الطريق إلى كابل: هل عودة طالبان لحكم أفغانستان مسألة وقت؟

الطريق إلى كابل: هل عودة طالبان لحكم أفغانستان مسألة وقت؟


11/07/2021

عادت حركة طالبان لتفرض نفسها بقوة في أفغانستان، لتثبت أنّها الأكثر قدرة على استلام البلاد والعودة للحكم مرة ثانية، بعد انتهاء عملية انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من البلاد المفترضة في أيلول (سبتمبر) القادم.

ففي غضون الأشهر القليلة الماضية أصبحت الحركة منتشرة في كثير من الولايات وتطوق العديد من المدن الكبرى، ومع تضاعف انتصاراتها العسكرية، وهروب العديد من الجنود إلى دول مجاورة، أصبح احتمال وصول طالبان إلى السلطة كبيراً جداً، أشار إلى ذلك تقرير هيئة الاذاعة البريطانيةBBC  الذي أكد أنّ "السبب في عودة طالبان الانسحاب السريع لبقية القوات الغربية من أفغانستان هذا الشهر، مما شجع عناصر الحركة، فبدأت بالتوسع والاستيلاء على عدة مناطق واحدة تلو الأخرى، واجتاحت القواعد التي استسلمت فيها القوات الحكومية المحبطة في كثير من الأحيان، أو فرت هاربة".

عادت حركة طالبان لتفرض نفسها بقوة في أفغانستان لتثبت أنّها الأكثر قدرة على استلام حكم البلاد ثانية

هذا ما أكده عضو فريق مفاوضي طالبان، شهاب الدين ديلاور، الذي صرح خلال مؤتمر صحفي في موسكو أنّ حركته تسيطر على أكثر من 85% من أراضي أفغانستان، ومن ضمنها نحو 250 إقليماً من بين 398 في البلاد، هذه الصعود وتلك العودة السرية يطرح سؤالاً مهاماً للغاية، فهل باتت طالبان على مقربة من الوصول للحكم مرة ثانية، لتعيد أفغانستان لأجواء التسعينيات، أم أنّ مؤسسات الدولة الأفغانية بمساندة الإدارة الأمريكية ستحول دون ذلك، وفي حال وصول طالبان للحكم ما تأثير ذلك على تنظيمات الجهاد العالمي القاعدة وغيرها؟

شهاب الدين ديلاور

يقول الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب: بات وصول هذه الحركة للحكم مؤكداً من خلال الدلائل والشواهد التي سبقت ولحقت انسحاب أمريكا من قاعدة باجرام، مضيفاً في تصريحه لـ"حفريات": "الواقع يؤكد أنّ طالبان تمددت في ظل انسحاب أمريكي يمكن قراءته على أنّه هزيمة، خاصة وأنّها احتلت أفغانستان بهدف إزاحة طالبان من الحكم، وها هي الآن تخرج وتسلم أفغانستان لهذه الحركة المتطرفة".

 ورجح أديب، أنّ السبب يعود لفشل الإرادة الأمريكية والدولية في القضاء التام على التنظيمات الإرهابية وطالبان وحليفتها "القاعدة"، ولفت إلى أنّ "واشنطن لا تريد القضاء على طالبان، أو أنها غير قادرة على ذلك وهو الأرجح، فهي تتعامل مع التنظيمات الإرهابية وفق ما يمكن أن يحقق أهدافها".

منير أديب: الواقع يؤكد أنّ طالبان تمددت في ظل انسحاب أمريكي يمكن قراءته على أنّه هزيمة

 وأضاف: لا يجب أن ننسى أنّ القاعدة تمددت أصلاً برضا أمريكي أو على الأقل بغض الطرف عن نشاطاتهم الإرهابية طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات عندما توافقت مصالح الولايات المتحدة مع أهداف الجماعات الإرهابية في محاربة الاتحاد السوفيتي وقتها.

اقرأ أيضاً: طالبان تتقدم سريعاً... ماذا سيحدث في أفغانستان؟.. سيناريوهات متوقعة

هذا التهاون الأمريكي، وفق أديب، في مواجهة الإرهاب والإرهابيين وجذورهم، هو ما مكن طالبان من أن تصبح قوة عسكرية وسياسية يحتمل أن تصل إلى الحكم قريباً، مشيراً إلى أنّ رؤية الإدارة الأمريكية الحالية للتنظيمات الإرهابية هي ذات الرؤية لإدارة أوباما التي ترى التعامل مع كافة التنظيمات حسب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وحسب أجندتها التي تتغير بشكل مستمر، والأجندة الأمريكية حالياً ترى تسليم أفغانستان إلى الحكومة الأفغانية دون أي مساندة مما يعني ترك البلاد لتقع فريسة في أيدي طالبان.

منير أديب: سيطرة طالبان انتصار للإرهاب سيتبعه انتعاش لتنظيم القاعدة وعودته للساحة من جديد

 وأشار أديب، إلى أنّ أهم ملامح التخلي الأمريكي عن كابل، الإسراع في مغادرة قاعدة "باجرام" وتسليمها رسمياً للقوات الأفغانية الضعيفة والتي لا يمكنها القضاء على طالبان وحدها، في نفس الوقت تزداد حركة طالبان قوة ونفوداً وتوسعاً في عملياتها الإرهابية، مستهدفة السيطرة على أكبر عدد من المقاطعات والأقاليم لتطويق المدن الكبرى، مؤكداً، أنّ طالبان تعتمد على خبراتها العسكرية القديمة التي يمكنها التعامل مع طبوغرافية البلاد بمهارة شديدة وامتلاكها "فرقاً قتالية قوية" متخصصة في الهجمات الخاطفة وقادرة على أن تتقدم إلى الأمام بسرعة وتسيطر على المواقع المهمة.

ويتابع: إضافة إلى أنّ تواجد الحركة في جميع مناطق البلاد يمنحها قوة إضافية ويسمح لها بتنفيذ عدة هجمات عسكرية يصعب للجيش الأفغاني الرسمي التصدي لها، ولقد نجحت بالفعل في خطتها وسيطرت على حوالي 75 بالمئة من مساحة البلاد، منها 70 مقاطعة منذ بداية هذا العام فقط، وفي حال تمكنت من الاستيلاء على مزيد من المدن، فهذا يمكن أن يقود إلى انهيار الحكومة، ويزيد من احتمالية صعود طالبان للحكم، وهذا في حد ذاته انتصار للإرهاب سيتبعه انتعاش لتنظيم القاعدة وعودته للساحة من جديد لكن بشكل وصيغة جديدة وأسماء جديدة ورموز قيادية مناسبة للدور الوظيفي المساند لطالبان، ما يعني أن خطر الإرهاب العالمي قادم.

عمرو فاروق: أولويات السياسة الأمريكية تغيرت بشكل ملحوظ ولم تعد محاربة الإرهاب والتطرف الأصولي على رأس أجندتها

من جهته، يرى الكاتب والباحث في التنظيمات الأصولية المتطرفة، عمرو فاروق، أنّ "الاعتراف الأمريكي بطالبان كقوة سياسية بدأ عندما قبلت واشنطن التفاوض مع الحركة بعد أن أمضت قرابة عشرين عاماً تحاربها"، مؤكداً لـ"حفريات" أنّ "السياسة الأمريكية في أفغانستان متغيرة وتقوم على توظيف القوى الأصولية المتطرفة المسلحة لصالحها، ففي السبعينيات ساعدت فصائل ما كان يعرف بالمجاهدين الأفغان بإمدادهم بالسلاح والمال وبخبراء ليدربوا مليشياتهم على القتال والعمليات الخاصة، ثم استخدمت اندفاعهم وتورطهم في عمليات ضد المصالح الأمريكية لشن حرب شاملة عليهم في بداية الألفية الثالثة، وطالبان لا تنفصل عن القاعدة، ولها التزامات ثقافية وعائلية وسياسية ستظل غير قادرة على التخلي عنها بالكامل.

اقرأ أيضاً: سنقاتلكم كقوات غازية: طالبان ترفض الوجود التركي في أفغانستان

 ويتابع: مؤخراً نظرت الإدارة الأمريكية إلى القاعدة وطالبان بنظرة مختلفة لا تقوم على تصفيتهما ولا على إنهاء وجودهما، بل على إعطائهما مساحة للحركة والوجود وقبلة للحياة، فأولويات السياسة الأمريكية تغيرت بشكل ملحوظ، ولم تعد محاربة الإرهاب والتطرف الأصولي، تحتل رأس الأجندة الأمريكية، بعد أن ظهرت الصين كمصدر تهديد اقتصادي رأت الإدارة الأمريكية التفرغ له، والاكتفاء من محاربة التنظيمات الإرهابية المسلحة، ربما في هذا السياق كان تصريح وزير الخارجية الأمريكي الأسبوع الماضي أنّ القاعدة وطالبان لم تعودا تمثلان تهديداً للولايات المتحدة، بما يعني رفع يدها عن ملاحقة القيادات القاعدية، ثم يأتي الإسراع بالانسحاب من أفغانستان ليؤكد أنّ أمريكا لم تعد ترى طالبان والقاعدة عدواً كما كان الأمر في السابق.

فاروق: لم تحاول الإدارة الأمريكية تقوية الحكومة الأفغانية لتواجه طالبان بل تركتها منقسمة وضعيفة ينهشها الفساد

ويضيف فاروق: "ربما هناك رضا أمريكي عن وصول طالبان للحكم، فقد كانوا يدركون جيداً أنّ سحب قواتهم من أفغانستان سيؤدي إلى انهيار النظام الأفغاني وأنّ القوة العسكرية الجاهزة لاستيلام الحكم هي طالبان؛ لهذا جرى التفاوض معهم على مدار عامين، في الجهة المقابلة، لم تحاول الإدارة الأمريكية أن تقوي الحكومة الأفغانية لتواجه طالبان بل تركتها منقسمة وضعيفة ينهشها الفساد".

ويرى فاروق أنّه "في حال وصلت طالبان إلى السلطة، لا يمكن توقع عودة القوات الأمريكية وإعادة نشرها في أفغانستان، فذلك سيكون بمثابة "انتحار سياسي" لجو بايدن، لكن المتوقع أن تصبح أفغانستان غرفة جهادية وقبلة لكثير من التنظيمات القاعدية، على وجه الخصوص التنظيمات التي في أفريقيا، أو جنوب شرق آسيا"، مرجحاً أنّ "ثمة تراجعاً كبيراً في حقوق الإنسان ستشهده أفغانستان، وإن كان بدرجة أقل عما كان الحال عليه في التسعينيات، حتى لا تتورط طالبان بمواقف حادة الغرب".

اقرأ أيضاً: تركيا توسع نفوذها في أفغانستان... ما أهداف أردوغان؟ وما موقف طالبان؟

يذكر أنّ طالبان قالت على حسابها في تويتر أنّها قامت برفع رايتها على مناطق عدة من أفغانستان، وقالت وزارة الدفاع الأفغانية حسب موقع sputniknews إنّها أرسلت قوات خاصة إلى ولاية بدخشان الحدودية شمال شرقي البلاد لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها طالبان بالولاية، والتي تتراوح ما بين 8 إلى 9 مديريات سقطت خلال الأسبوعين الأخيرين.

وعقب سقوط مديرية إشكشم بيد طالبان، لجأ 300 جندي أفغاني للأراضي الطاجيكية هروباً من ضربات مسلحي طالبان، وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها قوات أفغانية إلى طاجيكستان، فقبل 10 أيام وبعد سقوط معبر شيرخان الحدودي بولاية قندوز بيد طالبان، لجأ 130 من أفراد الأمن الأفغاني للأراضي الطاجيكية، وتشهد العاصمة كابل وغيرها من مدن الشمال نزوح كثير من سكان الجنوب نحوها هرباً من قوات طالبان، كما تسببت انتصارات الحركة المتلاحقة شمالي أفغانستان في إغلاق بعض الدول لقنصلياتها هناك، بينما استدعت طاجيكستان جنود الاحتياط لتعزيز حدودها الجنوبية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية