"النهضة" تتعاقد مع شركات ضغط أجنبية للتأثير على الرئيس التونسي

"النهضة" تتعاقد مع شركات ضغط أجنبية للتأثير على الرئيس التونسي


14/08/2021

حالة صدمة غير مسبوقة تعيشها حركة النهضة الإسلامية بتونس، منذ 25 تموز (يوليو) 2021، بعد إعلان الرئيس قيس سعيّد تجميد أعمال البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، وتفاجأت الحركة بهذا القرار، رغم تحذير رئيس الجمهورية، في وقت سابق وفي أوج الأزمة السياسية، عن عزمه اتخاذ القرارات اللازمة لإنهاء هذه الأزمة.

على وقع الصدمة تخبّطت الحركة وأطلقت عدّة تصريحات، منها حشد الشارع للتظاهر، ثم تراجعت ودعت إلى الحوار، فيما يبدو أنّها كانت تتحرك في السرّ من أجل الضغط على الرئيس للتراجع عن قراراته؛ حيث كشفت وزارة العدل الأمريكية على موقعها الرسمي، عن "عقد لوبيينغ جديد" لفائدة الحركة (مع شرطة ضغط إعلامية)، للدعاية ضدّ قرارات سعيّد.

ولا يمنع القانون التونسي هذا النوع من العقود، لكنّه يحظر على الأحزاب الحصول على تمويلات من الخارج، ويشدّد المراقبة على التحويلات إلى الخارج.

النهضة تلجأ للضغط كلّما شعرت بالخوف

وقد تم توقيع العقد بتاريخ  29 تموز (يوليو) الماضي، أي بعد أيام فقط من قرارات الرئيس، في 25 من الشهر نفسه، وتبلغ قيمة العقد المذكور 30 مليون دولار، مقابل شهرين من الخدمات، تم توقيعه في العاصمة الأمريكية واشنطن، من قبل الشخص نفسه الذي وقّع العقد الأول في انتخابات 2019.

كشفت وسائل الإعلام المحلية بتونس وجود وثائق ومعلومات لدى أجهزة الأمن التونسي، بخصوص ترتيبات لإرباك المشهد في الداخل التونسي، ومن ثم انتشار ألسنة اللهب إلى الجوار

ويهدف العقد للوصول إلى فاعلين رئيسين في الولايات المتحدة والدعم في مجال الإعلام وتقديم استشارات في الاتصال الإستراتيجي، وُنشرت وثيقة العقد من قبل شركة العلاقات العامة (وهي إحدى الشركات التي تقوم بأنشطة مجموعات الضغط السياسية في أمريكا)، في إطار أوامر تلزمها بالكشف عن نشاطها لأطراف في الخارج.

إقرأ أيضاً: تونس: "حركة مشبوهة" تحاول السطو على المسار الإصلاحيّ للرئيس

وقال نائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، محسن الدالي، الأربعاء 11 آب (أغسطس)؛ إنّ النيابة العمومية بتونس، وبعد إجرائها لمختلف التحريات وعمليات التقصي الأولي، أذنت لوحدة أمنية مختصة بمباشرة الأبحاث اللازمة بخصوص ما كشفته وزارة العدل الأمريكية حول وثيقة اللوبيينغ.

وأكّد الدالي أنّ النيابة العمومية أذنت بإجراء الأبحاث اللازمة من تساخير فنية وسماعات واستقراءات، قبل إحالة نتائج تلك الأبحاث على أنظارها لتقرر ما تراه مناسباً على ضوء تلك النتائج.

من جهتها، نفت حركة النهضة أية علاقة لها بالوثيقة، وقالت في بيان إنّها لم توقع، لا عن طريق ممثلها القانوني ولا عن طريق أيّ من مؤسساتها أو قياداتها، أيّ عقد مع أيّة مؤسسة في الخارج، مؤكدةً أنّها لم تقم بأيّة تحويلات مالية إلى الخارج، ولم تتلقَّ أية تحويلات أو تمويلات مالية من الخارج.

ورغم هذا النفي، لا يستبعد المحلل السياسي عبد الجبار المدوري لجوء النهضة إلى قوّة ضغط أمريكية للوصول إلى هدفها مهما كان، مشيراً إلى أنّ هذه الحركة الإسلامية كلّما أحسّت بخطر على وجودها أو عزلة تسارع بالبحث عن ملجأ لإنقاذ نفسها، وأنّها تحاول منذ 25 تموز (يوليو) فكّ العزلة السياسية والشعبية التي باتت تعيشها بعد قرارات سعيّد، وهو ما دفعها للبحث عن لوبي إقليمي ودولي تسوّق عبره أنّ قرارات سعيّد تهدد الديمقراطية في تونس، لتعود كمنقذ للبلد وحامٍ لديمقراطيته، وهو ما نجحت دائماً في ترويجه.

المحلل السياسي عبدالجبار المدوري

ولفت المدوري، في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ الحركة تعيش أزمة داخلية بعد تعمّق انقساماتها الداخلية، والإقليمية، بانحسار الإخوان المسلمين في العالم، وهو ما أكدته حالة الارتباك التي تعيشها بعد 25 تموز (يوليو) ببحثها عن دعم خارجي، بعد أن تأكدت من أنّ قواعدها الداعمة بتونس سئمت سياساتها.

النهضة تسعى لتحسين صورتها

المدوري يضيف أيضاً أنّ حركة النهضة، وبعد الإطاحة بها، ما تزال تسعى إلى اليوم لتحسين صورتها؛ فهي، وبعد أن أعلنت، عام ،2016 أنّها ستتخلى عن الإسلام السياسي، وأنّها ستفصل بين أجنحتها السياسية والدينية، ما يزال فصلها هذا مجرد شعار لم يختَبَر بعد، خاصة مع عودة الخطاب المتشدد للحركة وأنصارها، وظهور عدد من صقورها الذين كانوا وراء الستار، مثل حبيب اللوز، خلال الحملة الانتخابية الماضية.

المحلل جمعي القاسمي لـ"حفريات": لجوء النهضة إلى قوة ضغط خارجية محاولة أخرى لتشويه مسار الأحداث بتونس وإيجاد ضغط أجنبي يخدم التوجهات التي ترمي لبقائها في المشهد السياسي

 

وقال المدوري؛ إنّ الحركة اعتادت اللجوء إلى الخارج من أجل دعم سياساتها والترويج لها، كما استقوت به في عدّة مناسبات، وهو ما يعدّ جريمة في حقّ الشعب، وخطراً على البلد وعلى أمنه القومي، معتبراً أنّ التحريض والاستقواء بالأجنبي ضدّ الدولة قد تصل محاكمته  إلى حدّ الخيانة العظمى بحسب ما ينصّ عليه الدستور.

إقرأ أيضاً: كيف ستؤثّر التحولات في تونس على إخوان ليبيا وحليفهم التركي؟

وفي السياق ذاته، وصف المحلل السياسي، جمعي القاسمي، هذه الخطوة بالمحاولة اليائسة والبائسة من حركة النهضة الإخوانية في إطار ما دأبت عليه من استقواء بالأجنبي، معتبراً هذا اللجوء لمثل هذا الضغط الإعلامي تحت عناوين واضحة محاولة أخرى لتشويه مسار الأحداث بتونس وإيجاد ضغط خارجي أجنبي يخدم التوجهات التي ترمي لبقائها في المشهد السياسي.

المحلل السياسي جمعي القاسمي

واعتبر الجمعي أنّ النّهضة مثلت خطراً كبيراً على تونس، منذ ظهورها السياسي والحزبي عام 2011؛ فقد سعت على الصعيد الداخلي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وتغيير الهوية التونسية من خلال إدخال مناهج ظلامية في تعاطيها مع الشأن الداخلي، وكذلك من خلال اصطفافاتها المكشوفة التي تخدم أجندات الإخوان.

وكشفت وسائل الإعلام المحلية بتونس، قبل تاريخ 25 تموز (يوليو)، نقلاً عن مصادر خاصة، وجود وثائق ومعلومات لدى أجهزة الأمن التونسي، تقول إنّ هناك ترتيبات لإرباك المشهد في الداخل التونسي، ومن ثم انتشار ألسنة اللهب إلى الجوار الذي لا يحتاج إلى مزيد من سكب الزيت على النار.

كما تحدّث الرئيس التونسي في عدّة مناسبات عن امتلاكه معلومات بوجود اجتماعات ومخططات تم الاتفاق عليها في غرف مظلمة قد تقود البلاد إلى سيناريوهات خطيرة، منها الانقلاب على الشرعية ومخططات اغتيال، وأشار في تصريحاته كلّها إلى تورّط النهضة في ذلك.

ويعمل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، على فتح ملفات الفساد المالي المتعلقة بالأحزاب السياسية، بعد تورطها في انتهاكات عديدة.

الرئيس التونسي: لا أحد فوق القانون

وفي إطار ذي صلة، تداولت وسائل إعلام تصريحات الرئيس التونسي، قيس سعيد، أمس الجمعة، وقالت إنها تثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن إمكانية الحوار الوطني بين الأطراف السياسية، بحسب وكالة "سبوتنيك".

النهضة تلجأ إلى ضغط أمريكي للترويج ضد قرارات سعيد

وقال سعيد إنه لا أحد فوق القانون، ولا مجال لأي معاملة تقوم على التمييز بناء على الثروة أو التحالفات السياسة.

جاء خلال استقبال سعيد، كلاً من رئيس الحكومة المكلّف بتسيير وزارة الداخلية، هشام مشيشي، ووزيرة العدل بالنيابة، حسناء بن سليمان، في قصر قرطاج، حسبما أعلن حساب رئاسة الجمهورية التونسية على "فيسبوك".

وخلال اللقاء أعرب الرئيس التونسي عن استيائه العميق واستنكاره الشديد لما يحصل هذه الأيام في تونس، داعياً وزيرة العدل بالنيابة إلى أن تقوم بدورها الذي أوكله لها القانون في إثارة الدعوى العمومية.

إقرأ أيضاً: التخبط يعصف بالنهضة: هل تنجح المناورات وحيلة شراء الوقت؟

وأعرب سعيّد عن بالغ استيائه ممّا يحصل من تجاوزات، محذراً من أنها تهدّد وحدة الدولة، ومذكّراً بأنّ الدولة التونسية واحدة، وبأنّ دستورها منحه واجب الحفاظ عليها، وأنه لا مجال لاستغلال أي منصب لتحويله إلى مركز قوّة أو ضغط لضرب وحدتها.

النهضة تتصدر قائمة مخترقي القانون

وكان القضاء التونسي قد فتح، آخر شهر تموز (يوليو) الماضي، تحقيقاً بشأن ثلاثة أحزاب سياسية، في مقدمتها: حركة النهضة، وحليفها قلب تونس، وعيش تونسي، للاشتباه في تلقيها أموالاً من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019.

كما كشفت محكمة المحاسبات، أعلى هيئة قضائية رقابية في تونس، عام 2020، أنّ حركة النهضة تتصدرّ قائمة الأحزاب السياسية التي ارتكبت خروقات وتجاوزات قانونية، خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية لعام 2019، أثّرت في إرادة الناخب وفي النتائج، من أجل الوصول إلى أهدافها.

النهضة متورطة في إبرام عقد مع شركة ضغط أمريكية

وكانت وزارة العدل الأمريكية قد كشفت سابقاً عن تعاملات لحركة النهضة مع شركة "لوبيينغ"، تسمّى  "بورسن مارستالر"، متخصّصة في الاتصال والعلاقات العامة بعقد قيمته 285 ألف دولار، عام 2014، بهدف تحسين صورتها والقيام باتصالات مع مسؤولين في الدولة الأمريكية، إضافةً إلى عقد آخر بقيمة 112.500 ألف دولار بمجموع يقدَّر بـ 397 ألف دولار.

وذكر الموقع أنّ الناشطَين التونسيَّين الأمريكيَّين؛ منجي الذوادي، ورئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، رضوان المصمودي، عملا في السنوات الأخيرة منسقَين لأنشطة النهضة داخل الولايات المتحدة.

وتقول مارثا لي، كاتبة تقرير موقع "دايلي واير": النهضة أُرغمت على التخلي عن السلطة، عام 2014، وإلى جانب الاحتجاجات الواسعة على سياساتها، اتُّهمت بالمسؤولية السياسية عن اغتيال السياسيَّين المعارضَين؛ شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

ومنذ انتخابات 2011، تلاحق حركة النهضة شبهات كبيرة حول تلقيها أموالاً طائلة من الخارج، بالأخص من دولتَي تركيا وقطر، وهو أمر يتعارض مع القانون التونسي الذي يمنع تلقي الأموال الخارجية ويجبر الأحزاب والجمعيات على كشف حساباتها المالية ومصادر تمويلها، كما يحيط الغموض بمصدر ثروات قيادييها الكبار، وطرق الحصول عليها، وهويّة الجهة المانحة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية