المشروع الانفصالي لدوري السوبر الأوروبي: الجشع يفتك بالمتعة

المشروع الانفصالي لدوري السوبر الأوروبي: الجشع يفتك بالمتعة


22/04/2021

مرة أخرى، تثبت كرة القدم أنها آخر ما تبقى من متعة لدى الجماهير في سائر أنحاء العالم. الأمر تعدى ذلك إلى أن تتحول هذه اللعبة الأكثر شعبيىة في التاريخ إلى منصة مفجِّرة للاحتجاجات التي لم تصدر فقط من الجماهير خارج المدرجات وفي الشوارع، بل شارك فيها سياسيون يحكمون دولاً كبرى، في خطة بدت أكثر من إجراء كروي محايد.

الزلزال الذي سبّبه مشروع دوري السوبر الأوروبي الذي وصف بـ"الانفصالي"، لم تدم تداعياته طويلاً، وسرعان ما كشفت عن "لوبي" صلب تصدى لـ"المؤامرة" بسرعة، وخنقها بعد أيام قليلة من إبصارها النور.

ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" هذه الخطوة بـ "جشع" الأندية الغنية لزيادة أرباحها من خلال تنظيم بطولة جديدة على حساب الأندية الفقيرة.

الزلزال ضرب عالم الكرة المستديرة قبل أيام، ويعتقد خبراء أنّ المال والسعي وراء الربح هو الدافع الأساسي لمشروع دوري السوبر الأوروبي، الذي أعلنت في البداية الانضمام إليه 6 فرق من الدوري الإنكليزي (أرسنال، مانشستر يونايتد، مانشستر سيتي، توتنهام، ليفربول، تشلسي)، و3 من الدوري الإسباني (ريال مدريد، برشلونة، أتلتيكو مدريد) ومثلها من الدوري الإيطالي (يوفنتوس، ميلان، إنتر ميلان).

لكنّ الأندية الإنكليزية الستة التي انضمت لدوري السوبر الأوروبي "الانفصالي"، أعلنت انسحابها رسمياً وسط احتجاجات من المشجعين الغاضبين من المشروع الذي يقوده رئيس نادي ريال مدريد الإسباني.

هل تعرضت الأندية الإنجليزية لضغوط سياسية؟

 وبعد انسحاب أندية إنكلترا، قال مؤسسو المشروع الجديد إنّ الأندية المنسحبة تعرضت لـ "ضغوطات"، قبل اجتماع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الجمعة، لبحث مسألة فرض عقوبات على الأندية الضالعة في المشروع الجديد.

ويعيد انسحاب الأندية الإنكليزية النقاش حول سيطرة السياسة على القرارات الرياضية المهمة، في ظل تصريحات علنية لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرافضة لدوري السوبر.

وكشفت صحيفة "الغارديان" عن خطة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، لسنّ تشريع قانوني يمنع المستثمرين من الحصول على نسبة تفوق 49 في المئة من حصة الأندية الإنكليزية حال عدم الانسحاب من دوري السوبر الأوروبي.

وقالت "الغارديان" إنّ رئيس الوزراء أعطى تلميحاً قوياً إلى أنّ أحد الحلول طويلة المدى يمكن أن يكون إلزام الأندية الإنكليزية بمنح الجماهير حصة الأغلبية، بناء على ما يسمى بنظام 50 في المئة + 1 المطبق حالياً في ألمانيا.

ويسمح هذا النظام لجماهير الأندية بالسيطرة على قراراتها باعتبارها تملك الأغلبية في حصة النادي، في حين لا يمنح المستثمرين أكثر من 49 في المئة من أسهم النادي التي لا تخولهم باتخاذ القرارات المصيرية لتلك الأندية.

الزلزال الذي سبّبه مشروع دوري السوبر الأوروبي الذي وصف بـ"الانفصالي"، لم تدم تداعياته طويلاً، وسرعان ما كشفت عن "لوبي" صلب تصدى لـ"المؤامرة" بسرعة

ورداً على سؤال عما إذا كان يؤيد النموذج الألماني، قال جونسون، في مؤتمر صحافي كان مخصصاً لأزمة فيروس كورونا، إنّ هذه مسألة تتعلق في نهاية المطاف بمراجعة حوكمة كرة القدم.

قنبلة تشريعية لإيقاف المشروع

وكان جونسون أدان الدوري الانفصالي، الذي تسبب في أزمة عالمية، وقال في اجتماع لاتحاد كرة القدم، ورابطة الدوري الإنكليزي الممتاز ومجموعات الجماهير: "يجب أن نسقط قنبلة تشريعية لإيقافه (دوري السوبر الأوروبي)، ويجب أن نفعل ذلك الآن".

ويرى المحلل الرياضي لطفي الزعبي، أنّ السياسة كان لها دور في انسحاب الأندية الإنكليزية، مستدلاً بتصريحات رئيس الوزراء البريطاني وتدخله في القضية بصفة شخصية.

وقال الزعبي لموقع "الحرة" إنّ السياسة أثرت على قرارات الأندية الإنكليزية، وساهمت في انسحابها من دوري السوبر الأوروبي الجديد، باعتبار أنّ "الاتحاد الإنكليزي يملك أذرعاً مع الدولة".

وأضاف: "تصريحات رئيس الوزراء البريطاني العلنية وانزعاجه من المشروع الجديد كانت واضحة على تأثير العملية السياسية على قرارات الأندية".

وبشأن الجدل الدائر حول اتجاه الأندية الغنية بتأسيس دوري انفصالي ينافس دوري أبطال أوروبا، أرجع الزعبي هذه الخطوة إلى "الفساد المستشري في الفيفا واليويفا".

وقال إنّ "الإيرادات تصل إلى 4 و5 مليار ربعها فقط يذهب للأندية"، متسائلاً عن أوجه صرف تلك المبالغ في ظل الأزمة التي تعاني منها الأندية بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد.

ويضيف: "لم يفعل الاتحاد الأوروبي شيئاً للأندية حتى الفقيرة منها. يوفنتوس الإيطالي عندما تعرض لأزمة مالية وهبط للدرجة الثانية لم يفعل اليويفا شيئاً له".

ما وعود الدوري الجديد؟

وكان "الدوري الجديد" وعد الأندية المشاركة بمبالغ مجزية تفوق 4 أضعاف ما تتقاضاه من دوري أبطال أوروبا الحالي.

ويسمح النظام الحالي لدوري أبطال أوروبا للكل بالمنافسة، إذ تستطيع مختلف الأندية الدخول في البطولة، شرط أن تحجز مقعداً لها من خلال مسابقات دولها الداخلية، في حين أنّ النظام الجديد الذي أثار الضجة التي انتهت بوئده، يعطي مقاعد دائمة لكبار الأندية.

البطولة بشكلها التقليدي توزع العوائد المادية للبطولة وحقوق البث على جميع المشاركين، في حين أنّ البطولة المقترحة تعطي الأندية الكبرى نصيب الأسد، باعتبار أنها الدافع الحقيقي لنسب المشاهدة المرتفعة.

وفي سياق متصل، نقلت وكالة "بلومبيرغ" عن مصدر لم تكشف هويته قوله إنّ بنك "جيه بي مورغان" الأمريكي وافق على تمويل دوري السوبر الأوروبي بـ 4.8 مليار دولار.

وأشارت الوكالة إلى أنّ الفائدة من تمويل "جيه بي مورغان" تتراوح بين 2 إلى 3 في المئة عبر عقد يمتد لـ 23 عاماً.

وسيكون البنك هو الراعي والممول الرئيسي للبطولة، بحسب ما أكده متحدث باسمه من لندن لوكالة فرانس برس، الإثنين.

خارج ملعب ستامفورد بلندن، رفعت الجماهير لافتات كتب عليها "لترقد كرة القدم بسلام 1863-2021"، و"أسست من قبل الفقراء، سُرقت من قبل الأثرياء"

من جانبه، قال المحلل الرياضي، المتخصص في كرة القدم الأوروبية، هاني اللؤلؤ، تعقيباً على مشروع "السوبر الأوروبي"، إنّ "اتجاه الأندية الغنية لتأسيس بطولة انفصالية غير مفاجئ وخطوة ليست وليدة الصدفة. كانت هناك مؤشرات سابقة بتمرد هذه الأندية التي لها الفضل الكبير في رفع عائدات دوري أبطال أوروبا".

يذكر أنّ المشروع بدأ كفكرة عام 2009 واليويفا كان مرناً في التعامل معه حتى وافق عليه عام 2016.

انقلاب حقيقي على الاتحاد الأوروبي

وعن دوافع الأندية الكبيرة لإقامة هذه البطولة حالياً، قال اللؤلؤ لموقع "الحرة" إنّ "الإعلان الأخير يمثل محاولة انقلاب حقيقية على الاتحاد الأوروبي، لكنه في الوقت ذاته وسيلة ضغط هائلة من هذه الأندية لزيادة مداخيلها من دوري أبطال أوروبا".

وتجد الأندية الكبيرة أنها بحاجة للاستفادة من كل الأموال التي يحصل عليها اليويفا في بطولاته، كون تلك الأندية ترى أنها السبب وراء العائدات التي يدرها اليويفا.

وتعاني الأندية الغنية من أزمة مع الاتحاد الأوروبي في عملية توزيع الأرباح؛ فهذه الأندية تعترض على تساوي الجوائز بدور المجموعات مع الأندية الصغيرة التي لا تملك جماهيرية وقوة شرائية كما يملكه نظراؤها الأكثر جماهيرية وقوة مالية.

مانشستر سيتي أول ناد يترك المسابقة الجديدة (أ ف ب)​​​​​​​

ويستحوذ الاتحاد الأوروبي على 70 في المئة من عائدات بطولة دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي، مقابل حصول الأندية المشاركة على 30 في المئة من تلك العوائد المالية.

المشروع الانفصالي الذي تضمنته فكرة السوبر الأوروبي ووجه بردة فعل شديدة على المستويات كافة في أنحاء مختلفة من القارة العجوز، فيما عارض بطل أوروبا بايرن ميونخ الألماني، ووصيفه الفرنسي باريس سان جيرمان، بشدة هذا الدوري، ما أضر بشكل كبير بمشروعية المخطط، ووضع قرابة ألف مشجع لأندية إنجليزية، خصومتهم في الدوري الممتاز جانباً، وشاركوا في تظاهرة احتجاجية خارج ملعب ستامفورد بريدج، خلال مباراة تشلسي وبرايتون، مساء أول من أمس، ضد الانشقاق عن الكرة الأوروبية.

ورفعت الجماهير لافتات كتب عليها "لترقد كرة القدم بسلام 1863-2021"، و"أسست من قبل الفقراء، سُرقت من قبل الأثرياء".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية