العقيدة العسكرية الإيرانية

العقيدة العسكرية الإيرانية


21/11/2017

مختارات حفريات

العقيدة العسكرية وفق، بعض المنظرين الاستراتيجيين، هي "منظومة المفاهيم المتبناة رسمياً في دولة ما، والترتيبات المتخذة لمواجهة التهديدات ولضمان الأمن، وكذلك لمنع الحروب والنزاعات المسلحة"، كما إنها "نظام الرؤى المتطورة حول البناء العسكري وتحضير البلاد والقوات المسلحة والفرق الأخرى للدفاع عن الوطن"، وهي أيضاً رؤى حول وسائل تحضير نضال مسلح أو غير مسلح وإدارته دفاعاً عن البلاد، إذاً العقيدة العسكرية في جوهرها هي إعلان حول سياسة الدولة في مجال الدّفاع.
وبالنسبة لإيران، شكلت الحرب العراقية الإيرانية خلال الأعوام 1980-1988 ركيزة مهمة في العقيدة العسكرية الإيرانية، فهي ما زالت تدعم كل تحركات القوات المسلحة الإيرانية، من حيث الدروس المستفادة والنتائج المترتبة، كما استفادت العقيدة العسكرية الإيرانية من الدروس العسكرية التي ترتبت على الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، أو حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، أو الصراع بين الحركات الفلسطينية وإسرائيل، من أجل دعم عقائدهم واستراتيجياتهم الخاصة، كما ترتكز العقيدة العسكرية الإيرانية على فرضيات الحرب الغير متماثلة، بما في ذلك توظيف الجغرافيا والعمق الاستراتيجي والرغبة العامة في قبول الخسائر، وترجمتها تحت عنوان الجهاد المقدس، وذلك لمواجهة خصوم متفوقين عليها من الناحية التكنولوجية كالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ويمثّل البعد الديني المذهبي أحد الأدوات الرئيسة في الاستراتيجية الإيرانية، والذي تستخدمه في التمدد وتعظيم نفوذها في المنطقة، ولا يعتبر توظيف إيران للبعد الديني، المذهبي في عقيدتها العسكرية، مجرد شعارات فقط، وإنما يتعداه إلى تحركات على الأرض، تستهدف دعم الأقليات الشيعية في الدول العربية، وإذا ما وجدت الفرصة متاحة لها في أي دولة، فإنها تحاول إنشاء أحزاب سياسية أو ميليشيات عسكرية، تعمل على تحقيق مصالحها في هذه الدول، سواء في الضغط على حكوماتها كما هو الحال في حالة "حزب الله" اللبناني أو في إفشال أي تحركات سياسية لا تتواءم مع مصالحها مثلما فعلت مع الحوثيين حين قدمت لهم الدعم العسكري حتى إحتلال العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.
ويبدو واضحاً، في ضوء التحركات الإيرانية في السنوات القليلة الماضية، أن طهران توظف البعد المذهبي في عقيدتها العسكرية، لتجعل من نفسها الدولة القائد للشيعة في دول المنطقة والعالم بأكمله، ولهذا تبرر في دستورها التدخل للدفاع عن الشيعة في أي مكان، متجاوزة بذلك حدود الدول وسيادتها، ولعل هذا ما يفهم من تصريحات الرئيس حسن روحاني في مارس 2016، والتي قال فيها صراحة: إنّ "إيران سوف تتدخل في أي مكان توجد به مقامات للشيعة، وتتعرض إلى تهديد من قبل الإرهابيين" . وتلك هي الذريعة التي تفسر من خلالها إيران تدخلها في العراق ولبنان واليمن وسوريا والبحرين، ومع الرفع الجزئي للعقوبات الأمريكية والأوروبية على إيران، بعد تنفيذ الاتفاق النووي في شهر يناير 2016، فإن طهران قد واصلت دعم أذرعها وميليشياتها في المنطقة، ما عزز الصراع الطائفي  والمذهبي فيها.
كانت منظومة العقيدة العسكرية الإيرانية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي غربية التسلح والتفكير، فقد كانت أغلب الصفقات العسكرية تتم مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى، فضلاً عن إرسال معظم الضباط الإيرانيين لبعثات عسكرية إلى نفس الدول، ومع قيام الثورة الإيرانية عام 1979، أعدمت السلطات الثورية الإيرانية عددا كبيرا من الضباط والقيادات العسكرية الإيرانية الموالين للشاه، إلى جانب فرار عدد آخر منهم وتحديداً سلاح البحرية، وقد انعكس  ذلك على فقدان القوات المسلحة الإيرانية للخبرات التدريبية القادرة على تطبيق العقيدة القتالية المناسبة في ميدان القتال، ولإحداث التوازن مع القوات المسلحة النظامية، أنشأ الخميني منظومة الحرس الثوري الإيراني، ذات المهمات القتالية الداخلية في بادئ الأمر، لتصبح الأذرع الطويلة لإيران في  المنطقة، ولتتحول العقيدة العسكرية الإيرانية، فيما بعد الثورة، إلى عقيدة متشبعة بالحماسة الثورية، ذات المبادئ "الإسلامية" والأيديولوجية الشيعية، التي تتيح لها طلب ما تشاء من المتطوعين في صفوف القوات الإيرانية تحت مسمى الجهاد المقدس.
وتكفي الإشارة إلى أنّ الدستور الإيراني، وعند حديثه عن بناء وتجهيز القوات المسلحة الإيرانية، جعل من الإيمان والعقيدة المذهبية قاعدة رئيسة لهذا البناء، وهكذا صار بناء الجيش والحرس الثوري الإيراني على هذا الأساس، إذ لا تلتزم هذه القوات بمسؤولية حماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً "أعباء رسالتها الإلهية"، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي، وأيديولوجية ولاية الفقيه، وفي هذا الصدد، أشار الخميني في بيان صادر في 30 يوليو 1988:
"سـنعمل بكـل وجودنـا علـى الحدّ مـن ظاهرة الإتاوة وحصـانة المسؤولين الأمريكيين، وإنْ تطلّـب ذلـك نضـالاً مستمیتاً، ولا نسمح بترديد معزوفة الاستسلام والمساومة لأمريكا وروسيا والكفـر والشـرك في الكعبة والحج، هذا المنبر العظيم الـذي ينبغـي لـه أن يوصـل نـداء المظلومين للعـالم أجمـع، وأنْ يصـدح بنـداء التوحيد، نسـأل الله أنْ يمـن علينا بمثـل هذه القـدرة، لنـدق نـاقوس مـوت أمريكا وروسيا، لیس مـن كعبة المسلمين فحسب، بل من كنائس العالم".
وفي نفس السياق، أشار قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، في تصريحات له العام 2016، أثناء الاحتفال بذكرى الثورة الإيرانية: "بات قادة الثورة مشهورين في كل المنطقة؛ من البحرين إلى سورية واليمن وحتى شمال أفريقيا".
هناك بعض التحديات، التي تواجه العقيدة العسكرية الإيرانية والتي نتجتْ عن التقارب السياسي والعسكري بين القادة الإيرانيين، والذي انعكس فيما بعد على حالة الصراع السياسي داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية، وهو ما أثر سلباً على العقيدة العسكرية الإيرانية، من خلال تحدي المفاهيم الثورية، والإخلال بمفهوم تصدير الثورة والدعوة إلى الانكفاء داخل حدود الدولة الإيرانية، وأدى إلى انتقال الصراع السياسي بين التيارين المحافظ والإصلاحي، إلى داخل المؤسسة العسكرية، واستمرت حالة الصراع والصدام هذه داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية والتي أخذتْ تتصاعد منذ العام 2015، وتحديداً بين الجيش والحرس الثوري الإيراني، وأخذت بوادر هذا الخلاف تتضح مع التصريحات التي أطلقها القيادي في الحرس الثوري الإيراني، حسن عباسي، منتقداً الجيش الإيراني بشدة، ومؤكداً أنّ الجيش الإيراني ضعيف، وهو ما أثار حفيظة قادة الجيش، وسرعان ما هبّ قادة النظام، وعلى رأسهم المرشد الإيراني علي خامنئي، إلى احتواء هذه الأزمة، ولكنّ تصريحات حسن عباسي كشفت، من جهة أخرى، عن مدى الضعف الذي اعترى العقيدة العسكرية الإيرانية، المتمثلة بضعف الالتزام والانضباط العسكري داخل المنظومة الأمنية الإيرانية.
لابدّ من الإشارة، إلى أنه في ضوء الصراعات السياسية، التي بدأتْ تفرض نفسها على المؤسسة العسكرية الإيرانية، فإنّ العقيدة العسكرية الإيرانية ستواجه في المستقبل عدة خيارات منها التحول إلى النمط الدفاعي، وذلك بفعل المتغيرات الداخلية والتحديات الخارجية المتمثلة بالضغوط المتصاعدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، كما قد يكون لضعف التنسيق بين الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني تداعيات خطيرة على عملية التخطيط الاستراتيجي، خصوصا تلك المتعلقة بالقضايا الرئيسية التي تخص إيران والمنطقة، كما يمكن القول أنّ المحاولات الجديدة التي شرعت بها حكومة الرئيس روحاني، والتي تستهدف تغيير المناهج الدراسية في المدارس والجامعات الإيرانية، لكي تتواءم مع متطلبات منظمة اليونيسكو، قوبلت بالرفض الكبير من قبل التيار المحافظ في إيران، معلّلين ذلك بأنّ تغيير هذه المناهج سوف يلغي الكثير من المفاهيم الثورية التي وضعها الخميني، وبالتالي ستكون لها انعكاسات خطيرة على العقيدة العسكرية الإيرانية، هناك أيضا، تطورات إقليمية متجددة، والتي انعكست بصورة مباشرة على العقيدة العسكرية الإيرانية، من حيث ترتيب الأولويات، فترتيب الأعداء في العقيدة الإيرانية خاضع للتغيير المستمر، فبعد أن كان العراق عدواً، أصبح اليوم حليفاً، وكذلك الحال بالنسبة للدول والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، أو حتى التطورات المتعلقة بإقليم كردستان العراق، وبالتالي فإن حالة عدم الاستقرار، في ترتيب الأعداء والأولويات الاستراتيجية، ستنعكس بصورة مباشرة على ثبات هذه العقيدة وفعاليتها، وعلى الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة.

فراس الياس - عن "معهد واشنطن"

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية