الكاتب أمر الله أوسلو لـ "حفريات": "الإخوان" جزء من المخابرات التركية

الكاتب أمر الله أوسلو لـ "حفريات": "الإخوان" جزء من المخابرات التركية


18/05/2021

أجرى الحوار: حامد فتحي

لا تهدأ تقلّبات النظام الحاكم في تركيا، بزعامة أردوغان، سواء في الداخل أو الخارج، منذ عقد مضى، مما يصيب المتابعين بالحيرة والارتباك لمحاولة مجاراة هذه التغيرات، خاصة بعد افتقاد السياسة التركية للياقة والمهارة الدبلوماسية في التعاطي مع الشأن الخارجي، وطغيان شخص أردوغان على المشهد الداخلي، حتى صارت قراءة تركيا تتم عبر قراءة الشخصيات، لا مصالح إستراتيجية راسخة.

أردوغان مصاب بجنون العظمة ويرى نفسه مهدَّداً من الغرب والدول الحليفة له في المنطقة ويظن أنّهم يتآمرون لإبعاده عن السلطة

ومن هذه التحوّلات الضبابية الموقف التركي من مصر، ودفع أردوغان نحو التقارب معها وكذا مع دول الخليج العربي، ما جعل الجميع يتساءلون عن أهداف أردوغان ونواياه، وما هي دوافعه من وراء ذلك.

 وفي محاولة لفهم المشهد التركي الداخلي والخارجي، حاورت "حفريات" الأكاديمي والكاتب الصحفي التركي، أمر الله أوسلو، الذي عمل أستاذاً للعلوم السياسية ومكافحة الإرهاب، وأستاذاً في أكاديمية الشرطة وجامعة "يديتيب" في تركيا، ثم أستاذاً في جامعة "يوتا" الأمريكية.

هنا نصّ الحوار:

تشغل قضية التقارب التركي مع مصر بالنا في المنطقة، نريد أن نفهم دوافع أردوغان من ذلك، خصوصاً أنّ تصريحات الغزل لمصر ردّدها كبار الوزراء والمسؤولين، ما الذي سيكسبه أردوغان من التقارب مع مصر؟

أردوغان قائد براجماتي، وعندما يتّخذ خطوة ما علينا فهمها في إطار إستراتيجته التي تتكون من خمسة أهداف، هي: البقاء في السلطة، وترسيخ قاعدته التصويتية، وجني مكاسب اقتصادية لعائلته والمحيطين به ثم تركيا، وتعزيز دوره في الشؤون الإقليمية، وإصلاح علاقاته بالمحيط الإسلامي ليحافظ على صورته كزعيم للمسلمين، وتحتل هذه الأهداف أهمية وفق الترتيب السابق.

ولا ننسى أنّ أردوغان مصاب بجنون العظمة، فيرى نفسه مهدداً من الغرب والدول الحليفة له في المنطقة، ويظن أنّهم يتآمرون لإبعاده عن السلطة، وتأطرت علاقته بمصر منذ الربيع العربي وفق الأهداف السابقة، التي لا تنفصل عن جنون العظمة الذي يهيمن عليه.

وبالعودة إلى القطيعة بين البلدين، عام 2013، نجد أنّ أردوغان كان يواجه استحقاقين انتاخبيين، في 2014 و2015، وكان من مصلحته تبني خطاب إسلامي يدعم الإخوان المسلمين ويعادي السلطة الجديدة في مصر.

يدرك أردوغان طبيعة دوره التخريبي في المنطقة الذي يطوعه كميزة في التعامل مع أزمات الإقليم

بعد ذلك كان لديه هدف داخلي كبير، وهو السيطرة على المؤسسة العسكرية، وهو ما تحقق في الانقلاب المدبَّر عام 2016، تمهيداً لتأسيس النظام الرئاسي، ولم يكن ذلك ليتحقق دون خطابه في المنطقة الداعم للإسلام السياسي، فالداخل التركي أولوية لدى أردوغان في مغامراته في المنطقة، والتي حقق منها الكثير في كلّ استحقاق انتخابي.

ورغم أنّه يكسب من مغامراته في المنطقة، التي تأتي على حساب مصالح تركيا الإستراتيجية، لكنّ قدرة تركيا على هذه المناورات استنفدت، اقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً، فتركيا وصلت إلى نقطة عجز عن تحمل مثل هذه المغامرات.

ولهذا يشعر أردوغان أنّه ملزم بإصلاح علاقاته مع مصر، وبناء علاقات طيبة معها، على أمل أن تساعده مصر في إصلاح علاقاته مع دول الخليج، خصوصاً السعودية وغيرها.

يرتبط بمسعى التقارب التركي المصري الوضع في ليبيا؛ هل تعتقد أنّ أردوغان قد يتخلى عن وجوده العسكري في ليبيا، سواء الرسمي أو المرتزقة؟ وهل وضعت مصر ذلك شرطاً لاستئناف العلاقات الثنائية؟

بالنسبة إلى التخلي عن الوجود العسكري المباشر والمرتزقة؛ الإجابة هي نعم ولا؛ فما فعله أردوغان من تخريب وبلطجة إقليمياً هو تمهيد للحظة المفاوضات، التي يحتاج إليها لإنهاء عزلته الإقليمية، عبر التفاوض مع مصر وإسرائيل ودول الخليج.

ويدرك أردوغان طبيعة دوره التخريبي في المنطقة الذي يطوعه كميزة في التعامل مع أزمات الإقليم، لذلك سيتفاوض بقوة حول مطلب سحب المرتزقة والقوات العسكرية من المنطقة، ولا يعني ذلك تخليه عن نفوذه العسكري، إذ نجحت مخابراته في بناء شبكات موازية من القوات المحلية في ليبيا، يعملون بمثابة طابور خامس لصالحه، ولهذا كان يدعم الجماعات الإسلامية في المنطقة.

دولياً، ما هي ملامح سياسة إدارة بايدن تجاه تركيا وأردوغان؟

تتلخص سياسة بايدن تجاه تركيا في أنّها "لا تبادر ولا تتجاهل"، وتهدف إلى عدم مكافأة أردوغان بأيّ شكل، فهي تراه لحظة عابرة في تاريخ العلاقات الأمريكية التركية التقليدية، لذلك لا تتجاهل تركيا بشكل كامل.

ولن تتغير هذه السياسة حتى نشوب أزمة إقليمية جديدة تعزز فيها إستراتيجية تركيا مصالح الولايات المتحدة، وقتها ستنتقل إدارة بايدن نحو علاقات أدفأ، وهي اللحظة التي ينتظرها أردوغان بلهفة كي يعيد تطبيع العلاقات مع واشنطن.

انتقالاً إلى الشأن الداخلي، يتصدر مشروع قناة إسطنبول أجندة أردوغان؛ فهل هناك جدوى اقتصادية وراء المشروع؟ وما الهدف من بياني السفراء السابقين والأدميرالات المتقاعدين حول القناة؟

لا أعتقد أنّ بيانَي السفراء والأدميرالات كان موجهاً ضدّ مشروع القناة بحدّ ذاته، وهم لديهم قلق مشروع حول اتفاقية "مونترو" لعام 1936 التي تنظم عمل المضائق والملاحة في البحر الأسود.

وسبقت البيان نقاشات داخلية حول ما إذا كانت تركيا تستطيع الانسحاب من جانب واحد من المعاهدات الدولية، ومن بينها "مونترو"، بتوقيع الرئيس فقط.

أما بالنسبة إلى الجدوى الاقتصادية فتتعلق بالدخل الذي ستجنيه القناة، ويرتبط بذلك بحجم الاستثمار من رجال الأعمال الخليجيين في شراء الأرض والعقارات حول القناة، وإذا تحقق وجود نوايا كبيرة لاستثمار خليجي في المشروعات المرتبطة بالقناة وقتها ستحقق جدوى اقتصادية.

هناك تحليل ربط بيان الأدميرالات بصراع بين أجنحة الدول العميقة في تركيا، فكيف تصف العلاقة بين الأجنحة الثلاثة؛ الأطلسي والأوراسي والإسلامي؟ وإلى متى سيصمد التحالف بينهم؟

لا أعلم بوجود تحالف داخل الدولة العميقة في تركيا، وبالطبع توجد عناصر من الأطلسيين المؤيدين للغرب، والأوراسيين المتجهين شرقاً، والإسلاميين، داخل المؤسسة العسكرية والجهاز البيروقراطي.

ومنذ نهاية تسعينيات القرن الماضي تحولت الدولة العميقة في تركيا أيديولوجياً إلى القوميين الجدد، من أجل الحفاظ على وجودها وضمان مصالحها؛ فمثلاً الجناح الأوراسي غير مرتبط بتحوّلات في الإستراتيجية الخارجية بقدر الارتباط بالحفاظ على مكانتهم ضدّ عملية التحوّل الديمقراطي في البلاد، والوجود العسكري الغربي.

وبحلول عام 2016، وما شهده من أحداث، توقفت عملية التحوّل الديمقراطي، وباتت الدولة العميقة آمنة على مصالحها، وطالما ظلت تركيا هكذا لا أظن الدولة العميقة ستزعج نفسها بمواقف سياسية حدية.

ارتباطاً بهذه التحوّلات منذ عام 2016؛ هل ما تزال لدى حلف شمال الأطلسي ثقة في الجيش التركي بعد تعرّض كثيرين من كبار الضباط الذين عملوا معه للطرد من الخدمة والاعتقال؟

علاقة الناتو بتركيا ممتدة ومعقدة، فالناتو غير راضٍ عمّا يحدث في تركيا، ويشعر الحلف بخيبة أمل من التعاقد على منظومة الدفاع الجوي "s-400"، ولدى الحلف استثمارات ووجود كبيرة في تركيا، لا يمكنه تجاهله ببساطة.

ويبقي الحلف على خط رفيع مع تركيا ليحافظ على وجودها في الحلف، مع تحديد تأثيرها وإمكانية وصولها إلى المعلومات السرية لمؤسساته، حتى إعادة بناء الثقة واستعادة العلاقات كاملة في المستقبل.

هناك حديث عن توجّه أردوغان لكتابة دستور جديد؛ فما الهدف من ذلك؟

بالفعل هناك نية لديه لكتابة دستور جديد، لأنّ الدستور الحالي يحمل مخاطر لنيله فترات رئاسية أطول، وهناك العديد من الخبراء القانونيين الذي يقولون أنّه لا يستطيع أن يظل رئيساً لمدة أطول وفق الدستور، وغير هذه القضية فلا مجال للافتراض أنّ أردوغان يريد كتابة دستور ديمقراطي بأيّة حال من الأحوال.

إذا كانت نية أردوغان البقاء مدى الحياة في السلطة؛ فهل نتوقع وجود انتخابات نزيهة وعادلة في الاستحقاقات المقبلة؟

لا أعتقد أنّ تركيا ستشهد انتخابات حرّة وعادلة في الاستحقاقات المقبلة، لعدة أسباب، هي؛ لا يوجد إعلام حرّ يمنح المعارضة فرصة عادلة مثلما يحوزها أردوغان، ووجود خطط لدى الحزب الحاكم لتغيير نظام الانتخاب، بما يسمح للحزب بتحديد من له حقّ الترشح، إلى جانب استخدام قانون مكافحة الإرهاب لتحجيم ومعاقبة أحزاب المعارضة والمرشحين المنافسين.

فضلاً عن ذلك، شهدت الانتخابات الأخيرة العديد من المخالفات التي تنبأ بأنّ الاستحقاقات المقبلة لن تكون نزيهة وحرة.

ما هي قصة اختفاء 128 مليار دولار من الاحتياطي النقدي؟

موضوع يطول شرحه، لكنّ جوهر القضية هي إذا حكم الفاسدون وغير الأكفاء فمن الطبيعي أن تخسر البلاد 128 مليار دولار وأكثر.

وهذه الأحداث وقعت تحت إدارة وزير الاقتصاد، صهر أردوغان، بيرات ألبيراق، الذي أخفق بشكل ذريع في إدارة الاحتياطي النقدي، فمن أجل إرضاء أردوغان في إدارة الأزمة الاقتصادية، باع بيراق 128 مليار دولار من أجل الحفاظ على سعر العملة أمام الدولار، وسعر الفائدة المنخفض، هذا بخصوص عدم الكفاءة.

أما عن الفساد؛ فإنّ الدوائر القريبة من أردوغان تربّحت من عمليات بيع العملة بعملية التحويل، إلى جانب التربّح من الاعتمادات المالية للتجارة الخارجية والداخلية.

هل تظنّ أنّ لدى أردوغان النية لتحويل تركيا إلى دولة إسلامية؟

لا أظنّ أنّه يريد تأسيس دولة إسلامية، وما يريده هو تأسيس نظام حكم له قوانين دينية، وهنا فرق بين الدولة الإسلامية ونظام حكم له قوانين دينية.

ولذلك ينشىء مؤسسات لتخريج جيل لديه توجهات إسلاموية، وله ارتباطات بالإسلام السياسي في العالم، وفي سبيل ذلك يبدد طاقة الدولة وأموالها لبقاء نظامه إلى حين تأسيس هذا الجيل.

ما هو مستقبل التحالف بين أردوغان وجماعة الإخوان المسلمين؟

لن يتخلى أردوغان أبداً بشكل كامل عن الإخوان المسلمين، فشبكة الجماعة الدولية حيوية جداً بالنسبة إليه، لكن إذا كانت الظروف حوله تتطلب الابتعاد عن الإخوان فلن يتردّد في ذلك، لكن دون تخلٍّ عنهم.

وبخصوص تقاربه مع مصر، فإذا وصل لاتفاق معها فلن يدعم الإخوان بقوة ضدّها لكن دون التخلي عنهم، وسيستخدم الجماعة كورقة على طاولة المفاوضات مع مصر، لأنّ الجماعة صارت جزءاً لا يتجزأ من عمل المخابرات التركية في العديد من الدول، مثل ليبيا وسوريا وفلسطين ومصر وشرق آسيا وأفريقيا وفي الغرب، ولذلك سيحافظ أردوغان على ارتباطه بجماعة الإخوان سرّاً، خصوصاً في الغرب والولايات المتحدة.

الصفحة الرئيسية