القيادي بحركة فتح أيمن الرقب لـ"حفريات": مبادرة عباس تجاه حماس مشوهة

القيادي بحركة فتح أيمن الرقب لـ"حفريات": مبادرة عباس تجاه حماس مشوهة


12/01/2022

أجرى الحوار: كريم شفيق

ما يزال الانقسام الفلسطيني يضع تحديات جمّة أمام تقدم القضية، وتحقيق أهداف الفلسطينيين في بناء دولة موحدة ومستقلة، الأمر الذي يتطلب إنهاء الإقصاء والتهميش، وكذا التفرد بالقرار الحركي والسياسي، ثم الاتفاق على خريطة طريق نضالية بمشاركة الأطراف الوطنية كافة.

وفي حواره مع "حفريات"، يشير أستاذ العلوم السياسية والقيادي بحركة فتح الفلسطينية، الدكتور أيمن الرقب، إلى أنّ مبادرة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بدعوة حركة حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية، دعوة مشوهة؛ حيث إنّ أحد شروطها هو اعتراف الحكومة بشروط الرباعية الدولية، أي الاعتراف بدولة الاحتلال.

القيادي الفلسطيني بحركة فتح أيمن الرقب: يتعين الفصل بين فتح والسلطة، إذ إنّه رغم اعتبار الأولى السلطة مشروعها السياسي، إلا أنّه لا بد من وجود مسافة في المواقف

ويعتقد الرقب أنّه في الذكرى السابعة والخمسين لتأسيس الحركة، تبدو المسافة شاسعة بين فتح الماضي والحاضر. ورغم تراجع الحضور الدولي والعربي، وحتى المحلي، للحركة التي كانت تمثل حركة المقاومة للجماهير العربية، إلا أنّها الحركة الوحيدة القادرة على جمع شتات الشعب الفلسطيني.

ويؤكد الرقب أنّ فتح تملك مقومات عديدة لاستمرار دورها، السياسي والتاريخي، بفعالية، وذلك لأنّها لا تتبنى أيدولوجية محددة، كما تضم في صفوفها كل التيارات الفلسطينية، السياسية والفكرية والدينية.

ويردف: "في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، انضم لفتح ثوار من كل العالم؛ لأنّها لم تضع شرط الإقليمية كأساس للعمل في الحركة أو الانتماء لها، بينما جعلت القنوات مفتوحة لكل من يؤمن بأهمية تحرير فلسطين، ومقاتلة المحتلين. ولقد التقيت، خلال سنوات اعتقالي، في سجون الاحتلال "فتحاويين" من معظم أنحاء العالم، ومن بينهم المصري، اللبناني، العراقي، السوداني، الياباني، بالإضافة إلى آخرين، بما يؤكد عالمية حركة فتح في سنوات المد الثوري".

هنا نص الحوار:                                       

في الذكرى الـ57 لتأسيس حركة فتح، كيف ترى مآلاتها السياسية؟ وما الذي تبقى من حركة المقاومة؟

في الذكرى السابعة والخمسين لتأسيس حركة فتح، تبدو المسافة شاسعة بين فتح الماضي والحاضر. ورغم تراجع الحضور الدولي والعربي، وحتى المحلي، للحركة التي كانت تمثل حركة الجماهير العربية، إلا أنّها الحركة الوحيدة القادرة على جمع شتات الشعب الفلسطيني.

كما أنّ فتح مع كل ذلك تملك مقومات عديدة لاستمرار دورها، السياسي والتاريخي، بفعالية؛ إذ إنّها لا تتبنى أيديولوجيا محددة، كما تضم في صفوفها كل التيارات الفلسطينية، السياسية والفكرية والدينية.

إقرأ أيضاً: ياسر عبد ربه لـ "حفريات": خطة الضم الإسرائيلية ستهجّر الفلسطينيين

والمشكلة التي تواجه حركة فتح، مرحلياً، تتمثل في انحصارها في السلطة الفلسطينية، وبالتالي، تصبح مواقف السلطة عبئاً على الحركة، التي لم يتمايز قادتها بمواقف يرفضون بها مواقف السلطة من العلاقة الأمنية مع الاحتلال الاسرائيلي، وذلك باعتبار رئيس حركة فتح هو نفسه رئيس السلطة الفلسطينية مع الاحتلال. وحتى يتخلص المتنفذون في حركة فتح من خصومهم، فيقوموا، كل فترة، بفصل قيادات وعناصر من الحركة، بحجة أنّهم خرجوا عن الإجماع الفتحاوي، وبدأ ذلك بفصل عضو اللجنة المركزية في حركة فتح محمد دحلان (أعلى مؤسسة تنفيذية داخل فتح)، دون مقاضاة داخل أطر الحركة، وكذلك تم فصل المئات من أعضاء الحركة، وذلك لخروجهم عن موقف الحركة، رغم أنّ هذا يعتبر حالة إيجابية لإعادة تقويم الحركة وتجديد دمها.

ففي سبعينات وثمانينات القرن الماضي، انضم لفتح ثوار من كل العالم؛ لأنّها لم تضع شرط الإقليمية كأساس للعمل في الحركة أو الانتماء لها، بينما جعلت القنوات مفتوحة لكل من يؤمن بأهمية تحرير فلسطين، ومقاتلة المحتلين. ولقد التقيت، خلال سنوات اعتقالي، في سجون الاحتلال "فتحاويين" من معظم أنحاء العالم، ومن بينهم المصري، اللبناني، العراقي، السوداني، الياباني، بالإضافة إلى آخرين، بما يؤكد عالمية حركة فتح في سنوات المد الثوري.

هل تعيق السلطة وأعباؤها أو بالأحرى توازناتها استكمال المقاومة التي نشأت فتح من أجلها بالأساس. بمعنى آخر هل تم حرق المراحل لتأتي السلطة قبل الدولة؟

تحتاج فتح إلى تجاوز جملة من المشكلات؛ إذ يتعين الفصل بين حركة فتح والسلطة. رغم اعتبار حركة فتح السلطة مشروعها السياسي، إلا أنّه لا بد من وجود مسافة في المواقف، أو أن تغير السلطة من مهامها الوظيفية، حتى تتماشى مع نبض الشارع الفلسطيني، وكذا رؤية حركة فتح في إدارة الصراع.

ما تقديراتك للدعوات التي تشير إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ببناء دولة في قطاع غزة وأخرى في الضفة الغربية؟

الاحتلال الإسرائيلي يسعى لاقتصار الحل السياسي على وجود دولة فلسطينية في قطاع غزة، يضمن لها توفير ميناء ومطار، وهذا كان جزءاً من خطة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، مع بقاء كيانات هلامية متقطعة في الضفة الغربية. عين الاحتلال على الضفة الغربية، بشكل كبير، بل ويسعى لضم مناطق كبيرة من الضفة الغربية، خاصة أنّ العديد من المستوطنات تقطع أواصر المدن الفلسطينية في الضفة؛ فالاحتلال لن يقبل ببناء دولة فلسطينية في الضفة، ومن ثم، سيستمر في التسويف والمماطلة بحجة الانقسام الفلسطيني، وبالتالي يهرب من دفع أي ثمن سياسي.

الأجدر بالرئيس أبو مازن أن يدعو لتشكيل حكومة تكنوقراط باتفاق جميع الفصائل، حتى تكون مهمتها الوحيدة ترتيب وتوحيد المؤسسات الفلسطينية، وترميم و(ترتيب) البيت الفلسطيني

تجاوز وإفشال المشروع الصهيوني يمكن من خلال الوحدة الفلسطينية. يستطيع الفلسطينيون تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى عدة ولايات إدارية، ومن ثم، توحيد الهيكل التنفيدي كقيادة سياسية، وذلك في ظل استحالة الوصل الجغرافي بين القطاع والضفة، خاصة أنّ أقرب مكان من الضفة إلى غزة هو مدينة الخليل، كما تفصل بين الأخيرة والقطاع مستوطنات ومدن إسرائيلية عديدة.

ما الذي تكشفه ممارسات حركة حماس، السياسية والتنظيمية، سواء ما يتصل بالقضية الفلسطينية أو ارتباطاتها الإقليمية، وكذا تأثير الحمولة الأيدولوجية على سياستها؟

للوقوف على طبيعة ودور حركة حماس، سواء من الناحية التنظيمية أو الأيدولوجية، يمكن القول إنّ حماس تتبنى الفكر الإسلامي كأيدلوجيا سياسية وفكرية. واللافت أنّه، خلال السنوات الأخيرة، ظهر في قوائمها الانتخابية المختلفة مرشحون مسيحيون، الأمر الذي عدّه البعض بمثابة عملية انفتاح سياسي على مكونات جديدة من الشعب الفلسطيني، لكن في الحقيقة أنّها تملأ الفراغ المتسببة فيه حركة فتح، وكذا تراجع الحضور الشعبي لها، فتحاول (حماس) أن تشكل لها قاعدة جماهيرية جديدة في الداخل والخارج، ولذلك خاضت انتخابات، خلال الـشهر الماضية، لاختيار قيادتها الجديدة، بشكل سري وعلني، على نحو يعطي إيجابية وديناميكية للحركة. ورغم أنّه لا توجد في الصفوف القيادية لحركة حماس أيّة فئة فكرية خارج أيديولوجيتها الدينية، إلا أنّها كما أشرت في النقابات والمجلس التشريعي تشارك فئات فكرية مختلفة؛ وهذا يعتبر فصلاً بين العمل التنظيمي والعمل السياسي.

إقرأ أيضاً: الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي لـ "حفريات": دعوا الشعب (لا الفصائل) يقرر ما يريد

وعليه، فإنّ مبادرة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بدعوة حركة حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية، دعوة مشوهة؛ حيث إنّ أحد شروطها هو اعتراف الحكومة بشروط الرباعية الدولية، أي الاعتراف بدولة الاحتلال، وهذا ما ترفضه حركة حماس. وكفتحاوي أرفض ذلك الأمر تماماً، وأقف على النقيض من دعوة الرئيس؛ حيث إنّني لا أريد أن يعترف شعبنا بدولة الاحتلال من دون مقابل سياسي، لا سيما في ظل تنكر الاحتلال لحقوقنا السياسية، ثم إنّ الاعتراف بشروط الرباعية ليس من صلاحيات الحكومة، إنّما من صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية التي تدير المفاوضات مع الاحتلال، بحسب اتفاق أوسلو. والأجدر بالرئيس أبو مازن أن يدعو لتشكيل حكومة تكنوقراط باتفاق جميع الفصائل، حتى تكون مهمتها الوحيدة ترتيب وتوحيد المؤسسات الفلسطينية، وترميم و(ترتيب) البيت الفلسطيني، وتجهيزه لانتخابات شاملة في فترة لا تزيد عن عام، وبخلاف ذلك سنكون بصدد دعوات عبثية.

ما تقييمك لموقف حماس من مبادرة الرئيس عباس؟

حركة حماس لم ترد بإيجابية على إجراء الانتخابات المحلية، كما اشترطت وضع جدول لإجراء الانتخابات، بشكل متتالٍ، لجميع مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة والرئاسة، بحيث تبدأ من المحليات أو التشريعي، ولكن من الضروري تحديد جدول زمني لذلك أولاً. حماس قاطعت المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، والتي تركزت في الضفة الغربية. وأعتقد، بشكل نهائي، أنّها لن تشارك في المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية، والتي تم الإعلان عن مراحل تنفيذها في آذار (مارس) المقبل، بينما لن تشمل قطاع غزة؛ لأنّ حركة حماس لن تشارك بهذه الانتخابات.

تستضيف القاهرة من آن لآخر جلسات الحوار الفلسطيني بينما لم تصل لمصالحة حقيقية.. برأيك ما الذي يعيق عملية التوصل إلى صيغة نهائية بشأن توحيد البيت الداخلي؟

مبدأياً؛ الدور المصري في القضية الفلسطينية رئيسي ومؤثر، فالقاهرة تعتبر القضية الفلسطينية بمثابة قضية أمن قومي لمصر؛ ولذلك تسعى دائماً رغم كل المعوقات والمعضلات السياسية والأمنية والإقليمية، إلى تجسير الصلات بين المكونات الفلسطينية والفصائل الوطنية، وترميم البيت الداخلي، بحيث تتمكن من مواجهة التحديات الكثيرة التي تواجه القضية الفلسطينية.

ومنذ آذار (مارس) 2005، دعت القاهرة الفصائل الفلسطينية جميعاً للتحاور وترتيب البيت الداخلي، لتوحيد الرؤية تجاه الكثير من الملفات. هذا الاجتماع الذي شاركت فيه حركتا حماس والجهاد الاسلامي بجانب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، جاء بعد غياب القائد الرمز أبو عمار، وقبل فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وحدوث الانقسام عام 2007.

غير أنّ القاهرة كانت تستشرف الخطر القادم تجاه القضية الفلسطينية؛ إذ دقت جرس الخطر، في هذا التاريخ (2005)، من دون استجابة حقيقية من قبل الفصائل الفلسطينية، رغم أنّ مخرجات الاجتماع كانت مشجعة؛ حيث تم الاتفاق على تشكيل إطار قيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، تشارك فيه حركتا حماس والجهاد الاسلامي، لأول مرة، ثم وضع آلية لإعادة ترتيب كل المؤسسات الفلسطينية، وتوحيد إستراتيجيات العمل المشترك، ولكن، مع الأسف، سرعان ما تراجعت كل الفصائل عن مخرجات هذا الاجتماع، بينما أعادت القضية الفلسطينية إلى مرحلة من التيه لم نخرج منها حتى الآن.

إقرأ أيضاً: الكاتب الفلسطينيّ نهاد أبو غوش لـ "حفريات": الصراع مع الاحتلال لن يحلّ بالضربة القاضية

وبعد الانقلاب الدموي، عام 2007، استمرت القاهرة في سعيها لترتيب البيت الفلسطيني. ورغم ما حدث من توترات مع حماس، إلا أنّها دعت قيادات الحركة وباقي الفصائل الفلسطينية، أكثر من مرة، لحوارات في القاهرة، كان أهمها الحوار الذي انعقد عام 2016؛ حيث استشرفت القاهرة، مرة أخرى، خطراً قادماً على القضية قبل الانتخابات الأمريكية بعدة شهور، وحدث اختراق لافت في الحوارات الجارية بين حماس وتيار الإصلاح الديموقراطي الذي يقوده القيادي الفلسطيني محمد دحلان، وكان محركاً لموافقة الرئيس أبو مازن للعودة للحوارات بين الفصائل في القاهرة، الأمر الذي أفضى لتنفيذ بنود اتفاق القاهرة الذي وقعت عليه جميع الفصائل، عام 2011، بينما لم يدخل حيز التنفيذ حتى حينه. ورغم التفاؤل بقبول حركة حماس بتسليم الوزارات والمعابر، إلا أنّه بعد عدة شهور تعرض كل شيء للانهيار، بصورة مباغتة.

رغم أنّ الحوارات معلقة، منذ عام 2017، إلا أنّ القاهرة تحاول إيجاد بوابات آمنة لتجاوز كل الخلافات بين الفصائل، وكانت الانتخابات الفلسطينية فرصة حقيقية في هذا الاتجاه، ولكن الرئيس أبو مازن أوقفها في نيسان (أبريل) من العام الماضي، على خلفية منع الاحتلال من إجرائها في القدس ولم يضع بديلاً لذلك، فارتهنت الانتخابات الفلسطينية بقرار من دولة الاحتلال التي يسعدها الانقسام الفلسطيني، وهذا يقودنا للجواب المهم أنّ هناك دولاً إقليمية من مصلحتها بقاء الانقسام، وتؤثر على كل الفصائل الرئيسية لإفساد أيّ جهد يبذل لإنهاء هذا التصدع. ورغم أنّ الأمور واضحة للقاهرة، إلا أنّها، ومن منطلق الحرص على القضية الفلسطينية، تستمر في محاولات إنهاء الانقسام الفلسطيني. والحل يتمثل في العودة للشعب الفلسطيني حتى يقول كلمته النهائية عبر انتخابات حرة ونزيهة، خاصة أنّ الدستور الفلسطيني يقر بحدوث انتخابات كل أربع سنوات، وآخر انتخابات تم إجراؤها كانت منذ 16 عاماً، أي تجاوزت المدة أربعة أضعاف المرحلة الدستورية، وبإمكان الفصائل وضع آلية لإجراء الانتخابات في القدس، وأعتقد أنّ الأمر ليس صعباً في حال توافرت النية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية