العواصم تصنف حزب الله منظمة إرهابية وأمينه العام يحرره بالبلاغة

العواصم تصنف حزب الله منظمة إرهابية وأمينه العام يحرره بالبلاغة


29/11/2021

ما زال خطاب حزب الله مفارقاً للواقع، كأنّ الذي يجري على الأرض وفي الفضاء لا يتناهى إلى حواسه. إنه خطاب ينتسب إلى الفانتازيا، فالهزيمة انتصار، وتجويع الشعب اللبناني ونهب مقدراته، مواجهة للمؤامرة، وكأنّ التلويح بمائة ألف مقاتل مدرب كاف لبث الذعر في قلوب خصومه. الحزب كما عبر أمينه العام حسن نصرالله في خطابه، الجمعة، مشغول ببعث الحماسة في قلوب مناصريه رغم علمه الأكيد أنّ المأزق يُحكم طوقه عليه ويشدد الخناق على رقبته، فهل ستحرره الخطابات، وهل ستنقذه البلاغة؟

اقرأ أيضاً: "حزب الله" يواجه مصير التنظيمات التي خنقتها قوّتها

ما انفك نصر الله يعتقد، أنّ وضع حزب الله على لوائح الإرهاب قد يكون مرتبطاً بتطورات المنطقة أو الانتخابات النيابية، معانداً الواقع وأحداثياته حين يردد أنّ "وضع المقاومة على لوائح الإرهاب لن يؤثر في عزم المقاومين أو وعي البيئات الحاضنة لها".

وفي الوقت الذي تحولت فيه ذكرى الاستقلال اللبناني إلى مناسبة للتنكيت على الذات بسخرية معبأة بالسواد، يصر الأمين العام لحزب الله على دعوة اللبنانيين "أن يحولوا استقلالهم إلى استقلال حقيقي وكامل إذا كان شكلياً أو ناقصاً"، مضيفاً أنه "ما دام لبنان في دائرة التهديد الإسرائيلي، فإننا ما زلنا في قلب معركة الاستقلال التي سنواصلها".

وأضاف نصرالله في خطابه العجائبي بأنه يجب أن "يأتي يوم يحسم فيه النقاش الذي يتجدد كل عام حول استقلال لبنان عام 1943"، لافتاً إلى أنّ حزب الله سيحقق للبنان "استقلالاً وسيادة وحرية لا نقاش فيهم"، لكنه لم يذكر كيف. فهل يكون ذلك عبر مزيد من الارتماء في أحضان نظام الملالي، أم في المزيد من تحطيم الجسور مع دول الإقليم، وفي طليعتها دول الخليج التي يعترف خبراء الاقتصاد اللبنانيون أنّ بلادهم لن تقوم لاقتصاداتها قائمة ما دامت الخطوط بين بيروت والعواصم العربية المؤثرة مقطوعة؟

حتمية حسن نصرالله

نصرالله مؤمن إيماناً حتمياً بأنّ ما يجري ضد حزبه له علاقة بالانتخابات النيابية المقبلة، لكنه يغفل أو يتناسى أنّ تصنيف حزب الله منظمة إرهابية في أكثر من بلد أمر سابق لقرار تحديد الانتخابات التي يتأرجح موعدها بحسب رياح حزب الله الذي يُنظر اليه الآن على أنه الحاكم الفعلي لسياسة لبنان الرسمية، وإلا بماذا يفسر تعنت وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي الذي أساء لدول الخليج، إلا لأنّ مشيئة حزب الله منعت الوزير من الاعتذار للدول التي انتقص من قيمتها ودورها.

نصرالله مؤمن إيماناً حتمياً بأنّ ما يجري ضد حزبه له علاقة بالانتخابات النيابية، لكنه يغفل أو يتناسى أنّ تصنيف حزب الله منظمة إرهابية أمر سابق لقرار تحديد الانتخابات

أبهذا يبشّر حزب الله. أهذه طريق الاستقلال التي يعد بها. أليس من الضروري التذكير بما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي: "لا يحق لأي فريق أن يفرض إرادته على سائر اللبنانيين، ويضرب العلاقة مع الخليج"، لافتاً إلى أنّ "تعريض اللبنانيين للطرد والبطالة والفقر والعزلة العربية، هو ما يمس بالكرامة والسيادة والعنفوان"، مشيراً إلى أنّ "تحليق سعر الدولار هو ما يمس بالكرامة ويذل المواطنين"، في إشارة إلى من يعتبرون أنّ استقالة قرداحي يمس بالكرامة الوطنية اللبنانية، حيث قال نصرالله في خطاب سابق "بالنسبة لنا، نحن في لبنان، أدعو إلى الصبر والتحمل والهدوء والحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية".

ورأى الراعي أنّ "الكرامة ليست مرتبطة بالعناد، إنما بالحكمة وبطيب العلاقات مع دول الخليج".

مقاطعات الخليج للبنان ستؤثر بشكل كبير على اقتصاده، وسيؤثر فيه قرار السلطات الأسترالية الأخير بتصنيف حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري "منظمة إرهابية"، في خطوة وسعت من خلالها نطاق العقوبات التي كانت تشمل حصراً الجناح العسكري.

اقرأ أيضاً: أستراليا تصنف حزب الله منظمة إرهابية... وهذه كواليس القرار

ويتوقع أن يشمل القرار أو يؤثر بشكل أو بآخر على عمل بعض المعاهد والمؤسسات الإسلامية في أستراليا والعالم، رغم أنّ عدد أبناء الطائفة الشيعية في القارة لا يتجاوز 37 ألفاً، يشكّلون أقل من 10% من السكان المسلمين، وما يقارب 0.1 من إجمالي السكان.

حزب الله بجناحيه العسكري والسياسي

وكانت عدد من الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة صنفت حزب الله منظمة إرهابية بجناحيه العسكري والسياسي، فيما اكتفت دول أخرى بإدراج جناحه العسكري فقط على قائمة المنظمات الإرهابية وأبقت جناحه السياسي خارج إطار العقوبات.

إذاً، بات كل ما هو على علاقة بحزب الله محظوراً في أستراليا، كما هي الحال في بلدان عدة منها الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وهولندا، إضافة لدول أخرى حول العالم.

اقرأ أيضاً: يوم قضت الشراكة مع حزب الله على لبنان

 وفي البحث عن مؤسسات تابعة لحزب الله، أو على علاقة به في مختلف المدن الأسترالية، والتي من المفترض أن تتأثّر بهذا القرار، يتّضح أنه ليس لدى الحزب ذلك الوجود العلني والكثيف، كما هي حاله في بلدان أخرى، كما ذكر موقع "المدن". إلا أنّ القرار الأخير يمكن أن يهدّد بعض المؤسسات الشيعية في أستراليا التي ليست بالضرورة على علاقة بالحزب.

وعند مراجعة البيانات الرسمية والأخبار المتعلّقة بنشاط حزب الله في أستراليا، فإنّ آخر تلك المستجدات الفعلية تعود إلى أيلول (سبتمبر) 2016، خلال ضبط شبكة لتبييض الأموال تنشط في أمريكا اللاتينية وقامت بتحويل الأموال إلى الولايات المتحدة وأستراليا وأوروبا. وسبقها عملية مشابهة أخرى، في كانون الثاني (يناير) 2014، حيث ذكرت السلطات الأسترالية آنذاك أنها نجحت بتفكيك شبكة لتبييض الأموال في 20 دولة "يعود جزء من أموالها لحزب الله اللبناني". وأشارت وزارة العدل الأسترالية حينها إلى أنها حجزت 555 مليون دولار أسترالي (حوالي 400 مليون دولار أمريكي) "من الأموال النقدية والمخدرات خلال هذه العملية التي استمرت عاماً كاملاً وأسفرت عن اعتقال 105 أشخاص". كما تم عام 2015، كشف شبكة لتبييض الأموال في باكستان وتمتد إلى الولايات المتحدة وأستراليا، وتعمل لصالح عدد من المنظمات الإجرامية الكولومبية والعالمية "..ومنها حزب الله اللبناني".

مسؤولية الحزب عن عملية بورغاس

وتجدر الإشارة إلى استخدام أحد منفذي عملية بورغاس (بلغاريا، 2012) جواز سفره الأسترالي للانتقال من هنغاريا إلى رومانيا ومنها إلى بلغاريا. وقد تمّت إدانة اللبناني الأسترالي، ميلاد فرح، بالشراكة مع اللبناني الكندي حسن حاج الحسن، بتفجير القافلة التي كانت تقلّ سياحاً إسرائيليين. وقد صدر بحقهما حكماً غيابياً بالسجن المؤبد عام 2020.

 كما تزعم السلطات الأسترالية أنّ جناح العمليات الخارجية في حزب الله، نشط في تسعينيات القرن الماضي وصولاً إلى العام 2000، بين أستراليا والفيليبين، لتنفيذ عمليات في تلك المنطقة، إذ تشير السلطات على هذا الصعيد إلى شكوك حول ارتباط أحد مسؤولي حزب الله بمؤسسة فاطمة الزهراء، وعمله على تجنيد بعض الشبان لصالح الحزب وتأمين الدعم المالي واللوجستي له. كما تتّهم الحكومة الأسترالية حزب الله بتجنيد عدد من الأشخاص لتنفيذ هجوم ضد أهداف أمريكية وأخرى إسرائيلية خلال أولمبياد عام 2000 الذي تم تنظيمه في سيدني. إضافة إلى نشاط يمتد من أستراليا إلى الفليبين وتايلاند وميانمار وإندونيسيا وسنغافورة.

نصرالله يؤكد أنّ حزبه سيحقق للبنان "استقلالاً وسيادة وحرية لا نقاش فيهم"، لكنه لم يذكر كيف. فهل يكون ذلك عبر مزيد من الارتماء في أحضان نظام الملالي؟

وبعد إدراج أستراليا وحدة العمليات الخارجية في حزب الله على لوائح الإرهاب عام 2003، راقبت السلطات الأسترالية نشاط وعمل عدد من الأشخاص المشتبه فيهم بالعمل لصالح الحزب، كما ذكر موقع "المدن". وباعتراف مسؤولين أمنيين وسياسيين أستراليين، "كانت مهمة حصر استهداف العمليات الخارجية في الحزب فقط، مهمة شاقة وصعبة"، على اعتبار أنّ الفصل قائم بين هذه الوحدة والجناح السياسي أو الاجتماعي والثقافي المقرّب من حزب الله. ومنذ 10 أعوام، عملت هذه السلطات على التدقيق في علاقة المؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية بحزب الله، وصولاً إلى اليوم الذي تمّ فيه حظره بشكل كامل في أستراليا.

اقرأ أيضاً: سياسات "حزب الله" في لبنان.. جرائم تعدت حدود الاغتيال

الخطاب الذي يتبناه الأمين العام لحزب الله يتغافل عن كل هذه المعطيات، ويجد التبرير الأسهل والأكثر تسويقاً ومقبولية لعقول منتسبيه وأنصاره: المؤامرة، والتأثير في الانتخابات اللبنانية. فهل ينتظر الناخب اللبناني قراراً من أستراليا حتى يحدد خياراته الانتخابية، أم أنه حسم أمره منذ زمن، وينتظر لحظة الاقتراع ليتخلص من هذا الكابوس الذي يدركه حزب الله، فيحاول العبث بموعد الانتخابات أو تطييرها على حد تعبير البطريرك بشارة الراعي الذي حذّر في عظة أمس الأحد من "كل محاولة لتطيير الانتخابات وعدم اجرائها في موعدها". وقال: "الانتخابات النيابية ليست استحقاقاً دستورياً دورياً فقط، بل محطة لتجديد الحياة الوطنية عبر الديمقراطية والإرادة الشعبية". لذا فإنّ "الوقت حان لانتظام الحياة البرلمانية، لتتنافس القوى السياسية تحت سقف الدستور من أجل التغيير إلى الأفضل"، محذراً "من أي محاولة لإرجاء الانتخابات بذرائع غير منطقية وغير وطنية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية