العراق يتأهب: هل يتغلب السلاح على السياسة؟

العراق يتأهب: هل يتغلب السلاح على السياسة؟


21/10/2021

رغم إعلان إيران، رسمياً، قبولها العملية الانتخابية بالعراق، والتي جرت قبل نحو أسبوع، كشفت النتائج الأولية خسارة فادحة للأحزاب والقوى السياسية الموالية لطهران، إلا أنّ ثمة تحركات أخرى، غير رسمية، تسعى لمواجهة الهزيمة التي نجم عنها تراجع تحالف الفتح والحشد الشعبي، والذي فقد ثلث نوابه في مقابل تقدم تيار مقتدى الصدر؛ إذ قام حلفاء طهران بالتصعيد والتهديد بالعنف، كما استدعت التطورات الأخيرة زيارة قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، للعراق، والاجتماع بقادة الكتل والتحالفات الشيعية المهزومة.

إيران ترحّب بالنتائج و"الحشد" يهدّد

وبحسب وزارة الخارجية الإيرانية؛ فإنّ طهران ثمّنت إجراء الانتخابات في سياق العملية التطورية والمدنية بالعراق، وقال الناطق بلسان الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة: "نرحب بإجراء الانتخابات في إطار العملية التطورية والمدنية في العراق".

اقرأ أيضاً: العراق: ميليشيات إيران الخاسرة تهدد بـ"ما لا تحمد عقباه"

وأضاف زادة: "ما يجري في هذا البلد شأن داخلي يرتبط بالشعب العراقي والأحزاب هناك، لكنّ المهم بالنسبة إلى إيران أنّ الانتخابات العراقية هي خطوة في تطوير العلاقات الدبلوماسية على الساحة الدولية".

بيد أنّ "تنسيقية المقاومة العراقية"، اتهمت أطرافاً محلية، تحديداً حكومة مصطفى الكاظمي، وكذا قوى خارجية، بالوقوف وراء تزوير الانتخابات، كما رأت أنّ هناك "أياد أجنبية"، عمدت إلى إقصاء المرشحين التابعين لهم، وقالت في بيان رسمي إنّ "تلاعب الأيادي الأجنبية في نتائج الانتخابات وطرق تزويرها الفاضح بإشراف حكومي، أدى بالنتيجة إلى فشل أداء عمل المفوضية، وعجزها عن الوقوف في وجه الإرادات الخارجية، وهو ما قد يتسبّب بإيصال البلد إلى حافة الهاوية".

وتابعت: "لقد كنا نتوقع من مفوضية الانتخابات تصحيحاً لهذا المسار الخاطئ لتفادي وقوع الأزمة، إلا أنًنا رأينا إصراراً مريباً لتأزيم الوضع عن طريق الاستمرار  بالسير في الاتجاه الخطأ".

أصدر تيار الصدر بياناً ذا نبرة تصالحية، أكد فيه أنّ لا أهمية لمن يحوز الكتلة البرلمانية الأكبر، ما عُدّ بمثابة "ضوء أخضر" لإعادة هندسة نتائج الانتخابات، وترضية الولائيين

ولفتت إلى أنّ "المقاومة العراقية، كانت وستبقى، سداً منيعاً في وجه كلّ المشاريع الخبيثة التي تستهدف أبناء شعبنا الأبي، ونؤكد أنّ من حقّ العراقيين الخروج  احتجاجاً على كلّ من ظلمهم، ورفض الإذعان إلى مطالبهم، وصادر حقهم".

وتابعت: "نحذر تحذيراً شديداً من أنّ أيّة محاولة اعتداء أو مساس بكرامة أبناء شعبنا في الدفاع عن حقوقهم، وحفظ حشدهم المقدس، فضلاً عن إخراج القوات الأجنبية من بلدهم، فإنّها ستواجه برجال قلوبهم كزبر الحديد، وقد خبرتهم سوح القتال ولات حين نندم".

اتهامات بالتزوير وتلويح بالقتال

وحمّل "الإطار التنسيقي"، الذي يتشكل من تحالف "الفتح" و"دولة القانون" و"عصائب أهل الحق" وكتائب "حزب الله" وتيارات أخرى شيعية موالية لطهران، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات "المسؤولية الكاملة عن فشل الاستحقاق الانتخابي"، حيث قال: "كنا نأمل من مفوضية الانتخابات تصحيح المخالفات الكبيرة التي ارتكبتها أثناء وبعد عدّ الأصوات وإعلان النتائج، وبعد إصرارها على نتائج مطعون بصحتها، نعلن رفضنا الكامل لهذه النتائج، ونحمّل المفوضية المسؤولية الكاملة عن فشل الاستحقاق الانتخابي وسوء إدارته، مما سينعكس سلباً على المسار الديمقراطي، والوفاق المجتمعي".

إذاً؛ شكلت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، التي أجريت مطلع الأسبوع الماضي، صدمة عنيفة لتحالف الفتح، المظلة السياسية للفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران، المعروفة إعلامياً بـ "الفصائل الولائية"، وذلك على عدة مستويات، أهمها: تراجع عدد مقاعدها من ٤٧ إلى ١٤ مقعد فقط، وفقاً للباحث العراقي منتظر القيسي، فضلاً عن خسارة حليفها الأقرب "حركة عطاء" بزعامة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.

اقرأ أيضاً: العراق: بعد تحديد شروطه .. ما الذي ينتظره العالم من التيار الصدري؟

ويضيف القيسي لـ "حفريات": "لم يكن مستغرباً أن تدخل الفصائل الولائية في حالة إنذار قصوى بعيد إعلان النتائج الأولية التي أظهرت تقدماً ساحقاً للكتلة الصدرية، بفارق يقارب الستين مقعداً قابلة للزيادة، بالرغم من تراجع عدد حصيلة الأصوات التي حصدتها من ١،٤ مليون إلى أقل من ٧٠٠ ألف صوت".

واستدعى ذلك الأمر "الخطير" هبوط قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، لبغداد، بعد ساعات قليلة من إعلان النتائج الأولية، حسبما يشير القيسي، لجهة تدارك الموقف الذي وضع حلفاء إيران المقربين على شفير الخروج من المشهد السياسي كلياً.

الصدر يعلن مواجهة سلاح الولائيين

وعليه، تصاعد الموقف بسرعة حين تحوّل "الولائيون" من وضع الصدمة إلى وضع الهجوم، والتهديد الصريح باستخدام القوة في حال لم تعدَّل النتائج، وذلك بعد وقت قصير من ظهور زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، شخصياً في تسجيل مصور ليرسم الخطوط العامة للمرحلة المقبلة، وعلى رأسها حصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء أيّة نشاطات مسلحة تحت عنوان المقاومة، وفق الباحث العراقي، الأمر الذي نُظر إليه بوصفه إعلان حرب على الفصائل الولائية وذراعها الأمني والعسكري.

ويتابع: "انعكست هذه التهديدات على إعلانات مفوضية الانتخابات التي عادت وكشفت عن وجود الآلاف من صناديق الاقتراع التي لم تفرز بعد، بسبب مشاكل تقنية في أجهزة العدّ والفرز الإلكترونية، وأجهزة نقل البيانات عبر الأقمار الصناعية،  وذلك في أعقاب إصدار هادي العامري، زعيم تحالف الفتح، بياناً صريحاً برفض نتائج الانتخابات، ويلوّح بالاستعداد للقتال من أجل الحفاظ على أصوات ناخبيه، ثم إصدار الكيان التنسيقي لفصائل المقاومة بياناً مفصلاً آخر ذهب خطوات أبعد في إعلان عدم أهلية مفوضية الانتخابات وبطلان النتائج، والحديث عن مؤامرة خبيثة بحق الحشد الذي قالت إنّ مشروعيته تأتي من فتوى الفقهاء، في تأكيد جديد على أنّه لا سلطة للحكومة العراقية عليه، إلى جانب إعلان جهوزيته للدفاع عن الدولة والعملية السياسية".

الباحث العراقي الدكتور محمد نعناع لـ"حفريات": النتائج الأولية للانتخابات نزلت كالصاعقة على القوى المرتبطة بإيران إلى حدّ اعتبار النتائج مرتبطة بمشروع عميق لإنهاء وجودها بالكامل

وفي المقابل، أصدر الصدر بياناً ذا نبرة تصالحية، أكّد فيه أنّ لا أهمية لمن يحوز الكتلة البرلمانية الأكبر، والذي عدّ بمثابة "ضوء أخضر" لإعادة هندسة نتائج الانتخابات، وترضية الولائيين بطريقة ما غالباً، والتي ستكون على حساب المرشحين "التشرينين" والمستقلين الذين يمثلون الوجه الآخر من المفاجأة التي أذهلت الفصائل الولائية، من خلال حصولهم على قرابة أربعين مقعداً، بالرغم من ضعف الإمكانيات وقلة الخبرة والضغوط الأمنية والإدارية التي مورست ضدّهم.

الاصطفاف الوطني في مواجهة الطائفية

ويبدو جلياً؛ أنّ قوى طهران العسكرية والمسلحة لن تقبل بغير ترضية تشمل اعتراف الصدر، ولو ضمنياً بفساد نتائج الانتخابات، والقبول بإعادة تقاسم السلطة دون اعتبار للأوزان الجديدة للكتل البرلمانية، بحسب المصدر ذاته، وبخلاف ذلك ستلجأ للتصعيد العسكري على الأرض، وهو ما باشرت في استعراضه ببث المعلومات عن إعلان حالة الطوارئ القصوى بين صفوف قوات الحشد الشعبي، والطلب من مقاتليها الالتحاق بوحداتهم فوراً.

وإلى ذلك، قال الرئيس العراقي، برهم صالح، إنّ البلاد تمرّ "بظرف دقيق وأمامنا تحديات جسيمة واستحقاقات وطنية كبرى"، بينما طالب بضرورة توحيد الصف الوطني وتغليب لغة الحوار.

وبحسب بيان الرئاسة العراقية، فإنّ "البلد يمرّ بظرف دقيق، وأمامه تحديات جسيمة واستحقاقات وطنية كبرى تستوجب توحيد الصف الوطني وتغليب لغة الحوار وتقديم مصالح البلد العليا، والانطلاق نحو تلبية استحقاقات البلد وتطلعات العراقيين في الحياة الحرة الكريمة".

وأضاف صالح: "احترام إرادة الشعب والعملية الدستورية والمسار السلمي واجب وطني، كما أنّ الاعتراضات على نتائج الانتخابات حقّ مكفول، يؤكّده الدستور واللوائح والقوانين الانتخابية بشرط التزامه بالسياق القانوني والسلمي دون التعرض إلى الأمن العام والممتلكات العامة وسلامة البلد".

ووفق الباحث العراقي الدكتور محمد نعناع؛ فإنّ النتائج الأولية للانتخابات التشريعية قد نزلت كالصاعقة على القوى المرتبطة بإيران إلى حدّ اعتبار النتائج ليست مجرد مزورة؛ بل ترتبط بمشروع عميق لإنهاء وجودها بالكامل، وإنهاء المقاومة في المنطقة، من خلال كسر الحشد الشعبي وفصائل المقاومة، وذلك بإضعاف تمثيلهم السياسي والبرلماني والحكومي في المرحلة المقبلة، مضيفاً لـ "حفريات":" هذه القوى المدعومة من طهران انطلقت برفضها لنتائج الانتخابات من الطعن في الإجراءات، والتلاعب في الأصوات، كما هدّدت بالعنف وصرّحت بالتخريب، ردّاً على خطاب مقتدى الصدر، الذي فضّل عدم المشاركة الواسعة في الحكومة المقبلة، بينما رأى الولائيون أنّ هذا الموقف يعدّ بمثابة محاولة لعزلهم من الناحية السياسية، ونبذ سلاحهم، تمهيداً لضربهم بسلاح الحكومة الذي سيسيطر عليه التيار الصدري في المرحلة المقبلة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية