بعد التسجيل المسرّب: ما مستقبل ظريف؟ وهل هي لعبة درسها خامنئي؟

بعد التسجيل المسرّب: ما مستقبل ظريف؟ وهل هي لعبة درسها خامنئي؟


03/05/2021

التسجيل المسرّب لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي ينتقد فيه دور الحرس الثوري الإيراني وتأثيره، وقائده الراحل الجنرال قاسم سليماني، يثير التساؤل عن سبب توقيته ووصوله إلى وسائل الإعلام الدولية، قبل أيام قليلة من بدء الجولة التالية من المحادثات النووية في فيينا؛ التي رافقها الحديث عن احتمالات رفع العقوبات قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران (يونيو) المقبل.

تحليل "معهد الشرق الأوسط": هناك احتمال قوي بأن يكون ظريف نفسه نسق "التسريب" مع أخذ الضوء الأخضر من المرشد الأعلى

وحسب تحليل نشره "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن، فإنّ توقيت تسريب التسجيل قد يبدو مثالياً. فمع أنّ الشعب الإيراني، حسب المعهد، لا يشتري هذه القصة، فإنه يمكن أن يكون الهدف من "التسريب" هو "التسخين المسبق لفرن الانتخابات"، وبذل محاولة أخيرة للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات قبل الانتخابات الرئاسية، على افتراض أنّ ذلك سيقوي موقف ظريف و"الإصلاحيين". لكن كيف يتسق هذا التحليل مع إقدام ظريف على الاعتذار من عائلة سليماني؛ ما يعني أنّ انتقاد الأخير "قد عمل على تقوية قاعدة دعم النظام المتشددة أيديولوجياً"؟

سيناريوهان محتملان

يقول تحليل "معهد الشرق الأوسط" إنّ هناك احتمالاً قوياً بأن يكون "التسريب" قد تم تنسيقه بعناية في الواقع، ومن المحتمل تماماً من قبل ظريف نفسه، مع أخذ الضوء الأخضر من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. لكن ما الذي يحمله المستقبل لظريف؟ هل ستتاح له حقاً فرصة التأهل كمرشح للانتخابات بعد كل هذه الضوضاء؟ وهل خامنئي مستعد حقاً لتنحية الدبلوماسي المحترف المتحدث باللغة الإنجليزية يطلاقة، والذي كان قادراً على الدفاع عن أبشع سياسات الجمهورية الإسلامية بابتسامة ودرجة من السحر، من أجل الحفاظ على صورة النظام في الخارج؟ الجواب القصير هو لا. وللمضي قدماً، يبدو أنّ هناك سيناريوهين محتملين لظريف، وكلاهما يؤدي إلى النهاية نفسها المصممة بعناية-وعلى الغرب أن يكون حذراً.

السيناريو الأول مرهون بما إذا كانت الولايات المتحدة سترفع العقوبات قبل الانتخابات الإيرانية في حزيران (يونيو) المقبل. إذا حدث هذا، فمن المحتمل أن نرى ظريف يخوض محاولة فاشلة للرئاسة- إما أن يرفض مجلس صيانة الدستور ترشيحه أو يخسر "التصويت". لماذا هذا هو الحال؟ الجواب بسيط: على خامنئي التأكد من أنّ الرئيس المقبل هو من التيار الأصولي المتشدد؛ للحفاظ على قاعدة دعم الباسيج وكي تبقى قوات النظام الأمنية راضية. هذا، بحسب تحليل "معهد الشرق الأوسط" هو أكثر أهمية لسببين رئيسيين. الأول هو أنه من المحتمل جداً أن تواجه الجمهورية الإسلامية اضطرابات على مستوى الدولة في مرحلة ما بعد الوباء في السنوات المقبلة- وهو أمر يعترف به حتى المطلعون على شؤون النظام. بالنظر إلى أنّ الباسيج ومعسكر حزب الله في إيران هما جنود النظام والمفتاح لقمع الاحتجاجات، يحتاج المرشد الأعلى إلى إرضائهم. بالإضافة إلى ذلك، يضع خامنئي البالغ من العمر 82 عاماً الأسس لمستقبل الجمهورية الإسلامية بعد وفاته في نهاية المطاف بهدف ضمان استمرار رؤيته الإسلامية المتشددة، ولتحقيق ذلك، كان خامنئي يمنح مناصب حكومية رئيسية للمقربين منه من رجال الدين وأعضاء الحرس الثوري الإيراني. وبمجرد أن يتولى رئيس "شاب محافظ" منصبه بعد انتخابات النظام، من المتوقع، بحسب تحليل المعهد، أن ترى اتهامات "بالتجسس" ضد ظريف والكثير من الضجيج الذي يدعو إلى معاقبته-وهو أمر نسمعه بالفعل من هذا المعسكر المتشدد. هذا هو المكان الذي يتحول فيه السيناريو الأول إلى السيناريو الثاني بهدف تصنيع النتيجة المرجوة لخامنئي.

"معهد الشرق الأوسط": مع استمرار عسكرة النظام، يبدو أنّ خامنئي توصل إلى استنتاج بأنّ "الإصلاحيين" يمكن أن يلعبوا دوراً رئيسياً له في الخارج كوسيلة للدفاع عن مصالح النظام

في السيناريو الثاني، إذا لم يتم رفع العقوبات قبل انتخابات حزيران (يونيو) المقبل (أو بعد محاولته الفاشلة للرئاسة، على النحو الوارد أعلاه)، فمن المرجح أن يدعي ظريف أنّ الحرس الثوري الإيراني "يترصده"، ويوضح أنّ حياته في خطر، سالكاً طريقة للبحث عن المنفى في الخارج. بعد تحقيق ذلك، سيخدم الدبلوماسي المبتسم خامنئي بأن يصبح الناطق بلسان النظام في الخارج ويقود الدعاية لصالحه. هناك في الواقع سابقة قوية لذلك. في عام 2009، حسين موسويان، المتحدث اللبق، والمتحدث باللغة الإنجليزية-سفير إيران في ألمانيا (1990-1997)، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الأمن القومي الإيراني (1997-2005)، والمتحدث باسم المفاوضات النووية 2003-2005 في عهد الرئيس "الإصلاحي" محمد خاتمي- مُنح المنفى في الولايات المتحدة وتم تعيينه باحثاً "زائراً" في جامعة أمريكية مرموقة؛ بعد أن زعم ​​أنّ الحرس الثوري الإيراني اتهمه بالتجسس. وبينما حكم على موسويان بالسجن لمدة عامين بتهمة "تعريض الأمن القومي للخطر" في إيران، تم السماح له بالسفر إلى الولايات المتحدة قبل سجنه.

ويتابع "معهد الشرق الأوسط" تحليله بالقول: بمجرد وصوله إلى "المنفى"، أظهر موسويان ولاءه الصريح للمرشد الأعلى و"واصل، وما يزال، العمل بجد من أجل نظام [الجمهورية الإسلامية]". في الواقع، كانت هذه هي الكلمات التي استخدمها ظريف لوصف صديقه العزيز موسويان في مقابلة أجريت في آذار (مارس) 2016. وقال ظريف إنه لا يصدق "اتهامات التجسس الموجهة إليه"، وأكد أنّ موسويان هو شخص "يؤمن بنظام الجمهورية الإسلامية وإيران ومرتبط به بالكامل". وأضاف أنه "في الولايات المتحدة وأوروبا وفي المؤتمرات الدولية يدافع موسويان بشكل جميل عن مصالح الجمهورية الإسلامية" لدرجة أنه إذا لم يتمكن الدبلوماسيون الإيرانيون الرسميون من المشاركة في مؤتمر بالخارج، فإنه غالباً ما يملأ الفراغ. موسويان ليس المثال الوحيد بأي حال من الأحوال. عطاء الله مهاجراني، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السابق الذي برر فتوى الخميني، التي تدعو إلى قتل الكاتب البريطاني الهندي سلمان رشدي، يعيش الآن في المنفى في المملكة المتحدة، بسبب علاقة غير قانونية في عام 2004، لكنه يواصل العمل وكأنه الناطق بلسان النظام في الخارج.

دور جديد لظريف؟

 هذا هو بالضبط الدور الذي تصوره خامنئي لظريف والتسجيل "المسرب" وضع هذا في الأفق. بالنسبة لخامنئي، من الواضح أنّ اللعبة السياسية "الإصلاحية- المتشددة" المصطنعة لخداع الشعب الإيراني لدعم النظام لم تعد تحظى بقبول داخلي في إيران، حيث من المقرر أن يقاطع ما يقرب من 78٪ من الإيرانيين انتخابات حزيران (يونيو) المقبل، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته مجموعة تحليل وقياس المواقف في إيران (GAMAAN) .

اقرأ أيضاً: وقيت ودلالات تسريبات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف

ويتابع "معهد الشرق الأوسط" تحليله بالإشارة إلى أنه مع استمرار عسكرة النظام، يبدو أن آية الله العجوز قد توصل أيضاً إلى استنتاج بأنّ ما يسمى بـ "الإصلاحيين" يمكن أن يلعبوا دوراً رئيسياً لخامنئي في الخارج كوسيلة للدفاع عن مصالح النظام، وتغذية جهود الضغط للجمهورية الإسلامية في الخارج والتأثير على السياسة الغربية تجاه نظام رجال الدين. وإن وجود ظريف- الذي يعد بلا شك أعظم رصيد لطهران في هذا الصدد- يلعب مثل هذا الدور بشكل لا يقدّر بثمن. هذا بالضبط ما يريده خامنئي منه. إن وجود ظريف في الخارج هو أكثر فائدة للجمهورية الإسلامية من وجوده في إيران، على حد قول التحليل الذي نشره المعهد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية