الغنوشي يعقد جلسة "زوم" للبرلمان المجمّد.. هل يغني الافتراض عن الواقع؟

الغنوشي يعقد جلسة "زوم" للبرلمان المجمّد.. هل يغني الافتراض عن الواقع؟


31/01/2022

في محاولة وصفت بالعبثية عقد راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، رئيس البرلمان التونسي المجمّد، جلسة افتراضية للبرلمان بحضور اقتصر على حلفائه فقط، وذلك يوم الخميس الماضي، تزامناً مع ذكرى المصادقة على دستور 2014. وهو ما اعتبره محللون تونسيون محاولة يائسة لجذب الأنظار إليه بعد أن فقد رصيده الشعبي مقابل الدعم الدولي والشعبي لخريطة الطريق التي بدأها رئيس البلاد قيس سعيّد.

فقد دعا الغنوشي أعضاء البرلمان لعقد جلسة افتراضية عبر تطبيق زوم، لكنّه لم يُوجّه الدعوة إلى كلّ الأعضاء، واكتفى بحلفائه فقط، وغاب عن الجلسة الافتراضية العديد من القوى السياسية التونسية ذات التواجد الحقيقي في الشارع، بينهم التيار الديمقراطي وحركة الشعب والحزب الدستوري الحر، إضافة إلى العديد من المستقلين، واقتصر الحضور على حلفاء الإخوان كنواب "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة.

وتُعدّ جلسة الغنوشي هي الأولى منذ أن جمّد الرئيس قيس سعيد عمل البرلمان في 25 تموز (يوليو) الماضي، وهو ما يُعتبر استمراراً لسياسات التنظيم الإخواني في تحدّي قرارات الرئيس التونسي، والتي لاقت قبولاً من الجماهير، ودعماً دولياً وعربياً.

وقد استنكر العديد من ممثلي القوى السياسية تلك الخطوة، ووصفوها بالتلاعب المكشوف والسطو على صلاحيات هياكل المجلس، ومخالفة نظامه الداخلي لتقرير جلسة عامة باطلة بطلاناً مطلقاً، وحسب "سكاي نيوز"، فإنّ الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي محسن النابتي علّق على الجلسة قائلاً: "دولة تحترم نفسها لا تسمح بمهزلة مثل الحاصلة الآن، حيث ينتحل فيها مواطن صفة رئيس برلمان منحل أو مجمّد، ويستدعي مطلوبين للعدالة ومجموعة من الفارين إلى الخارج في جلسة افتراضية، ويُسمّيها جلسة برلمانية".

   عقد راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي المجمّد جلسة افتراضية للبرلمان بحضور اقتصر على حلفائه فقط

 

وفي تعليقها على الجلسة، ندّدت كتلة "الحزب الدستوري الحر"، في بيان لها على صفحة الفيسبوك، بالتجاوزات والخروقات الخطيرة التي يقوم بها الغنوشي، واصفة الأمر بـ"التلاعب المفضوح"، وأعلنت عدم التزامها بأيّ مخرجات تنتج عن هذه الجلسة، وقالت إنّها تحتفظ بحقها في مقاضاة الغنوشي من أجل ما اقترفه من مخالفات".

وقال عبد المجيد العدواني الناشط والمحلل السياسي التونسي في تصريحات لصحيفة "العين" الإخبارية: "إنّ ما قام به راشد الغنوشي هو محاولة يائسة لفكّ عزلته السياسية منذ 25 تموز (يوليو)، وهو رسالة للتنظيم الإخواني العالمي لإثبات أنّه ما يزال موجوداً".

اقرأ أيضاً: الغنوشي يلعب بآخر أوراقه.. فهل احترقت مراكب النهضة؟

واعتبر الكاتب والباحث التونسي باسل ترجمان أنّ ما قام به راشد الغنوشي يُعدّ "محاولة بائسة للتشبث بمكان في المشهد التونسي"، مؤكداً في تصريح لـ"حفريات" أنّ "زعيم حزب النهضة الإخواني فقد اتزانه، وأنّ قراره الأخير بعقد جلسة افتراضية تسبب في مزيد من كراهية الشعب التونسي له، فقد أعاد تذكيرهم بالمآسي التي شهدها التونسيون أثناء قيادته للبرلمان، وضرب كلّ مقومات التجربة البرلمانية الديمقراطية، ومن ثمّ زاد التونسيون تمسكاً بالرئيس قيس سعيد".

وأضاف ترجمان: "إنّ حجم الرفض والسخرية من تلك الخطوة أكبر بكثير ممّا كان يتوقع الغنوشي، فقد كان يظن أنّه يعيد طرح نفسه كرئيس للبرلمان، فإذا به يحاول إعادة تسويق نفسه للقوى الخارجية، فكلّ لقاءاته مع الأطراف الخارجية، وحرصه على نشر دعاية سلبية ودعمه لمظاهرات أمام السفارات الأجنبية وادعاؤه أنّ تونس باتت معزولة عن العالم، كلّ هذا لا يقوم به محبٌّ لتونس".

استنكر العديد من ممثلي القوى السياسية تلك الخطوة ووصفوها بالتلاعب المكشوف والسطو على صلاحيات هياكل المجلس

ولفت ترجمان أنّ "النهضة منذ قرارات 25 تموز (يوليو) تحاول أن تخلق بلبلة عبر إنشاء اضطرابات اجتماعية، وصنع حالة من الاحتقان الاجتماعي عبر أذرعها الموجودة في النقابات والإدارات المختلفة، في محاولة لخلق حالة من الفوضى تستطيع من خلالها تمرير مشاريعها".

وأضاف الكاتب والباحث التونسي: "إنّ الغنوشي بهذه الدعوة يبحث عن شرعية لمجلسه، وإنّه اختار أن يحتفل بالدستور في هذا التوقيت، رغم أنّه لم يتمّ الاحتفال بالدستور لمدة عامين، فما الداعي للاحتفال به حالياً؟ ويؤكد ترجمان أنّ الغنوشي استغل المناسبة ليرسل رسالة إلى الخارج بأنّه ما يزال رئيساً للبرلمان، وغير معترف بقرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، ممّا قد يعرّضه للمساءلة القانونية".

 

اقرأ أيضاً: الغنوشي والخطاب "الإخواني" المخاتل

ويختتم ترجمان: "لا يحقّ للغنوشي التحدث عن الديمقراطية وادعاء حرصه عليها، فهو لم يمارسها في حزبه الذي يتربع على مقعد الرئاسة فيه منذ (40) عاماً، ويحارب كلّ من يحاول إبعاده عنه، بل قام بطرد نصف أعضاء مجلس الشورى والمكتب التنفيذي، وعطل إقامة مؤتمرها العام منذ عامين، لهذا من لم يكن مؤمناً بالديمقراطية في بيته، فإنّه لا يمكن أن يكون مؤتمناً عليها في المجتمع التونسي".

وحول قانونية دعوة الغنوشي لانعقاد البرلمان التونسي بجلسة افتراضية، يرى المحامي الدولي والناشط الحقوقي، حازم القصوري، أنّنا أمام خرق واضح للقانون، ففي تصريحات لـ"حفريات" أكّد أنّ "قيام راشد الغنوشي بدعوة لاجتماع البرلمان المعطل بقررات رئاسية، هو خرق للقانون وللأعراف الدبلوماسية، فضلاً عن كونه اجتماعاً غير مرخّص به، تمّ في زمن الطوارئ، وعليه ينبغي للنيابة العمومية باعتبارها الحارس للقانون أن تبدأ بفتح التحقيقات اللازمة ضد الغنوشي، فجملة إجراءاته تجعله تحت طائلة القانون، وإذا لم تفتح التحقيقات، فستكون النيابة العمومية في وضع صعب".

 ترجمان: النهضة منذ قرارات 25 تموز تحاول خلق بلبلة وصنع حالة من الاحتقان الاجتماعي

وأضاف محذّراً: "إذا لم تفعل، فستكون قد أبت ممارسة صلاحياتها طبق القانون، وتكون الدولة ملزمة أخلاقياً في إطار إنكار تطبيق القانون من اتخاذ الإجراءات القانونية السليمة لتصويب ذلك، وعزل كلّ المتقاعسين عن تطبيق القانون، وإن اقتضى الأمر المحاكمة طبقاً لما نصّ عليه القانون".

في محاولة لفهم دوافع الغنوشي لعقد هذا الاجتماع، قال القصوري: "إنّ ما فعله الغنوشي لا يعدو كونه محاولة للهروب من المحاكمات الخاصة بالفساد وتمويل الإرهاب، بعدما طالت أيدي الدولة قيادات بارزة بالتنظيم، على رأسهم وزير العدل السابق نور الدين البحيري".

وفي السياق ذاته، أوضح المحامي الدولي "أنّ الجزيرة مباشر نقلت الاجتماع الافتراضي، وبالتالي وفق القانون التونسي تكون قد شاركت في اجتماع غير مرخص له وفق القوانين الجارية، بل تعرّض مصالح الدولة التونسية للخطر، الشيء الذي يفتح الطريق لاستدعاء السفير، وفق الأعراف الدولية، لتدخله في الشأن التونسي دون وجه".

واختتم الناشط القانوني تصريحه بالتأكيد على "أنّ راشد الغنوشي يراهن على الشعبية الافتراضية، بعد أن خسر الشعبية الميدانية، وما زال يستقوي بالخارج، بعد رفض الشعب التونسي لهم في 25 تموز (يوليو) 2021، على أمل إعادتهم إلى الصدارة مرّة ثانية". 

القصوري: ما فعله الغنوشي لا يعدو كونه محاولة للهروب من المحاكمات الخاصة بالفساد وتمويل الإرهاب

يُذكر أنّ الرئيس التونسي كان قد أعلن في 25 تموز (يوليو) الماضي عن تدابير استثنائية، شملت تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، تلاها تعليق معظم مواد الدستور من جرّاء وجود خطر داهم على الدولة والتصدي للفوضى والفساد، وسط ترحيب كبير في البلاد بعد (10) أعوام من حكم تنظيم الإخوان، وفي 13 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كشف سعيد عن خريطة طريق للخروج من الأزمة، تنصّ على إجراء انتخابات تشريعية في كانون الأول (ديسمبر) 2022، بعد مراجعة القانون الانتخابي، واستفتاء في تموز (يوليو) 2022 لتعديل الدستور.

ثمّ قامت الحكومة التونسية بخطوة تُعدّ بمثابة بداية مسار سياسي جديد يعزز سلطة الشعب، عندما أطلقت منصة على الإنترنت مطلع شهر كانون الثاني (يناير) 2022، حسب موقع BBC، وتُتيح المنصة للمواطنين التعبير عن آرائهم بشأن إصلاحات اقترحها الرئيس قيس سعيد، قبل استفتاء دستوري من المقرر إجراؤه في 25 تموز (يوليو) المقبل.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية