الضعفاء المنكسرة قلوبهم يتركون ضريح السيدة زينب وحيداً

كورونا

الضعفاء المنكسرة قلوبهم يتركون ضريح السيدة زينب وحيداً


31/03/2020

في نهاية آذار (مارس) من كل عام، ومنذ عشرات الأعوام، يجتمع المصريون باختلاف أطيافهم الدينية والاجتماعية، ومن كلّ قطر في البلاد، على أبواب ضريح حفيدة الرسول الكريم "السيدة زينب"، رضي الله عنها، أو "أم العواجز"، كما يحب أن يسميها الضعفاء والمنكسرة قلوبهم، لكن يبدو أنّ "الطاهرة أمّ العواجز" ستبقى وحيدة هذا العام، دون مريض يتبرّك بها ليشفى، أو فقير يطلب كرمها فيرزق.
وخيّم فيروس كورونا المستجد بشبحه على مصر، فمنعت حتى صلوات المساجد، وتمّ إلغاء أكبر احتفال ديني في البلاد، للمرة الأولى في تاريخه.

الشوارع باتت شبه خالية، حتى في منتصف المدينة دائمة الزحام

القاهرة في سبات
لم يكن ليخطر ببال الشاعر أحمد مخيمر، الذي أنشد "بنت المعز القاهرة حتى الصباح ساهرة"، أن يحلّ عليها كورونا فتنام فور غروب الشمس، خاصّة بعد أن أعلن رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، صباح الثلاثاء الرابع والعشرين من الشهر الجاري، حظر التجوال الجزئي، ضمن حزمة قرارات تتخذها الدولة لمكافحة الفيروس المستجد، كما أعلن أنّه سيتمّ العمل بمقتضى قانون الطوارئ، وعليه فإنّ غير الملتزمين بالحظر الذي أعلنته الدولة سيتعرضون لعقوبات تبدأ من غرامة مالية، وتصل إلى السجن، لمكافحة انتشار العدوى، لكنّ أكثر المشاهد الغريبة على القاهرة كانت خلو ساحات ميدان السيدة زينب، والذي لا يخلو أبداً من القاصدين، والمشردين الذين يفضلون السكن إلى جوارها، خاصة مع اقتراب مولدها، الذي أعلنت الدولة أيضاً إلغاءه، إضافة إلى إلغاء صلوات الجماعة بالمساجد، وصلاة الجمعة، وكذلك القداسات في جميع كنائس الجمهورية، وحرصت الأوقاف على إضافة فقرة لصيغة الآذان بقول المؤذن "صلّوا في رحالكم"، حتى لا يهرع المصلون إلى المساجد، حالها حال المدارس والجامعات، التي أعلنت الدولة تعطيل الدوام بها، حتى منتصف نيسان (أبريل) المقبل.

ربما تكون فرصة نادرة للمضي قدماً في مشروعات إبداعية مؤجلة، أو توطيد روابط العائلة التي عصف بها الفضاء الإلكتروني

غير أنّ هذا الحظر الجزئي، والذي بدأ ربما قبل أن يعلن رسمياً، فالشوارع باتت شبه خالية، حتى في منتصف المدينة دائمة الزحام، ما أضرّ بشرائح عديدة، خاصة الباعة في الأسواق الشعبية، والتي تكثر في منطقة وسط القاهرة، والتي تضمّ حيّ السيدة زينب، وأسواقاً كبيرة مشهورة مثل: "سوق العتبة، الموسكي، الأزهر وخان الخليلي"، إذ أصبحت الشوارع شبه خالية من المارة، وتقلصت حركة البيع والشراء بشكل كبير.
وازداد الأمر وطأة بعد أن تضمّن قرار حظر التجوال غلق جميع المطاعم والكافيهات والمقاهي الشعبية، مستثنين من القرار متاجر الأغذية والصيدليات، الأمر الذي زاد ضجر الناس وضاعف مخاوفهم، من المرض وضيق ذات اليد معاً، وهو ما عبّر عنه، أحمد عبد التوّاب، 43 عاماً، صاحب مقهى "الخديوي" الشعبي في منطقة السيدة زينب، في حديثه لـ "حفريات": "بدأ عدد مرتادي المقهى المعتادين في التقلص من منتصف آذار (مارس) الجاري، بعد تحذيرات الحكومة، وبدأ الدخل اليومي في التناقص حتى أصبحت بالكاد أدفع الرواتب اليومية للعاملين، والكلّ يعتقد أنّ الأمر سينتهي بحظر تجوال كامل على غرار ما يحدث في أوروبا".
لم تطل الأزمة الباعة الجائلين وحدهم؛ بل انضمّ إليهم الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى

الخوف سيد الموقف
وأردف: "وعليه فإننّي لن أقدر على دفع رواتب يومية لـ 12 عاملاً، يعيشون بالأجر اليومي ويعيلون أسرهم، وسأدفع الإيجار والفواتير من مدخراتي، ولا أعرف إلى متى سيستمر هذا الأمر، لكنّ كلّ ما أشعر به هو الخوف الشديد على مصدر دخلي الوحيد، وشعوري بالذنب تجاه العمال الذين لا أملك مساعدتهم".

اقرأ أيضاً: بسبب كورونا.. محمد رمضان يثير الجدل مجدداً
ويبدو أنّ صاحب المقهى ومخاوفه ليست ببعيدة  عن بائعي السلع الأساسية في الأسواق، الذين يتخوفون من غلاء الأسعار الذي حدث بالفعل لأسعار بعض الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم، بينما يضمن للتجار الكبار، مزيداً من الأمان لمدخراتهم، ورؤوس أموالهم، يبقى الباعة الجائلون الذين يجلبون كميات صغيرة من الخضروات والفواكه، يبيعونها ويتحصلون على قوت يومهم هو التحدي الأصعب، بالنسبة للدولة، فمكوث هؤلاء في بيوتهم يعني الجوع الحتمي لآلاف الأسر، وقد أعلنت الدولة تخصيص مبلغ 500 جنيه مصري، لكلّ متضرر من العمالة غير الرسمية، لكن ما من آلية معلنة حتى الآن لمعرفة كيفية تحصيل هؤلاء، المقدّرة أعدادهم بمئات الآلاف عبر أنحاء الجمهورية، على المبلغ المخصص لهم من الدولة، ويبقى خوف هؤلاء من الجوع يفوق الخوف من العدوى والموت.

أخصائية نفسية لـ "حفريات": على الناس التشبث بالأمل والتحلي بالصبر، فالعالم بأسره يعيش حالة استثنائية بسبب كورونا

لم تطل الأزمة الباعة الجائلين وحدهم؛ بل انضمّ إليهم الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى، خاصة من المعلمين الذين يرتكنون في أجورهم إلى عائدات الدروس الخصوصية، كما أنّ الآلاف منهم يعملون وفق ساعات العمل في المدارس الخاصّة، أمّا معلمو المدارس الحكومية، فالراتب أقل من أن يكفيهم بمفردهم على أن يكفي أسرهم؛ إذ أغلقت الحكومة مراكز الدروس الخصوصية، التي كان يجمع المعلم منها في الحصة الواحدة قرابة 10 إلى 50 طالباً، وها هي قد أغلقت، بينما لا يقدر معظم أولياء الأمور على دفع قيمة الدرس المنزلي، ومن يقدر يخشى على نفسه وأطفاله من العدوى؛ إذ كانت تلك أبرز التحديات التي شرحها الأستاذ محمد الحسيني، مدرس الرياضيات بمدرسة الحلمية الجديدة بوسط القاهرة، في حديثه لـ "حفريات" قائلاً: "يبدو أنّ الدراسة قد علقت لأجل غير مسّمى، خاصة بعد أن أعلنت وزارة التربية والتعليم، إلغاء امتحانات المرحلة الابتدائية كاملة، إضافة إلى الصف الأول والثاني الإعدادي، وهو ما تسبّب بخسارة العديد من المعلمين 50 إلى 80% من دخلهم الشهري تقريباً، وما من سبيل آخر لتعويض تلك الخسارة التي لا نعلم متى ستنتهي".

تروما جماعية
يعيش المصريون أياماً استثنائية بلا نزاع؛ من إغلاق لدور العبادة، والمناطق الأثرية، والمقاهي والمطاعم، حتى المدارس والجامعات، والمصالح الحكومية والمواصلات العامة، وأماكن التنزه والترفيه أغلقت أبوابها في محاولة للسيطرة على الفيروس التاجي الذي ينتشر بلا هوادة، وهو ما سيتسبب بحالة من العزلة والكآبة، والتي شكا منها الشعب الصيني الذي يستفيق لتوه من أكبر عملية حجر صحي في التاريخ، دفعت الأطباء النفسيين في الصين إلى بثّ جلسات دعم نفسي للقابعين في منازلهم، بحسب ما بثته وكالة "فرانس 24"، حتى لا ينهار الناس تحت طائلة الحجر، وهو ما دفع الشعب الإيطالي وفق مقاطع الفيديو التي تبث على مواقع التواصل، إلى الخروج في الشرفات وممارسة الغناء الجماعي والتصفيق ومواساة بعضهم البعض، وهو ما سيحدث في مصر بالطبع، وعلى الناس التسلح ضدّ هذه الكآبة التي ستلوح في الأفق بعيد أيام قليلة من فرض حظر التجوال، وبحسب أخصائية الصحة النفسية، الأستاذة سلوى وقّاد، في حديثها لـ "حفريات": "على الناس التشبث بالأمل والتحلي بالصبر فالعالم بأسره يعيش حالة استثنائية".

اقرأ أيضاً: لماذا تساعد الصين أوروبا في مواجهة وباء كورونا؟

وأضافت: "الأهم من الحجر كيفية إدارة الأزمة ووقت الفراغ الذي سيشعر به الناس بعد قليل، فممارسة الرياضة المنزلية أمر مهم جداً للحفاظ على لياقتهم الذهنية قبل الجسدية، والتحدث مع أفراد الأسرة، والجلسات العائلية التي يراعى فيها الحفاظ على المسافات، كما أنّ القراءة وإمضاء الوقت في ممارسة هواية مفضلّة شيء مهم للغاية، وتقليص استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، سيقلل من نوبات القلق التي تصيب الناس في تلك الأوقات، إضافة إلى التحدث مع المقربين عبر الكاميرا أو الهاتف، فضلاً عن انتقاء الطعام الصحي، الذي بدوره سينعكس على صحتهم النفسية قبل الجسدية، ربما تكون فرصة نادرة للمضي قدماً في مشروعات إبداعية مؤجلة، أو توطيد روابط العائلة التي طالها ما طالها من الفضاء الإلكتروني، فقليل من إدارة الوقت سيقلل من التبعات النفسية الكبيرة التي يعيشها الكثير من المصريين، خاصة من مرضى الاكتئاب والقلق والوسواس القهري، الذين ستكون معاناتهم أكبر من الأصحاء".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية