السودان: هل بات الإفراج عن عمر البشير قريباً؟

السودان: هل بات الإفراج عن عمر البشير قريباً؟


20/04/2022

يبدو أنّ وجود ترقّب واسع في السودان للإفراج عن الرئيس السابق، عمر البشير، جعل صفحات الفيسبوك تعجّ بفيديو لشخص مرفوع على الأعناق، قيل إنّه البشير، دون توقف للسؤال عن صحّة هذا الفيديو، والذي تبين لاحقاً أنّه لقيادي من النظام السابق، بعد الإفراج عنه مطلع الشهر الجاري.

وعقب الإفراج عن عددٍ من قيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول، وقيادات عسكرية مرتبطة بالنظام السابق، ظهر تساؤل حول سبب هذا الإفراج، وهل هو تمهيد للإفراج عن البشير ورموز حزبه؟

وهناك فرضيات متعددة حول ذلك؛ بعضها يرى أنّ المكوّن العسكري ما هو إلا واجهة للنظام القديم، وأنّ مسألة الإفراج عن رموز هذا النظام آتية لا ريب، وآخرون يرون أنّ ما حدث انتصار للعدالة، بحكم المحكمة.

الإفراج عن قيادات سابقة

في السابع من نيسان (أبريل) الجاري، أطلقت السلطات السودانية سراح عدد من قادة نظام الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، بينهم عدد من قادة حزب المؤتمر الوطني المحلول، وعسكريون متقاعدون، بعد أن برأتهم محكمة من تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.

احتفال التيار الإسلامي بالقيادات المُفرج عنها

ومن بين المُفرج عنهم؛ القيادي السابق في حزب المؤتمر الوطني، اللواء المتقاعد أنس عمر، والقيادي إبراهيم غندور، الذي شغل منصب وزير الخارجية من قبل، ورئاسة حزب المؤتمر الوطني، ورئيس حزب دولة القانون والتنمية، محمد علي الجزولي. وتتعلق التهم التي وُجهت إليهم بتقويض النظام الدستوري، ومعارضة السلطة بالقوة الجنائية، وبررت المحكمة قرارها بعدم تقديم الادعاء العام حججاً ترقى إلى الإدانة.

الشارع السوداني يدرك أنّ النظام القديم ما يزال موجوداً بكلّ تفاصيله، وما يزال يتحكم في مفاصل الدولة، ومسألة حبس قيادي سابق أو إطلاق سراحه مسرحيات هزلية

وتعليقاً على ذلك، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي، محمد تورشين: أنّ "بعض المُفرج عنهم ينتمون إلى المؤتمر الوطني، وآخرين لا، ومنهم عسكريون وساسة، وجاء قرار المحكمة لعدم كفاية الأدلة في التّهم الموجهة إليهم". ولفت إلى أنّ "تقديم الأدلة مسؤولية النيابة العامة، وربما كانت التّهم الفضفاضة الموجهة إليهم، بسبب عدم وجود بيانات تتعلق بالجرائم المنصوص عليها في قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، لذا وُجهت إليهم تهم سياسة".

ومن جانبه، قال الناشط السياسي، هشام بلال طه: "شملت كشوفات مسجوني النظام السابق نخبتهم من الصف الأول والثاني، وربما الثالث، من المدنيين والعسكريين، وقد كان الاعتقال في بدايته سياسياً، على ما يبدو، لتأمين الثورة من أية هجمات مرتدة، ثم بات قانونياً باعتبار البلاغات ودعاوى الفساد ومخالفات القانون التي تم  توجيهها لبعضهم".

مسؤولية قحت

وأشار الناشط السوداني، في حديثه لـ "حفريات"، إلى مسؤولية الثورة وحكومتيها عن الإفراج عن هذه القيادات: "خلال ثلاثة أعوام كاملةً عجزت الثورة وحكومتها وقيادتها عن تقديم ملفّات إدانة حقيقية ضدّ النظام السابق ورموزه أمام القضاء، بالتالي، عجزت عن أيّة إدانة لرموز الإسلاميين، باستثناء إدانة واحدة للبشير، حكمها عامان في مخالفة تبدو إجرائية".

وتابع: "بل عجزت حكومة إعلان قوى الحرية والتغيير "قحت" عن تقديم، ربما نصفهم، للمحاكم تحت أيّة دعاوى، مكتفية طوال هذه المدة بحبسهم وتجديد حبسهم، مستغلة تسييس النيابة والأجهزة العدلية الموازية دون القضاء، وما صاحب ذلك من صخب وضجيج إعلامي وتظاهرات ضدّ النظام السابق وفساده وطغيانه".

هشام طه: عجزت الثورة وحكومتها وقيادتها عن إدانة حقيقية ضد النظام السابق

وكان 13 معتقلاً من رموز النظام السابق، من بينهم أنس عمر وإبراهيم غندور والجزولي، قد دخلوا إضراباً عن الطعام، استمر لمدة أسبوع، في كانون الثاني (يناير) الماضي، للمطالبة بتحويلهم للمحاكمة، بعد مرور أكثر من عامين على حبسهم دون محاكمة، وانتهى الإضراب بعد تحويلهم إلى المحاكمة، والتي نظرت في الاتّهامات، حتى صدور قرارها بالإفراج عنهم.

وذكر الناشط، هشام بلال طه؛ أنّ "ملف الدعوى ضدّ رموز النظام السابق، في رأي القانونيين، متهافت، ولهذا نالوا البراءة وحكماً بشطب الدعوى خلال ثلاثة أشهر". وأشار إلى أنّ "ما حدث من إفراج لن يكون الأخير، قياساً على الموقف نفسه، من تهافت ملفات الادّعاء العام".

هل تواطأ العسكريون؟

ولا يتفق رأى المعسكر الثوري مع طرح القانونيين، ويرى أنّ ما حدث مؤامرةً من العسكريين، الذين لهم سلطة على النيابة العامة، وبيدهم تقديم الأدلة التي تُثبت هذه التهم. ومقارنةً مع الإفراج عن رموز النظام السابق، يعتقل الأمن العشرات من قيادات وأعضاء لجنة إزالة التمكين، والمتظاهرين، وقيادات سياسية، منذ انقلاب/ أحداث 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

وعلى خلاف تّهم النظام السابق، فقد جاء القبض على رموز نظام قحت بناءً على دعاوى جنائية، وليست سياسية، وهو ما أوضحته القيادية بالحزب الشيوعي، المحامية آمال الزين، في منشور عبر فيسبوك: "أعضاء لجنة التفكيك متّهمون بتهم جنائية، وليست تهماً سياسية، والنيابة أو المحكمة المختصة وحدها هي الجهة التي يمكن أن تقرّر حول إدانتهم أو براءتهم من التهم المنسوبة إليهم، وأي حديث عاطفي أو سياسي هنا لن يجدي فتيلاً، ولا يجعلني أتراجع من خانة العارف إلى أية خانة أخرى".

ويرى الأكاديمي السوداني، محمد تورشين، في حديثه لـ "حفريات"، أنّه "رغم الإشكاليات في القضاء السوداني، وحاجة المنظومة العدلية كاملةً إلى إصلاح، إلا أنّ إطلاق سراح قادة من النظام السابق، تمّ لعدم وجود أدلة كافية لاتّهامهم".

د. محمد تورشين: إطلاق سراح قادة من النظام السابق، تمّ لعدم وجود أدلة كافية لاتّهامهم

ونفى أن تكون القيادة العسكرية هي من أطلقت سراح قيادات المؤتمر الوطني والمنظومة الإسلامية؛ لأنّ "العسكريين يعلمون خطر الإسلاميين عليهم، فلن يغفر الإسلاميون للعسكريين إطاحة اللجنة الأمنية، بقيادة بن عوف، ثم البرهان، بحكمهم".

ولفت إلى أنّ "محاكمة مدبري انقلاب عام 1989 من قيادات النظام السابق، وأيّ شخص تثبت عليه جرائم فساد، وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي مستمرة، ولن يُفرج عن المتهمين في هذه القضايا".

الأكاديمي محمد تورشين لـ "حفريات": أستبعد خروج البشير وعلي عثمان طه وأتوقّع أن يظلوا في السجون؛ لأنّ خروجهم يشكّل تهديداً لمصالح المجموعة الحاكمة

وفي مقابل ذلك، تحدث أحد النشطاء من الثوار، فضّل عدم ذكر اسمه، إلى "حفريات"، واصفاً ما حدث بأنّه "مؤامرة"، وقال: "خبر إطلاق سراح قيادات النظام السابق لم يلقَ اهتماماً من الشارع، ولا يكاد يوجد له ذكر على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنّ الشارع يدرك جيداً أنّ النظام القديم ما يزال موجوداً بكلّ تفاصيله، وما يزال يتحكم في مفاصل الدولة"، وشدّد على أنّ "مسألة حبس قيادي سابق أو محاكمته أو إطلاق سراحه كلّها مسرحيات هزلية".

هل يُفرج عن البشير؟

وعقب خروج قيادات النظام السابق من السجن، قوي موقف التيار الإسلامي، وشرع في استغلال شهر رمضان في الدعوة لإفطارات جماعية، وحلقات نقاش ومؤتمرات، بهدف مُعلن وهو "توحيد التيار الإسلامي".

ويطالب العديد من المنتمين لهذا التيار بالإفراج عن الرئيس السابق، عمر البشير، وقيادات النظام السابق ممن يزالون في السجون.

وبحسب الرؤى المتضاربة، بخصوص ما حدث من إفراج عن عدد من قيادات النظام السابق، يرى بعضهم أنّه لن يُفرج عن البشير، فيما يزعم آخرون أنّه غير موجود في السجن من الأساس.

ويقول الناشط هشام بلال طه: "لا يبدو أنّ أحداً يفهم ماذا يريد البرهان، وما هي خططه؛ فالرجل أتمّ سلطته بفضّ الاعتصام، ثم تمكين قوى قحت في السلطة، واعتقال الإسلاميين ومصادرة ممتلكاتهم خارج إطار القانون، ثم إنهاء سلطة قحت وحمدوك، في 25 تشرين الأول (أكتوبر)، واعتقال رموزهم، ومنذ ذلك الحين يدور الرجل في حلقة مفرغة والبلاد بلا حكومة".

ولفت إلى أنّ البرهان "لا يريد إعادة قحت، ولا يقوى على تشكيل حكومة منفرداً، ولا يملك التحالف مع الإسلاميين ربما بسبب ملف حميدتي الشائك، ثم الضغوط الإقليمية". ولهذا "لا أتصور أنّ إطلاق الإسلاميين يتعلق بعودتهم للحكم، أو يتعلق بشراكتهم مع البرهان، أو كسب ودّهم، خاصة في ظلّ وجهة نظر معلنة للإسلاميين بأنهم لن يدعموا البرهان وتسلط الجيش مرة أخرى".

ومن جانبه، أكّد الأكاديمي محمد تورشين؛ أنّ "السلطة لا تعرف إلا لغة المصالح، لا الخلفيات التاريخية، كما يقول من يرى أنّ الجيش امتداد للإسلاميين". وذكر أنّ "الجيش ربما يتعاون مع التيار الإسلامي، لكنّ مع الصفوف الثانية والثالثة من القيادات، لتشكيل حاضنة سياسية ونفوذ، لكن لن يتعاون مع قيادات الصفّ الأول".

وحول الإفراج عن البشير، قال: "أستبعد خروج البشير وعلي عثمان طه". وتوقّع أن "يظلوا في السجون؛ لأنّ خروجهم يشكّل تهديداً لمصالح المجموعة الحاكمة، لكن ممكن أن تحدث مصالحة وطنية يشترك فيها أبناء التيار الإسلامي بشقّيه؛ الوطني والشعبي، من المجموعات التي لم توجَّه إليها اتّهامات، وليست لديها سوابق جنائية وأمنية".

وفي السياق ذاته، يتوقع الناشط هشام بلال طه؛ أن "يحدث إفراج متدرّج عن البشير، ربما بتحديد إقامته، ومنعه من ممارسة السياسة والسفر"، وحول وجود رفض دولي لذلك، قال: "لا أتصوّر أنّه يوجد موقف دولي جادّ يمنع إطلاق سراح البشير".

ويذكر أنّه؛ عقب انقلاب/ الإجراءات التصحيحية في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، التي شملت قرارات تتعلق بتجميد الشراكة مع قوى "قحت"، صدر قرار بتجميد عمل لجنة إزالة التمكين، المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. وخلال الأشهر الماضية بدأت المحاكم السودانية في نقض قرارات اللجنة، خصوصاً ما يتعلق بفصل مئات من الموظفين من الخدمة المدنية، ومصادرة أموال وشركات ذات صلة بمن لهم علاقة بالنظام السابق، وألقت السلطات القبض على قيادات اللجنة بتهم الاستيلاء على الأموال والممتلكات المُصادرة.

مواضيع ذات صلة:

ماذا يعني إثبات علاقة انقلاب البشير بتنظيم "الإخوان"؟

حملات أمنية سودانية ضد فلول نظام البشير... ما التهم الموجهة إليهم؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية