تأثير سلاح "حزب الله" على نتائج الانتخابات النيابية وتداعياتها الوطنية ليس كذبة

تأثير سلاح "حزب الله" على نتائج الانتخابات النيابية وتداعياتها الوطنية ليس كذبة


21/05/2022

فارس خشّان

أما آن لكذبة إجراء الانتخابات في ظل وجود السلاح أن تنتهي (الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله 18 مايو 2022) 

لم يحصل فريق واحد في أيّ دولة في العالم، في انتخابات تعتمد التمثيل النسبي على معدّل مئة بالمائة، كما فعل كلّ من "حزب الله" و"حركة أمل" في الانتخابات النيابية التي خاضاها معاً، كما درجت عليه العادة، في الدوائر الشيعية في لبنان، يوم الأحد الماضي، حيث حصد هذا الثنائي المقاعد السبعة والعشرين المخصّصة للطائفة الشيعية، في المجلس النيابي.

ولم يستطع أيّ من المرشحين الشيعة المنافسين لهذا "الثنائي"، على قلّتهم نسبياً، أن يدخل إلى المجلس النيابي، فجميعهم فشلوا فشلاً ذريعاً، في ظاهرة أقلّ ما يمكن أن يقال فيها إنّها استثنائية... فائضة!

ثمّة من يريد أن يقنعك في الداخل والخارج بأنّ مردّ هذا النصر الكاسح والماحق الذي لا مثيل له حتى في أعتى الأنظمة ديكتاتورية، كما هي عليه حال سوريا في ظلّ آل الأسد، يعود إلى الشعبية التي يتمتّع بها هذان التنظيمان، ويدعوك إلى التعامل معه على أنّه حصاد ديموقراطي لا بدّ من الخضوع لنتائجه.

ويرفض كثيرون درس هذه النتيجة، ويتعاطون معها كما لو أنّها "تحصيل حاصل" لا بدّ من الرضوخ لها، أو مسألة طبيعية لا بدّ من التسليم بها، من دون إجراء أيّ مناقشة موضوعية ودقيقة لها، حتى من قبل هؤلاء الذين يؤتى بهم من دول عربية وغربية لـ"مراقبة" العملية الانتخابية، وفق منهجية تصلح للرحلات التي تنظّمها عادة وزارات السياحة.

أمّا المستفيدون من هذه النتيجة، فيسألون والابتسامة الماكرة ترتسم على شفاههم: إذا لم تكن لديك أدلّة على التزوير، ألا يفترض بك أن تصمت وتُقر بأنّنا نصنع المعجزات؟ 

ولا يطرح هؤلاء أسئلتهم ليحصلوا على أجوبة، إنّما يريدونك أن تطأطئ رأسك موافقاً على استثنائيتهم، وتبصم على النتيجة، كما وردت.

إلّا أنّ هذا الاستخفاف هنا وهذا المكر هناك، على الرغم مما يتسبّبان به من "إحباط ديموقراطي" لا يحولان دون إجراء مقاربة مختلفة تأخذ بالاعتبار الوقائع والقرائن المتوافرة لعموم المعنيين والمتابعين والمدقّقين.

ولهذا، فإنّ التدقيق في ما إذا كانت نتائج الانتخابات التي تنتهي إلى نتائج استثنائية جداً هي وليدة عملية تزوير متقنة، يستدعي، كما هو معروف لدى المتخصّصين في العلوم السياسية، عدم حصر النقاش بآليات فرز أوراق الاقتراع، بل يفترض التعمّق لإدراك ما كان قد سبقها على مستوى تهيئة البيئة الانتخابية.

بناء عليه، ما هي الأمور التي يمكن التوقّف عندها في تقييم نتائج الانتخابات في بيئة "الثنائي الشيعي"، والتي تدفع إلى الاعتقاد بأنّ حصاد صناديق الاقتراع لا يمكن التعويل عليه واستخراج استنتاجات ديموقراطية منه؟ 

يبدأ هذا التزوير، بسطوة "أبطاله" على يوميات الناس، بالترهيب الذي يوفّره السلاح الذي يُزعم أنّه غير موجّه الى الداخل، وبالزبائنية التي يعزّزها تغييب الدولة على يد من يُفترض بهم أن يكونوا هم رجالاتها، وبالتخوين الذي يعزل المختلف ويرميه على هامش مجتمع تمّت عسكرته على طريقة تلك المجتمعات التي سبق أن تحكّم بها النازيون الهتلريون والفاشيّون الموسوليون والكتائب الفرانكوويون وجميع من كان قد سلفهم وعاد وخلفهم.

وفي هذه البيئة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اغتيل المعارض لقمان سليم، من دون تمكين التحقيق من الوصول إلى المتورطين، وفيها توفّرت الحماية والرعاية والتعظيم لمن تمّ تجريمهم باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وفيها تمّ ترشيح أبرز مطلوبَين في ملف تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، وزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزير النقل السابق غازي زعيتر.

ويتواصل "نهج التزوير" مع ممارسة "أبطاله" شتّى أنواع الضغوط لمنع جميع من لديهم حيثية شعبية من الترشّح للانتخابات النيابية، وإذا لم يقتنعوا ففريق يحمل اسم "الأهالي" يتولى أمر هؤلاء: "ذووهم" يتبرأون منهم نظراً لمخاطرهم عليهم وعلى حياتهم وعلى مصالحهم. "جيرانهم" يطاردونهم حتى يفقدوا قدرة التواصل مع الناس. "الغيارى" يكمنون لهم وينهالون عليهم إهانات وضرباً و…قتلاً "مرجأ التنفيذ" إن لزم الأمر أو استدعت الحاجة.

وإلى هؤلاء "الأهالي" ينتسب من سبق أن هاجموا، في فاعليات "ثورة" 17 أكتوبر 2019، جمهوراً اعزل بالعصي والضرب وهم يهتفون "شيعة. شيعة. شيعة"، ومنهم خرج الذين طاردوا لائحة معارضة، في دائرة صور-الزهراني في الجنوب، واعتدوا بالضرب على بعض مناصريها وأطلقوا النار على بعض مرشّحيها، ومنعوهم من إطلاق حملتهم الانتخابية، وهم أنفسهم من يكمنون، بين فترة وأخرى، في بعض النقاط "الحسّاسة" لدوريات اليونيفيل ويعتدون عليها، ومن لدنهم خرج هؤلاء الذين هاجموا، يوماً، في الضاحية الجنوبية لبيروت، محققي لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليمنعوهم من استجواب شهود مفاتيح وليستولوا على الوثائق وأجهزة الكومبيوتر التي كانت بحوزتهم.

وتصل هذه الممارسة التزويرية إلى يوم الانتخاب نفسه، حيث تمّ طرد مندوبي اللوائح المنافسة من الأقلام التي "تمتاز" بعدم حصول اقتراع كثيف فيها، ليعود مندوبو فريق "الانتصار الاستثنائي"، بعد ذلك، إلى الانهماك في "التصويت الكثيف" عوضاً عن الغائبين والممتنعين والمقاطعين الذين ارتفعت نسبتهم في هذه الدورة إلى مستويات غير مسبوقة.

وتكون قمة هذا التزوير، عندما يحتفي هؤلاء بالنصر، فيسخرون من المهزومين، ويستخفّون بالقوى السياسية الأخرى التي، ولأنّها لا تتوافر لديها العدّة المماثلة، لم تستطع أن تنال إجماعاً كالإجماع الذي حصده "الثنائي"، ويتظلّمون من طبيعة قانون الانتخاب الذي يمنعهم من أن يمدّوا "قدراتهم الاستثنائية جداً" إلى مناطق أوسع ليحصدوا، بناء على أرقامهم، عدداً أكبر من النوّاب.

بطبيعة الحال، لا يوجد مبرّر للتوهّم بأنً "حزب الله" و"حركة أمل"، بالمعطيات اللبنانية الممتدّة منذ العام 1992، لا يملكان شعبية وازنة في البيئة الشيعية، ولكن، في المقابل، يوجد ما يكفي من أدلّة على أنّ هذا "الثنائي" يفتقد، فعلاً، حتى في ظلّ سطوة السلاح وتأثيرات "الزبائنية"، إلى النسبة التي تؤهّله للحصول على النتيجة التي يحصدها.

ولم يسبق لـ" الثنائي الشيعي" أن "سكّر" النتائج كما فعل، في هذه الدورة، حيث تحرّك وقائياً لمواجهة معطيات وطنية، كان يُمكن، لو لم يسد كلّ المنافذ، أن تنتج تعقيدات لا يريد مواجهتها.

كان من شأن أيّ خرق شيعي معارض، ومهما بدا ضئيلاً، لو حصل، أن يُهدّد، بموجب تداعيات "ثورة" 17 اكتوبر 2019، عودة نبيه برّي إلى رئاسة مجلس النوّاب، ولكانت تلك الإطاحة قد فتحت أفق المجلس النيابي على ورشة تشريعية تأخذ بالاعتبار بناء دولة حديثة، ولكانت قد حرّرت وظيفة المساءلة النيابية للحكومات والوزراء، من "أسر" المحاصصة التي يشكّل برّي، بصفته رئيساً لـ"حركة أمل" وممثّلاً ضمنياً لـ"حزب الله"، ركناً اساسياً من أركانها، ولكان انتخاب رئيس الجمهورية قد أُخرج من مزاجية احتساب النصاب الدستوري، وتخلّص من استراتيجية الإخضاع لمصلحة مرشّح "حزب الله".

إنّ المأزق الوطني الذي يمثّله الرئيس نبيه برّي لا يتّصل بشخصه ولا بثلاثين سنة مضت على احتلاله لمنصب رئيس المجلس النيابي، بل يتّصل بالدور الذي اتّفق عليه مع "حزب الله"، منذ اللحظة التي وقّع فيها برّي على "صكّ الاستسلام"، بعد خسارته الحروب التي شنّها عليه الحزب في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي.

وبرّي، مثلاً، كان من ضمن مجموعة واسعة من النوّاب الذين واجهوا فكرة انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ولكنّه، بالنتيجة، سلّم، من دون أدنى قناعة، بإرادة "حزب الله".

والسياسيون الذين تربطهم علاقات وثيقة ببرّي يعرفون أنّ الرجل لا يُترجم قناعاته أعمالاً، فجهده، بالمحصلة، مربوط بإرادة "حزب الله"، وهو، في أشجع مواقفه، يقف عند حدود الأدوار التي يلعبها عادة "المستشار المشاكس" الذي يقدّم توصياته، فإذا رُفضت، خضع لإرادة صاحب القرار.

في الأيّام القليلة المقبلة، سوف يُعاد انتخاب برّي لرئاسة مجلس النوّاب، على قاعدة أنّه مرشّح الاجماع الشيعي، ولن يكون له منافس يصب له أصواتهم هؤلاء الذين تعهّدوا في حملاتهم الانتخابية بعدم إعادة انتخابه، لأنّ هذا النموذج غير المسبوق من الديموقراطية الذي فرض نفسه على البيئة الشيعية، أقفل الباب أمام أيّ خيار بديل.

ولكن هذا لا يعني أنّه، أمام هذه المشهديّة الشمولية، لا توجد مخارج من شأنها أن تعيد رسم ابتسامة-ولو عابرة-على شفاه اللبنانيين بعدما محتها الكوارث المتلاحقة، ففي جلسة "فرض" ميشال عون رئيساً للجمهورية، خرج من اقترع لفنانة "إغراء" لبنانية، وفي جلسة "فرض" برّي لا شيء يمنع من أن يتم الاقتراع، وبنسبة عالية، لهذا النوع من البدائل على اعتباره التعبير الأفضل عن الحال التي وصلت إليها الانتخابات في بيئة تستغل الديموقراطية، وفي ظلّ مراقبين عرب ودوليين، اشتهروا بأنّهم لا يرون "أبعد من منخارهم".

لقد أنتجت الانتخابات النيابية التي شهدتها غالبية الدوائر الانتخابية، حيث ارتفعت المنافسة الى أكثر مستوياتها حدّة، نتائج يُمكن البناء عليها مستقبلاً، ولكن من شأن تغييب المعايير نفسها عن دوائر الثنائي الشيعي، وفي حال لم تتم مداواته، بسرعة، أن يعيد إغلاق نافذة التغيير ومن خلاله كلّ أمل بالإنقاذ، بعدما انهار، في ظلّ اصرار "حزب الله" على فرض إرادته على الجميع، كلّ شيء وتحوّل لبنان الى بؤرة موت سريع حيناً وبطيء أحياناً.

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية