السودان.. مبدأ الفصل بين السياسة والدين

السودان.. مبدأ الفصل بين السياسة والدين


11/04/2021

عبدالله الجنيد

خطوة السودان في الفصل بين السياسة والدين صاحبها الكثير من اللغط والتشكيك نتيجة القُصور في المفاهيم، بل إن أهم مقاصد المشرع السوداني هو التأسيس لمفهوم جديد في العلاقة بين الدولة وهويتها. ويقصد بعَلمنة الدولة أخذها بمقتضيات مجموع العلوم تشريعاً في إدارة الشؤون العامة للدولة، وبما يضمن تحقيق المصلحة العامة من آليات.
مدارس الإسلام السياسي تعمدت أدلجة مفهوم «هوية الدولة» بهدف عضل الهوية الوطنية لها، وإخضاع وعي الفرد والمجتمع لإرادة الحزب، ومتى ما تم ذلك، أصبحت الدولة سهلة القيادة والاستحواذ على إرادتها. والتجربة السودانية خير برهان، لذلك نجد حجم الجدل الشعبي نسبياً في تقبل أو رفض ذلك انطلاقاً من الموقف من المفهوم لا المقاصد. فالقناعة العامة (الثقافة) الراسخة في وجدان السوداني هي أن العلمانية نقيض للقيم الإسلامية، وبمعني آخر: العلمانية كُفر بالإسلام.
وبمراجعة سريعة لإرث تجربة السودان مع الإسلام السياسي المؤدلج، نجده: بعثرة جغرافيته الوطنية، تعطيل التنمية، تحويله إلى أداة في الصراعات على حساب المصلحة العامة (أمنه القومي والإقليمي). واليوم يقرر السودان تحييد أداة تديين هوية الدولة في خدمة مصلحة حزب على حساب الدولة، ولقد راقبت بعض ردود الأفعال على ذلك القرار عبر الإعلام، ولم يفاجئني حجم الرفض لذلك القرار من قبل جمهور الأحزاب المُتأسلمة، وكذلك القواعد الجاهلة بذلك المفهوم. فكان دفاع الشريحتين متفقاً على أن ذلك كفر.

كلما حاورت مؤدلجاً من المدارس المُتأسلمة، أجدني في ضيافة قاموس اجتماعي ضئيل في محتواه الفكري وضحل الإدراك سياسياً، ومُرتَكز قناعاته هو إحياء الأمة الإسلامية ضمن سياق مفهومها التاريخي لا الحاضر. ويرفض هؤلاء حتى مراجعة بعض ذلك التاريخ، بل يصرون على تبرئة الدولة العثمانية من جريمة احتلال وتدمير العالم العربي، وما لحق به من توزيع بين المنتصرين عليها بعد الحرب العالمية الأولى.

فصل الدين عن السياسة هو أهم ما وصل إليه المشرع السوداني في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة، وسيمثل ذلك أهم أدوات تحقيق السلام في عموم أرض السودان ويؤسس لهوية دولة وطنية قادرة على تقديم ضمانات التسامح بين عموم أبنائه.
الدولة ليست متاعاً حزبياً قابلاً للتوريث بين قياداته فقط مخافة الاتهام بالكفر، واليوم نحن نشهد أكثر من ميدان صراع نتيجة ضياع الإرادة الوطنية من لبنان إلى تونس، ومن ليبيا إلى اليمن وصولاً للعراق نتيجة التفريط في مفهوم هوية الدولة الوطنية. فهل ستمثل الرؤية السودانية جديداً في القاموس السياسي والاجتماعي العربي، أم أن التجربة ستخضع لعواملها الخاصة؟
المجلس السيادي قد يمثل الإرادة الوطنية المُغيبة في هذه المرحلة الانتقالية، وقد يستمد من تجارب الشعوب القريبة والبعيدة بعض الدروس، وحتى الآن يبدو أن المجلس يمتلك من الحكمة الوطنية الكثير، ولديه قدرة على تحويل أماني السودانيين إلى واقع رغم التحديات. 

عن "الاتحاد" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية