بين كورونا وطاعون عمواس: ماذا كان اقتراح عمر بن الخطاب؟

بين كورونا وطاعون عمواس: ماذا كان اقتراح عمر بن الخطاب؟


27/11/2021

يربط بعض الكتاب والمعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي بين فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) وطاعون عمواس، لجهة المشورة التي عمل بها الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، للتقليل من الآثار الكارثية لوباء الطاعون الذي نزل بالمسلمين سنة (18هـ/640م) وهم في أرض الشام في منطقة عمواس الفلسطينية الواقعه بين الرملة والقدس.

يكشف مؤرخون أنّ تعامل عمر بن الخطاب مع الطاعون كان في منتهى الحذر، حيث لم يدخل إلى الشام

ومثلما كان الصعود إلى الجبال حلاً لتفشي طاعون عمواس، فقد عوّل الناس على قدوم فصل الصيف بدرجات حرارة عالية كي يقتل فيروس كورونا الخطير ويوقف انتشاره إلى أن يجد العلماء لقاحاً له، ولكن، هل هذا مثبت؟
تقول عالمة الأوبئة في منظمة الصحة العالمية، ماريا فان كيرخوف "ما زلنا نتعلم الكثير عن الفيروس، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنه سيتصرف بشكل مختلف في بيئات مناخية مختلفة. يجب أن نرى ما يحدث مع تقدم هذا الأمر"، وفق "واشنطن بوست".


وبحسب منصة تدقيق الحقائق "Factcheck" التابعة لمشروع "أننبرغ" بجامعة بنسلفانيا، فإنّ فرضية اختفاء الفيروس الشهر المقبل، مع بدء درجات الحرارة في الارتفاع، ليست صحيحة.
وقال ستيفن مورس، عالم الأوبئة بجامعة كولومبيا، إنّ تحديد نيسان (أبريل) المقبل كإطار زمني لاختفاء الفيروس ربما يكون أشبه بالأمل والتمني أن يتشابه مع فيروسات الإنفلونزا الأخرى التي تتراجع حدتها في الصيف وتكون ذروتها في الشتاء، ولكننا لا نعلم مدى صحة هذا الأمر.

اقرأ أيضاً: السراج يغلق الحدود لمواجهة كورونا: ماذا عن رحلات المرتزقة؟
وتشير منصة "Factcheck" إلى أنّه ربما كان بعض هذه التوقعات لها أساس علمي، ولكن الخطورة في التعامل معها على أنّها حقيقة؛ إذ إنّ هناك فيروسات مرتبطة بالجهاز التنفسي تنحسر في فصلي الربيع والصيف، ولكن لا يزال العلماء يدرسون طبيعة كورونا المستجد.
وتوضح أنّ العديد من الفيروسات التي تصيب البشر تختفي في الأجواء الدافئة، وهذا ليس مثبتاً علمياً، لكن تبقى هذه النظرية الأكثر ترجيحاً بين العلماء.
طاعون عمواس يقتل عشرات الآلاف
قتل مرض طاعون عمواس المدمر الآلاف من المسلمين، إذ روى المؤرخ عبدالله الواقدي: "توفي في طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة وعشرون ألفاً"، وقال غيره: "ثلاثون ألفاً". من أبرز من ماتوا في الوباء صحابة النبي عليه السلام؛ أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، وسهيل بن عمرو، وضرار بن الأزور، وأبو جندل بن سهيل وغيرهم. وعُرفت تلك السنة بعام الرمادة للخسارة البشرية العظيمة التي حدثت فيها.
فبماذا نصح الخليفة عمر بن الخطاب لتجنب المزيد من الخسائر البشرية جراء الطاعون؟
في سنة 17هـ أراد عمر أن يزور الشام للمرة الثَّانية، فخرج إِليها، ومعه المهاجرون، والأنصار حتى نزل بِسَرْغٍ على حدود الحجاز والشَّام، فلقيه أمراء الأجناد، فأخبروه: أنَّ الأرض سقيمة، وكان الطَّاعون بالشام، فشاور عمر، رضي الله عنه، واستقرَّ رأيه على الرُّجوع.

اقرأ أيضاً: الصين وكورونا وأمن منطقة الخليج.. هل يفتح الوباء أفقاً جديداً؟
وبعد انصراف عمر، رضي الله عنه، حصل الطَّاعون الجارف، وكانت شدَّته بالشام، فهلك به خلقٌ كثيرٌ، ولم يرتفع عنهم الوباء إِلا بعد أن وليهم عمرو بن العاص، فخطب النَّاس، كما يذكر د. علي محمّد الصلابيّ، وقال لهم: أيُّها الناس إِنَّ هذا الوجع إِذا وقع إِنما يشتعل اشتعال النَّار، فتجنَّبوا منه في الجبال، فخرج، وخرج النّاس، فتفرقوا حتّى رفعه الله عنهم، فبلغ عمر ما فعله عمرو، فما كرهه.
وثمة رواية تقول إنّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص بالتوجه بسكان المدن إلى الجبال، فالطاعون لاينتشر عند أهل الجبال؛ عندها اختفى الوباء بهذه الحيلة.
ويكشف مؤرخون أنّ تعامل عمر بن الخطاب مع ذلك البلاء كان في منتهى الحذر، حيث لم يدخل هو ومن معه إلى الشام، كما حاول إخراج المعافين من أرض الوباء، فضلاً عن قيامه بتحمل المسؤولية كاملة بعد انجلاء هذا الوباء، فرحل إلى الشام وأشرف على حل المشكلات وتصريف تبعات هذه الأزمة.
حين بلغ خبر المرض إلى عمر
وقبل أن يبلغ خبر المرض إلى عمر بن الخطاب، كما تذكر الروايات التاريخية، كتب عمر إلى أبي عبيدة ليستخرجه منه: (أن سلام عليك، أما بعد فقد عرضت لي إليك حاجة أريد أن أشافهك فيها فعزمت عليك إذا أنت نظرت في كتابي هذا ألا تضعه من يدك حتى تقبل إلي). فعرف أبو عبيدة ما أراد، فكتب إليه: يا أمير المؤمنين قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمره وقضاءه فحللني من عزيمتك.

فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقال الناس: يا أمير المؤمنين أمات أبو عبيدة؟ فقال: لا وكأن قد. ثم كتب إلى أبي عبيدة قائلاً: ليرفعن بالمسلمين من تلك الأرض.
فسار أبو عبيدة، امتثالاً لأمر الخليفة عمر، بالناس حتى نزل الجابية، وهي قرية من أعمال دمشق من ناحية الجولان، ثم قام بهم خطيباً فقال: أيها الناس إنّ هذا الوجع رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإنّ أبا عبيدة سأل الله أن يقسم له منه حظه. ثم طعن قبل أن يتم كلامه ومات.
خروج الناس إلى الجبال
واستخلف الناس معاذ بن جبل، فقام خطيباً بعده فقال: أيها الناس إنّ هذا الوجع رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم وإنّ معاذاً يسأل الله أن يقسم لآل معاذ حظهم. فطعن ابنه عبد الرحمن فمات، ثم قام فدعا به لنفسه فطعن في راحته ومات. فلما مات معاذ استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام خطيباً في الناس فقال: أيها الناس إنّ هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبلوا منه في الجبال. وخرج الناس إلى الجبال، ورفعه الله عنهم فلم يكره عمر ذلك.

اقرأ أيضاً: كورونا بين المكايدات السياسية والتأويلات الغيبية.. هل تكسب معركة الوعي؟
ويعد الطاعون من أكثر الأوبئة فتكاً بالبشر، ويسمى "الموت الأسود"؛ نظراً لأنّ المرضى يظهر عليهم بقع سوداء نتيجة النزف الحاد للدم تحت الجلد وموت الأنسجة. وهو أول وباء حقيقي على الأرض. وقضى هذا الوباء على جماعات سكانية كاملة في آسيا وأوروبا في القرن الرابع عشر.
ومن أعراض المرض تورّم الغدد الليمفاوية، والحمى، والسعال، والبلغم الدموي، والصعوبة في التنفس. ويتسبب في هذا المرض بكتيريا عصوية صغيرة تعرف باسم يرسينيا بيستس Yersinia pestis. وتنتقل عن طريق البراغيث التي تتطفل على الجرذان، ويمكن أن تنتقل أيضاً من شخص إلى اَخر حال وصول الميكروب وصول إلى الجهاز التنفسي.


وذكر بعض المؤرخين أنّ الأوروبيين استخدموا المرضى بالطاعون كقنابل جرثومية كانت تقذف جثثهم إلى حصون الأعداء ليتفشى فيهم الطاعون ويستسلموا بسرعة. ولا زال الميكروب يصنف تحت العوامل البيولوجية المحتملة في الحروب البيولوجية.

قتل الوباء الآلاف من المسلمين، إذ روى الواقدي: توفي في طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة وعشرون ألفاً

وروى ابن كثير في الجزء السابع من كتابه الموسوعي "البداية والنهاية"، أخبار الوباء الذي ضرب بلاد الشام، وسمي طاعون عمواس؛ لأن ثمة مراحل تاريخية انتشر فيها هذا الوباء في عدة أماكن، كالبصرة مثلاً، وسمي ذلك الطاعون "الجارف" وحلّ بالبصرة سنة 69هـ/ 688م. حسبما ذكر نصير بهجت في بحثه "الطواعين في صدر الإسلام والخلافة الأموية" المنشور بمجلة جامعة كركوك، مضيفاً أنّ الطاعون وقع في عهد عبد الله بن الزبير. وسمي هذا الطاعون بـ "الجارف" لكثرة ما مات فيه من الناس، ومن أشهر من مات فيه عالم النحو أبو الأسود الدؤلي. 
وفي رواية ابن كثير، قال محمد بن إسحاق: عن شعبة، عن المختار بن عبد الله البجلي، عن طارق بن شهاب البجلي قال: أتينا أبا موسى وهو في داره بالكوفة لنتحدث عنده، فلما جلسنا قال: لا تحفوا فقد أصيب في الدار إنسان بهذا السقم، ولا عليكم أن تتنزهوا عن هذه القرية فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها، حتى يرتفع هذا البلاء، فإني سأخبركم بما يكره مما يتقى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية