسرائيل، وقد ظلّ فرانسوا ميتران يلحّ بشكل متزايد على حلّ الدولتين، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.

اعتراف المنظمة بإسرائيل في الجزائر عام  1988

في الواقع، لم يعد الميثاق الشهير بمثابة دليل لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد اعترفت المنظمة ضمنياً بإسرائيل في مؤتمرها في الجزائر العاصمة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، هناك، قبلت المنظمة القرارَ 242 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يضمن لدول المنطقة العيش بسلام، كما أكدت فرنسا صحة هذا التقدم من خلال منح التمثيل الفلسطيني في باريس، الوضعَ الدبلوماسي لـ "الوفد العام لفلسطين"، وهو  الوضع نفسه الممنوح إلى كيبيك، لكن الكلمات والرموز مهمة، بعد العمليات العسكرية، في عامَي 1982 و1983، كانت تمثل القوةَ الرئيسة لفرنسا، إن لم تكن القوة الوحيدة.

بالإضافة إلى ذلك، وإلى جانب خلفيته الثقافية والدينية، يتشارك فرانسوا ميتران ياسر عرفات الشعورَ السياسي المنفصل عن المشاعر والانفعالات، "ربما يكون ياسر عرفات قد أصيب بالإحباط بسبب تاريخ "SFIO"، ودور ميتران كوزير في ذلك الوقت، لكن ذلك لم يمنعه من امتلاك رؤية إستراتيجية. وينطبق الشيء نفسه على ميتران، الذي فهِم أهمية منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها"، تضيف ليلى شهيد.

اقرأ أيضاً: ضغط الشارع في أمريكا يكسر "تابو فلسطين"

فبالنسبة إلى هذه المرأة الدبلوماسية الفلسطينية، فقد بدا الرجلان متشابهين؛ "ميتران لم يُسلِّم نفسه إلا قليلاً، وكان على معاونيه ومحاوريه أن يفهموه بين السطور/ وكان عرفات مِثله تماماً. هذان الرجلان السياسيان العظيمان سلطويان في بعض الأحيان، لكنهما يعرفان أنّهما يمثلان مؤسسة، وليس نفسَيهما".

التحية النهائية أمام جثمان ميتران

مع ذلك، هناك رئيس فرنسي آخر، جاك شيراك، الذي يُذكَر بأنه "صديق العرب"، ويرجع الفضل بشكل خاص إلى فضيحة 22 تشرين الثاني (أكتوبر) 1996 الشهيرة، في البلدة القديمة بالقدس، عندما هدّد "بالعودة إلى طائرته" احتجاجاً على ضغط شرطة الاحتلال على الصحفيين الذين رافقوه، ثم عند استقباله لياسر عرفات العليل في مستشفى باريسي؛ صورة "شيراك العربي" تزعج جان بيير فيليو: "شيراك ليس صديقاً للعرب، إنّه صديق زعماء ورؤساء عرب، وعرفات لم يكن صديقه حقاً، عندما جاء عرفات إلى باريس، عام 1989، كان شيراك، عمدة المدينة، في الولايات المتحدة حتى لا يستقبله"ـ وهو موقف كان كذلك من بعض الاشتراكيين، مثل لوران فابيوس، رئيس البرلمان آنذاك، والذي رتّب مهمّة إلى الخارج خلال تلك الزيارة.

الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك

بعد ذلك، ابتداء من رئاسة شيراك، عام 1995، توقف نشاط فرنسا، وبدأت اتفاقات أوسلو في الانهيار، كان فرانسوا ميتران مريضاً جداً، وتوفّي في 8 كانون الثاني (يناير) 1996، وعند إعلان الوفاة، كان ياسر عرفات في طريقه إلى باريس، وفي المطار أخبرته ليلى شهيد بالنبأ، فأصرّ على الذهاب إلى سرير المتوفَّى، "ووافقت دانييل والأبناء.

إنّه رئيس الدولة الوحيد الذي استقبِل سراً. تم إرسال الوفد الموافق لعرفات إلى الفندق، وتم اصطحاب عرفات مباشرة إلى شقة الراحل، بالقرب من حي "أنفاليد" (Invalides)، برفقة رئيس أمنِه الخاص، فتأمّل عرفات وتذكر في غرفة الراحل، التي كانت مضاءة فقط بشمعة صغيرة، بدا ميتران نائماً، وصلّى ياسر عرفات بانفعال شديد، لقد كان مؤمناً، فأراد أن يقوم بهذه البادرة".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine


هوامش:

(1)  تعبير "أوروبا التسع"، الذي يبسَّط أحياناً بـ"التسعة"، ينطبق على جميع البلدان التي تنتمي إلى المجموعات الأوروبية (التي أصبحت الاتحاد الأوروبي)، بين عامي 1973 و1981، وفي عام 1981 تم توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل اليونان.

(2) مجزرة "أورادور سور غلان": مجزرة حدثت في قرية أورادور سور غلان  (Oradour-sur-Glane)،‏ التي تقع وسط غرب فرنسا؛ حيث اجتاحت القوات النازية الألمانية بقيادة الزعيم الألماني هتلر المدينة في شهر حزيران (يونيو) من عام 1944، وذلك خلال الحرب العالمية الثانية، وقاوم سكان المدينة الغزو بشدة، لكن في النهاية اجتاحتها القوات الألمانية وأبادت جميع سكانها، الذين كان عددهم 642 شخصاً، من بينهم 207 أطفال.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية