السودان: هل تنجح قوى الوحدة والتغيير في بناء دولة المواطنة؟

السودان: هل تنجح قوى الوحدة والتغيير في بناء دولة المواطنة؟


15/09/2021

في السياسة من المستحيل إرضاء جميع الفرقاء، وهذا بالضبط ما تشهده الساحة في السودان، بعد الإعلان السياسي الجديد لوحدة قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)، الذي جاء بعد انقسامات بين المجلس المركزي واللجنة الفنية التي شكلتها أحزاب وقوى سياسية أعلنت استقالتها من المجلس احتجاجاً على آلية اتخاذ القرارات، وعلى رأسها حزب الأمة القومي.

ولا يعدو هذا الإعلان كونه مجرد إعادة لمّ شمل الأحزاب التي خرجت من قبل من مركزي قحت، وعلى رأسها حزب الأمة القومي، الذي نظم أهم تجمّع طالب بإصلاح مركزي قحت.

الإعلان السياسي لوحدة "قحت"

وقعت قوى سياسية سودانية منضوية تحت إعلان قوى الحرية والتغيير (قحت) والجبهة الثورية إعلاناً سياسياً في الخرطوم، يتضمّن إنشاء هيكل تنظيمي جديد لقحت والاتفاق على القضايا ذات الأولوية في المرحلة الانتقالية ودعم الحكومة الانتقالية والسعي للوصول لانتخابات نزيهة في نهاية المرحلة الانتقالية.

وحمل هذا الإعلان اسم "وحدة تحالف قوى الحرية والتغيير وقضايا الانتقال وبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية"، وأُعلن بحضور رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وقيادات سياسية، في حفل كبير، في الثامن من الشهر الجاري، ويعدّ تتويجاً لمبادرة حمدوك لعلاج اختلالات الفترة الانتقالية، في 22 حزيران (يونيو) الماضي، باسم "الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال ـ الطريق إلى الأمام" والتي جاءت استباقاً لدعوات من قوى ثورية بإسقاط الحكومة، وتفاعلاً مع الاجتماعات التي نظمها حزب الأمة وقوى سياسية باسم "اللجنة الفنية لمبادرة القوى السياسية"، والتي دخلت في صراع علني مع مجلس مركزي قحت، في أيار (مايو) الماضي.

اجتماع رؤساء ومقرري لجان المبادرة الوطنية الطريق إلى الأمام

وكان حمدوك قد أعلن، الشهر الماضي، طرح آلية لتنفيذ مبادرته، وقام بتسمية عدد كبير من الرموز السياسية والاجتماعية والقبلية كأعضاء في الآلية الوطنية المكلفة بتنفيذ المبادرة حول الانتقال الديمقراطي، والتي عقدت أول اجتماعاتها في 25 آب (أغسطس) الماضي، برئاسة رئيس حزب الأمة القومي، فضل الله برمة ناصر، وكان عدد من الزعامات القبلية شرق السودان وقادة حركات مسلحة من الموقعين على اتفاق السلام أعلنوا الاعتذار عن المشاركة في اجتماعات آلية مبادرة حمدوك، الأمر الذي أفقدها الزخم الوطني الكبير الذي رُوّج لها كإعلان سياسي جديد يشمل كافة المكونات الوطنية.

ونصّ الإعلان السياسي لوحدة قحت على إجراء تغيير هيكلي كبير داخلها، وتحديد القضايا ذات الأولوية، والاتفاق على إجراء الحوار مع القوى الموقِّعة، والتي لم توقّع، لتعزيز عمل قحت.

بغياب الزعامات القبلية المؤثرة في شرق السودان، وأبرز مكونات الجبهة الثورية الفاعلة، لم يتضمن الإعلان الجديد أكثر من إعادة لمّ شمل لمكونات "قحت"

وتضمّن إنشاء آليات جديدة لقيادة قوى الحرية والتغيير وتوحيدها، وهي:

 المؤتمر العام: ويضم قوى الثورة والتغيير المنضوية تحت راية قوى الحرية والتغيير.

والهيئة العامة: وستضم وتمثل كافة قوى الثورة والتغيير في الريف والحضر، وهي بمثابة الجمعية العمومية.

والمجلس المركزي: بمثابة أداة الهيئة العامة وجهازها الذي يضع الخطط والسياسات، ويرسم ويتابع التنفيذ،

وأخيراً المكتب التنفيذي: ومنوط به مباشرة العمل اليومي، وتنفيذ الخطط والسياسات التي يدفع بها المجلس المركزي.

وأكّد نصّ الإعلان على واجبات قحت ذات الأولوية، وهي: إصلاح قوى الحرية والتغيير بشكل عملي، وإنجاح الانتقال المدني الديمقراطي، ودعم الحكومة الانتقالية، وتكوين المجلس التشريعي الانتقالي.

رئيس حزب الأمة القومي، ناصر فضل برمة

وجاء في نصّ الإعلان؛ "هذا الإعلان أبعد من مجرد إعلان تحالف سياسي، بل هو تعبير عن قوى اجتماعية كبيرة ستدعم الانتقال وما بعده".

وشارك في الحفل رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، ورئيس الجبهة الثورية، عضو مجلس السيادة، الهادي إدريس، وقادة أحزاب سياسية وحركات مسلحة، ووقعت الإعلان قوى سياسية بارزة، وغابت عن التوقيع حركة العدل والمساواة، بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي، وحركات سياسية أخرى.

إعلان سياسي أم محاصصة؟

وبغياب الزعامات القبلية المؤثرة في شرق السودان، وأبرز مكونات الجبهة الثورية الفاعلة، لم يتضمن الإعلان الجديد أكثر من إعادة لمّ شمل لمكونات الحرية والتغيير، خصوصاً حزب الأمة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الهدف من هذا الإعلان، ويزيد من احتمال كونه ترضية سياسية ومحاصصة لقوى قحت.

ويرى الباحث في الدراسات الإستراتيجية، أبو بكر فضل محمد؛ أنّ الإعلان خطوة لجمع شتات الحرية والتغيير، وطيّ صفحة الخلاف بين حزب الأمة والمجلس المركزي لقحت، وأنّه نجح في ضمّ بعض أطراف العملية السلمية، لكن رغم أهمية هذه الخطوة إلا أنّها جاءت ناقصة، نتيجة غياب قوى سياسية مؤثرة على الساحة السياسية، وداخل مؤسسات الفترة الانتقالية، مثل: حركة العدل والمساواة السودانية، بقيادة الدكتور وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، والحزب الشيوعي، وحزب البعث، وجناح من تجمع المهنيين، وقوى سياسية ومطلبية ومجتمعية أخرى عديدة، هذا إلى جانب غياب المكون العسكري عن حفل التوقيع.

ومن جانب آخر، يرى عضو المجلس المركزي لـحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين؛ أنّ الإعلان يمثل حالة توافق إرادة جماعية لطيف واسع من قوى الثورة، حيث كانت هناك عدة تحديات تنظيمية داخل التحالف، وتباين حول قضايا سياسية ذات صلة بملفات الفترة الانتقالية، وجاء هذا الإعلان بعد نقاشات ومداولات جاءت مخرجاتها ممثلة لحدّ أعلى أجمعت عليه قوى الثورة، وعليه فإنّ ما حدث لم يكن توسلاً لأيّ حزب، بقدر ما هو استجابة لهمٍ عامٍ تشاركته كلّ قوى الثورة.

الرافضون للإعلان

وحول أسباب القوى السياسية الرافضة للإعلان، يقول الباحث أبو بكر محمد، لـ "حفريات"؛ إنها تتلخص في عدم الاتفاق على آليات اتخاذ القرار داخل هياكل الحرية والتغيير، وكذلك الخلاف حول أوزان القوى السياسية؛ حيث نجد قوى لا تتمتع بشعبية كبيرة لكنّها متزعمة ومسيطرة على مطبخ القرار في المجلس المركزي لقحت، وترفض إجراء إصلاحات وهيكلة تراعي أوزان قوى مؤثرة أخرى مثلت حاضنة جديدة بعد توقيع اتفاقية جوبا للسلام.

عضو المجلس المركزي لـحزب المؤتمر السوداني، نورالدين صلاح الدين

وبخلاف ذلك، يرى السياسي صلاح الدين، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ البلاد ليست في مرحلة سباق انتخابي حتى يظهر حديث الأوزان الجماهيرية والثقل السياسي، وهذه المرحلة شرعيتها هي التوافق على متطلبات معينة، وقال: "وفي هذا، سواء كنا قوى مدنية أو من قوى الكفاح المسلح؛ فإننا نتواضع لخدمة أجندة التحول الديمقراطي وتهيئة المسرح للانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، وحينها فلنتحدث عن الثقل الجماهيري والسياسي.

وكانت قوى سياسية اتّهمت رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، بالانحياز إلى أطراف سياسية بعينها، وهو ما رفضه صلاح الدين، وقال: رئيس الوزراء يتحرك من مسافة واحدة نحو الجميع، ولا يوجد ما يسوغ انحيازاً لأيّ طرف، هذا إن كانت هناك أطراف من أساسه، وأعتقد أنّ قضية رئيس الوزراء الأساسية هي وحدة قوى الثورة والحرية والتغيير، باعتبارها الحاضنة السياسية وصاحبة السند والدعم لحكومته، والتي إذا ما أراد لها النجاح فلا مناص له إلا تماسك جبهتها الداخلية.

آمال وشكوك

وكان الخلاف حول آلية اتخاذ القرار داخل مركزي قحت أهم أسباب خروج حزب الأمة وغيره من المجلس، ولهذا جاءت هيكلة آلية اتخاذ القرارات داخل "قحت" كأولوية في الإعلان الجديد، ولا يضمن ذلك حلّ هذا الخلاف، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة.

وحول ذلك، قال صلاح الدين؛ واحدة من أهم التحديات التي واجهتها الحرية والتغيير قدرتها على الاستجابة لمهامها الجديدة في سودان ما بعد الثورة، بالتالي، هي مهام مختلفة عن مهام المقاومة، وهذا عين ما فعلته الحرية والتغيير بإعادة هيكلة التحالف بشكل يجعله أكثر قدرة واستجابة لتلبية أهداف المرحلة.

الباحث أبو بكر فضل لـ "حفريات": لا بدّ من مواصلة الحوار الجاد مع الأطراف الأخرى خارج الإعلان؛ من قوى الحرية والتغيير وأطراف الجبهة الثورية لإكمال عملية التوافق

ومن جانب آخر، يشكّك أبو بكر فضل محمد في حلّ مشكلة اتخاذ القرار داخل قحت، ويقول: هناك اتفاق على أربعة هياكل تمثل الأجسام الإدارية لقحت، لكن في ظنّي المشكلة ليست في الهياكل بقدر ما هي في التمادي في عدم تنفيذ ما اتفق عليه، وعدم احترام الآليات والعمل من خارجها، وعدم الالتزام والتقيد ببنود الإعلان السياسي.

وأضاف: لضمان نجاح هذه الآليات الجديدة؛ لا بدّ من مواصلة الحوار الجاد مع الأطراف الأخرى خارج الإعلان، من قوى الحرية والتغيير وأطراف الجبهة الثورية، لإكمال عملية التوافق وتحقيق هيكلة لقحت تلبي التطلعات وتزيل المخاوف، للوصول إلى حاضنة سياسية واحدة موحدة قوية، تسند الحكومة في مسيرتها للانتقال الديمقراطي، وتحقيق أهداف الثورة والوصول إلى الانتخابات القادمة بنهاية الفترة الانتقالية، وإلا تكون المحصلة النهائية؛ أنّ الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية أصبحت متعددة مراكز القوى.

الباحث في الدراسات الإستراتيجية، أبو بكر فضل محمد

وفي حديثه لـ "حفريات"؛ شدّد السياسي صلاح الدين، على أنّ الباب لن يكون موارباً أبداً أمام كلّ القوى الثورية المؤمنة بميثاق الحرية والتغيير، والذي يمثل لها الإعلان السياسي وجهة سياسية مقنعة، وضامنة لتحقيق العبور الآمن للفترة الإنتقالية.

ويعدّ تشكيل المجلس الانتقالي التشريعي من أهم التحديات التي تواجه شركاء الحكم في السودان، وهي قضية تتجاوز الخلافات داخل "قحت"، نظراً لتقاطعها مع آلية اتخاذ القرار على مستوى مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وحال نجاح قحت في شكلها الجديد في الدفع نحو تشكيل المجلس سيكون ذلك مثالاً بارزاً على حدوث تغيير حقيقي، خاصة أنّ هذه القضية كانت حاضرة بقوة في مطالبات حزب الأمة بإصلاح مركزي قحت، وكذلك في نصّ الإعلان السياسي الأخير لوحدة قوى "قحت".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية