باحثون يعاينون مستقبل "داعش" بعد مقتل قادته

باحثون يعاينون مستقبل "داعش" بعد مقتل قادته


07/12/2021

يعاين خبراء وباحثون مستقبل تنظيم داعش بعد مقتل قادته، والإستراتيجيات المتبعة في محاربته، من أهمها أنّ تراجع التنظيم وخسارته لأراض شاسعة لا يعني بالضرورة نهاية التنظيم طالما أنّ الشروط المنتجة للتطرف والإرهاب في العالم العربي ما تزال قائمة وموجودة.

 ولفت الباحثون في كتاب جديد بعنوان "ما بعد الخلافة ... هل سيعود تنظيم داعش من جديد؟"  إلى أنّ شروط صعود التنظيمات ترتبط بالعوامل السيسيولوجية والثقافية والسياسية أكثر من ارتباطها بالجوانب الأيديولوجية، لذلك فلا يمكن القضاء على وجود التنظيم ميدانيّاً وعسكريّاً، بل معالجة الموضوع سياسيّاً وهذا يحتاج إلى فترة طويلة؛ فنهاية المشروع السياسي للتنظيم وحكامته، يشير إلى نهاية مشروع "الدولة" ونظام "الخلافة"، والعودة إلى حالة " المنظمة"، والتي تعتمد على نهج حرب العصابات والاستنزاف، ونهج اللامركزية.

اقرأ أيضاً: من داعش إلى "الحازميين": جيتوهات التكفير الجهادية

وصدر الكتاب عن معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع مؤسسة فريدريتش إيبرت الألمانية، ضمن سلسلة إصدارات المعهد لهذا العام. وسيتم إشهار الكتاب خلال إطلاق معهد السياسة والمجتمع سلسلة إصداراته في عامه الأول، وسيتوفر بنسختيه الورقية والإلكترونية وباللغتين العربية والانجليزية.

غلاف الكتاب: هل تراجُع التنظيم وخسارته لأراض شاسعة يعني بالضرورة نهايته؟

ويمثّل الكتاب حصيلة أوراق بحثية ونقاشات علميّة جاءت ضمن وقائع مؤتمر "مستقبل داعش بعد مقتل قادته" المغلق الذي عقد على مدار يومين من 17 – 18 حزيران (يونيو) الماضي، الذي تضمن جلسات مكثفة عبر تقنية Zoom. وضمَّ المؤتمر عدداً من الباحثين والخبراء والمتخصصين الأردنيين والعرب والأجانب شارك بعضهم في تقديم أوراق بحثية، بينما شارك آخرون في المناقشات والتعقيبات التي تخللت جلسات المؤتمر.

يتساءل كتاب "ما بعد الخلافة.." عن تركة داعش الثقيلة ومصير المعتقلين والعائدين من أبنائه ومصير الأحداث ومستقبلهم ومصير النساء اللواتي انخرطن في التنظيم وزحفن إلى مناطق سيطرته

الكتاب من إشراف وتقديم د. محمد أبو رمان وزير الثقافة والشباب الأردني الأسبق، والباحث المتخصص بدراسة حركات الإسلام السياسي والتنظيمات الجهادية، ومن تحرير فريق معهد السياسة والمجتمع.

التداعيات المترتبة على انهيار "دولة داعش"

يحاول الكتاب البحث بشكل معمق في التداعيات والنتائج المترتبة على انهيار "دولة داعش" في العراق وسوريا سواء على صعيد المنظمة نفسها وقدراته في التجنيد والدعاية السياسية والإعلامية والتعبئة والصلابة الأيديولوجية والتماسك التنظيمي، أو على صعيد قدرة التنظيم على النهوض والصعود مرة أخرى بعد الإعلان عن مقتل زعيمه الخليفة "أبو بكر البغدادي" في 27 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019 في عملية أمريكية خاصة بعد أعوام من المتابعة الأمنية المكثفة وجهد استخباراتي مشترك أشرفت عليه الولايات المتحدة.

الكتاب من إشراف وتقديم د. محمد أبو رمان وزير الثقافة والشباب الأردني الأسبق، والباحث المتخصص بدراسة حركات الإسلام السياسي

يطرح الكتاب تساؤلات عديدة مهمة سعى إلى الإجابة عنها في فصوله من أبرزها، هل طرأت أي تحولات على الصعيد الأيديولوجي والفقهي والفكري؟ وهل الأحداث المتتالية أضعفت البنية الأيديولوجية والفقهية أم العكس؟ هل انتهت فكرة الخلافة الواقعية بعد أن تحولت لاحقاً بعد خساراته في سوريا والعراق إلى افتراضية؟ كيف يبرر التنظيم ما حدث معه أيديولوجيّاً؟ وما الوعود التي يقطعها على أتباعه للمرحلة المقبلة؟

اقرأ أيضاً: تنظيم داعش يضرب من جديد... هل أعاد تنظيم صفوفه في العراق؟

على صعيد الدعاية الإعلامية والسياسية والتعبئة، ما مصير ماكينات تنظيم داعش الإعلامية الكبيرة؟ وما المسارات والنتائج المتوقعة مستقبلاً؟ خاصة وأنّ التنظيم انتقل من الأسلوب النخبوي، كما القاعدة، إلى الأفقي، والذي يمنح لأي شخص يحمل هاتفاً محمولاً متصلاً بالإنترنت العضوية في التنظيم من خلال ما يسمى "الذئاب المنفردة".

على الصعيد العالمي والإقليمي، يتساءل الكتاب عن حال التنظيمات الجهاديّة المنتمية إلى داعش الآن؟ وكيف هي علاقتها مع التنظيم الأم؟ وما هو مستقبل العلاقة بين تنظيم داعش والتنظيمات الجهادية الأخرى؟

تركة داعش الثقيلة

ويتساءل أيضاً: ماذا عن تركة داعش الثقيلة؟ ما هو مصير المعتقلين والعائدين من أبنائه؟ وما هو مصير الأحداث ومستقبلهم ومصير النساء اللواتي انخرطن في التنظيم وزحفن إلى مناطق سيطرته؟ وهذا مرتبط بتساؤلات أخرى يتناولها الكتاب متعلقة باتجاهات الحكومات والسياسات والإستراتيجيات المتبعة في مكافحة الإرهاب والتطرف وبرامج إعادة التأهيل ومحاولات الإدماج.

ما مصير ماكينات تنظيم داعش الإعلامية الكبيرة؟

والتساؤل العام والأهم، ما مدى قدرة التنظيم على تشكيل خطر، على المدى القريب، على الأمن الدولي والأمن الإقليمي.

قُسم الكتاب إلى ستة فصول ملتزماً بأعمال المؤتمر الذي تضمّن ست جلسات، مرفقاً أوراق الباحثين والمناقشات والتعقيبات والتوصيات التي أنهى بها المؤتمر أعماله.

تناول الفصل الأول مشروع داعش الأيديولوجي ونقاشاته الفكرية قبل وبعد انهيار التنظيم، وانعكاس ذلك على الدعاية الإعلامية والسياسية وقدرته على التجنيد. كما سلط الضوء على النقاشات والجدالات الفقهية والفكريّة في أوساط الجهادية العالمية وداعش تحديداً قبل وبعد سقوط دولته.

ثمة قصور يلحق بالمقاربة الأمنية في معالجة قضايا الإرهاب والتي يرى باحثون أنها ليست الحل الوحيد لعلاج هذه الظاهرة، بل يجب استدخال مقاربات أخرى وقائية وعلاجيّة فعّالة

وقيّم الفصل الثاني الوضع الراهن بعد أن فقد التنظيم السيطرة على مدن رئيسية في كل من العراق وسوريا، وما يتعلق بنشاطاته وعملياته وتموضعه الحالي وتركته الحالية وأعداد مقاتليه.

أما الفصل الثالث فقد تطرق إلى آليات التكيف العسكريّة والإستراتيجية لدى تنظيم داعش على ضوء المتغيرات والتطورات التي تحيط به، وتأثير مقتل العديد من قياداته العليا على قدراته المختلفة.

اقرأ أيضاً: توظيف "العدو": داعش كأداة اختراق غربية

حاول الفصل الرابع كشف الغطاء عن أزمة تركة داعش من خلال فتح ملف العائدين والمعتقلين والأطفال والنساء في المخيمات والتطرق إلى السياسات المتبعة وبرامج إعادة التأهيل. وقد اتخذ الفصل من مخيم الهول الواقع شرقي محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا نموذجاً للدراسة.

تناول الفصل الخامس مراجعة وتقييم الإستراتيجيات والسياسات الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة التطرف العنيف والإرهاب، وما المطلوب في المرحلة المقبلة بعد تقييم تلك الإستراتيجيات، وقد أشار الفصل إلى نماذج عالميّة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وسلط الضوء على الإستراتيجية الوطنية الأردنية في محاربة الإرهاب.

ركز الفصل السادس والأخير على الحالة الأفريقية وانتشار الجماعات الجهادية في القارة خلال الأعوام الأخيرة، كما تطرق إلى المدارس والاتجاهات المستقبلية في أوساط الجهادية العالمية.

فاعليّة السياسات الدولية لمكافحة الإرهاب

سعى الكتاب إلى إزاحة اللثام عن العديد من الموضوعات المتعلقة بانتشار التنظيم ونشاطه ومستقبله في المرحلة المقبلة، وإلى جدية وفاعليّة السياسات الدولية والإقليمية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتطرف وإعادة التأهيل، في ظل وجود عقلية الأعمال (Business) في التعامل مع ملف مكافحة الإرهاب وعقلية استجداء المساعدات الأمنية التي لا يذهب بعضها باتجاه مكافحة التطرف والإرهاب لتؤدي الغرض، كما يقول مشاركون في الكتاب.

اقرأ أيضاً: هل نشهد فصولاً جديدة لمسلسل "داعش" في سوريا؟

ويدعو باحثون إلى ضرورة اللجوء إلى دراسة الأوزان النسبية للوقوف على أسباب الإرهاب ومحاولة معالجتها، وعدم اقتصارها على العوامل الاقتصادية والاجتماعية وتجاهل عوامل الأيديولوجيا والدين، خاصة مع موجة صعود اليمين المتطرف في العديد من الدول وتسلمّهم زمام السلطة.

كما أشار الكتاب إلى القصور الذي يلحق بالمقاربة الأمنية في معالجة قضايا الإرهاب والتي يرى باحثون أنها ليست الحل الوحيد لعلاج هذه الظاهرة، بل يجب استدخال مقاربات أخرى وقائية وعلاجيّة فعّالة.

كما لفت باحثون إلى أهمية تقليل الفجوة بين الأكاديمي والأمني، والتي تتعلق بحصول الأكاديميين على المعلومات اللازمة أو إبداء الرأي وإعطاء الاستشارات في هذا المجال.

كما خلص الكتاب إلى أنّ ظاهرة الإرهاب مركبة ومعقدة، وتختلف الأسباب بين بقعة وأخرى، وأسباب الإرهاب في العراق مختلفة عن سوريا وأسبابها مختلفة أيضاً عن ظاهرة الإرهاب في القارة الأفريقية والتي تشهد انتشاراً واسعاً في الآونة الأخيرة أو في وسط ولاية خراسان، وجنوب شرق آسيا. لذلك من الضروري النظر إلى ظاهرة الإرهاب بمستويات ثلاثة: ظرف عالميّ، ظرف إقليميّ، وظرف محليّ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية