تاريخ الإخوان كما كتبوه: كلّ الطرق تؤدّي للجماعة (5)

تاريخ الإخوان كما كتبوه: كلّ الطرق تؤدّي للجماعة (5)

تاريخ الإخوان كما كتبوه: كلّ الطرق تؤدّي للجماعة (5)


28/10/2023

سبق ظهور الإخوان على مسرح الأفكار والتنظيمات والحركات الاجتماعية والسياسية، ظهور العديد من الحركات، مثل الوهابية و السنوسية والدعوة المهدية في السودان، لكنّ الإخوان حين يؤرخون لحركتهم يسوقون ظهورها باعتبارها حركة مكمّلة لكلّ الحركات ومستوعبة لكلّ الأهداف التي نشأت من أجلها، بل ومتفوقة عليها في أنّها استفادت من الإيجابيات التي تضمّنتها وتجنّبت السلبيات التي انطوت عليها.

اقرأ أيضاً: تاريخ الإخوان كما كتبوه: قراءة بين السطور(1)

 يقول مؤلف الكتاب الذي ناقشنا مضامينه في الأجزاء الأربعة السابقة: "لقد سبقت دعوة الإخوان المسلمين كثيراً من الدعوات التي تأثرت بها دعوة الإخوان، واستطاعت الاستفادة من الجوانب الإيجابية في تلك الدعوات والتجاوز عن سلبياتها، مما كان له أبعد الأثر في نجاح دعوة الإخوان واستمراريتها رغم ما تعرضت له من صعاب".

يعتقد الإخوان أنّ مسيرة المجتمعات العربية المسلمة كانت تمضي في خطّ متصل فكرياً وسلوكياً، يسمونه الاتجاه الإسلامي، وأنّ الاستعمار بأفكاره وقيمه قطع هذا الخطّ الذي يعدّونه خطاً مثالياً

يذكر أنّ الكتاب أعدته لجنة من منسوبي الجماعة، من أساتذة أقسام التاريخ بالجامعات المصرية، وحمل عنوان "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين" بتوقيع عضو مكتب الإرشاد جمعة أمين عبدالعزيز، المعروف في أوساط الإخوان بـ"حارس الأصول العشرين" في إشارة إلى إحدى رسائل حسن البنا، الكتاب صدر عن دار نشر مملوكة للجماعة، هي دار النشر والتوزيع الإسلامية في سبعة أجزاء، حمل الجزء الأول عنوان "ظروف النشأة وشخصية الإمام المؤسس".

اقرأ أيضاً: تاريخ الإخوان كما كتبوه: الاستسلام للوهم (2)

يعدّ الإخوان الدعوة الوهابية أو الدعوة السلفية رائدة الحركات الإصلاحية، التي ظهرت، على حدّ تعبير الكتاب، إبّان عهود التخلف والجمود الفكري في العالم الإسلامي، ولا أعرف كيف يمكن وصف الوهابية بهذا الوصف، وهي التي هيّأت بيئة التطرف التي صنعت تيارات حملت السلاح وبشّرت بالعنف والتغيير بالقوة بعد ذلك! وحين قيّم الإخوان الوهابية فقد امتدحوا في أفكارها أنّها لم تكن مذهبية في أصولها حنبلية في فروعها، رغم أنّ الشيخ بن عبد الوهاب لم يلتزم بالمذهب في فتاويه، وأنّها أكّدت على ضرورة الرجوع إلى الكتاب والسنّة، وعدم قبول أيّ أمر في العقيدة ما لم يستند إلى دليل مباشر وواضح منهما، كما دعت إلى فتح باب الاجتهاد بعد أن ظلّ مغلقاً منذ سقوط بغداد (565ه)، وإحياء فريضة الجهاد، ولا أعلم ما هي مساحات الاجتهاد التي أنجزتها الحركة الوهابية؟ ولماذا لم نعاين آثارها في خطاب ديني مناسب للعصر مثلاً؟!

اقرأ أيضاً: تاريخ الإخوان كما كتبوه: أمنيات أن يكون البنا كهتلر (3)

كما امتدحوا أيضاً اهتمام الوهابية بالقضاء على البدع والخرافات، خاصة زيارة القبور، وتصدّيها لشطحات الصوفية المنحرفة وادّعاءاتها الباطلة، ويعلم الجميع أنّ التوسّع في مفهوم البدعة لدى الوهابية جعلها تحرّم العديد من الطيبات وتعادي العصر ومنتجاته، وقد ظلّ الوهابيون يحرّمون التصوير والإذاعة والتلفزيون طويلاً، ثمّ استخدموا كلّ تلك الوسائل لاحقاً في الدعاية لمذهبهم، دون أن يعتذروا عن ضيق الأفق وفساد التصوّر وتعطيل مسيرة المجتمع نحو التقدم؛ فأين هو هذا الاجتهاد الذي امتدحه الإخوان؟

يرى محمد عمارة، وهو من منظري الجماعة، أنّ ظهور الإخوان كان الخطوة الأكبر في تمكين الإسلام عبر تنظيمها الحركي، الذي نقل المشروع الإسلامي من حيز الأفكار الى الأفعال

 يبرّر الإخوان لماذا لم يلتحقوا بالوهابية ويكونوا من دعاتها وجنودها إذا كانت تتضمن كلّ تلك المزايا، بل أسسوا حركتهم المنفصلة عنها، ويتحدثون عن بعض المثالب والعيوب، التي أسموها "مآخذ". "لكن يؤخذ على هذه الدعوة جنوح بعض دعاتها إلى التعالي في بعض الأحيان، وغلبة الأسلوب الصدامي مع مخالفيهم، بدلاً من أسلوب التفاهم والتوادّ، وكادت هذه الدعوة أن تنحصر في محاربة جزئية واحدة من الدين، وهي محاربة البدع فقط.

اقرأ أيضاً: تاريخ الإخوان كما كتبوه: نور بدّدته ظلمة الجماعة (4)

بطبيعة الحال؛ هذا النقد الممزوج بالمدح يعكس رغبة الإخوان في التهام أتباع كلّ فكرة أو تنظيم، وقد أنشأوا تنظيم السرورية لاحقاً، هذا التنظيم الإخواني ذو الطبيعة السلفية في السعودية، ليكون مخزناً فرعياً لأفكارهم وحاضنة بديلة لهم، وما تزال السعودية تعاني آثار وجود هذا التنظيم وخلاياه النائمة في مؤسسات الدولة، حيث تخوض المملكة، بإشراف ودأب من وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، معركة متصلة مع تلك التنظيمات، لاستعادة ثقافة الدولة الوطنية الحديثة واستئصال هذه الأفكار الهدامة.

اقرأ أيضاً: مصادر خاصة لـ"حفريات": ترجيحات بحل التنظيم الدولي للإخوان

يتعرّض الكاتب في استعراض للدعوات التي سبقت ظهور الإخوان الى الدعوة المهدية، التي يرى أنّها واحدة من أبرز حركات الإصلاح التي ظهرت في العالم العربي والإسلامي، وقد وصفها بأنّها ذات مضمون ديني سياسي شابته بعض الانحرافات العقائدية والفكرية؛ حيث يرون أنّها تأثّرت بالشيعة في ادّعاء المهدية التي ستملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً والحديث عن الإمام المعصوم. لكن من ناحية أخرى يرون أنّه قد أخذ عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب قوله بضرورة الأخذ عن الكتاب والسنّة مباشرة، وفتح باب الاجتهاد ومحاربته لبناء القبور. ومن ناحية ثالثة؛ كان للفكر الصوفي دور مهم في رسم شخصية المهدى وطريقته، كما يرون أنّه قد أخذ عن جمال الدين الأفغاني وعن الشيخ محمد عبده الأفكار الداعية الى تحرير البلاد الإسلامية من الاستعمار الأوروبي وتوحيدها، وضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، لكنّهم يثبتون له بعض المثالب أو الانتقادات، بحسب تعبير كتابهم.

اقرأ أيضاً: خلافات جبهتيْ لندن وإسطنبول: ما موقف اخوان مصر؟

يقولون: "لقد كفّر المهدي من خالفه أو شكّ في المهدية، أو لم يؤمن به، وسمّى الزمان الذي قبله زمان الجاهلية، أفتى بأنّ من يشرب التنباك يؤدّب حتى يتوب أو يموت، وجعل المتهاون في الصلاة كالتارك لها، جزاؤه أن يقتل حدّاً، ونهى عن زواج البالغة بلا وليّ ولا مهر، ومنع النساء من لبس الحليّ من الذهب والفضة، وهي مباحة شرعاً، ثم إنّه جعل المذاهب الفقهية والطرق الصوفية مجرد قنوات تصبّ في بحره العظيم. عملياً الإخوان يعتقدون في جماعتهم وفكرتهم الأمر نفسه؛ حيث يعتقدون أنّهم التيار الأولى بالاتباع والعمل تحت رايته، يبرز هذا النص كيف أنّ هذه الحركات تحت غواية التنظيم تنشيء فقهها الخاص.

اقرأ أيضاً: القوى الناعمة ودورها في مكافحة التطرف

ثم يعرض الكاتب الدعوة السنوسية، التي كان لدعاتها نشاط كبير في ليبيا أسفر في النهاية عن توليها الملْك في ليبيا، وقد نشأت على يد مؤسسها أبو عبد الله محمد بن علي السنوسي الخطابي الإدريسي، المولود بمستغانم في الجزائر، والذي طلب العلم في العديد من حواضر العالم الإسلامي، في مكة والأزهر، وقد أخذ في الحجاز بعض الطرق الصوفية على يد شيوخها المقيمين في مكة، منها الشاذلية والفاسية والناصرية والقادرية والتيجانية.

اقرأ أيضاً: كيف تصبح السجون ميداناً لإعادة تأهيل المتطرفين التائبين؟

وعند استعراضهم أهمّ معتقدات السنوسية، أكّدوا أنّها نادت بالاعتماد على الكتاب والسنّة وتقييد التصوف بهما، واتّساع مفهوم العبادة ليشمل الدين والدنيا، وترك الاشتغال بالسياسة في أول دعوتهم، وقد ورد هذا في كتبهم وتعاليمهم، إلا أنّهم قد أقحموا في السياسة إقحاماً، خاصة أثناء جهادهم ضدّ المستعمر، وأدى ذلك إلى قيام مملكتهم سنة 1950 واعتراف العالم بها، واعتمدوا في نشر دعوتهم على الزوايا والطرق الصوفية، وإن كان منشئ الدعوة قد اعتقد بأفكار الدعوة الوهابية، وما يذمّونه في السنوسية من اتجاهها للسياسة يكاد يطابق ما فعله الإخوان، فقد أعلنوا في السنوات العشر الأولى من نشأتهم أنّهم بعيدون عن السياسة، ثم غيّروا ذلك بعد عقد واحد من نشأتهم.

اقرأ أيضاً: الإخوان ومشاهد الانقسام: أين ذهبت الربانية؟

قصد الإخوان من الإشارة إلى تلك النماذج، تصوير الواقع الفكري فقيراً إلى هذا الحدّ، مهيِّئاً لظهورهم، بل وينتظر هذا الظهور.

رأى محمد عمارة، وهو من منظري الجماعة ومشروعها السياسي، أنّ ظهور الإخوان كان الخطوة الأكبر في تمكين الإسلام عبر تنظيمها الحركي، الذي نقل المشروع الإسلامي كما يسميه من حيز الأفكار الى حيز الأفعال، وهم عبر هذا التأريخ لتلك الحركات يحاولون التأكيد أنّهم وحدهم التجلي الصحيح لأفكار الإسلام وقيمه ومشروعه السياسي، وأنّهم الحركة الأكمل.

اقرأ أيضاً: الوردي: الوعظ عندما يتعالى على المجتمع

يعتقد الإخوان، ومن لفّ لفيفهم، أنّ مسيرة المجتمعات العربية المسلمة كانت تمضي في خطّ متصل فكرياً وسلوكياً، يسمونه الاتجاه الإسلامي، وأنّ الاستعمار بأفكاره وقيمه قطع هذا الخطّ الذي يعدّونه خطاً مثالياً، وهذا الخط الزمنيّ الذي تجاوز الألف عام منذ بزوغ دعوة الإسلام في حقيقته هو خطّ بشريّ، وليس دينياً، يعبّر في النهاية عن حركة البشر بمثالية الدين وبشرية الإنسان؛ هل يمكننا أن نصف الدولة الأموية أو العباسية أو العثمانية بأنّها كانت تعبيراً أميناً عن قيم الدين وما دعا إليه من برّ وقسط، أم كانت تعبيراً عن حقيقة التدافع البشريّ بعيداً عن رايات تُرفع في سبيل حيازة دعم البسطاء وحيازة ثقتهم أو رضاهم؟

اقرأ أيضاً: هل يلزم أن يكون المثقف متسقاً مع أفكاره؟

يقول زكريا سليمان بيومي، وهو أحد الباحثين المقربين من الإخوان، في كتابه الإخوان والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية: "ظلّ الاتجاه الإسلامي يسود الحياة الفكرية والسياسية المصرية منذ الفتح الإسلامي، حتى مجيء الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، حيث خلّفت وراءها بذور الفكرة الوطنية التي أخذت صورة قومية نافست الاتجاه الإسلامي، فعلى الرغم من أنّ هذه الحملة لم تمكث في مصر سوى سنوات ثلاث، إلا أنّ آثارها الفكرية، التي تمثلت في طرح الأفكار الوطنية واكتشاف علمائها لحجر رشيد وفكّ رموز اللغة الفرعونية، كان له أكبر الأثر في ظهور بوادر الفكرة الوطنية ثم القومية".

اقرأ أيضاً: خطورة الخلط بين التديّن والتطرّف

هنا يصوّر اكتشاف الأمة لذاتها واتصال خطّها الحضاري باعتباره أمراً سلبياً مزعجاً ومهدداً لهوية الأمة، التي يعتبرونها هوية إسلامية تمّ العدوان عليها بهذه الأفكار الوطنية والقومية التي يعدونها تدبيراً استعمارياً.

وهكذا، وبتلك الطريقة، تشعل الجماعة معركة الهوية، التي كانت في تقديري أكبر خطة إشغال بدّدت طاقة الأمة وضبّبت طريقها نحو النهوض، طويلاً تحت دخان معركة الهوية التي ألبسوها لباس الدين، يوم أطلق عنوان الصراع بديلاً عن عنوان التعاون الذي حثّنا المولى عليه "ونشرت ثقافة الكراهية التي أبدت القطيعة والصراع المخالف للتوجيه الإلهي: {وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.

اقرأ أيضاً: لماذا يكره السلفيون التصوف؟

إبراز التناقض بين الدّين والدولة الوطنية، واعتبار أنّ ما يواجه البشر في مسيرتهم على الأرض من تحديات، تتباين استجاباتهم نحوها بحسب رصيدهم من القيم والأفكار، باعتباره انحرافاً عن أصل الدين، وأنّهم هم وحدهم من اكتشف هذا الخلل وسعوا إلى إصلاحه عبر إعادة المسار الصحيح للمسلمين الذين ضلّوا الطريق حتى بزغ فجر الجماعة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية